السعودية تقلص مناهج التعليم لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة من 136 إلى 91

الأمير فيصل بن عبد الله لـ «الشرق الأوسط»: سنطلق قريبا مشاريع ضخمة استغرقت دراستها 12 عاما

الأمير فيصل بن عبد الله (تصوير: خالد الخميس)
TT

كشف الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم في السعودية عن تطبيق برامج ومشاريع وصفها بـ«الضخمة»، استغرقت أكثر من 12 عاما من الدراسة والتخطيط، ستكون الأعوام الثلاثة المقبلة موعدا لإطلاقها. وستؤدي المشاريع الجديدة إلى تقليص المناهج المقررة التي يتلقاها الطلاب في التعليم العام بمرحلتيه الابتدائية والمتوسطة، من 136 مقررا في المرحلتين إلى 91.

وربط الأمير فيصل بن عبد الله في تصريحات خص بها «الشرق الأوسط» بين تلك البرامج والمقررات الدراسية، في إشارة منه إلى مشروع شامل للمناهج، ومشروع للرياضيات والعلوم الطبيعية، ونظام المقررات في المرحلة الدراسية الثانوية، لتكون مقررات واحدة بصيغة موحدة للبنين والبنات.

وأفصح الأمير فيصل عن وجود نوايا مؤكدة لأن تكون المقررات الدراسية مخفضة عما هي عليه الآن، ويقابل ذلك الانخفاض رفع للمستوى النوعي، وزيادة في عدد ساعات الدراسة في الأسبوع.

وهنا رغب وزير التربية والتعليم في أن يسهب الشرح فيما يتعلق بالمقررات الدراسية، وأكد أن المقررات المتعلقة بالمرحلة الابتدائية ستكون 8 مقررات، وفي المرحلة الابتدائية العليا 10 مقررات، فيما سيكون نصيب المرحلة الثانوية 12 مقررا دراسيا، في حين ستكون الحصص الدراسية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ما بين 30 إلى 35 حصة دراسية في الأسبوع.

وقطع الأمير فيصل الذي تولى إدارة حقيبة وزارة التربية والتعليم العام الماضي، بأن يكون التعليم الثانوي مختلفا من حيث البناء التعليمي عن المرحلتين الأخيرتين من المراحل الدراسية، وأرجع ذلك التطور أو الاختلاف لما سماه «تجسيدا» لمفهوم التعليم بنظام المقررات، الرامي إلى أن يحدد الطالب من خلال المواد التي سيقرر دراستها بنفسه اتجاهه في المرحلة التي تلي الثانوية، مع ضرورة إكسابه مهارات عدة من الناحية المهنية، التي تعتمد على رفع مستوى الوعي، بالإضافة إلى تعزيز الشخصية لدى المتعلمين.

وحول تجربة تدريس الطلاب الذكور من قبل المعلمات في المراحل الأساسية، قال الأمير فيصل بن عبد الله «هذه التجربة هي أحد مخرجات التجريب في التعليم منذ أكثر من 24 عاما، وقد تم تطبيقها في حدود معينة لعدد من المدارس القادرة على تطبيقها، وفق رؤية تنسجم مع سياسة التعليم، بالإضافة إلى التوسع في تطبيقها في إطار المدارس الأهلية، وإخضاعها للتقييم في المراحل المقبلة، ومدى جدوى العمل على تعميمها مستقبلا».

وتتجه وزارة التربية والتعليم لاعتماد رياض الأطفال كمرحلة أساسية في التعليم العام، وفق قرار مجلس الوزراء السعودي، الذي سيعطي للطالب والطالبة الحق في الدخول بمنظومة التعليم في وقت مبكر، بل وستكون وفق آليات تضبط هذه المرحلة، وتضع البرامج التعليمية المناسبة التي تهيئ الطالب والطالبة إلى المراحل الدراسية الأساسية بشكل أفضل.

