«نابشو النفايات».. حصادهم «بقايا» مغمسة بطعم الفقر والذل والمرض

إخصائيون وأطباء واقتصاديون حذروا من تزايدهم واتفقوا على المطالبة بحلول عملية وجذرية

الصورة النمطية للنابشة.. عباءة سوداء وعربة أطفال مليئة بالمخلفات (تصوير: غازي مهدي)
TT

مع إشراقة شمس كل صباح ينطلق «جيش» قوامه المئات من النساء الأفريقيات، في رحلة يومية تمتد حتى ساعات الليل، يمشطن شوارع وأحياء مدينة جدة في حراك راتب، وبصورة نمطية ترسخت في أذهان سكان المدينة.

تدفع «النابشة» عربة أطفال مهترئة، مليئة ببقايا كرتون وقوارير من زجاج وصفيح وهوامل أخرى، تجمعها من مكبات النفايات المتناثرة في أركان الأحياء السكنية، وأمام المحال التجارية.

وتنحصر شريحة النابشين في جماعات أفريقية قدمت منذ أكثر من 20 عاما إلى السعودية بحجة زيارة بيت الله الحرام، لكنها احتكرت مهنة ليست كمثلها من المهن «النبش»، ويعيشون مع أسرهم في مدينة جدة، وغالبا ما تسكن هذه الفئات في مناطق عشوائية، ويصعب على الجهات المختصة الوصول إليهم، نظرا لعدم قانونية وضع البعض منهم.

ومن قبيل الفجر وحتى غروب الشمس، ينطلق النابشون إلى كل حي وكل حاوية نفايات فيه، من أجل لقمة العيش.. نساء (الأغلبية) ورجال، أو حتى أطفال في عمر الزهور، يجوبون الشوارع والأزقة، آملين في لقمة العيش الحلال المغمسة بأنواع الذل والمخاطر والأمراض، قبل أن يختفوا بمجرد غروب الشمس، وكأنهم كائنات لا تقوى على ظلام الليل.

تجوب النابشات كل مكان يمكن أن تصل إليه أقدامهن، مستعينات بعرباتهن بغية جمع كل شيء ذي ثمن فيها، واضعات كل ما يجدنه في عرباتها أو في مكان متفق عليه، ثم يأتين في اليوم التالي لأخذه إلى أماكن لبيعها، مثل «الحراج» أو «سوق المحجر» أو «الكرنتينة» و«الهنداوية»، أو «الكيلو 14»، وحتى «الحرازات» النائية شرقا، وبعض الأحواش المعروفة لديهن المتناثرة في مواقع أخرى.

وليس غريبا أن ينتهج بعض النابشات العنف في التعامل مع الآخرين، من منطلق شعورهن بنبذ المجتمع لهن، كونهن يقضين جل أوقاتهم على الأرصفة وبين صفائح النفايات، وذلك بحسب ما لاحظته «الشرق الأوسط» خلال حديثها مع إحداهن، التي أكدت أن ردود أفعالها العنيفة ناتجة عن التفرقة التي يتعرضن لها، خاصة في أسلوب معيشتهن.

لكل واحدة من النابشات حكاية ترويها على طريقتها، كل حكاية تختلف في كل شيء عن الأخرى، غير أنها تتفق جميعها في إطار واحد يتجسد في المعاناة، حيث كانت البداية مع الحاجة زينب كما فضلت مناداتها، باعتبار أن هذا اللقب بمثابة شرف لها، كونه يعطيها بعض التميز والاحترام بين قريناتها، وليس كما هو متعارف بأنه لقب لأي امرأة أفريقية تجوب الشوارع! وهكذا بدأت حديثها لـ«الشرق الأوسط» بلغة قد تكون العربية معدومة فيها «أنا زينب من نيجيريا، متزوجة ولدي أبناء - فضلت عدم ذكر عددهم - عادة ما يبدأ يومي من الساعة السادسة فجرا وأستمر فيه إلى الواحدة ظهرا، وأنا أعمل في جمع الكرتون فقط، وكل همي توفير مصروف لي ولأبنائي وزوجي الذي أُبعد منذ فترة طويلة عن البلد».

