«العزوف عن الزواج» ظاهرة تجتاح يتيمات «الظروف الخاصة»

سنويا: حالتان شرق السعودية.. ويتيمات يحكين لـ «الشرق الأوسط» أسباب «تعقدهن» من الارتباط

فشل زواج فئة من اليتيمات ذوات الظروف الخاصة انعكس على تصور نظيراتهن لمفهوم الزواج وطبيعة الرجل («الشرق الأوسط»)
TT

من بين 4 دور للتربية الاجتماعية للبنات توجد حاليا في السعودية، وتتوزع على: الرياض، والأحساء، وجدة، والمدينة المنورة، تعيش نحو 85 فتاة في دار التربية الاجتماعية في الأحساء، تتراوح أعمار الأكثرية منهن بين 18 و28 سنة، إلا أن عدد الزيجات المسجلة لهن سنويا تبلغ نحو حالتين فقط، وذلك حسبما كشفت لـ«الشرق الأوسط» مسؤولة في مكتب الإشراف الاجتماعي النسائي بالمنطقة الشرقية، واصفة ذلك بـ«العدد الضئيل»، علما بأن دار التربية الاجتماعية في الأحساء تضم إلى جانب يتيمات المنطقة الشرقية فتيات يتيمات من مناطق أخرى.

وتابعت المسؤولة - التي فضلت عدم نشر اسمها - حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة «كثيرات منهن يرفضن الزواج رغبة في الحفاظ على المكافآت المتنوعة، ما بين مكافأة الدراسة والحساب الاستثماري وغيرهما، والتي تنقطع بعد الزواج»، موضحة أن تردد اليتيمات ذوات الظروف الخاصة بين المزايا التي يحصلن عليها في الدار ومخافة فقدها دفع بعضهن للعزوف عن الزواج، وهو ما جعلها تؤكد على ضرورة إيجاد راتب مستمر للفتاة بعد زواجها استنادا للكثير من الحالات التي رصدتها شخصيا، إلا أنها فضلت عدم ذكر اسمها، مرجعة ذلك لتعميم حديث يقنن آلية التعامل مع وسائل الإعلام.

ويفيد أحدث تقرير إحصائي نشرته وزارة الشؤون الاجتماعية عبر موقعها الرسمي عام 1428هـ، بأن عدد فتيات دور التربية الاجتماعية في السعودية اللاتي هن الآن في سن الزواج (من 18 إلى 30 عاما) يبلغ 213 فتاة، مقابل 129 فتاة هن من اللاتي دون سن الزواج (أقل من 18 عاما)، بينما سجلت 4 حالات لفتيات تأخر زواجهن (من 31 إلى 42 عاما)، مما يعني أن أكثر من 60 في المائة من فتيات دور التربية الاجتماعية هن في سن الزواج، حسب تصنيف الوزارة.

وبالعودة إلى قرار مجلس الوزراء السعودي رقم 237، الصادر قبل نحو 4 سنوات، والذي يتضمن زيادة المخصصات المقدمة للأيتام، حيث شمل إعانة الزواج لتصل إلى مبلغ 60 ألف ريال، تؤكد المسؤولة لـ«الشرق الأوسط» أنهن وجدن - بعد التجربة - أنه من الأجدى صرف مكافأة مستمرة بدلا من المبلغ الكبير الذي تنفقه الوزارة كإعانة زواج، عملا بمقولة «قليل مستمر خير من كثير منقطع»، مؤكدة أنه تم رفع مقترحات للوزارة بهذا الشأن مؤخرا.

من جهتها، اجتمعت «الشرق الأوسط» ببعض يتيمات دار التربية الاجتماعية في الأحساء، وهن نوال أحمد (طالبة في السنة التحضيرية)، علياء أحمد (طالبة جامعية تخصص إدارة أعمال)، وثريا مشعل وأمينة عبد الرحمن (طالبتان جامعيتان تخصص رياض أطفال)، إذ استفتحت علياء حديثها بالقول «سابقا كنت أستبعد فكرة الزواج لرغبتي في الاستقلال، لكني الآن أفكر في تكوين أسرة لأني لم أعش في أسرة، ولدي رغبة في تأسيس منزل أضع أنظمته، بعدما مللت من الأنظمة التي تفرض علي». ورغم إقرار علياء بوجود فئة من نظيراتها في دار التربية الاجتماعية اللائي لا يرغبن في الزواج رغبة في الحفاظ على المكافآت والمزايا المالية، فإن زميلتها ثريا مشعل رفضت ذلك تماما، قائلة «مستحيل، نعم هناك خوف من أمور معنوية وليست مادية.. هي مرحلة جديدة، ومن الطبيعي الخوف لأني لا أرغب في المعاناة». وهنا تقول نوال أحمد «البعض لا توجد لديهن قدرة على تحمل المسؤولية أو لم يكملن دراستهن، وبعضهن لديهن (عقدة) من موضوع الزواج»، وهنا أجمع الفتيات على وجود حالة أشبه ما تكون بـ«العقدة النفسية»، تشكلت لدى نظيراتهن من يتيمات الدار نتيجة فشل بعض تجارب الزواج لزميلاتهن وانتهائها بالطلاق، إذ تقول إحداهن «نعم تعقدنا، لا نرغب في الزواج، ولا نرغب في أشخاص حالتهم المادية سيئة، وبما أني أعيش مرتاحة في الدار، فلماذا أذهب وأتزوج؟!».