وأشار الوزير في هذا الجانب إلى أن ذلك سيسهم في تحقيق دعم لتطبيقات المقررات الدراسية الجديدة في المرحلة الابتدائية، وتتيح في الوقت نفسه توفير عدد كبير من الوظائف النسائية لطالبات العمل.

ويرى الوزير السعودي أن التعليم في بلاده يشهد تحولا استراتيجيا من حيث مستوى البيئة التعليمية، ستقود تلك المرحلة إلى بلوغ التعليم في المملكة موقعا هو الأهم على الصعيد العربي.

وأعاد الأمير فيصل التحولات الاستراتيجية تلك، لما تنفقه بلاده من أموال على قطاع التعليم بكل أفرعه، وهو ما اعتبره الوزير السعودي تأكيدا لمنطلقات وطنية تستهدف الاستثمار في الإنسان بما يواكب خطط التنمية التي ستشهدها المراحل المقبلة، بل ستشارك المملكة في سباق المعرفة وتأصيل قيم التعليم، ورفع مستوى واستثمار كل الإمكانات المتاحة، بالإضافة إلى الدعم الذي يلقاه التعليم بما يرتقي بمستوى العمليتين التربوية والتعليمية على حد سواء.

وتطرق الأمير فيصل بن عبد الله خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» دون الحديث عن الثقة الجامحة في نفوس قيادات التعليم في المملكة بالمعلمين والمعلمات، معتبرهم شريكا رئيسيا في بناء العمل التعليمي والتربوي، والمنفذين الحقيقيين للخطط والبرامج التطويرية.

وأكد رغبة الوزارة أن تطلق حزمة من الخدمات المختلفة التي تلبي احتياجات العاملين والعاملات في قطاع التعليم، مفصحا أن الوزارة تسعى لتقديم حزمة من الخدمات المختلفة التي تلبي الكثير من الاحتياجات للمعلمين والمعلمات، وتأتي عدد من الدورات التدريبية المتخصصة برفع الكفاءة وتحقيق التطور الذي يلحق بالمقررات على حياتهم العملية أولى تلك الخدمات، تقديرا من الوزارة لدورهم في تربية الأجيال المقبلة من أبناء البلاد.

واستطرد الوزير السعودي في حديثه حول التحولات التي سيشهدها التعليم إلى الحديث عن جملة من الإجراءات الإدارية التي ستنقل التعليم إلى منظومة تقنية مترابطة من خلال الحكومة الإلكترونية، التي ستجعل من التقنية محركا رئيسيا لكل عناصر العملية التعليمية، بدءا من جهاز الوزارة، ووصولا للطالب والمعلم، وربط العلاقة بينهما بالجانب التقني من خلال التواصل الإلكتروني، إضافة إلى أنظمة وتجهيزات تعتمد على توفير الدعم للمعلم والمعلمة، وتربط ولي الأمر بالمدرسة لمتابعة أداء أبنائه بشكل مباشر وميسر.

وكشف عن رغبة وزارته في إجراء تطوير للنظام الإداري والمالي، لتحقيق تطبيقات اللامركزية، وتفويض الصلاحيات، لتيسير أداء الإدارات التعليمية وفق احتياجاتها في المناطق.

وبدأت الوزارة في تطبيق مشروع «فارس» للأنظمة الإدارية والمالية، الذي سيحقق نقلة نوعية في التعامل الإلكتروني وتطبيق الحكومة الإلكترونية في إطارها المهني والفني، فيما تتجه وزارة التربية والتعليم لتوحيد السياسات والإجراءات بين إدارات التربية والتعليم، من خلال ربطها بجهاز واحد في كل المحافظات، والارتباط المباشر بـ13 منطقة تعليمية، تمثل التقسيم الإداري للمناطق الإدارية في المملكة، فيما يعمل قطاعا تعليم البنين والبنات وفق منظومة واحدة وبنظم إدارية وتطبيقية مترابطة، مع الأخذ في الاعتبار سياسة الدولة المعتمدة على الفصل بين الجنسين في التعليم.

