مكة المكرمة: استئجار مساكن «عاجلة» لإيواء ملاك العقارات المنزوعة

بعد أن تحولت العاصمة المقدسة إلى ورشة عمل عملاقة بسبب مشاريع التطوير

أعمال التطوير في العاصمة المقدسة رفعت نسبة الطلب على المساكن («الشرق الأوسط»)
TT

أعلنت أمانة العاصمة المقدسة حزمة من المشاريع الإسكانية بالتعاون مع شركات عقارية، لمقابلة الطلب المتزايد للمساكن نتيجة لأعمال نزع العقارات التي طالت عددا من الأحياء في مكة المكرمة.

وأوضحت الأمانة أن اعتمادها لفكرة السكن «البديل» نبعت لإيجاد حلول عاجلة تهدف إلى حماية كثير من الأسر داخل إطار العقارات المنزوعة من ارتفاع أسعار العقارات، ما تهدف إلى توطين شريحة كبيرة من المنزوعة عقاراتهم داخل الأحياء والمخططات السكنية لصالح المشاريع الحكومية التطويرية، تزامنا مع مشاريع السكن «الميسر» الذي تم طرحه في الآونة الأخيرة.

المهندس عارف قاضي، مساعد أمين العاصمة المقدسة للتنمية والتطوير، أوضح أن الأمانة لا تملك عددا محددا لعدد الأشخاص الذين شملهم الخروج من المناطق المنزوعة لمشاريع تنموية في العاصمة المقدسة.

وأشار المهندس قاضي إلى أن الأمانة تحسبت لتداعيات مشاريع مكة المكرمة، خاصة سكان المناطق المنزوعة، وقال «سيستفيد كل السكان من تلك المشاريع». مبينا أن العاصمة المقدسة شهدت الكثير من أعمال الهدم والإزالة لصالح المشاريع الحكومية، وهو ما دفع الأمانة نحو المضي قدما في مشاريع تطويرية تختص بالسكن «البديل» والسكن «الميسر».

وقال إن الإسكان البديل خضع لدراسات تفصيلية في المناطق المأهولة والمنزوعة، وفرض تحركا سريعا نحو إيجاد شقق سكنية عاجلة في نفس المنطقة أو مناطق أخرى تقع على تماس معها، وهو ما يعني عدم تهجير شريحة كبيرة من ملاك وساكني العقارات المنزوعة.

وأبان مساعد أمين العاصمة المقدسة للتنمية والتطوير، أن الهدف الرئيسي من توفير السكن البديل هو «توطين» عدد كبير من المواطنين والمقيمين في حيزهم، وأول الطرق في المعالجة هو استئجار مساكن جاهزة أو بناء مساكن جديدة، استنادا إلى العمر الزمني لتنفيذ المشروع التطويري، مفيدا بأنه لا ينبغي نسيان الهدف الأسمى من مشاريع العاصمة المقدسة، وهو العمل على راحة السكان وتوفير مشاريع ضخمة تكفل راحة واطمئنان الحجاج والمعتمرين القادمين من خارج البلاد وبشكل منتظم.

وقال المهندس قاضي، إن القطاع الخاص كان شريكا مميزا في تنفيذ حزم المشاريع الحكومية الجارية في مكة، وإنه عمل بتواؤمية محفزة وتم تقديم إنجازات متقدمة للعمل المشترك تبلغ نحو 6 آلاف هكتار، منها 4 آلاف داخل النطاق العمراني، بينما تبلغ مساحة المخططات العمرانية بمكة المكرمة 33 ألف هكتار، حيث تم تقسيم المناطق العشوائية بمكة المكرمة إلى مناطق عشوائية ذات مقومات استثمارية لتشجيع مشاركة القطاع الخاص لتطويرها، تبلغ مساحتها 9 ملايين متر مربع، وتقع في المنطقة المتاخمة للمنطقة المركزية.

وكانت العاصمة المقدسة قد بدأت بإزالة 650 عقارا لصالح مشروع الطريق الدائري الثالث في مرحلته الثانية، والرابط بين طريق مكة جدة السريع وطريق مكة المدينة السريع، و260 عقارا لصالح مشروع توسعة شارع الخنساء، و900 عقار لصالح مشروع الضلع الغربي، وكذلك العقارات المزالة لصالح مشروع طريق الملك عبد العزيز الموازي.

