مدن السعودية تتفاعل مع انطلاق مؤتمر «التراث العمراني» بمهرجانات شعبية ورسمية

خبير في الآثار يحذر من العبث بالتراث العمراني في العاصمة المقدسة

TT

في الوقت الذي انتظمت فيه الكثير من الفعاليات الثقافية في عدد من المناطق السعودية تزامنا مع المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية والمقام حاليا في العاصمة السعودية الرياض، شن خبير في الآثار الإسلامية هجوما على المعتدين على الآثار في منطقة مكة المكرمة.

وصف الدكتور عادل الغباشي، وكيل جامعة أم القرى، لـ«الشرق الأوسط» المعتدين على عيون وخرزات عين زبيدة بأنهم معتدون على الإرث والحضارة الإسلامية، وطالب بردعهم بحسبانهم يشكلون تهديدا للقيمة الحضارية الإسلامية والتي ظلت منذ مئات السنين شاهد عيان للتفوق الإسلامي، وهو ما أوعز لعضو مجلس منطقة مكة المكرمة، أن يعترف بأن الهوية العمرانية والثقافية للعاصمة المقدسة وقعت تحت طائلة النمو والتطوير بحكم ما وصفه بأن مكة المكرمة مدينة متجددة يتغير مشكلها العمراني كل مائة وخمسين عاما.

وكشف المهندس محمد سيف الدين برهان، مدير شركة «عمرانيون»، لـ«الشرق الأوسط» على هامش معرض مكة للتراث العمراني الذي ينعقد في العاصمة المقدسة، أن من ضمن الأهداف الرسمية هي أن العمارة أم الفنون وعادة ما تقاس حضارة الأمم بالشيء الذي تحققه من آثار وعمران، فلا بد أن يكون هناك توثيق حضاري للمنطقة، ومحاولة الاستفادة من الدراسات العمرانية التي تميزت بها المنطقة، في تلك الفترة وتوثيقها للأجيال القادمة.

وأشار المهندس برهان وهو عضو في مجلس المنطقة، إلى أن من ضمن الأهداف توثيق مرحلة البناء، في مفردات جديدة، وفي سياق تكون فيه مكة عاصمة للثقافات ومحورا مهما وركيزة داعمة في الحضارة والتاريخ الإسلامي، وكانت تتميز بتفرد حضارتها حتى منتصف القرن الماضي، ومن ثم اختفت هويتها العمرانية، وذلك بسبب الحاجة الماسة للتطوير، والنمو والتراث العمراني بجوار المسجد الحرام، ومنطقة مكة القديمة.

وأشار إلى أن مكة استطاعت أن تكون حاضنة لجميع الطرز المعمارية المختلفة من تركيا ومصر والهند، وشرق آسيا، ومن جميع أجزاء المعمورة قاطبة، وأردف: «مهمتنا في استيعاب كل تلك الأفكار وتطويرها، والاستجابة لها، وتوظيف لمسة خاصة لها وإخراجها بشكل عمراني أخاذ بما يتلاءم مع البيئة المحلية ويقدم هوية خاصة بها، وهذه الهوية لا تكمن في روعة التفاصيل الخارجية فقط، وإنما في نوعية التفاصيل الداخلية كذلك، وفي طبيعة الحياة الاجتماعية، على الرغم من محدودية التقنيات الموجودة في ذلك الوقت».

وقال عضو مجلس المنطقة، إن البراعة العمرانية المكية تمركزت حتى في الشبابيك والأبواب في الداخل، وهو ما أوجد ثراء من نوع خاص، أعطى نسيجا خاصا في عملية التفنن بالألوان ومحاكاة المورث الثقافي الإسلامي، باستخدام أنواع ثقافية متنوعة، وخامات ومواد خاصة، ونحن نقوم بعملية توثيق ونقل أجزاء إن وجدت لتبقى مصدر تغذية للباحثين والدارسين، لتقديم نماذج كثيرة ومطورة تعكس التراث العمراني الإسلامي.