وأفصح عن شروع الوزارة قريبا في تطبيق برنامج متخصص لاختيار القيادات التربوية من داخل الوزارة أو خارجها، بناء على دراسة شاملة للمرشحين والتقدم ببرامج زمنية لتطوير الأداء في إدارات التربية والتعليم، إضافة إلى برنامج مقنن يعتمد على تقييم الأداء وتحديد مستوى الإنتاجية على مستوى الإدارات التعليمية، وكذلك المواقع القيادية في الوزارة.

ولم يجد الوزير السعودي وزارته في منأى عن وسائل الإعلام سواء كانت المحلية أو العربية، واعتبرها شريكا هاما في تنفيذ سياسات ومشاريع الوزارة، مشيرا في الصدد ذاته إلى إطلاق حزمة من المشاريع الإعلامية الرامية إلى إشراك المجتمع في الحراك التعليمي، وإطلاعه على كل أشكال التطوير المختلفة، في ظل ما تملكه وزارة التربية والتعليم من كوادر بشرية، وتجهيزات فنية، تكفل إطلاق منظومة إعلامية تواكب المرحلة المقبلة، مشددا على دور الإعلام في تقديم رؤية متكاملة لتطبيقات البرامج التطويرية المختلفة.

وعرج الوزير في حديثه على علاقات واتفاقيات ترتبط بها بلاده مع عدد من الدول، وفي هذا الصدد قال الأمير فيصل بن عبد الله «التربية والتعليم في السعودية تربطها علاقات واتفاقيات دولية وثيقة تتشارك من خلالها في تحديد الاتجاهات والعمل المشترك من أجل تبادل الخبرات والإسهام في رفع مستوى الأداء التعليمي، من خلال منظومة العمل الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، فالوزارة عضو في مكتب التربية العربي لدول الخليج، وعضو في المنظمتين العربية والإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، بالإضافة إلى عضويتها التأسيسية في المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، في ظل تمتعها بعلاقات دولية مميزة، أهلتها لأن تكون من بين دول العالم التي تساهم في دعم اختصاصات تلك المنظمات.

* على مدى 6 عقود.. حراك لإصلاح التعليم وعلاج الخلل في محطاته - الملك عبد الله يعيد الحياة إلى القطاع لتحويله إلى بيئة منتجة ومبدعة

* شهدت السعودية منذ أيام الملك المؤسس وإلى اليوم نموا في التعليم وحدث في هذا القطاع الهام والحيوي قفزات، إذ وصل عدد الطلاب في البلاد حاليا إلى نحو 6 ملايين طالب وطالبة بعد أن كان عددهم قبل 65 عاما لا يتجاوز 65 ألفا وهو رقم متواضع جدا إذا قيس بعدد السكان الذين قدر عددهم آنذاك بنحو 6 ملايين نسمة.

وجرت في البلاد خلال العقود الماضية محاولات لتطوير التعليم وطرحت خلال العقدين الماضيين مشاريع وأفكار لإحداث نقلة في القطاع وإعادة الحياة إلى مؤسساته التي لا يشك أحد أنها تنبض بآلاف العقول والقلوب وتملك الإبداع والتميز تفاعلا مع تطورات المعرفة وثورة التقنيات لتحقيق الجودة وتحسين مخرجات التعليم وتوجيهها لخدمة ونهضة وتنمية الوطن أمام الانفجار المعرفي الكبير.

ورغم هذه المحاولات التي انطلقت في كل الاتجاهات لإصلاح وتطوير النظام التعليمي فإن النتائج على مسرح العملية التعليمية لم تتغير ولم تشهد البيئة التربوية والتعليمية تطورا لافتا وهذا ما دفع القيادة السعودية إلى طرح مشاريع وإحداث تغييرات شاملة في القطاع لعل أهمها مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم بعد أن لمس الملك أن بناء الإنسان لا يمكن أن يتم إلا من خلال بيئة تعليمية منتجة من خلال التعليم الحديث الذي يكون فيه الطالب مشاركا فاعلا ومبدعا ومبتكرا لا ينحصر دوره في الشكل التقليدي الذي يجعله متلقيا فقط وهو ما كان مألوفا وسائدا خلال العقود الماضية، كما أن هناك مشاريع أقرت لتحقيق ذات التوجه الذي هو مطلب الجميع.