وتلمح الحاجة زينب إلى أن من عادات الشعوب الأفريقية التي تنتمي إليها النابشات تحمل نسائها لمثل هذا العمل الشاق أو أكثر، وأن يتحملن مسؤولية توفير الطعام والمصروف للبيت والأبناء، بينما يحق للرجل أن يجلس في المنزل مع أبنائه، ويقضى معظم وقته مع أصدقائه في اللعب أو الزواج من فتيات صغار.

ووصفت المبلغ الذي تكسبه من عملها بـ«الشيء القليل جدا»، إلا أنها تبدي رضاها به، حيث تعمل الآن جاهدة لجمع أكبر مبلغ تستطيع جمعه، حتى تتمكن من اللحاق بزوجها المقيم في بلدها الأم هي وأبنائها، على الرغم من صعوبة الوضع الذي أخذت تتحدث عنه، كونها تعيش بطريقه غير قانونية بخلاف ابنها المسجل لدى قسم الشرطة لذنب تدعي أنه لم يقترفه «ناس كتير ما في خوف من الله»، على حد قولها.

وعن سبب نظرتها السلبية للمجتمع، قالت الحاجة زينب «إن المجتمع هو الذي جعلنا نشعر بأننا مختلفون، وليس نحن. فقبل محاسبتنا ومطاردة الشرطة لنا اسألوا من هو الإنسان الذي يستحق أن يسجن ويبعد. فنحن مسلمون مثلهم تماما، وقد نعرف في العلوم الدينية أكثر من غيرنا، وما نريده هو بيت الله، والأكل الحلال ليس إلا...!».

انتقلنا إلى الحاجة فاطمة، التي بدت في حالة أفضل من كثيرات التقتهن «الشرق الأوسط» ورفضن الحديث، فهي وافدة من نيجيريا منذ ثلاثة أعوام، وتعمل في جمع كل شيء، مثل الكراتين، والعلب الفارغة، والحديد الخردة، وكل شي ذي قيمة، وتؤكد أن العائد لها من هذه المهنة ليس بالمجزي، ويعتمد على «العمدة»، إلا أنها تبدو سعيدة وراضية ما دامت هذه هي الطريقة الحلال المتوافرة لها، مشيرة إلى أنها عادة ما تبيع الكيلوغرام الواحد من الكرتون بريالين، وأنها في المواسم قد تبيع 50 كيلوغراما في يوم واحد، أي أنها تربح 100 ريال في هذا اليوم.

وحول من تعنيه في حديثها بالعمدة الذي يحدد الأسعار، ردت قائلة «أنت ما تعرف عمدة، ما في شغل»، وفيما بعد كشفت أن المقصود بالعمدة هم أرباب هذه المهنة، والمشتغلون بها منذ القدم، والموجودون حاليا في جنوب جدة.

وبالحديث عن وضعها القانوني وكيف تستطيع تحديث إقامتها، قالت الحاجة فاطمة إنها كانت تملك إقامة نظامية لكنها الآن من دون إثبات، مضيفة أنها لا تخشى الدوريات ولا سيارات الشرطة كغيرها من الوافدين والوافدات، مبررة هذا الشعور بـ«ثقتي بالله» قائلة «ربنا إقامة» و«ربنا كريم» و«ما يحب الظلم».

وعن رأيها في اختيار مهنة أخرى غير «نبش القمامة»، أكدت أنها تفضل العمل في صفائح النفايات عن العمل في المنازل أو في أي مكان آخر، موضحة أنه في هذه المهنة يعتمد الشخص على نشاطه «نوم قليل فلوس كتير». وانتقالا من جنوب جدة إلى شمالها التقت «الشرق الأوسط» بالحاجة زينب محمد، التي بدت سعيدة جدا بحديثها إلى الصحيفة ورحبت بها في مربعها «منطقتها»، إلا أنها أبدت استياءها حينما توجهت إليها عدسة التصوير، مرجعة سبب هذا الاستياء إلى أن لديها أبناء، وتخشى أن يشاهدوا صورتها في الصحف، واقترحت تصوير عربتها فقط! وأضافت أنها قالت لأبنائها إنها ذاهبة إلى السعودية للعمل في بيع «القورو»، مؤكدة أنها كانت تعتزم ذلك فعلا قبل قدومها من نيجيريا، لكن الجماعة الذين جاءت معهم منذ عام كانوا متفقين مع شيخهم على العمل في هذه المهنة وغيرها من المهن، لكنها فضلت مهنة «النبش» عن تلك الخيارات التي رفضت الإفصاح عنها.

