الملك المؤسس يحدد لأبنائه الأربعة الكبار ومنهم الملك خالد منهجهم العملي

أجواء قصر الحكم ووالداه وأعمامه شكلوا جوانب مهمة من شخصية رابع ملوك الدولة السعودية

الصفحة الأولى لصحيفة «الشرق الأوسط» كما ظهرت في يوم الأثنين 14 يونيو (حزيران) 1982 تنعى وفاة الملك الصالح خالد بن عبد العزيز
TT

يعد الملك خالد بن عبد العزيز النجل الخامس للملك المؤسس عبد العزيز، وارتبطت ولادته عام 1331هـ (1913م) في قصر الحكم بالرياض باسترداد والده الأحساء، لذا جاءت ولادته وسط فرحة غامرة وفأل خير على البلاد.

وجد الملك خالد من والده كل عناية وتقدير وثقة، فهو أحد أنجاله الذين حرص الملك المؤسس على إعدادهم للحياة بعد أن زرع في تربية أبنائه مبادئ ثلاثا جاءت في مقولته المشهورة التي سجلها خير الدين الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز»: «الإنسان يقوم على ثلاث فضائل: الدين والمروءة والشرف، وإذا ذهبت واحدة من هذه سلبته معنى الإنسانية».

وفي رسالة عمرها 82 عاما وجهها الملك عبد العزيز لأبنائه سعود وفيصل ومحمد وخالد، حدد الملك المؤسس دائرة الأدب التي يجب أن يحرصوا عليها، حيث جاء في الرسالة التي أوردها الشيخ الراحل عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري في كتابه «لسراة الليل هتف الصباح» ما يلي:

«من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى الأبناء سعود وفيصل ومحمد وخالد سلمهم الله تعالى بعد ذلك، من طرف أربعة ها الأمور سأذكرها لكم أدناه وهي:

أولا: تكونوا يدا واحدة فيما بينكم، صغيركم يوقر ويمتثل أمر كبيركم، وكبيركم يعطف على صغيركم، كما أن الصغير إذا رأى أمرا ما يجوز من الكبير أن يبين له ذلك ويقول ها الأمر هذا لا يجوز منك، وعلى الكبير الإصغاء لأخيه الصغير كما هو لازم عليه مناصحة أخيه الصغير.

ثانيا: أن كل شيء آمر أو دبرة أدبرها تنفذونها ولا تعترضونها أو تعارضوا من وكلت إليه أمرها.

ثالثا: أن كل ما سألتكم عنه أو لزم لكم رفعه إلي تصدقونني فيه بأي حال تكون.

رابعا: ألا تعترضوا أمور ماليتي لا قريبها ولا بعيدها في قليل ولا كثير.

هذه الأربعة الأمور افهموها واحرصوا على تنفيذ موجبها، وكل شيء يصير منكم مخالفا لشيء منها اجزموا أنه سيكون سببا لسخطي عليكم. يكون معلوما».

وجاء في رد أنجال الملك، الذي حمل تواقيعهم مسبوقة بعبارة مملوككم الابن وحرر في 20 ربيع الآخر من عام 1349هـ على نفس خطاب الملك لهم، ما يلي:

«أدام الله وجودكم بعد لثم أياديكم الشريفة. كل ما ذكره جلالتكم أعلاه من الأربعة الأمور فهمها مملوكينكم وإن شاء الله نعمل حسب ما جاء بها، وترون ما يسركم ويرضيكم بحول الله وقوته».