ويجب الإشارة إلى أن التعليم في السعودية مر بمحطات كثيرة وشهد نقلات متفاوتة في ظروف ومتطلبات مختلفة، كما شهد أحداثا لافتة بعضها ساهم في تحقيق بعض متطلبات النجاح والتفوق وبعضها فشل في تجاوز الخلل الواضح في النظام التعليمي أمام متطلبات العصر الذي يحتاج إلى تعليم حديث يتجاوز كل الخطط والاستراتيجيات التي وضعت قبل سنوات وأصبحت في عداد الماضي أمام الثورة المعرفية الكبرى وأمام تطور تقنيات التعليم ومعه أصبح لزاما على مؤسسات التعليم التعامل مع مستجدات العصر ومتغيراته وسط اعتماد دول العالم المنافسة تقنيا واقتصاديا على الإنتاج المبني على المعرفة وحده لا غير.

السعودية لم تكن في منأى عن هذه التحديات فبدأت منذ سنوات في إقرار خطط واستراتيجيات جديدة محاولة إحداث حراك في قطاع التعليم بنوعيه العام والعالي للوصول إلى هذا المطلب الذي تنشده دول العالم المتقدمة وقطعت فيها أشواطا كبيرة بل وحققت التفرد والتميز.

ولا بد للعودة إلى البدايات الأولى للتعليم في البلاد الناشئة التي شهدت رحلة - طويلة - فيها من الصعوبات الشيء الكثير وتوقف التعليم عند محطات لافتة من نشأة «نظام الكتاتيب» الذي كان هدفه تعليم الدارسين مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعض سور القرآن الكريم ومبادئ بسيطة في علم الرياضيات أو ما يعرف آنذاك بالحساب إلى أن دخلت البلاد العصر المعرفي الحديث، ومعه بدأ الحراك للتفاعل مع هذا العصر وتحويل البيئة التعليمية إلى بيئة إبداعية وابتكارية تحقق التطور والديمومة والإنتاجية في كل شيء.

وقد نشأ التعليم في السعودية منذ أكثر من ستة عقود سجل حينها وعيا متقدما لدى الأسر في عموم مناطق السعودية، لعل أهمها أن بعض الأسر ألحقت بناتها في مدارس البنين على مقعد واحد. كما أن بعض الأسر وضعت مسؤولي التعليم ومديري المدارس أمام خيارات صعبة، فمع غياب تعليم البنات ألح بعض الأهالي على تدريس بناته جنبا إلى جنب مع البنين، ولم يكن من خيار سوى رفض تعليم البنات مع الأولاد أو قبول ذلك حيث سجلت بعض المناطق في السعودية حالات تعليم مختلطة، في حين فضل البعض تدريس بناته في الدول المجاورة ولعل أفضل من رصد هذا الواقع في تلك الفترة الأديب السعودي عبد الله عبد الجبار حيث تناول جزءا من تاريخ منسي حول التعليم وسجل فيه طرفا من رحلة الكفاح التي قادها قلة من الوطنيين المخلصين الذين أصروا على نشر التعليم في مختلف المناطق.

ففي كتابه الذي يحمل عنوان «التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية» أشار عبد الجبار إلى أن مجموع الطلاب في السعودية عام 1954م بلغ 95 ألفا وهو رقم متواضع جدا إذا قيس بعدد السكان الذين قدر عددهم في ذلك الوقت بـ6 ملايين نسمة (عدد الطلاب حاليا يتجاوز 6 ملايين طالب وطالبة في مختلف المراحل يمثلون ربع السكان).