ولم تكن الحاجة زينب بأحسن حالا من قريناتها، حيث إنها لا تحمل إقامة نظامية مثلهن، وأبانت في حديثها أنها تنوي ترك المملكة قريبا استجابة لرغبة أبنائها.

وقالت سميرة الغامدي، إخصائية نفسية، لـ«الشرق الأوسط»: «أتفق تماما مع أي شخص أن منظر نبش أناس مثلنا للنفايات ليست بالمنظر الحضاري، وأنها ظاهرة منتشرة عالميا، والفرق أنه في الدول الأخرى توجد برامج تحتوي مثل هذه الفئة»، وأضافت «النابشون ليسوا أناسا أسوياء من الناحية النفسية، نظرا للحياة الاجتماعية والاضطرابات التي يعيشونها، وقد يتجهون إلى الجريمة أو الانحراف لإيجاد حلول لحياتهم».

واستطردت قائلة «إن النبش أصبح ظاهرة منتشرة، لكن على المدى البعيد سيعتبر مشكلة، والمشكلة بطبيعة الحال أكبر من الظاهرة، وظاهرة (النبش) باتت تمثل خطرا على المجتمع، ولو لم يحسم أمرها بشكل واضح من الجهات المختصة، فسيتحول النبش من ظاهرة إلى وباء كبير».

وزادت الغامدي «بدلا من شعور الناس بتأنيب الضمير والتذمر، لا بد من طرح سؤال أهم: لماذا هم ينبشون؟ هل وجدوا الدعم أو جمعيات تحتويهم؟ هل وجدوا حلا لمشكلاتهم وفضلوا «النبش» عنها؟ فثلاثة أرباعهم هم من نساء ورجال الشوارع ممن ليست لهم صفة قانونية، أي من الذين لا تقبلهم بلدانهم، وليس لدينا توجه محدد للتعامل معهم».

وعن رؤيتها للحل، قالت الغامدي «إن الحل لهذه الظاهرة، من وجهة نظري، هو الخروج من إطار البيروقراطية في التعامل مع هذه الفئة. وأكدت الحاجة الماسة إلى مشروع يحتوي ويتكفل بهذه القضية، ويهتم بهذه الفئة، عن طريق تقسيم المنتمين لها وتحديد نوعيتهم ومشكلاتهم، بواسطة فريق عمل مختص، ومعرفة ماهية احتياجاتهم، مشددة على أن هذا المشروع «لن يكتمل إلا بدعم الجهات المختصة، المتمثلة في وزارات الداخلية، والخارجية، والشؤون الاجتماعية، والصحة».

ودعت الإخصائية النفسية إلى ضرورة تغير نظرة الناس إلى النابشين، واعتبارهم أسبابا رئيسية للمشكلات الصحية، وانتشار بعض الأمراض الاجتماعية، مثل المخدرات والدعارة، مشددة على أنه في حالة حدوث أي مما سبق وذكرته فالمجتمع هو المسؤول الأول عن ذلك، معتبرة أن «كل إنسان لا يحاول مساعدتهم أو إعانتهم هو متهم».

وتمنت الغامدي الخروج من القضية بفكر آخر للتعامل معها، مستنكرة أن دولة مثل السعودية تملك كل هذه الإمكانيات وتنتشر مثل هذه الظواهر على أرضها، خاصة أنها دولة ذات توجه إصلاحي وإسلامي بحت.

أما الإخصائية الاجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض نجوى فرج، فقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «النبش» يعتبر أحد المناظر الاجتماعية التي تثير اشمئزاز الإنسان لمجرد مشاهدتهم لها، سواء في التلفزيون أو الشارع، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تؤثر سلبا على المجتمع، وتخلق شعورا سلبيا بأن البلد في حالة انحدار.