وساهمت عوامل عدة في تشكيل شخصية الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، فقد استمد من والده الملك المؤسس الكثير من المحامد والصفات، جامعا بين طبيعة الصحراء وعاداتها، وتربية الدين وتعليماته وشموله، كما استفاد الملك خالد من معلميه حيث كان الملك المؤسس يخصص لكل واحد من أبنائه مجموعة من المعلمين ورائدا يشرف على تربيته وتعليمه، كما استفاد الملك خالد من قصر الحكم الذي شهد ميلاده حين كان القصر مقصدا للعلماء والقراء وكبار الضيوف الذين يحظون بلقاء والده الملك عبد العزيز، فاحتك بعلية القوم ونخبة المجتمع، بل إنه من المشتملات المهمة لقصر الحكم - كما أشار إلى ذلك المؤرخ والباحث عبد الرحمن بن سليمان الرويشد - مدرسة الأبناء - أنجال الملك عبد العزيز - وهي مدرسة مخصصة للأمراء وأتباعهم وبعض أبناء الموظفين في القصر، وكان يشرف على هذه المدرسة في البداية الأستاذ: رشدي صالح ملحس، السكرتير في الشعبة السياسية. وتتكون هذه المدرسة من ثلاثة فصول أو أربعة تدرس بها جميع المواد الدراسية المدينة الشائعة آنذاك، وتقع هذه المدرسة في الطابق الأول في غرب القصر، حيث يقع برج كبير في الجزء الشمالي منه، كما أن من المشتملات المهمة في هذا القصر - وفقا للرويشد - خزانة الكتب المطبوعة والمخطوطة التي توزع مجانا على طلبة العلم والمستفيدين، كما يضم القصر في الطابق الأول مكتبة الملك عبد العزيز، وتضم تلك المكتبة نوادر المخطوطات القيمة التي ورثها الملك عبد العزيز عن آبائه، بالإضافة إلى ما يرد إلى الملك عبد العزيز عن طريق الإهداء أو عن طريق الشراء لسد احتياجات هذه المكتبة.

واستفاد الملك خالد من عميه: عبد الله بن عبد الرحمن ومساعد بن عبد الرحمن اللذين كانا ذوي اطلاع مبكر، ولهما نهم بالقراءة، كما أن عمته نورة بن عبد الرحمن التي تعد المستشارة الكبيرة للملك المؤسس كان لها تأثير مع كبار أفراد الأسرة على ثقافة وتعليم الملك خالد، كما أن والدة الملك خالد الجوهرة بنت مساعد بن جلوي الزوجة الرابعة للملك عبد العزيز والتي أنجبت له الأمير محمد والأمير خالد والأميرة العنود وتوفيت عام 1337هـ وحزن الملك عبد العزيز لموتها حزنا شديدا لمكانتها في نفسه، كان لها تأثير على أبنائها، فقد كانت كنزا لهم وكنزا للعائلة كافة بما كانت تمتاز به من نسب عريق وذكاء فطري وثقافة أدبية ورجاحة عقل وسعة فكر ورحابة صدر.

وأبرز الدكتور فهد بن عبد الله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، نماذج من مكتبة الملك خالد الخاصة والمؤلفات التي تناولت سيرته ونماذج من المجلات والإصدارات الخاصة عن إسهاماته والكتب التي طبعت على نفقته في فترات مختلفة منذ كان أميرا وأثناء توليه مقاليد الحكم في بلاده كرابع ملوك الدولة السعودية الحديثة عام 1975م إلى وفاته في عام 1982م، وذلك من خلال إصدار خاص يهدف إلى توثيق نماذج كثيرة من جهود الملك خالد في مجالات العلم والثقافة متزامنا مع الندوة العلمية الخاصة بتاريخ الملك خالد، وهي الندوة الثالثة ضمن سلسة الندوات الملكية التي اضطلعت بإعدادها دارة الملك عبد العزيز، حيث سبقها عقد ندوتين، الأولى عن الملك سعود، والثانية عن الملك فيصل.

وأكد الدكتور فهد السماري أن الملك خالد تربى على العلم والثقافة في أسرته المحبة لهما، واستزاد من الكتب والمعلمين الذي خصصهم الملك عبد العزيز لأبنائه بشكل كبير، وواصل الملك خالد علاقاته بالكتاب خلال عهد والده وفي عهد أخيه الملك سعود، وأخيه الملك فيصل، وعندما تولى الحكم في عام 1395هـ (1975م) ازدادت علاقته بالكتاب والمؤلفين والمثقفين عموما، وبدأت مكتبته الخاصة في التوسع لتشكل حيزا كبيرا في قصره بالمعذر في مدينة الرياض، ولتكون متاحة لأبنائه وبناته ولمن يرغب في الاطلاع على ما بها من مؤلفات. واعتبر أمين عام دارة الملك عبد العزيز أن هذا الإصدار الخاص بمكتبة الملك خالد بن عبد العزيز الخاصة يأتي ضمن حرص الدارة على الاهتمام بهذا التاريخ الثقافي والعملي، والسعي لنشر هذه المعلومات التوثيقية المهمة، كما يهدف إلى توثيق نماذج كثيرة من جهود الملك خالد في مجالات العلم والثقافة، لافتا إلى أن من الجوانب المهمة التي يهدف إليها هذا الإصدار إرشاد الباحثين إلى المجالات التي ربما تضيء بعض الزوايا المتعلقة بتاريخ الملك خالد وإسهاماته وعلاقاته ومواقفه وشخصيته، كما يبرز هذا الإصدار نماذج من مكتبة الملك خالد الخاصة والمؤلفات التي تناولت سيرته، ونماذج من المجلات والإصدارات الخاصة عن إسهاماته.