ويوضح عبد الجبار أن أحمد أبو بكر إبراهيم يرى وفقا لما جاء في كتاب «الأدب الحجازي في النهضة الحديثة» أن التعليم الأساسي الأولي والتعليم الابتدائي أديا رسالتهما في المدن على الوجه الأكمل حتى إنك لتجد الكثرة الغامرة من البنين والبنات في هذه المدن يجيدون القراءة والكتابة. وعلى الرغم من كل ما وضع في سبيلهم من معوقات فقد صممت قلة قليلة من الوطنيين المخلصين على تعليم الفتيات بوجه أو بآخر في الداخل أو الخارج، بل إن بعض الأسر آثرت أن تقيم في مصر لا لشيء إلاّ لتنال بناتها حظهن من التعليم.

ويتناول عبد الجبار جزءا من تاريخ منسي حول تعليم البنات قبل إنشاء جهاز رسمي خاص به، وسجل طرفا من رحلة الكفاح التي قادها البعض في سبيل جعل تعليم البنات أمرا واقعا يقول: «إن أول من أدخل ابنته مدرسة حكومية بطريقة غير رسمية طبعا، هو إبراهيم نوري كبير مفتشي المعارف سابقا، فقد أتاح لها أن تدرس بالمدرسة الفيصلية التي كان مديرها الشيخ مصطفى يغمور، واقتدى به طاهر الدباغ - الذي تولى الإدارة بعده -، وبعد نحو أربعة أشهر حدثت ضجة فاضطرا لإخراجهما».

ويتابع: «في عهد الدباغ أصدرت الأوامر بإغلاق مدارس وكتاتيب البنات، وطلب إلى مفتش المعارف أن يأخذ تعهدا على مديرات المدارس بأن يمتنعن عن التعليم، ولكن المفتش بعد أن أخذ عليهن التعهد المطلوب همس في آذانهن سرا أن يمضين في الطريق»، وسجل عبد الجبار طرفا من الكفاح في سبيل تعليم البنات بالبلاد، فإلى جانب الكتاتيب المعروفة توجد مدارس للفتيات أشار إلى بعضها وهي: في مكة مدرسة «هزازية» ومدرسة الفتاة بمحلة القرارة، وبها 300 بنت ومديرتها صالحة حسين، وروضة الأطفال التي يديرها عمر عبد الجبار، ويتعلم بها البنون والبنات. وفي جدة مدرسة البنات الفلاحية، أول مدرسة أسسها محمد صلاح جمجوم عام 1932، وبلغ عدد تلميذاتها 300 بنت، والمدرسة التي أنشأتها مؤسسة الثقافة الجامعية ومديرها أسعد جمجوم، وبها ما لا يقل عن 400 تلميذة، والمدرسة النصيفية، وهي مدرسة تديرها حرم الشيخ عمر نصيف مدير أوقاف جدة، وحديقة الأطفال وهي على نظام رياض الأطفال المعروف، وكانت مختلطة تجمع بين البنين والبنات، ومدرسة روضة الأطفال وبها نحو 300 تلميذة وتعني باللغات الأجنبية، ومدرسة الخوجة في المدينة المنورة.

ويضيف عبد الجبار: ولا يفوتنا أن نشير إلى جهود حرم زين العابدين دباغ، ثم الدكتورة ليلى سليمان فيضي التي تجاوز نشاطها محيط المرأة إلى ميدان الصحافة فأسهمت فيها بمقالاتها التربوية والاجتماعية، ولإسحاق عزوز، وهو مدير مدرسة الفلاح بمكة وأحد المؤثرين في الحياة الفكرية والاجتماعية بالسعودية، ابنة في السادسة عشرة من عمرها واسمها «ليلى» تفتحت مواهبها الشعرية بعد ما وقع في يدها من دواوين الشعر قديمها وحديثها بمكتبات والدها ومكتبات غيره.

ونقف في مسيرة التعليم على حادثتين لافتتين وغير مألوفتين في المدارس السعودية، حيث سجلت قريتان نجديتان طالبتين تدرسان في المرحلة الابتدائية جنبا إلى جنب مع الطلاب البنين، في ذلك الوقت، وهو أمر لا يمكن أن يحدث في الوقت الحاضر.

