مصرفيو الجنادرية: الأزمة المالية فتحت أسواقا جديدة أمام التعاملات الإسلامية

أكدوا أن الاقتصاد الإسلامي دفع فرنسا لتغيير قوانينها المالية وأن تعثر البنوك الأميركية منطقي

TT

أكد اقتصاديون سعوديون أن نجاة المصرفية الإسلامية من تداعيات الأزمة المالية، فتحت أسواقا جديدة لأنظمة الشريعة للدخول في بلدان كانت محجمة عن استخدام التعلامات المالية الإسلامية. وقال الاقتصاديون إن دولا مثل فرنسا المحجمة عن التعامل بالمصرفية الإسلامية، تريد أن تغير قوانينها المالية وتدفعها لإصدار صكوك إسلامية، وأن تعثر البنوك الأميركية «منطقي» ويدفع الخبراء المصرفيين الإسلاميين نحو المشاركة الفاعلة لاحتواء تلافيف الأزمة وأضرارها.

وأوضح الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي أن المصرفية الإسلامية تجتمع مع المصرفية التقليدية في قواسم مشتركة تتمثل في وجود الصندوق التمويلي للحاجة المادية، ولكن طريقة التمويل هي التي توضح التشعب والفوارق بين الإسلامية والتقليدية، حيث إن التقليدية ليست لها طريقة في التمويل للمنتجات وغيرها، فهي تقتصر على تقديم المال لاستعادته بمال أكثر منه وبآجل يتم الاتفاق عليه، وأن هذه الطريقة ليست إلا «ربا وغررا وأكلا لأموال الناس بالباطل وجهالة وقمارا»، مفيدا أن المصرفية الإسلامية تعتمد على الوضوح والحقائق وعلى البعد عن كل سبب من أسباب أكل أموال الناس بالباطل.

وجاء حديث ابن منيع في معرض ندوة علمية شارك فيها بعنوان: «حلول إسلامية للأزمة الاقتصادية العالمية»، التي نظمتها جامعة أم القرى مساء أول من أمس، على هامش فعاليات مهرجان الجناردية، بحضور الأمير الدكتور خالد بن فيصل بن تركي آل سعود وكيل الحرس الوطني للقطاع الغربي، وذلك في المدينة الجامعية بمكة المكرمة. وساق ابن منيع مثلا على أن من أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية اعتماد البلدان التي تعرضت لويلاتها على بيوع الاختياريات والتمويلات واعتبار النقد والعملات سلعا يمكن البيع فيها والشراء، حيث إن العمل بهذه الطريقة جعل العالم يحجم عن الإنتاج الفعلي ويرتكز على التعامل النقدي بالنسبة للراغبين في زيادة رأس أموالهم.

كما أشار إلى أن من الأسباب بيوع الديون، التي عجزت الضمانات عن سدادها، والتي ترفضها المصرفية الإسلامية حيث إن الإسلام يرفض بيع الدين بالدين لدخولها تحت ما يعرف بالمصارفة، وأوجب أن تكون المصارفة مبنية على التقابض والتساوي في مجلس العقد.

من جانبه، أوضح الدكتور عبد الستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية لـ«مجموعة دلة البركة» وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وساق أبو غدة أمثلة متعددة على أن التمويلات التي اتبعتها المصارف التقليدية كانت ربوية وبعيدة كل البعد عن أخلاقيات التعامل والشفافية والإفصاح في العمل البنكي الذي يقوم على الأمانة والائتمان.

وبين أبو غدة أنها عملت على تسهيل التمويلات لشراء المساكن مقابل فوائد في البدء كانت قليلة، ثم تضاعفت الفوائد المركبة ورفعت بقرارت مالية وسياسات اعتقد صناعها أنها ناجحة، الأمر الذي ترتب عليه عجز المدينين وتعثرهم عن سداد الالتزامات، مما أدى إلى حجز مساكنهم والاستيلاء على رهونهم التي قدموها مقابل الحصول على التمويلات، وهو ما يخالف الشريعة الإسلامية، التي دعت إلى عدم إغلاق الرهن، وأنه لمالكه، له غنمه وعليه غرمه.

وأشار إلى أن «المصرفية الإسلامية التي أوضحها الفقه الإسلامي، الذي يحتوي ربعه على طرق التعاملات المالية في الإسلام، تطورت وتوسعت بشكل ملحوظ في عدة بلدان عالمية، مشيرا إلى أن في بريطانيا الآن نحو أربعة بنوك إسلامية، وبنكا واحدا في كل من جنوب أفريقيا والبوسنة، كما أن شركات التأمين التكاملي التي تساعد على حماية الأموال تتوجه الآن لإعادة هيكلة أنظمتها المالية وتحويلها للإسلامية». وأوضح أنه على الأمة الإسلامية أن تتحمل الأمانة فيما يتعلق بنقل النظام الاقتصادي الإسلامي للعالم، وأن تقوم بمعالجة العالم المتأثر بالأزمة المالية من محتويات صيدلية الإسلام وفقه المعاملات، مؤكدا أن الزيارات التي قامت بها البنوك الإسلامية لدول الغرب جعلت فرنسا المحجمة عن التعامل بالمصرفية الإسلامية تريد أن تغير قوانينها المالية وتدفعها لإصدار صكوك إسلامية.