في حين تضيف علياء أحمد سببا جديدا لعزوف بعض اليتيمات عن الزواج، بقولها «فكرة العيش مع الرجل فكرة جديدة لمن في وضعنا.. نعم، لدينا سائق وحارس، لكن الاحتكاك بالرجل كأب وأخ لم يحصل لنا، لذا بعض البنات يقلن (لا نتخيل فكرة العيش مع رجل)، هذه الفكرة مستنكرة!»، وعلى ضوء ذلك طالبت الفتيات خلال حديثهن بإيجاد برامج تعمل على التهيئة النفسية لليتيمة منذ دخولها سن الزواج، لكسر حاجز الخوف المبالغ فيه من الرجل.

إلا أنه في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، رأت الدكتورة دعد مارديني، استشارية نفسية في عيادات السلوان بالرياض، أن عزوف بعض يتيمات الظروف الخاصة عن الزواج لا يرتبط بالتخوف من التعامل مع الرجل بقدر ارتباطه بـ«الخوف من الفشل والخوف من نظرة المجتمع ونظرة الزوج»، مؤكدة أنه يتحكم في هذه المخاوف معدل ثقة الفتاة بنفسها.

وبسؤال مارديني عن كيفية تجاوز هذه المخاوف، أوضحت أن ذلك لا بد أن يبدأ منذ فترة التنشئة، بحيث تتم تهيئة فتيات الدور على أنه سيأتي وقت للزواج والارتباط وتكوين العائلة، ومناقشة هذا الموضوع معهن، وتعريفهن بدور الرجل في حياة المرأة. فيما أكدت مارديني على وجود شح كبير في الدراسات النفسية والاجتماعية المتعلقة بذوي الظروف الخاصة، وهو ما أشارت إلى الحاجة الماسة له، للتمكن من تحليل وفهم أوضاعهم بدقة أكبر.

وبعيدا عن عاملي المكافآت والمخاوف النفسية، عادت المسؤولة في الإشراف الاجتماعي لتؤكد أن بعض اليتيمات ذوات الظروف الخاصة يضعن الكثير من المواصفات في عريس المستقبل، قائلة «البنات يختلفن، هناك الجميلات وهناك المتواضعات شكلا.. الجميلة تقول أريد هذا المستوى وذاك الشرط، وتضع مواصفات معينة، أما صاحبة الشكل المتواضع فلا تقع عليها رغبة المقبل على الزواج»، وتضيف «المشكلة من الذي يتقدم؟ غالبا يأتيهن أشخاص أحوالهم متواضعة، وإذا كانت الفتاة جميلة تكون لها طموحات ومواصفات معينة».

وهنا تعود علياء أحمد للقول «أغلب المتقدمين حالتهم المادية سيئة، لكننا لدينا طموحاتنا وآمالنا، وأنا لن أقبل بأي رجل». بينما تتذكر موظفة الشؤون الاجتماعية إحدى الحالات الحديثة لشاب يبلغ من العمر 25 عاما، ومن عائلة ووضعه المادي جيد، لكنه مطلق ولديه ولد، مضيفة «وجدنا له فتاة مناسبة، وجلسنا 4 شهور في محاولة لإقناعها بالزواج منه، لكنها رفضت بحجة أن لديه ولدا!».

يذكر أن الأوراق والشروط المطلوبة للمتقدم للزواج من يتيمة والتي تضعها الوزارة، تتضمن إحضار الأوراق التالية: طلب خطي بطلب الزواج، وتعريف بالعمل والراتب، وصورتان شمسيتان، وصورة من بطاقة الهوية الوطنية أو بطاقة العائلة للمتزوج، بالإضافة إلى تزكية من إمام المسجد. أما الشروط المطلوبة في المتقدم فتتضمن: ألا يقل المهر عن 20 ألف ريال، وتوفير سكن مستقل للزوجة، وألا يقل الراتب عن 2500 ريال.

يشار هنا إلى أن الفئات التي تقبلها دور التربية الاجتماعية تشمل: يتيم أو يتيمة الوالدين أو أحدهما، ومجهولي الأبوين، والأطفال من ذوي الأسر المتصدعة. فيما تتضمن شروط الالتحاق: أن يكون المطلوب إلحاقه أو إلحاقها بالدار يدخل تحت إحدى الفئات السابقة، وألا تقل سن الطفل أو الطفلة وقت تقديم طلب الالتحاق عن 6 سنوات ولا تزيد على 12 سنة بالنسبة للطلاب فقط، وألا تكون له أسرة من أقربائه يمكنها تولي رعايته، وأن تكون الظروف المعيشية المحيطة به تهدد بانحرافه إذا استمر فيها، وأن يثبت البحث الاجتماعي انطباق الشروط وأحقيته في دخول الدار، وأن يكون سليما من الأمراض المعدية والإعاقات والأمراض النفسية، على أن يجوز لوزير الشؤون الاجتماعية حق الإعفاء من شرط أو أكثر من شروط القبول عند الضرورة وفي حالات استثنائية خاصة.