لكسر احتكار الرجال على مر العصور.. سعوديات يقتحمن «الرقية الشرعية»

قاض في محكمة الرياض يطالب بضبط العملية * نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي: ندرس إدراج الرقية في العلاج النفسي

خطة نسائية لكسر احتكار الرجال لمجال الرقية الشرعية («الشرق الاوسط»)
TT

على الرغم من تسارع التقنيات الطبية والاكتشافات المخبرية بشكل دوري، فإن العلاج بالرقية الشرعية ظل متمسكا بمكانته كعلم قائم بين الشعوب العربية على مر العصور.

في السعودية على وجه التحديد، أضحت سمعة بعض الرقاة والمعالجين تفوق بعض الاستشاريين المتخصصين في مجالات الطب، بل وساهم في ازدياد الإقبال على تلك الأساليب دخول السيدة كراقية شرعية، في مجال لطالما احتكره الرجال على مر العصور الماضية.

السيدة السعودية أم محمد، التي تعمل معلمة للغة الإنجليزية، باتت تصنف ضمن أشهر الرقاة الشرعيين في منطقة مكة المكرمة، ترى أن ما قادها لممارسة هذا العمل الواقع النسائي المنبثق من إنسانية بحتة، يسندها في الوقت ذاته العائد المادي الذي يعود من الرقية الشرعية لبنات جنسها.

أم محمد اعتبرت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن عمل الرقية ليس مقتصرا على أحد، تقصد هنا الرجال، تقول: «أي شخص يستطيع أن يجري رقية لنفسه من خلال قراءة الآيات القرآنية والأذكار المأثورة، هذا الأمر يعطي دلالة واضحة على أن الرقية ليست حكرا على أشخاص دون آخرين، وبدلا من أن ترقي نفسك، تستطيع أن ترقي من تراه أنه بحاجة للرقية الشرعية، سواء كان طفلا أو سيدة أو ربما رجلا، فلا مانع من هذا الأمر في نظري».

وفيما يتعلق بإرشادها حول استخدام بعض الأدوية التي تصفها لمن تقوم بعمل رقية شرعية له، سواء كان ذكرا أو أنثى تقول أم محمد الراقية الشرعية: «أنا أشير لهم بأخذ بعض الأدوية التي تحوي بعض الآيات القرآنية إشارات واضحة لها، هذا فيما يتعلق بالقرآن، وهناك أدوية يتم وصفها بناء على ذكرها في السنة النبوية، كالعسل والماء وزيت الزيتون، وبعض من تلك الوصفات أنا أقوم بتوفيرها، وبالتالي يتسنى صرفها من جانبي».

وتؤكد أم محمد تعليمها من يزورها كيفية الرقية الشرعية، وإمكانية أن يرقي أي شخص نفسه، مع ضرورة أن تصحب تلك الرقية مداومة على الأذكار اليومية الصباحية والمسائية.

وحول مواجهتها بعض الحالات الصعبة، التي يظهر إصابتها بالمس أو الصرع، أم محمد تروي قصتها في هذا الجانب وتقول: «بعض الحالات بعد القراءة عليها لمدة 5 دقائق تقريبا، أكتشف صعوبة في الحالة، كون الحالة ربما تكون متعرضة لمس من الجن، أو ما شابه ذلك، وهنا أقوم بتوجيهها لمن لديهم خبرة أكبر مني من الرقاة الشرعيين المعروفين في المنطقة».

ولا ترى أم محمد حرجا في تأكيد أن معظم الحالات التي تداوم على مراجعتها لا يعاني أصحابها إلا من الوهم، وهنا يجب توجيههم على المواظبة على قراءة القرآن الكريم والمحافظة على الأذكار والصلوات، ربما ليبتعد الوهم من نفوسهم بحال أو بأخرى.

من جانبه، يرى أحد المعالجين، الذي رغب في عدم ذكر اسمه، عدم وجود أي حرج في دخول المرأة مجال الرقية الشرعية، وقال: «أي شخص يستطيع أن يرقي، متى ما كان تقيا ومتعلما ولديه الخبرة، وبطبيعة الحال، لا بد أن نعي أن المرأة ضعيفة ولا تستطيع التعامل مع بعض الحالات، مثل تلك المصابة بالصرع والمس بحكم طبيعتها».

وحول إمكانية رقية المرأة لرجال، قال الراقي: «شخصيا أرى أن لا تقوم المرأة بهذا العمل مع الرجال لسد الذرائع، خصوصا أن بعض الحالات بحسب ما رأينا في السابق، في حالات المس والصرع، يقوم الشخص بتمزيق ملابسه دون أن يشعر، وهذا الأمر فيه كشف للعورات».

وحول قيام الرجال بتلك المهمة مع النساء قال الراقي: «القضية أنه في حالة وجود راقية تقوم بالمهمة للمرأة، ولكن في حالة عدم وجودها لا حرج في قيام الرجل بهذا الأمر، بشرط وجود المحرم».

وما بين راق وراقية، يرى مختصون ضرورة تنظيم أعمال الرقية الشرعية لمنع الاستغلال الكبير من بعض ممتهني هذه المهنة، الذين يستغلون ضعف وجهل كثير منهم حتى أضحت تجارة عند البعض.

