شركات تستغل أسماء سعوديين لإكمال نسب السعودة وتلحق أضرارا بالشباب

مسجلون على أنهم يعملون فيها.. وتفوتهم فرص وظيفية أخرى لهذا السبب

شبان سعوديون يملأون ملفاتهم خلال إحدى حملات التوظيف في جدة («الشرق الأوسط»)
TT

حوّل استغلال الشركات موظفيها السعوديين بشكل وهمي من أجل رفع نسب السعودة لديها هؤلاء الموظفين من أصحاب حق إلى دائنين على خلفية محاولاتهم إسقاط أسمائهم في التأمينات الاجتماعية بهدف رغبتهم بالعمل لدى منشآت أخرى، غير أن ذلك الاستغلال قد يضطرهم إلى استخدام «وسيط» عله يستطيع إقناع تلك الشركات بإعطاء المتضررين منها حقوقهم في أسرع وقت ممكن.

وعلى الرغم من أن نظام العمل يقضي بتسجيل الموظف في التأمينات الاجتماعية بعد مرور ثلاثة أشهر على توظيفه، فإن ذلك لم يحدث مع أحمد الزهراني إلا بعد أن تم فصله من الشركة بشكل وصفه بـ«التعسفي».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بعد تعرضي للفصل من قبل الشركة، تقدمت بوظيفة في أحد البنوك التي عملت معها لنحو شهر، غير أنهم وجدوا اسمي مدرجا في التأمينات الاجتماعية كموظف في جهة العمل الأولى، مما أدى إلى استغنائهم عني».

وأضاف: «لم يقتصر الأمر على تسجيلي بشكل وهمي في التأمينات الاجتماعية، وإنما تم إدراج معلومات أحد زملائي الذين تركوا العمل تحت رقم هويتي، وهو ما أوقعني في موضع شك من قبل البنك كوني كنت أعمل في موقع حساس لديهم».

وذكر أنه قام بمراجعة التأمينات الاجتماعية التي أحالت معاملته إلى المكتب الرئيسي لها في الرياض باعتبار أن المعلومات تم تسجيلها هناك، إلى جانب مخاطبتها الشركة منذ أكثر من شهر، غير أنه لم يحصل على رد حتى الآن.

بينما فوجئ نايف الزهراني بعد مرور 4 سنوات بوجود اسمه في مكتب العمل كموظف لدى شركة عمل فيها قرابة 6 أشهر واستقال منها بهدف التفرغ لدراسته، إلى جانب حصوله على إخلاء طرف من قبلها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تقدمت إلى إحدى الشركات بعد تخرجي وتبين أنني ما زلت مسجلا في التأمينات الاجتماعية التي طلبت مني مراجعة الشركة لإسقاط اسمي، غير أنهم أخبروني بأنهم قاموا بذلك منذ أن استقلت».

وأشار إلى أن مكتب العمل طلب منه رفع خطاب للغرفة التجارية الصناعية بهدف التأكد من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية للشركة، بالإضافة إلى حصوله على خطابين من التأمينات الاجتماعية، غير أن الشركة أخبرته بضرورة مراجعة الفرع الرئيسي لها في جدة، مبينا أنه يحاول منذ أكثر من شهر للوصول إلى حل للمشكلة.

ومن منطلق المقولة الشهيرة «تعددت الأسباب والموت واحد»، وعلى الرغم من اختلاف حالته عن الذين سبقوه، فإن أحد الموظفين في القطاع الخاص، فضل عدم ذكر اسمه، ما زال يسعى إلى تسجيل اسمه في التأمينات الاجتماعية منذ نحو 5 سنوات.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بعض زملائي لم يتم تسجيلهم في التأمينات، إلا أن رواتبهم الشهرية تخضع لنظام خصم قيمة التأمين، الأمر الذي جعلنا نخاطب الشركة دون جدوى».

ولفت إلى أن ذلك جعل عددا من الموظفين يرفضون إدراجهم في التأمينات الاجتماعية خوفا من خصم المبالغ من رواتبهم دون جدوى، مبينا أن إجمالي المبالغ المخصومة من راتب أحد زملائه الذي يعمل منذ نحو 3 سنوات بلغ نحو 8 آلاف ريال.

