مؤتمر فقهي طبي: الامتناع عن علاج المريض محرم شرعا.. وتترتب عليه أحكام جنائية

ناقش قضايا طبية معاصرة في الرياض

جانب من فعاليات الجلسة الأولى لندوة مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني التي تحتضنها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

عدّ أستاذ فقه سعودي يعمل في إحدى الجامعات الإسلامية في السعودية، الامتناع عن إسعاف المريض ورفض علاجه محرما شرعا، ومخالفا في ذات الوقت للأخلاق التي من المفترض أن يتحلى بها الطبيب.

وطالب الدكتور أحمد بن يوسف الدريويش أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في الجلسة الأولى التي انطلقت بعنوان «الامتناع عن العلاج»، الأطباء بالتخلق بالأخلاق الحسنة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، ومنها الرحمة وتقديم العلاج بكل رحابة صدر، والصبر على الناس وأذاهم، والسعي الحثيث لإنقاذ وإسعاف وعلاج المريض، وذلك من باب دفع التهلكة عنه وإنقاذه.

وشهدت أولى فعاليات جلسات مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني «قضايا طبية معاصرة» نقاشات متنوعة، أظهرت جوانب شرعية كثيرة في عمل الطبيب وواجباته من منظور شرعي.

وذكر الدريويش في ورقة العمل التي قدمها بعنوان «أخلاقيات المهنة» بعض الأسباب التي ذكرها بعض الأطباء لرفع الأجهزة عن المريض ووقف الإنعاش القلبي الرئوي (DNR)، ومنها الآلام النفسية التي تسببها رعاية الجثة لأسرة الميت دماغيا، والتكاليف الباهظة لأجهزة الإنعاش، وعدم الجدوى من مثل هذه المعالجة، وبيّن أن حال المريض وحاجته إلى الإنعاش القلبي الرئوي لا تخلو من حالات، بعضها يجوز فيه وقف الإنعاش القلبي الرئوي، وبعضها لا يجوز، وبعضها متردد بين الجواز وعدمه، وفصّل الحديث حولها.

من جهته أوضح الدكتور عبد الله بن إبراهيم الموسى أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء، أن الطبيب الذي يعمل لحسابه الخاص حرّ في مزاولة عمله من قبول أي حالة أو رفضها، وفي أي وقت يشاء، وأكد أن امتناعه عن تلبية دعوة المريض لا يترتب عليه أية مسؤولية.

وأضاف الموسى في ورقة عمل قدمها بعنوان «امتناع الطبيب عن العلاج بين الشريعة والقانون»، أن الطبيب الذي يعمل بالمستشفيات الحكومية يعد علاج المرضى فرضا عليه، وإذا امتنع تترتب عليه أحكام جنائية ومدنية، أما الجنائية فلأن الممتنع تسبب في القتل، وهي صورة من صور الجريمة السلبية، فيترتب على ذلك الدية، لكونه تسبب في هلاكه، مشيرا إلى أن في احتكار بعض الأطباء لعلاج للمرضى خطأ كبيرا، يلزم رفع الأمر إلى الإمام، فيعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه ثالثة حبسه وعزّره زجرا له عن سوء تصرفه، ويصار إلى إلزامه بعلاج المريض لأن في الاحتكار حالة أضيق، وضرورة أعظم.

وتابع الموسى: «إذ لم يكن هناك إلا طبيب واحد تعيّن الواجب عليه وصارت معالجته المرضى فرض عين، فإن امتنع كان آثما، ولولي الأمر أن يلزمه بالعلاج لسدّ حاجة المجتمع، ومن باب أولى أن يجبرهم ولي الأمر على فتح عياداتهم واستقبال المرضى، ومثلهم الصيادلة وباقي أصحاب المهن التي يحتاجها المجتمع»، كما تطرق إلى ضوابط مسؤولية الطبيب الممتنع، وبعض أحكام التقاضي ضده، بالإضافة إلى آراء بعض علماء القانون، وأورد عددا من المواد حول هذا الأمر.

من جانب آخر قال الدكتور عبد الكريم السماعيل وكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الأحساء، إن الممتنع عن تقديم العون والإسعاف لأي حالة يأثم عليها إذا قدر على الإسعاف ولم يفعل، لأنه ترك واجبا عليه، واختلف العلماء في وجوب الدية أو القصاص، فرأوا أن ليس عليه قصاص، لأنه ليس له يد في ذلك، ورجحوا وجوب دفع دية، لأنه قادر على مساعدته، وهو ما ينطبق على حالة الجنين في بطن أمه، الذي يجب أن يُسعف الجنين الذي ماتت أمه بشق بطنها إذا رُجيت حياته، لأن هذا أصبح ميسورا في العصر الحديث عن ذي قبل وتتطور الطب الحديث.