وأوضح المهندس محمد برهان، أن صدر القرار السامي الكريم بتوسيع ساحات المسجد الحرام، والساحات الشمالية، في المرة الأولى بعمق يصل إلى 380م، في شارع باب العمرة وهو ما ترتب عليه قرار بإزالة 1050 عقارا في غضون الستة أشهر، ومنطقة الشامية تضم ثمانية أحياء من المنطقة التاريخية، هي الشامية والقرارة والشبيكة والسليمانية والراقوبة وحارة الباب والمدعى، وهي جميعها أحياء تعتبر الكنز التاريخي والأثري.

ويهدف المعرض إلى توثيق وعرض وإبراز التراث العمراني بمكة المكرمة بما في ذلك المباني والحرف والصناعات التقليدية والأسواق الشعبية وأنماط حياة الإنسان في المنطقة والموروث الثقافي وكذلك التوعية بأهمية التراث العمراني لمكة المكرمة التي تعتبر من أهم المدن العالمية علاوة على إبراز العلاقة بين التراث العمراني والسياحة وتعريف الناشئة بمكانة مكة التاريخية والحضارية وإبراز عناصر التراث غير المادي والمتمثل في العادات والتقاليد والسلوكيات في المجتمع والفنون الشعبية ذات العلاقة بالتراث العمراني.

من جانبه، أوضح المهندس رائد سمرقندي، المشرف على المعرض، بأن هناك الكثير من المحاضرات القيمة التي ستعقد خلال الأيام القادمة، مشيرا إلى أنه قد تم اختيار نخبة من المتخصصين والأكاديميين لإلقاء هذه المحاضرات التي ستشكل عنصرا ثقافيا قويا يعكس صورة الموروث الثقافي الأصيل في هذه المدينة المقدسة ويقدم نبذة عن ما تحمله هذه البقعة العريقة من التراث العمراني الأصيل بالإضافة إلى أنه ستقام في مقر الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة ندوة خاصة عن الاستثمار في التراث العمراني بهدف تفعيل دوره في رفع مستوى التحضر للمدن - منطقة قصر السقاف.

وأضاف السمرقندي أن الحضور سيكون متاحا للجميع للاستفادة من محتويات هذه المحاضرات والتعرف على جانب مهم من جوانب التراث الخاص بمكة المكرمة، مبيننا أن المهرجان سيتخلله الكثير من الفعاليات والمحاضرات والمسابقات الخاصة بالفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والجولات السياحية.

وعلى ذات الصعيد، تفاعلت المدن السعودية يوم أول من أمس مع انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة، وتنوعت الفعاليات في عدد كبير من مدن السعودية، ففي منطقة مكة المكرمة افتتح أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار مساء أمس معرض التراث العمراني الذي تنظمه أمانة العاصمة المقدسة وجامعة أم القرى احتفالا بهذا الحدث وذلك بمتحف جامعة أم القرى بحي العزيزية بمكة المكرمة. وتجول أمين العاصمة المقدسة ومدير جامعة أم القرى المكلف الدكتور بكري معتوق عساس والحضور في أجنحة المعرض واستمعوا لشرح عن أجنحة الجهات المشاركة وما تضمه من مقتنيات وصور فوتوغرافيه ومجسمات تحكي أبرز المعالم التراثية التي تبرز التراث العمراني في مكة المكرمة ،إضافة لعرض حي لعدد من الحرف اليدوية والمهن الشعبية التقليدية. وفي جدة، انطلق برعاية أمين محافظة جدة المهندس عادل بن محمد فقيه نيابة عن الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة في برحة بيت نصيف بجدة القديمة، الفعاليات في بيت أبو صفية والبسيوني، والذي انتهت الأمانة من أعمال ترميمه وفق أحدث طرق الترميم المتبعة في المباني التاريخية على مستوى العالم وبالتعاون مع كبرى بيوت الخبرة الفرنسية.