وفي هذا الصدد، أدخلت وزارة العمل نظاما جديدا في بوابتها الإلكترونية يتيح للفرد معرفة ما إذا كان اسمه مدرجا ضمن قائمة الموظفين في إحدى الشركات المسجلة لديها، وذلك من خلال إدخاله رقم بطاقة الأحوال المدنية والتأكد من ذلك.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور مفرج الحقباني، وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير، أن ذلك النظام من شأنه أن يخضع الفرد لنوع من الرقابة الذاتية، إضافة إلى التخلص من مبدأ الجهالة الذي يعتقده بعض الناس.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الوزارة في طور تقديم خدمة إدخال رقم بطاقة الأحوال المدنية عبر رسالة جوال نصية تحقق الهدف ذاته»، لافتا إلى أن ذلك الإجراء يعد احترازيا ويسهم في خلق نوع من الردع الوقائي لإمكانية استغلال الشركات بعض الأسماء بشكل وهمي.

وأشار إلى أن وزارة العمل تطبق عقوباتها على الشركات بشكل مستمر، غير أنه لا توجد إحصائية دقيقة بعدد المخالفات، مبينا أن الوزارة تبادر مباشرة بمجرد التثبت من مثل تلك الحالات.

وأضاف: «إن إثبات خصائص المشكلة سهل جدا، غير أن الوزارة مطالبة بالتقصي جيدا لضمان حقوق الطرفين في القضية، كي لا يكون هناك مجال للتجاوز في إجراءات الوزارة».

وفيما يتعلق بالعقوبات المترتبة على استغلال الشركات أسماء موظفين بشكل وهمي بهدف رفع نسب السعودة لديها، أفاد وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير بأنه إذا ثبت للوزارة مثل هذه المخالفات فإنها توقف صلاحية الشركة في الاستقدام لمدة 5 سنوات، معتبرا أن هذه العقوبة تعد من أكبر العقوبات التي تواجهها الشركات، على حد قوله.

واستطرد في القول: «يتم حرمان الشركة من الاستفادة مما يترتب على مخالفتها من نتائج، إذ تخفض نسبة السعودة لديها إذا ما كان الهدف من المخالفة رفعها، أو حتى إلغاء شهادة السعودة التي قد تمتلكها الشركة»، مؤكدا على أن المخالفات تحرم مرتكبيها من الفائدة المرجوة منها.

وحول إمكانية تطبيق عقوبة إيقاف نشاط الشركة المخالفة في مثل هذه الحالات أبان الدكتور مفرج الحقباني أن ذلك الإجراء قد يكون فيه تعدٍ على الآخرين، ولكنه استدرك قائلا: «في النهاية ارتكبت الشركة هذه المخالفة من أجل رفع نسبة السعودة لديها وبالتالي السماح لها بالاستقدام، إلا أن معاقبتها بتخفيض تلك النسبة وحرمانها من الاستقدام يعد أكبر أنواع العقوبة»، مؤكدا في الوقت ذاته أن إجراءات إسقاط اسم الموظف من التأمينات الاجتماعية لا يستغرق وقتا طويلا، على حد قوله.

من جانبه أكد صالح التركي، رجل الأعمال السعودي، أن استغلال الشركات بعض الأسماء بشكل وهمي من أجل رفع نسب السعودة لديها يعد من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع الاقتصادي، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تلك الشركات تعد قليلة. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه المخالفات تضر بالمجتمع والتنمية، إلى جانب ضررها للشباب على المدى البعيد، والمتمثل في حرمان بعضهم من وظائفهم، وتعويد الكوادر على الخمول والكسل».

وأبان أن الجزاءات التي تضعها وزارة العمل تعد قاسية، لا سيما أن منع الشركة من الاستقدام وإغلاق ملفها في الجوازات ومكتب العمل بشكل مؤقت من شأنه أن يؤثر عليها من حيث النمو، الأمر الذي يجعلها قد عوقبت بما فيه الكفاية.