* تغييرات في المناهج وكادر للمعلمين

* هناك محطات هامة في التعليم حملت تغييرات هامة طالت البيئة التعليمية من مناهج ومبان وتنظيمات. لعل أهمها تعديل مناهج الصف الأول في مادة القراءة التي حولت الطريقة التي يتم بها تعليم الحروف الهجائية من فردية أي تعليم الحروف مفردة إلى الطريقة الكلية التي يتعلم فيها الطالب المستجد الحروف عن طريق الكلمة وهي طريقة أحدثت نقلة في تعليم المبتدئين مبادئ القراءة إضافة إلى إدخال مادة الإملاء في الصف الأول الابتدائي وهي الإملاء الاختباري حيث يتزامن تعليم القراءة مع تعلم الكتابة والإملاء وهما مادتان أساسيتان بل هما الركيزة الأولى في انطلاق الطالب نحو المعرفة كما أقرت السلطات قبل أكثر من ثلاثة عقود مناهج جديدة للرياضيات سميت بالرياضيات الحديثة، فتحت الآفاق نحو عصر العلم الحديث وقضت المناهج الجديدة على إشكاليات كانت تواجه الطلاب تجاه هذه المادة وسهلت تعليمهم لها إضافة إلى إقرار مناهج للعلوم تخدم ذات التوجه.

ولا ينسى الطلاب الذين كانوا على مقاعد الدراسة قبل أكثر من أربعة عقود أن مادة اللغة الفرنسية التي كانت تدرس جنبا إلى جنب مع مادة اللغة الإنجليزية في المرحلة الثانوية لكنها ألغيت من المناهج وتم التركيز على اللغة الإنجليزية والأخيرة أدخلت في المرحلة الابتدائية قبل سنوات قليلة بعد شد وجذب حول جدوى تدريسها في هذه المرحلة.

وفيما يتعلق بالمعلمين الذين هم محرك العملية التعليمية فقد تم تطوير قدرات المعلم وتهيئته للقيام بتأدية هذه المهنة بإنشاء الكليات المتوسطة وإلغاء معاهد المعلمين الثانوية كما أقر قبل ثلاثة عقود كادر جديد للمعلمين يتضمن درجات مقبولة من الاستحقاقات المالية والدرجات التي تحقق الرضا الوظيفي لهذه المهنة.

وشهد قطاع التعليم إقرار أسلوب التقويم المستمر الذي يعد بديلا للاختبارات التي كانت وسيلة الحكم على تجاوز الطلاب للمهارات التي تعلموها على مدى عام، وقد حقق هذا الأسلوب نجاحا انعكس على تحصيل الطلاب وجعلهم أمام آفاق جديدة لتقويم تجربتهم الدراسية، ومن الممكن أن يعمم هذا الأسلوب على باقي المراحل حيث اقتصر تطبيقه على المرحلة الابتدائية.

وشهد قطاع التربية والتعليم في السعودية قبل عقد عملية دمج تعليم البنين مع البنات تحت مسمى وزارة التربية والتعليم ويعد هذا القرار تاريخيا حيث ظل تعليم «الجنسين» منفصلا إداريا طوال أربعة عقود. ووجد هذا القرار ترحيبا كبيرا من مختلف الأوساط في المجتمع، إلا من فئة متشددة لم تتفهم دوافع هذا الدمج وبعد مرور سنوات أصبح الأمر اعتياديا وزالت مخاوف هؤلاء المتشددين. وأصبح اليوم لوزير التربية والتعليم نائبة له وهو أعلى منصب تتقلده امرأة في السعودية وخلال عقود طويلة وأمام التوسع في انتشار التعليم والانفجار السكاني وزيادة أعداد المقيمين مع أسرهم، تم التوسع في إنشاء المدارس ونظرا لكثرة أعدادها وسرعة افتتاحها في مختلف مناطق المملكة، ثم الاستعانة بنظام المدارس المستأجرة التي لا تتوفر فيها متطلبات المباني المدرسية، ويتذكر الطلاب أن إشكالية المدارس تم حلها عن طريق المدارس الجاهزة التي خدمت القطاع لمدة أكثر من عقد ثم ألغيت بالتدريج وتم استبدالها بمبان حديثة وفق برنامج مرحلي ليتم بعد سنوات قليلة الاستغناء عن جميع المدارس المستأجرة، كما أقر قبل سنوات قليلة مشروع إدخال الحاسب الآلي في المدارس لكن المشروع لم يعمم.

