70% من إعلاميي الخليج يرون أن التطرق للاختلافات المذهبية «خط أحمر»

نتائج دراسة أعلنت في الرياض خلال ندوة الإعلام السياسي العربي بين الحرية والمسؤولية

حضور جماهيري كبير لفعاليات مهرجان الجنادرية 25 المختلفة (تصوير: خالد الخميس)
TT

أظهرت نتائج دراسة، تم الإعلان عنها في العاصمة الرياض، أمس، أن نحو 70 في المائة من إعلاميي الخليج المشاركين في الدراسة، يرون أن التطرق للاختلافات المذهبية «خط أحمر»، أو «محذور جدا»، بحسب المصطلح الذي تم استخدامه في الدراسة، التي عرضها الدكتور فهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام.

وجاء الإعلان عن هذه النتائج، خلال ندوة الإعلام السياسي العربي بين الحرية والمسؤولية، والمنعقدة في إطار المهرجان الوطني للتراث والثقافة، والتي شهدت مطالب بإعادة الثقة إلى الصحافي العربي، بعد أن سلبها منه الساسة العرب، على حد تعبير أحد المشاركين من غير المتحدثين الرسميين.

غير أن الدكتور مأمون فندي، رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يرى أن الإعلام السياسي في العالم العربي، «فشل في إيصال رسالته في الداخل والخارج، باستثناء بعض الحالات التي قامت فيها قنوات أجنبية باقتباس بعض الأخبار، التي وردت في وسائل إعلام عربية».

وتوصل المشاركون في ندوة الإعلام السياسي، إلى أكثر من نتيجة، أرجعوا في بعضها سبب ضعف الإعلام العربي إلى أنه يفتقد «مشروع الأمة» على حد تعبيرهم.

وأشار مأمون فندي، في سياق متصل، إلى ما سماها «علاقة الافتراق» بين الإعلامين المكتوب والمرئي. وقال: للأسف، فإن ما تقرأه في صحيفتي «الحياة» و«الشرق الأوسط» لا تعكسه قناتا «العربية» ولا «الجزيرة»، وذلك خلافا للحالة الغربية على حد قوله، التي تتولى فيها صحيفة مثل «الواشنطن بوست» فرض ما تطرحه على القنوات الأميركية الأخرى.

وينتقد فندي، القنوات العربية، التي قال إنها تحولت إلى ما يشبه «الشبابيك»، التي يفتح بعضها على بعض، «ليس لإلقاء الورود، بل لإلقاء النفايات».

بدوره، قال الدكتور عبد الله الجاسر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام، إن هناك مشكلة في العالم العربي بمصطلحات الإعلام السياسي، فهو مفهوم غامض، كما يقول، معتبرا أن الإعلام الحكومي هو نفسه الإعلام السياسي، وهو إعلام الحكومات، ما يعني «البروباقاندا».

وأفاد الجاسر بأن مصطلحي «الحرية» و«المسؤولية» يختلفان من قناة إلى قناة أخرى.

أما داعي الإسلام الشهّال، الذي يعتبر مؤسس السلفية في لبنان، فيقول إن «الحرية تختلف من مجتمع لآخر، ولكنها لا تعني الفوضى»، مضيفا أن «أي حرية غير منطقية في أي مجال تؤدي إلى الضعف في تحقيق الأهداف الصغيرة على الأهداف الكبرى ذات الاستراتيجيات».

وحمّل الشيخ الشهّال غياب المشروع السياسي العام، مسؤولية «الفوضى المتفشية في الإعلام العربي»، الذي قال عنه إنه «إعلام قطري أكثر من كونه مشروعا أمميا يسعى إلى مشروع حقيقي هادف».

وأورد الدكتور فهد العرابي الحارثي، مدير مركز أسبار البحثي، نتائج دراسة شارك فيها عينة منتقاة من إعلاميي الخليج، أظهرت أن 64.7 في المائة من المبحوثين، «يعتقدون أن التعرض للحكام في دول المجلس الأخرى محذور جدا»، مقابل 2.4 في المائة يرون أنه «غير محذور مطلقا».

وطبقا للنتائج، التي تم استعراضها في جلسة الأمس، فإن 69.9 في المائة من المبحوثين يرون أن تطرق الإعلام للاختلافات المذهبية والطائفية «محذور جدا».