وأكد أن البنك الدولي بات يدعم وضع معايير للتمويل الإسلامي، حيث قام كبار مستشاريه أخيرا بزيارة البنك الإسلامي للتنمية للاطلاع على آليات التعامل فيه، خاصة فيما يعنى بصيغ العقود في التعاملات المالية وفقا لظوابط المصرفية الإسلامية. من جانبه، أكد الدكتور عز الدين خوجه الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، الذي قدم الورقة الثالثة في الندوة، أن من شأن الأزمة المالية العالمية تشكيل نقاط تحول مركزية في مسيرة وتاريخ الصيرفة الإسلامية، معللا السبب بكون صناعة الصيرفة الإسلامية منذ نشأتها شهدت نموا متسارعا.

وقال إن حجم أصول البنوك الإسلامية في 2008 بلغ نحو 750 مليار دولار، وقدر في عام 2009 بنحو 825 مليار دولار، بنسبة نمو مقارنة بلغت 30 في المائة بـ2008 ، كما أن الصناعة المالية الإسلامية في دول الخليج بلغ حجمها في 2008 نحو 253 مليار دولار في 2008 وقدرت في 2009 بـ260 مليار دولار، وأن النمو المتسارع في الصناعة المالية الإسلامية رغم تأثر سيولتها خلال الأزمة العالمية دفع بالمؤسسات المالية العالمية للتوجه نحوها، وتحاول أن تبدأ في تقديم المنتجات المالية الإسلامية. وأضاف خوجه أن اهتمام المؤسسات العالمية بالمصرفية الإسلامية كان قبل الأزمة يعتبر اهتماما كميا ومصلحيا للمؤسسات المالية العالمية في تقديم المنتجات المالية الإسلامية، إلا أن الاهتمام بعد الأزمة شهد نقطة تحول وأصبح اهتماما فكريا ونوعيا، وذلك لأن الذين أصبحوا ينادون بالنظر في تجربة المصارف الإسلامية، هم رجال الفكر والاقتصاد ورجال الأعمال، وأن هؤلاء الخبراء المتخصصين العالميين، كل حسب مجال، تخصصه عاودوا حساباتهم بعد حدوث الأزمة. وأوضح أن «كل واحد من أولئك الخبراء ذهب لمراجعة الكثير من المفاهيم والأسس والمسلمات التي كانت مقدسة لديه، وأصبحوا ينادون بالنظر في مفاهيم وأسس جديدة لأنظمتهم المالية، وأنهم أثناء ذلك وجدوا أن منظومة المصرفية الإسلامية تشكل بديلا ونموذجا مغايرا يحتاج النظر إليه والاستفادة منه». وقال: «إن عدد المؤسسات المالية التي أعلنت إفلاسها منذ مطلع 2010 بلغ نحو 37 مؤسسة، وأن حجم المؤسسات التي أعلنت إفلاسها منذ بداية الأزمة يفوق 250 مؤسسة مالية»، مشيرا إلى إن الأزمة العالمية حدثت لعدة أسباب، ومن أهمها «دورة جهنم الاقتصادية»، التي قال عنها:« إن هذه الدورة هي عبارة عن قيام البنوك باستقطاب الأموال من المودعين، ومن ثم إقراضها للمدينين بفائدة، الأمر الذي بدوره يحول النقود إلى ديون، ومن ثم بيع الديون عن طريق التوريق».

وأفاد أن حجم المشتقات المالية في العالم يبلغ نحو 600 تريليون دولار، وأن الناتج المحلي العالمي لم يصل إلا إلى 65 تريليون دولار في 2008، وهو الأمر الذي يكشف أن الثروة الحقيقية لا تشكل شيئا بجوار حجم المشتقات، الذي يفوقها بنحو عشرة أضعاف».

وأكد أن الأرقام تذهب لتوضح أن الأمر بات في غاية الخطورة في الوقت الحالي، وهو ما يوجب على العالم أن يقوم بمراجعة الأمور المالية المعقدة القائمة على الغرر والمراهنات، مشيرا إلى أن حجم الفساد في العالم يبلغ نحو خمسة في المائة من الناتج المحلي، وهو ما يؤكد أن حجم الفساد العالمي يقدر بنحو أكثر من 3 تريليونات دولار، منها تريليون دولار تمثل الرشى الموجودة على مستوى العالم. واختتم الدكتور سامي السويلم، كبير الاقتصاديين بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، من خلال ورقته التي جاءت بعنوان «الأزمة المالية العالمية – رؤية إسلامية»، وقال إن «البشر يعجزون عن وضع الشريط الفاصل في الأنظمة المالية الوضعية بين المديونية المقبولة التي يحتاجها الاقتصاد والضرورية للنشاط الاقتصادي وبين المديونية التي تؤدي إلى تدمير النظام المالي والنظام الاقتصادي، وإن عقول البشر لن تمكنهم من الوصول إلى هذا المرتكز الذي أوضحت آلية وضعه جميع الأديان السماوية».