وأرجعت فرج أسباب انتشار ظاهرة «النبش» إلى أسباب معروفة وغير معروفة، مضيفة أن «البطالة والفقر يعتبران من أهم تلك الدوافع المحفزة لمثل هذه الظاهرة، إلى جانب أسباب مجهولة المنشأ، مثل شركات، أو رجال أعمال غير ظاهرين، أو أفراد من الدولة يستفيدون منها، من دون شعور أحد بهم»، مؤكدة اعتقادها بوجود أياد خفية وراء تنامي هذه الظاهرة.

وتساءلت الإخصائية الاجتماعية بمستشفى قوى الأمن «أين هي الرقابة ودور البلدية في مثل هذه الظواهر؟ فمثلا عند مشاهدة البلدية أطفالا أو حتى بالغين ينبشون في صفائح النفايات، من المفترض عليها أن تتبع سيرهم وتعمل على مراقبتهم، ومعرفة إلى أين يذهبون بها، ولصالح من يعملون».

وحذرت فرج المسؤولين من التهاون مع ظاهرة النبش، ودعتهم إلى أخذ الأمر بعين الاعتبار، مؤكدة أن هذه الظاهرة قد تكبر وتخرج عن السيطرة، مستشهدة بظاهرة التسول عندما كانت تقتصر فقط على الوقوف في الإشارات المرورية وأمام المحال التجارية، وتفشت في الآونة الأخيرة في كل مكان وظهرت أساليب جديدة ومبتكرة للتسول.

ومن الناحية القانونية، قال زهير مفتي، المحامي والمستشار القانوني، لـ«للشرق الأوسط»، إن «النابشين» الذين يشتغلون في نبش النفايات بغية الحصول على أشياء قد يتكسبون منها بإعادة بيعها، مثل الكرتون والمعادن والملابس وعلب المشروبات الغازية وبقايا الأطعمة والمأكولات، ينقسمون إلى قسمين اثنين.

وأوضح مفتي أن القسم الأول هم عمال نظافة مقيمون ونظاميون، ويحملون تصاريح العمل، ويعملون لدى أمانات المدن، أو لدى الشركات والمؤسسات أو المقاولين الذين يتعاقدون مع الأمانات والبلديات التابعة لها للقيام بأعمال نظافة المدن حسب الخطط والبرامج التي تعتمدها الجهات المسؤولة.

وشدد المحامي والمستشار القانوني على أن الجهات المسؤولة عن محاسبة ومعاقبة أمثال هؤلاء هي وزارة الصحة ووزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في الأمانات والبلديات التابعة لها، والشركات والمؤسسات والمقاولون الذي يتعاقدون مع الجهات المسؤولة عن نظافة المدن والقرى. وأشار إلى أن القسم الثاني من نابشي القمامة عبارة عن شريحة أخرى تضم رجالا ونساء وأطفالا مقيمين وغير مقيمين، وينبشون في النفايات بغية الحصول على أي مخلفات تعود عليهم بالفائدة والنفع، مؤكدا أن هؤلاء يخالفون نظام الإقامة، وأنظمة العمل.

من جانبه، يبدي الناشط الحقوقي وليد سليس رأيا إيجابيا عن نبش النفايات، مشددا على أن «النبش ليس مشكلة في حد ذاته، لأنه من الوظائف البيئية الرائعة في الاستفادة من المهملات البشرية بدلا من إتلافها أو حرقها أو دفنها، مما يسبب ضررا على البيئة، وحق البيئة من الحقوق التي أصبحت من الأمور الضرورية التي لها علاقة بحق الإنسان في الحياة في مكان صحي وآمن».

لكنه استدرك قائلا «إن ما يقوم به البعض من خلال النبش هو ما يحتاج إلى معالجة، ذلك لأن النبش في صورته الحالية يعرض النباش إلى أضرار صحية نتيجة عدم أخذه الاحتياطيات اللازمة عند البحث في النفايات، وهذا يؤدي إلى انتهاك حق أساسي من حقوق الإنسان وهو حق الصحة، وتكلفة ذلك على المواطن والدولة عالية».