وبينت النتائج نفسها أن 50.7 في المائة من أفراد العينة يرون أن تدخل الإعلام في الشؤون الداخلية لدول المجلس الأخرى محذور جدا، فيما كشفت النتائج أن 51 في المائة من المبحوثين يعتقدون أن انتقاد الإعلام أنظمة الحكم في دول المجلس الأخرى «محذور جدا».

ويقول العرابي الحارثي تعليقا على تلك النتائج: «يلاحظ في هذه النتائج، أن معظم المبحوثين يعتقدون أن هناك محذورات، على الإعلام الخليجي أن يتجنبها، لكي يقوم بالأدوار المطلوبة منه، وتتمثل أساسا في التعرض للحكام في دول المجلس الأخرى والتعرض للاختلافات المذهبية والطائفية، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس الأخرى، وانتقاد أنظمة الحكم في دول المجلس الأخرى».

وهنا، يؤكد مأمون فندي، أن المسؤولية في الإعلام العربي، مسؤولية سياق وليست مسؤولية أشخاص، ويشير إلى أن العرب يخلقون لغة غير مسؤولة في أحاديثهم اليومية، تعتمد على ترحيل المسؤولية دائما إلى المبني للمجهول، ولفت إلى أن فكر التغطية الإعلامية، يعتمد على «التغطية على الأخبار وليس التغطية للأخبار».

ويستعرض فندي تجارب الدول الغربية في محاولات إقناع العالم العربي بسياساتها، حيث يقول: «فبريطانيا تحاول إقناعنا عبر الـ(بي بي سي)، وروسيا عبر روسيا اليوم، والولايات المتحدة الأميركية عبر قناة (الحرة)، وغيرها».

ويشدد فندي على ضرورة التعاون مع العالم الخارجي، ووضع الأموال العربية حيث تكون الأفواه، لافتا إلى أن ما يقوم به العرب للتواصل مع الآخر «قليل جدا».

وهنا، اعترض حسام السكري، رئيس القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، على حديث فندي، بأن بريطانيا تستغل الشبكة البريطانية للتعبير عن سياساتها، حيث قال السكري: «أحب أن أوضح للدكتور فندي أن الـ(بي بي سي) ليس لها علاقة بالخط السياسي البريطاني».

وبعد كل هذا الجدل حول دور الإعلام السياسي في العالم العربي، أكد عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام السعودي على الحاجة لـ«الصراحة والرؤية الواضحة في مثل هذه الموضوعات». وقال: «السياسي يجب أن يفهم أننا أصبحنا الآن في عالم صغير، ليس قرية كما كان يفرض مفهوم العولمة، بل أصبحنا وكأننا في غرفة صغيرة لا نحتاج للتعرف على العالم سوى إلى اللابتوب أو البلا بيري أو الآي فون».

وكان الوزير خوجه، قد أكد في بداية اللقاء دور مهرجان «الجنادرية» في «تعضيد مفاهيم المواطنة والوحدة الوطنية بين كافة أطياف المجتمع السعودي حتى باتت (الجنادرية) اسما فارقا ومائزا في الثقافة الوطنية، وتعدت ذلك لتصبح في سنواتها الأولى، وقد كان العالم أسير رؤى آيديولوجية حادة، منبرا للحوار والمثاقفة والاختلاف».

وفي موضوع الندوة، تساءل خوجه قائلا: «هل القنوات الإخبارية تصنع السياسات الإقليمية أم تنفذها، وفق أجندات سياسية أم سياسات تحريرية؟ هل تراجعت مصداقية الشاشة الإخبارية بين أولويات السياسي وأجندة الإعلامي؟».

ورأى الوزير السعودي «أن هذه الوسائل الإعلامية الجديدة هي رهان الشعوب حين تخلع عليها آمالها وآلامها، حيث وجدت من وسائل الإعلام (الميديا) الحديثة حياتها ورغباتها، وهل الإنسان الحديث صنيعة الإعلان والإعلام».