وأوضح الدكتور عدنان عدس مدير تطوير وتأهيل العمران بالمنطقة التاريخية أن المعرض يسعى إلى توثيق وعرض وإبراز التراث العمراني المميز في محافظة جدة بما في ذلك من مبان وقرى تراثية وحرف وصناعات تقليدية وأسواق شعبية وأنماط حياة الإنسان في المنطقة، والموروث الثقافي ودور المبنى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار إلى أن المعرض يهدف إلى التوعية بأهمية التراث العمراني في المملكة التي تعد اليوم واحدة من أهم البلدان المتميزة بغنى وتنوع تراثها المعماري الذي يمثل ذاكرة الأمة.

وقال إن المعرض الذي سيقام على مدار خمسة أيام في مجمع بيت البسيوني والذي يشمل أربعة مبان تاريخية تم الانتهاء من أعمال ترميمها يضم 10 أجنحة منها ما هو مخصص للصور الفوتوغرافية والتشكيلية، والبناء بالأساليب والطرق التقليدية التراثية، والزخرفة بالأساليب والأدوات التراثية، والحرف والصناعات اليدوية، ومقتني القطع التراثية والأثرية، والأسر المنتجة، والمأكولات التراثية، وعروض الفنون الشعبية، وعروض الألعاب الشعبية، وعروض الأزياء التراثية.

وأضاف أن أهم ما يميز معرض جدة أنه يقام في مبان تراثية تم إعادة ترميمها وفق أحدث أنظمة الترميم المتبعة في المناطق التاريخية على مستوى العالم، والتأكيد على أهمية دور هذه المباني، مشيرا إلى أن المباني التاريخية تعد من أهم الموارد الاقتصادية المغمورة، ويمكن الاستفادة منها كمورد هام، حيث إن المنطقة التاريخية بجدة بها نحو 400 مبنى تاريخي يمكن إعادة ترميمها والاستفادة منها في الكثير من الأنشطة.

وبين أن الحفاظ على جدة التاريخية وإعادة إحيائها ليس فقط للحفاظ على التراث العمراني بل من أجل التأكيد على الهوية والأصالة، وأن نضع أنفسنا على المسرح العالمي، فكل دول العالم تحتفي بتراثها العمراني وتجعل منه المقصد السياحي الأول، فدائما ما يوجد شيء يربط الإنسان بماضيه ويحن إليه وهو ما يجعل للمباني التاريخية والتراثية أهمية كبرى.

وفي محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، افتتح محافظ العلا أحمد بن ناصر آل حسين معرض التراث العمراني والحرف اليدوية والمقام بالقرية التراثية «البلدة القديمة»، وتجول محافظ العلا في جوانب المعرض الذي اشتمل على الكثير من الحرف اليدوية والمنتوجات المحلية ونماذج لمقتنيات وصور فوتوغرافيه تحكي جوانب للمعالم التراثية التي تبرز التراث العمراني بالمحافظة، واستمع إلى شرح حول أهداف المؤتمر ورسالته التوعوية لترسيخ مفهوم القيم والأصالة في المحافظة على التراث العمراني، كما اطلع على برامج والفعاليات المقامة على هامش المعرض وتشمل أقامة الكثير من المسابقات الثقافية ورسوم الأطفال في الموقع ذاته.

من جهة أخرى تنظم الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع شركائها في محافظة العلا ومحافظات المنطقة رحلات سياحية وطلابية للمواقع التراثية، والتعريف بجوانب التراث العمراني بها وجهود الهيئة في مجال إعادة تأهيل المباني ومواقع التراث العمراني بما في ذلك القرى التقليدية، وإبراز الأهمية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية للتراث العمراني كأحد القطاعات الأساسية للتنمية.

إلى ذلك، أعرب ابن معمر عن أمنياته أن يسهم المؤتمر الدولي للتراث العمراني في الدول الإسلامية عن خروجه بتوصيات مهمة، وأن يصبح مظلة دولية لإحياء التراث العمراني، والعناية به، وتحويله إلى رافد استثماري حقيقي، مشيدا ببرامج الهيئة العامة للسياحة والآثار التدريبية والاستثمارية والاستفادة من التجارب العالمية في هذا الشأن.