وفي ذلك يقول الشيخ علي الشبعان القاضي في المحكمة الشرعية في الرياض: «إن التوسع في الرقية من الجنسين يحتاج إلى ضبط أكثر، وإعادة نظر». وقال القاضي الشبعان: «من المفترض تشكيل لجنة لدراسة جوانب الرقية أو توسعها بين الجنسين بشكل كبير، خصوصا في ظل ممارسة البعض لها دون معرفة، وهو الأمر الذي قد يؤدي التشخيص الخاطئ في بعض الحالات إلى أضرار كبيرة لا تحمد عقباها».

ويرى الشبعان أن الرقية ليست حكرا على شخص، وكل شخص من المسلمين يستطيع رقية نفسه، ولكن التوسع وانتشار الراقين واستغلال البعض منهم للرقية لممارسة أعمال أخرى يدعو إلى وجود آلية لضبط هذه الجوانب». وأشار إلى إحدى القضايا التي عرضت في إحدى المحاكم، والتي توفي فيها شخص جراء ممارسة خاطئة من أحد الراقين، فالحكم في تلك القضايا يختلف لكون كل قضية لها ملابساتها الخاصة.

«الشرق الأوسط» التقت بعض الحالات التي تم علاجها عند أم محمد، إحدى السيدات: «كنت أعاني من صداع دائم عجز عن تفسير سببه الأطباء، وأجمع كل من التقيتهم أني مصابة بالحسد أو العين، والعين هنا مذكورة، جاء ذكرها في القرآن الكريم، ومن هنا فضلت أن أذهب لامرأة ترقيني خوفا من الحرج من رقية الرجال، فقامت الراقية أم محمد بقراءة بعض الآيات القرآنية وأرشدتني لقراءة بعض الآيات والأذكار لمدة 3 أيام مع تناول العسل في كل صباح، إضافة إلى تناول الماء المنفوث عليه بالقرآن الكريم، وبالفعل شعرت بتحسن كبير».

من جانبها، ترى راقية أخرى أن ذهاب السيدة لراقية ربما يكون مريحا لها بشكل أو بآخر، مشيرة إلى أن الحالات التي ترد لها من السيدات تأخذ في الغالب تفسير أنهن مصابات بالعين والسحر والحسد.

أما عن دفع مبالغ مقابل الرقية فقالت الراقية: «البعض ممن يعملن في الرقية الشرعية لا يحددن سعرا معينا، إنما يتركن ذلك للشخص وفقا لرغبته في دفع ما يشاء، فالأمر ليس تجارة، إنما قراءة».

وبحسب الدكتور محمد بن عبد الله شاوش، استشاري الطب النفسي نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي، فإن هناك عددا من الأبحاث يقوم به بعض المختصين عليها تهدف لإدراج الرقية الشرعية ضمن مجالات الطب النفسي الحديث.

وأضاف شاوش في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الجمعية تدرس إدراج الرقية الشرعية على الأسس الصحيحة ضمن أجندة مؤتمر الطب النفسي القادم. وقال: «القرآن الكريم لا يختلف الجميع على أنه شفاء، ونريد الوصول إلى طرق الإقناع الحقيقية المبنية على الأدلة والاستشهاد لهذا العلاج الروحاني».

وكانت مصادر رسمية في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد أبلغت «الشرق الأوسط» في يناير (كانون الثاني) الماضي عن توجه الرئاسة لمحاربة السحر وأعمال الشعوذة، وتنظيم ممارسة الرقية الشرعية عبر مشروع نظام يقضي بمكافحة تلك التصرفات المنافية لضوابط الشريعة الإسلامية.

وأفادت المصادر حينها أن عددا من مكاتب الاستشارات القانونية تدرس مشروع إصدار لائحة وإرشادات إجرائية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تخول رجال الضبط العاملين في الميدان من التعامل مع السحرة والمشعوذين، عقب تحديد الأعمال السحرية وأوصافها، ووسائل إثباتها وإدانتها، إضافة إلى التعامل مع من يعمل في تلك الأعمال المنافية ويروج لها.

وتبنت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اقتراح آلية وبرامج عمل لتنسيق الجهود مع جهات أمنية مختصة لمكافحة ما سمته الرئاسة «مكافحة مظاهر المشكلة، وتحديد مسؤوليات الجهات المعنية للحد من انتشارها»، فيما أوصت بإجراءات تحفيزية لجهات الضبط التي تكافح السحر والشعوذة.

وعزت الرئاسة دراستها تلك التي تسعى من خلالها لتحديد ملامحها القانونية والنظامية إلى ضرورة إيضاح أدلة الإثبات العلمية والعملية في السحر والشعوذة، وهو ما يزيد ارتباط كثير من رجال الضبط الجنائي، ومن بينهم رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحققون والقضاة، الذين اعتبرتهم الرئاسة بحاجة لجلاء الأمر ووضوحه، بالأدلة التي يمكن أن يعول عليها في إثبات السحر والشعوذة.