وأضاف: «لا يمكن تطبيق عقوبة إيقاف نشاط الشركة نتيجة وجود موظفين آخرين بها، غير أنه في حال تكرارها للمخالفات واستخدامها أسماء وهمية فإنه لا بد من إيقافها».

فيما حمّل الدكتور عبد الإله الساعاتي، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة والخبير في مجال التأمينات وزارة العمل، مسؤولية التأخر في البت في مثل تلك القضايا.

وقال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن بطء اتخاذ الإجراءات حيال ذلك يعد مسؤولية وزارة العمل التي من المفترض أن تحدد إجراءاتها المتعلقة بمثل هذه الأمور، إلا أنه من المؤسف فعلا أن تستغرق تلك القضايا وقتا طويلا ليضل الفرد معلقا حتى ينتظر قراره».

ويرى أن حل هذه القضايا لا يحتاج كل هذا الوقت، باعتبار أن العملية «سهلة» إذا ما استخدمت تطبيقات آلية، التي من خلالها يتم الحصول على إجابة فورية في ظل مخاطبة الشركة التحقيق معها بشكل فوري وعاجل، مؤكدا أن تحديث الوزارة إجراءاتها باستمرار يضمن السرعة المطلوبة لإنهاء البت في القضايا.

وأضاف: «إن إدخال آليات تقنية من شأنه أن يقلل حجم تلك التجاوزات، وعلى الرغم من أنها لم تعد بالصورة الكبيرة التي كانت عليها خلال الفترات الزمنية الماضية، فإنه لا بد من النظر إليها من الجوانب كافة، والمتضمنة ضرورة مواكبة السعودة للإعداد والتدريب المهني الجيد، إضافة إلى ما يتعلق باستخدام التقنية».

وذكر أن تلك المخالفات غالبا ما تصدر من المؤسسات الصغيرة في ظل سعيها لتحقيق متطلبات السعودة المطلوبة منها بهدف إنجاز أي معاملة من معاملاتها الإجرائية في الإدارات الحكومية المعنية ومنها وزارة العمل.

واستطرد في القول: «نتيجة لذلك تلجأ هذه الشركات إلى الحيل نتيجة افتقار فئة من السعوديين للانضباط والكفاءة والالتزام، مما يؤدي إلى التعاقد معهم من أجل استيفاء متطلبات السعودة، وليس الاستفادة من الشاب السعودي كموظف بها».

وأفاد عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة والخبير في مجال التأمينات بأنه يصعب على أي جهة حكومية القيام بالعمل الإشرافي والرقابي الدقيق في ظل وجود عشرات الآلاف من الشركات، مطالبا بضرورة العمل وفق تطبيقات تقنية دقيقة لتحقيق هدف المواكبة والفعالية المطلوبة.

وزاد: «لا بد من استخدام أجهزة الحاسبات وبرامجها والإنترنت وتطبيقاتها للوصول إلى مراقبة لصيقة ومتابعة دقيقة، خصوصا أن هناك برامج حاسبات من الممكن تطويرها بحيث تستطيع الجهات المعنية أن تقف على حقيقة الوضع وتقليص المشكلة إلى أقصى قدر ممكن».

وشدد على أهمية رفع مستوى كفاءة السعوديين بالتدريب الذي لا يقتصر على الإعداد المهني فحسب، وإنما يشمل أخلاقيات العمل ومهارات التواصل، بحيث يكون الشاب ملتزما ومنتظما ويعرف قيمة العمل، معتبرا أن هذا الأمر يعد علاجا لأساس المشكلة، بحسب قوله.

وطالب وزارة العمل بضرورة اتخاذ عقوبات أكثر تأثيرا، على الرغم من أن إيقاف الاستقدام لمدة 5 سنوات ليس سهلا، إلا المعايير العقابية الجزائية الأكبر منها لا بد أن تكون موجودة إذا ما كانت مخالفة الشركة مقصودة، ومن ضمنها فرض غرامات مالية وتعويض الأفراد المتضررين، واصفا تجاوزات الشركات بـ«الجناية» في حق الفرد.