وقدم السماري شكره للأمير سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة الدارة، على توجيهاته لدعم هذا النموذج من الإصدارات العلمية المتخصصة، كما شكر مؤسسة الملك خالد الخيرية على تعاونها اللامحدود في تيسير إصدار هذا الكتاب.

وأوضح السماري أن الملك خالد اهتم بنشر الكتب وتعميمها من خلال دعم طباعتها وتوزيعها على نفقته، وهذه الأعمال امتداد لمواقف والده الملك عبد العزيز، وأخويه الملك سعود والملك فيصل، مبينا أن هذا الاهتمام بطباعة الكتب على نفقته ظهر منذ أن كان الملك خالد أميرا لحرصه واهتمامه ووعيه بأهمية ذلك. وتنوعت موضوعات الكتب التي طبعت على نفقة الملك خالد، حيث شملت المصادر الشرعية المتعلقة بالأحكام الفقهية والعقيدة والسنة واللغة ودعاء ختم القرآن. ومن أبرزها: «سيرة عمر بن عبد العزيز» للحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي، و«العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، و«مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام» لمؤلفه الشيخ عبد الله بن جاسر النجدي التميمي، و«دعاء ختم القرآن» تأليف شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، و«مختصر سنن أبي داود» للحافظ المنذري، و«معالم السنن» لأبو سليمان الخطابي، و«تهذيب الإمام ابن قيم الجوزية» ومحققه محمد حامد الفقي، و«الورد المصفى المختار من كلام الله تعالى وكلام سيد الأبرار اختاره راجي عفو الغفور الودود عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود»، و«تقويم اللسانين» للدكتور محمد تقي الدين الهلالي.

كما تضم مكتبة الملك خالد الخاصة الكثير من المؤلفات المهداة له منذ كان وليا للعهد وعندما تولى الحكم، وتنوعت هذه المؤلفات بين إهداءات شخصية لمؤلفين سعوديين وعرب وأجانب، وإهداءات من مؤسسات وجهات حكومية تعبيرا عن تقديرها للملك على دعم المشروعات التنموية المختلفة، منها: كتاب «صفات المربي» لعلي الشوك، و«الباب الجديد للكعبة المشرفة»، و«إحصائية الحجاج لعام 1981م»، و«العقد الثمين من شعر الشاعر الكبير محمد بن عثيمين»، وكتاب «الآداب الملوكية في صلاح الرعاة والرعية»، و«ديوان الخط العربي» لكل من عبد الكبير الخطيبي ومحمد السجلماسي، وكتاب «فتاة من حائل» لمحمد عبده يماني، و«عبير الشرق» ديوان شعر لعبد السلام هاشم حافظ، و«أناشيد الظلال» (معرب) ليوبولد سيدار سنغور، و«الرسالة الجاحظية التوحيدية للمقارنة بين العالمين العراقيين الكبيرين أبي عثمان الجاحظ وأبي حيان التوحيدي» لمؤلفه الصحافي السوري عبد القادر الحفار صاحب جريدتي «الجهاد» و«نداء العروبة»، بالإضافة إلى كتاب باللغة السويدية عن حق العرب لامتلاك فلسطين لمؤلفه الدكتور مفيد عبد الهادي، وكتب: عن «خالد بعد فيصل الراحل الأمين والخلف الأمين»، و«خالد وفهد والدعوة والدعاة»، و«الملك الصالح يقول» لمؤلفها محمد السلاح، بالإضافة إلى إهداءات شخصية وأحاديث صحافية للملك خالد ومؤلفات عنه أبرزها كتاب «سيرة ملك ونهضة مملكة» للباحث السعودي أحمد الدعجاني.