من جانبه أوضح المهندس إبراهيم جوهرجي، المثمن العقاري المعتمد في جامعة الدول العربية لـ«الشرق الأوسط» أن نسبة العجز في الطلب على المساكن بين سكان العاصمة المقدسة باتت تزيد عن 54 في المائة مقارنة بحجم العرض المتوفر من الوحدات السكنية بمختلف تصنيفاتها، ولم يستبعد أن تتزايد معدلات العجز في العرض للوحدات السكنية خلال السنوات المقبلة في ظل الزيادة المتوالية لمعدلات النمو السكاني السنوي في المنطقة التي تعد الأعلى بين سائر المدن.

وعلى الرغم من الصعوبات التي يرى جوهرجي أنها تقف حجر عثرة أمام سد الحاجة من المساكن، خاصة في ظل الحجم الكبير لعدد العقارات التي تمت إزالتها لصالح المشاريع التطويرية الحكومية منها والخاصة، فإنه أبدى تفاؤلا بالمشاريع العملاقة الجاري العمل عليها في الوقت الراهن، وقال: «العاصمة المقدسة لا يمكن أن توصف في هذا التوقيت إلا بأنها ورشة عمل مشاريع عملاقة وهي تخطو نحو تشكيل مشاريع عمرانية رائدة تغطي الاحتياج المستقبلي للعقد المقبل».

وقدر جوهرجي احتياج العاصمة المقدسة خلال السنوات العشر المقبلة خاصة إذا تم إقرار المنظومة العقارية كالرهن والتمويل بنحو 26 مليار ريال من أجل تأمين المساكن، لافتا إلى أن متوسط عدد الأسر في مكة يصل إلى 137 ألف أسرة يحتم وجودها توفر أكثر من 88 ألف وحدة سكنية وأكثر من 13500 سكن مستقل.

وحول توقعاته بالطلب المتنامي للوحدات السكنية في العاصمة المقدسة، قال إنه يصعب التكهن بها نظير موقع مكة الجغرافي، وما تتميز به دون سائر بقاع الأرض، من حيث وجود قبلة المسلمين فيها، وكذلك طابع التخطيط العمراني للمنطقة، الذي يعتمد على الامتداد من قلب المدينة - المسجد الحرام - ويواجه الصعوبات في تمدده نظير التضاريس الجبلية التي تحصر التوسع في إنشاء الوحدات السكنية.

وفي سياق متصل قال بندر الحميدة، عضو اللجنة العقارية ولجنة المقاولين في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك تحديات تواجه التوسع في بناء الوحدات السكنية في العاصمة المقدسة وتسهم في عرقلة حركة التنمية العمرانية وتؤدي إلى نقص المشاريع المنفذة أو تأخر تنفيذها عن جداولها الزمنية الموضوعة لها من قبل الحكومة والمستثمرين.

وأشار الحميدة إلى أن التحديات التي تواجه النمو العمراني كثيرة ومن الممكن حصرها في عدة نقاط، من أبرزها النقص الحاصل في العمالة المؤهلة والمدربة بشكل جيد وذلك لنقص الأجور في المملكة التي تعد الأقل سعرا لأجرة اليد العاملة على مستوى الخليج، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي بسبب المضاربات فيها وعدم مواءمتها مع دخل المواطن البسيط خاصة من ذوي الدخل المحدود.

ولم يستبعد الحميدة، حدوث مؤشرات سلبية أيضا في المجال العقاري، في حال واصلت أسعار مواد البناء ومشتقاتها الارتفاع في المستقبل، الأمر الذي يرى أنه سيؤدي إلى انخفاض نسبة الجودة في بعض المشاريع، والتأخر في تنفيذ المشاريع بشكل كبير خاصة على المستوى الخاص.

وقدر الحميدة نسبة توقف الحركة العمرانية في العاصمة المقدسة فيما يتعلق بالمشاريع الخاصة منذ أن ارتفعت أسعار الحديد خلال الشهريين الماضيين بنحو 25 في المائة، مرجعا ذلك إلى عدم قدرة المستفيدين من المشاريع من مجاراة الارتفاع أو لرغبتهم في عودة الأسعار إلى وضعها السابق، كما يعود الأمر إلى حدوث خلافات بين المقاولين والمستثمرين بلغت مستويات معينة دفعت البعض إلى فسخ العقود أو التوقف.