خالد الحمود، مدير عام إحدى الشركات الخاصة في جدة، يرى أن تسجيل الشركة موظفيها السعوديين في التأمينات الاجتماعية لا يعود بأي فائدة عليها سوى في زيادة نسبة السعودة لديها، خصوصا أنها تدفع ما نسبته 9 في المائة على كل موظف لديها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يتم تسجيل الموظف مباشرة في التأمينات الاجتماعية من قبل الشركة عن طريق مكتب العمل»، لافتا إلى أن تلك الإجراءات تعد سلسة وسهلة للغاية. وبين أن إسقاط اسم الموظف بعد تركه للعمل في الشركة يتم إما عن طريق الشركة التي تحيل خطاب إنهاء خدمته إلى التأمينات، أو من خلال الموظف نفسه عند مراجعته لهم ليتم ذلك مباشرة. وأضاف: «تأخير إجراءات إسقاط الاسم عائد إلى جهل الموظف نفسه بالأنظمة أو تعمده الاستفادة من دفع الشركة عنه قيمة التأمينات لفترة معينة بعد تركه العمل»، مشيرا إلى أن ذلك الإجراء يعد مسؤولية الطرفين ولا يخضع لآلية معينة.

ولكنه استدرك قائلا: «إن الشركة في النهاية تعد قطاعا خاصا وتهمها مصلحتها، خصوصا إذا ما كانت نسب السعودة لديها ضعيفة، إلا أنه في حال تحقيقها نسبا قوية فإنه من صالحها فعل ذلك بشكل سريع، لا سيما أنه محسوب عليها، عدا الغرامات التي قد تتحملها في حال تأخرها».

من جهته أوضح عدنان الصالح، المحامي والمستشار القانوني، أن تلاعب الشركات بدأ منذ إصدار قرار الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، قبل نحو 5 سنوات، الذي يقضي بدعم نسب السعودة في القطاعات الخاصة والتأكيد عليها.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت بعض المؤسسات والشركات الخاصة بالتلاعب في نسب السعودة عن طريق كتابة أسماء وهمية بقوائمها في التأمينات الاجتماعية من أجل تغطية النسب المطلوبة»، لافتا إلى وجود طلاب جامعيين فوجئوا بوجود أسمائهم في التأمينات بعد تخرجهم.

وأشار إلى أن الحديث عن السعودة الوهمية أمر لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار لما يترتب عليه من أضرار على الوطن والمواطن، معتبرا هذا النوع من التجاوز بمثابة «جريمة» يجب تصنيفها ضمن الجرائم الكبرى في حق المواطن، التي تستدعي استصدار قرارات وأنظمة حاسمة وغرامات مالية على شركات القطاع الخاص المخالفة.

وحول أهم التفاصيل للإجراءات النظامية المتخذة في مثل تلك الحالات، أفاد بأن مكتب العمل يختص بهذا النوع من القضايا، غير أنه يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض جراء استغلال اسمه بطريقة غير مشروعة، مؤكدا أن الحق العام لا يسقط حتى في حال قبول المتضرر بأي تسوية من قبل الشركة.

وأضاف: «يحق للدولة رفع دعوى الحق العام وإنزال العقوبة المناسبة في مثل هذه القضايا كونها تندرج تحت مسمى الخيانة والتحايل على قرارات الدولة الداعمة للسعودة»، مؤكدا على حق المتضرر المطالبة بمرتباته طوال مدة تصنيفه من قبل الشركة أو المؤسسة كموظف على رأس العمل.

وطالب المحامي والمستشار القانوني بضرورة سن قوانين وتشريعات للحد من مثل تلك المخالفات وعدم الاكتفاء فقط بالغرامات المالية، وإنما من المفترض أيضا إلغاء التراخيص التي تم منحها للشركة وحرمانها من الامتيازات ودخول المناقصات، إلى جانب إدراج اسمها في القائمة السوداء.

واستطرد في القول: «لا بد من استصدار قانون شامل للتعويضات كي يتماشى مع الواقع الحالي ويسهم في الحد من تجاوزات القطاع الخاص واستغلاله المواطن البسيط، عدا عن ضرورة حرمان الشركة المخالفة من استصدار التأشيرات»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مثل هذه التجاوزات أصبحت ظاهرة لا بد التصدي لها بحزم.