وتطرق السماعيل في ورقة عمل قدمها بعنوان «الامتناع عن إسعاف المريض.. حكمه وآثاره» إلى مسألة نزع الأجهزة ممن لا ترجى حياته، مبينا أن نزعها عنه مفسدة، إذ يُعد هذا الفعل من القتل العمد، وإنقاذ من ترجى حياته مصلحة، إذ يُعد إنقاذا لنفس معصومة من الموت، ودرء مفسدة القتل أولى من جلب مصلحة إنقاذ النفس المعصومة من الموت، وان المسعف له نقل الأجهزة ممن لا ترجى حياته إلى من ترجى حياته، وليس له أن يمتنع عن مساعدة من ترجى حياته وتحقق الموت بموت الدماغ المشكوك فيه، والأصل حياة الإنسان، وإذا كان المريض حيا لم يجُز الإقدام على رفع الأجهزة قبل التحقق من موته، وأن الموت صفة عارضة، الأصل فيها العدم، فلا يحكم بوجودها حتى يتيقن حصولها، وبناء على ذلك لا يجوز رفع الأجهزة عن الميت دماغيا حتى يتيقن من وفاته.

من جهتها تناولت الدكتورة خيرية بنت عمر موسى الأستاذ المساعد في جامعة أم القرى في ورقتها الضوابط المتعلقة بالمرض والمريض، والضوابط التي تتعلق بالطبيب والصيدلي، والأخرى المتعلقة بالدواء.

واستنتجت الباحثة عددا من التوصيات، انصبّت حول رعاية الإسلام للجانب الصحي، وتقديمه في الأولوية على الجوانب الأخرى المهمة في الإسلام، وأسبقية الإسلام للحضارة الغربية في تقرير مبدأ الحجر الصحي، وتأسيس أصوله، وضبط قواعده، وكذلك الاستحالة إن صلحت أن تكون ضابطا للحكم على الأشياء بالطهارة فلا يلزم أن تصلح لأن تكون ضابطا لحل المادة المستحيلة. وطالبت بتقنين القواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بأحكام التداوي، وتضاف إلى مناهج علوم الصيدلة المقررة على الطلبة المسلمين حتى لا تكون مرجعيتنا في المجال الصحي قاصرة على الفكر الغربي المادي.

من جانب آخر رجحت الدكتورة ابتسام بنت عويد المطرفي، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى في بحثها، تحريم التداوي بالخمر الصرف مطلقا، مشيرة إلى أن الرأي الراجح هو جواز التداوي بدواء فيه شيء من الخمر بشرط أن يصفه طبيب مسلم ماهر، عالم بأن الشفاء فيه، وأن يكون المستعمل قليلا لا يسكر.

وأضافت أن الرأي الراجح في التداوي بالمواد المخدرة مثل الأفيون، والبنج، وجوزة الطيب، والزعفران، وما جرى مجراها من الأدوية جائز بشرطين: إذا دعت الحاجة إلى التداوي بها، ولم يكن منه بُد، وأن لا يوجد ما يقوم مقامها.

كما بينت أن الرأي الراجح هو جواز التداوي بالمحرم أو النجس في حال الاضطرار، إن لم يجد المباح الطاهر الذي يقوم مقامه، وأخبره طبيب مسلم عدل أن شفاءه فيه.

وأوضحت الدكتورة ابتسام أن الفقهاء اتفقوا على جواز التداوي بالمواد السمية على أن يكون المقدار قليلا ظاهره السلامة، بخلاف القدر المضر فإنه يحرم تناوله. وإن الاستحالة مطهرة للنجس أو المحرم، وعليه يجوز استخدام الأدوية التي تشتمل على نجاسة أو محرم مستحيل إلى مواد أخرى تخالف عينه مخالفة حقيقية.

من جانبه أوضح الدكتور عبد الله بن عبد الواحد الخميس في ورقته أن المراد ببنوك الحيامن والبييضات أنها مخازن لحفظ وتخزين الحيوانات المنوية البشرية واللقائح بواسطة تبريدها وتجميدها في مختبر ذي خصائص فيزيائية وكيميائية مناسبة تحفظ فيه لفترة مناسبة حسب الطلب.

وبيّن أن السبب في إنشاء بنوك الحيامن والبييضات يعود إلى جانب فطري، وهو تحقيق الرغبة في إنجاب الأولاد، وجانب مادي، وهو حصول المراكز العلمية على المال سواء كان بطريق مشروع أو غير مشروع.

وأكد الدكتور الخميس أن البنوك التي تقوم بخلط السوائل المنوية دون أن تقوم بتحديد أصحابها، أو تبيع المني، أو تقوم بتلقيح الزوجة بعد وفاة زوجها من مائه، أو بالبيضة الملقحة منه، لا يجوز التعامل معها، وأن ما تقوم به محرم، وأن إنشاء بنوك للمني والبييضات الملقحة في الحالات المشروعة محل خلاف بين العلماء المعاصرين، والحالات المشروعة تنحصر في مجال الزوجية، ويجوز إنشاء هذه البنوك بضوابط، وهي أن يتم حفظ الحيامن والبييضات في أوعية لا يقع معها اختلاط، وأن لا تعطى إلا للزوجة في أثناء قيام الزوجية.