ابن إدريس الرافض للقضاء وكاتب الافتتاحيات الجريء والشاعر الرومانسي على مشارف التسعين

كرمه الملك أمس في الجنادرية بعد أن اختار الأدب والكتابة حرفة له وقدم شعراء بلاده إلى العالم

عبد الله بن إدريس
TT

كرم الملك عبد الله بن عبد العزيز مساء أمس الأربعاء مع انطلاقة المهرجان الوطني للتراث والثقافة في عامه الـ25، الشيخ عبد الله بن إدريس الذي تم اختياره شخصية المهرجان لهذا العام، وستقام اليوم الخميس ندوة عن ابن إدريس وذلك في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الأنتركونتيننتال، يتحدث فيها المشاركون عن حياة شخصية العام الثقافية وسيرته الأدبية والعلمية في محطات متعددة طيلة ثمانية عقود خدم فيها الأدب والثقافة وأثرى المكتبة بمؤلفات وطروحات كان لها صدى طيب لدى المتلقي.

وتميز المكرم بتعدد مواهبه فهو شاعر مبدع وناقد كبير وصحافي متميز، وكاتب لافت ومؤلف قدم كثيرا من المؤلفات يأتي في طليعتها كتاب «شعراء نجد المعاصرون» الذي قدم فيه للعالم العربي شعراء وسط الجزيرة العربية، كما رأس النادي الأدبي في الرياض الذي كان أحد مؤسسيه لمدة 23 عاما، كما أنشأ صحيفة «الدعوة» التي تحولت فيما بعد إلى مجلة أسبوعية واشتهرت أثناء رئاسة ابن إدريس لها بافتتاحياتها الجريئة التي كان يكتبها وكانت تذاع أحيانا في عدد من المحطات الإذاعية العربية والعالمية.

تلقى ابن إدريس تعليمه على يد مفتي الديار السعودية الراحل الشيخ محمد بن إبراهيم قبل إقرار التعليم النظامي في البلاد، وبعد افتتاح المعهد العلمي بالرياض الذي يعد أول مظهر من مظاهر التعليم النظامي في منطقة نجد التحق به واحتسبت دراسته على يد الشيخ ابن إبراهيم مرحلة ثانوية ليلتحق بكلية الشريعة ويتخرج منها، ويتم اختياره بسلك القضاء، لكنه رفض ذلك رغم أنها مهنة لها قيمتها وحضورها ويتهافت المؤهلون على إشغالها، وجاء رفض ابن إدريس لمهنة القضاء من منطلق عزوفه عن الظهور بمظهر الرجل صاحب القول المطلق والحكم القاطع كما لم يكن يرى نفسه في موقع يتحتم عليه أن يصدر فيه أحكاما على الناس كما عبر عن ذلك الناقد الدكتور عبد الله الغذامي، وهو ما انسحب على أسلوب الشيخ في حياته راسما صورة جميلة بشخصيته المتأدبة خلقا ومسلكا.

أنجز ابن إدريس دواوين شعرية أبرزها «في زورقي» الذي طبع قبل 27 عاما، و«إبحار بلا ماء» الذي أخرجه قبل 12 عاما إضافة إلى كتابين هما «عزف أقلام» و«الملك عبد العزيز كما صوره الشعراء العرب»، مع كتابه الرائد «شعراء نجد المعاصرون» الذي أصدره قبل نصف قرن ووجد صدى كبيرا لدى المتلقين كونه يعد أول بحث يصدر عن الشعراء المعاصرين في نجد واحتوى الكتاب تصنيفات ومصطلحات للشعراء لم تكن مألوفة في المشهد الثقافي السعودي مثل الواقعية والرومانتيكية والكلاسيكية.

رأس الشيخ عبد الله بن إدريس جريدة «الدعوة» قبل 46 عاما وكانت صحيفة شاملة تتناول السياسة والاقتصاد والاجتماع والرياضة والفنون رغم أنها أقرت تحت مظلة دينية وعدت في وقتها من الصحف الجريئة وكان مؤسسها ورئيس تحريرها قلما جسورا وكاتبا شجاعا بل إن افتتاحياتها التي يكتبها ابن إدريس تذاع في كثير من الأحيان في عدد من المحطات الإذاعية مثل إذاعة «لندن» و«صوت أميركا» و«صوت العرب» من القاهرة وإذاعة «بغداد» وإذاعة «الكويت» وكانت أغلب هذه الافتتاحيات تتناول جوانب سياسية علما بأن الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية في ذلك الوقت هو من طلب من ابن إدريس إنشاء الصحيفة وكان أكبر داعم لها ولا يذكر ابن إدريس أن الشيخ اعترض فيها على شيء.

وكشف ابن إدريس عن موهبته الشعرية وتألقه وحضوره القوي فيها في سن مبكرة عندما فاز قبل 50 عاما بجائزة مسابقة شعرية نظمتها إذاعة «لندن» وشارك فيها 1800 شاعر من مختلف الدول العربية، وتميز شعره بالجودة وكشفت قصيدته التي كتبها الشاعر قبل أكثر من عام في مناجاة زوجته عن حس وجداني غير مألوف في بيئة الشاعر مما دعا الشاعر والوزير غازي القصيبي إلى أن يعلق على القصيدة بقوله: «هذه ربما تكون أول وأجمل قصيدة رومانسية كتبها شاعر من صحراء نجد في زوجته، وهو على مشارف الـ90 من عمره في بيئة نجدية لا يكاد الإنسان يسامر زوجته داخل بيته فكيف يفعل ذلك شعرا وأمام الملأ»، وجاءت مناسبة القصيدة كما يقول شاعرها: «حصل بيني وبين زوجتي أم عبد العزيز توافق في المرض، كل منا صار عنده الضعف الصحي ولا ندري من سيرحل أولا وخرجت القصيدة وكانت على مستوى جيد والحمد لله ولهذا صار لها صدى عجيب».

وجاء في القصيدة:

* أأرحل قبلك أم ترحلين ـ وتغرب شمسي أم تغربين

* سلكنا سويا طريق الحياة ـ وإن شابه كدر بعض حين

* حياتي بدونك حر وقر ـ وأنتي على صدق ذا تشهدين.

عمل ابن إدريس في عدة قطاعات وفي أكثر من نشاط بدءا برئاسته تحرير جريدة «الدعوة»، ثم مسؤولا عن المجلس الأعلى لرعاية الإعلام والعلوم والآداب في وزارة المعارف، ثم أمينا عاما بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم تولى رئاسة النادي الأدبي بالرياض بناء على طلب من الأمير سلمان بن عبد العزيز، وظل فيه نحو 23 عاما حتى استقال منه قبل 9 سنوات.