وأضاف «إن ما يفعله النباشون عند البحث في المهملات، من إخراج الأوساخ من مكانها، وإلقائها على الطرقات، يحتم على الأجهزة المعنية وضع آليات تحرص فيها على أن يتم وضع بدائل مناسبة لمن اعتاد على مثل هذا العمل».

فيما يؤكد الكاتب الاقتصادي حسين شبكشي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه في ظل غياب منظومة رسمية تؤدي ثلاثة أمور مهمة وأساسية لمعالجة ظاهرة نبش القمامة، تتمثل في منافذ التجميع في البيوت والمراكز التجارية، وتقسيمها إلى المواد بحسب وجودها، وهل هي ورقية أو زجاجية أو مصنوعة من الألمنيوم أو غير ذلك، وكل هذه الأمور غير معمول بها على أرض الواقع، منبها إلى أنه لا توجد طريقة مثلى للخلاص من هذه النفايات سوى إعادة التدوير أو التصدير، لكن المعمول به حاليا من قبل البلدية، هو حرق هذه المواد أو دفنها.

وأوضح شبكشي أن التعامل مع هذه الفئة يتم عن طريق الدفع النقدي «الكاش»، ولا يدخل في النظام ولا الحسابات المصرفية، ولا يستفاد منه في الاقتصاد، مشيرا إلى أن دوران المال في هذا النظام «دوران خارج الرحم»، كونه لا يدور داخل المنظومات الرسمية مثل البنوك أو الشركات وبالتالي لا يؤثر في الاقتصاد، سوى بطريقة محدودة جدا، حيث يتم التخلص من بعض النفايات التي تذهب إلى التصدير أو يتم بيعها لبعض الشركات التي تعمل في إعادة تصنيعها.

ولم يختلف رأي رجل الأعمال صالح التركي كثيرا عن رأي شبكشي، في أن مساهمة هذه الفئة الاقتصادية قليلة جدا، وليس لهم دور يذكر، وبالتالي فإن ضررهم أعلى من فائدتهم في عملة التدوير، موضحا أن عمليات إعادة تدوير النفايات تعتبر أحد أكبر المشاريع الاستثمارية على مستوى العالم، وليس على مستوى السعودية فقط.

وأوضح التركي أن المشتغلين في إعادة التدوير في مدينة جدة تحديدا عائلات كبيرة جدا، لكن بالنسبة للنابشين فهؤلاء خطر كبير على المجتمع، مشيرا إلى أن النابشين يكثر عددهم في المواسم التي ترتفع فيها أسعار المواد التي يعاد تدويرها، مثل الورق، والحديد، مضيفا «بطبيعة الحال، لكل هذه المواد بورصات خاصة بها، وفي حال ارتفاع أي من أسعار هذه المواد يزيد الطلب عليها، مما يدفع الكثيرين منهم إلى العمل لتحقيق عائد مادي مجدٍ».

وأضاف أن «تصرفات النابشين للحصول على المواد الأولية هي سلوكيات مضرة اجتماعيا، وصحيا، وأخلاقيا، وحتى اقتصاديا، ومثال ذلك ما حدث في فترة من الفترات حين ارتفع سعر الحديد، حيث بدأ البعض منهم في سرقة أغطية المجاري، إن وجدت، أو إطارات السيارات، والكثير من الممارسات الخاطئة الأخرى».

ونوه التركي بارتفاع الوعي لدى العامة، وإدراكهم أن إعادة تدوير النفايات لها قيمة اقتصادية، و«الدليل على ذلك أن التجار الذين كانوا يتخلصون من الكراتين بالرمي باتوا يجمعونها، إما لأسباب بيئية أو لإعادة تدويرها والاستفادة منها ماديا»، لافتا إلى أن الورق أكثر المواد تصديرا من السعودية، باعتبارها إحدى أكبر الأسواق عالميا لهذه المادة.