وتمحورت الجلستان التي عقدتا عن الإعلام السياسي، حول سؤالين، طبقا لخوجه؛ هما: «هل هناك فعلا إعلام سياسي عربي قادر على مواكبة المتغيرات والمستجدات في المشهد السياسي والإعلامي؟ وهل نجحت القنوات الإخبارية العربية في تقديم المصالح العربية أم سقطت في فخ القطرية والتجاذبات الآيديولوجية؟».

وأشار وزير الإعلام، إلى أن «موضوع الندوة من ما لا تؤديه الصفة، فهو موضوع تتناهبه الأفكار من كل ناحية وما إن تمسك بطرف منه حتى يتفلت منك ولا يكاد يلين لك، فهو كالفرس الحرون تفلتا ووحشة». وأضاف: « الإعلام - وأنا في حضرة صناع الإعلام ومنظريه - لا يكاد يستقيم له تعريف أوحد، فهو جديد أبدا، ويعرف كلّ من راقب كيف يعمل الإعلام وكيف يشتغل أن الآلة الإعلامية تكاد لا تشعرك إلا باللحظية، فالوقت في الوسيلة الإعلامية، وأعني هنا الفضائيات، مطرقة تقع على المشاهد وعلى المواد الإعلامية حتى لا يكاد يشعر المتلقون إلا باللحظة الراهنة وهم محاصرون بطوفان الصور وعنف الأضواء وضوضاء الموسيقى، سواء أكانت المادة المقدمة تثقيفا أم ترفيها».

وتابع: «لعل ذلك ما دعا عددا من الدارسين لنظام الاتصال الحديث وأدواته إلى القول إن الشاشة أضحت بديلا للعالم الواقعي بعنفه وصخبه، فالشاشة تمردت على هيبتها وطقسيتها، وهذا ما نشاهده حين أجبرت الفضائيات نشرات الأخبار لتخرج عن رزانتها وتزمتها لتصبح أكثر حدة وشبابا، وبات الموضوع السياسي أقرب إلى الحكاية، التي يبرع مقدمها في كيفية تقديمها وفق آليات السرد وتقنياته، وبات المشاهد العادي يحرص على مشاهدة عدد من البرامج السياسية الحوارية، وما ذلك إلا لألوان التجديد والبوح التي طرأت عليها».

وبين الوزير خوجه، أن التعبير الوصفي (الإعلام السياسي) يوحد في تركيبه بين قطبين دالين (الإعلام) في حركته وانفتاحه، و(السياسة) في غموضها ونخبويتها، موضحا أنه لطالما صبغت السياسة الإعلام بنخبويتها وغموضها، ولفت خطابه بطبقات من الرؤى، التي لا تلين لأحد سوى القلة النادرة من العارفين.

واستدرك: «غير أن (الإعلام) أو نظام الاتصال استطاع أن يفوض، أخيرا، نخبوية (السياسة) حتى غدت مع الفضائيات وثورة الاتصالات، خبز الناس اليومي، وباتت السياسة، وغيرها من الخطابات الإعلامية، ميدانا للمشاركة الشعبية، التي إن لم تكن ظاهرة في البرلمانات والمجالس النيابية، فلا أقل من أن تتحول، ويتذكر من شهد طرفا من وقائع ندوات (الجنادرية) كيف أن هذا المهرجان عمل، ومن دون ضجيج، على التعبير عن المشهد الفكري عربيا وعالميا».

وعاد الوزير والشاعر والدبلوماسي، ليتغزل بـ«الجنادرية»، التي قال إنها المفردة الصحراوية التي عبرت عن سعة صدر الصحراء التي تلتحفها بالاختلاف والمنازلة والحوار، وها هي تؤكد في سنتها الـ25 أن لا خيار سوى الثقافة التي تبدأ باحترام التراث الوطني والقومي، ثم تسعى إلى الانفتاح على ثقافات العالم.

وأشار الوزير خوجه إلى سر شباب «الجنادرية» الدائم، وقال: «أعتقد أن هذا هو منهجها الذي نشأت عليه طيلة ربع قرن من الزمان، وأحسب أنه لا سبيل لهذا المهرجان إلا أن يظل كما شاء له مؤسسة وراعية - في المقدمة عطاء وفكرا وحدة. فالشكر، أعطره وأجله، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أسس هذا المهرجان العالمي الرؤى، والذي أسهم في صياغة رؤى فكرية بالغة الأهمية».