فيما أبدى وكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي الدكتور زياد ميمش، استغرابه من وجود مثل هذه الظاهرات في السعودية، مستدركا بالقول «إن هذه الظاهرة غير صحية، وسبب لانتقال الكثير من الأمراض الوبائية التي تعتمد على طبيعة المواد الموجودة في حاويات النفايات، ومن أهم هذه الأمراض النزلات المعوية، وغيرها من الأمراض التي تنتقل عن طريق البعوض والذباب».

وزاد على ذلك العقيد الدكتور عبد الله الجفري، استشاري طب وقائي أسرة ومجتمع، باعتبارها من أسوأ المشاهد التي تسيء إلى المنظر العام، والتي قد تكون لها أضرار وآثار سلبية صحية على «النابشين» بالدرجة الأولى «كونهم ينبشون في حاويات تتنوع فيها النفايات، مثل فوط الأطفال، أو بعض الدماء، وبواقي الطعام، وغيرها من المخلفات التي قد تساعد في انتقال بعض الأمراض».

وحذر من أن «بعض أنواع الميكروبات قد تنتقل إلى النابشين عن طريق وجودها تحت أظافرهم، وعند تناولهم الطعام قد تنتقل إليهم أنواع من الطفيليات تسبب لهم الكثير من الأمراض المعوية، ومن المحتمل أن يتعرضوا للإصابة بفيروس الكبد الوبائي (أ)، الذي يندرج تحت التسمم الغذائي».

فيما يؤكد عبد الله السفري، وهو أحد شيوخ طوائف المهن في جدة، أنهم لا يتعاملون مع «النابشين» بشكل مباشر، لكن لديهم مكاتب إدارية أمنية تراقب سوق هذا المجال بالكامل، وتشرف على جميع المحال الموجودة في منطقة الخمرة، مؤكدا أن هذه المكاتب تعمل تحت إشراف الأمن العام، وتخضع للمراقبة شبة اليومية. وأكد استحالة عرض أو نزول أي مادة من المواد إلى السوق من دون المرور عليهم، ومعرفة ماهية مصدرها، مشيرا إلى أن النابشين «ليس منهم أي خوف، وهذه الصفائح التي يجمعونها فيها ثروات كبيرة جدا، وأن الوعي على مستوى المواطن العادي بها شبة مفقود».

من جانبه، أكد الرائد محمد الحسين، الناطق الإعلامي لجوازات جدة، أن الجوازات تنفذ حملات لملاحقة هذه الفئة، بشكل منفرد أو بمشاركة الأمانات، وقال «غالبا ما تشن هذه الحملات، سواء على النابشات الموجودات في الميادين العامة، أو على الأماكن والمناطق التي يتم إيواء النابشات فيها».

وحول الإجراءات المتخذة بحق النابشين الموقوفين، قال الناطق الإعلامي لجوازات جدة «بالنسبة للنابشين الذين يتم القبض عليهم، عادة ما تتخذ إجراءات في حقهم تبدأ بأخذ بصماتهم وخصائصهم الحيوية، للتأكد مما إذا كان بعضهم مطلوبا لدى الجهات الأمنية من عدمه، وبعدها يتم استخراج الأوراق الرسمية لهم عن طريق قنصليات بلادهم تمهيدا لإبعادهم إلى بلدانهم».

أما مدير المركز الإعلامي في أمانة جدة أحمد الغامدي، فأشار خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود لجان مشكلة من أمانة محافظة جدة والجهات الأمنية ذات العلاقة، ومنها الجوازات، وتنفذ هذه اللجنة جولات ميدانية عن طريق المراقبين التابعين لشركات النظافة، ويتم رصد المخالفات وتحويلها إلى الجهات المختصة، وعادة ما تخلص هذه الحملات إلى القبض على المخالفين. ونوه الغامدي بالجهود الخاصة المبذولة عن طريق المراقبين العامين والبلديات الفرعية، ومن ضمنها متابعة هؤلاء المخالفين، مبينا أنهم ليسوا جهة تنفيذية، ودور البلدية يقتصر على توعية هؤلاء الفئة، وإبعادهم عن مناطق نشاطهم، ومصادرة ما معهم، موضحا أنه عادة ما تتم هذه الحملات مرة أو مرتين في الشهر.