وفيما يتعلق بالتغذية المدرسية تم قبل ثلاثة عقود إقرار مشروع التغذية المدرسية في جميع مناطق السعودية واستفاد من المشروع جميع طلاب المدارس والقرى والهجر وسار المشروع بصورة جيدة إلا من بعض الانتقادات على إحدى الوجبات التي كانت تحتوي على الحليب والفول السوداني والبسكويت والمرقوق والأخيرة أكلة شعبية ساخنة كانت تقدم باردة للطلاب في علب محفوظة وهي مصدر الانتقاد رغم أن واضعيها هم من خبراء التغذية وفي ظل هذه الوجبة اختفت المقاصف المدرسية التي طالتها سهام النقد وبعد إلغاء مشروع التغذية المدرسية عادت المقاصف المدرسية للعمل، ثم ألغيت في المدن الكبرى حيث أقر مشروع التغذية المدرسية بإسنادها إلى إحدى الشركات المتخصصة في مجال التغذية وسار المشروع بصورة طيبة ومن الممكن تعميمه على جميع المناطق في المملكة. وينتظر السكان إقرار نظام النقل المدرسي وتفعيله للقضاء على مشكلة وصول الطلاب والطالبات إلى المدارس باستخدام سيارات الأسر الخاصة التي جلبوا لها سائقين من خارج البلاد مما احدث إرباكا مروريا في الشوارع وأمام المدارس واستنزفت ميزانيات الكثير من الأسر التي لا تستطيع شراء سيارات خاصة لنقل أبنائهم وبناتهم إلى المدارس واستقدام سائقين لهذا الغرض. وشهد التعليم في العقدين الماضيين التوسع في إنشاء المدارس الأهلية أو الخاصة مما خفف العبء على المدارس الحكومية وخلق بينهما تنافسا رغم أن مناهج المدرستين لا تختلف باستثناء طبيعة المباني والأنشطة اللاصيفية وإضافة حصص للغة الإنجليزية. والرياضيات، كما أنشئت مدارس عالمية لتعليم أبناء المقيمين وفق مناهج خاصة وقد التحق بها مجموعة من الطلاب السعوديين. وجاء مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم، الذي اعتمد له مبلغ 9 مليارات ريال (2.7 مليار دولار) ليتوج كل جهود التطوير التي انطلقت قبل سنوات مما سينقل قطاع التعليم إلى آفاق أرحب ويحقق أهدافا كبيرة بتحويل البيئة المدرسية إلى منبع للمعلومات.

* المعمر لـ«الشرق الأوسط»: نحفز التعليم الأهلي لتغطية 25% من قطاع التعليم - قال: وضعنا إجراءات لتحفيز المستثمرين

* أبلغ «الشرق الأوسط» فيصل بن عبد الرحمن المعمر، نائب وزير التربية والتعليم، أن وزارته تقوم حاليا بمسح شامل لجميع الخدمات المساندة في القطاع، التي يمكن تخصيصها بحيث تتفرغ الوزارة لهدفها الأساسي وهو التخطيط والتطوير والإشراف، لافتا إلى أن المرحلة الحالية وفي ظل الاقتصاد المعرفي تتطلب إعادة هيكلة وزارة التربية والتعليم لتتماشى مع هذا المفهوم والتوجه.

وأوضح المعمر أن الخطة المأمولة من تخصيص التعليم العام تتضمن دعم التعليم الأهلي، بحيث تصل نسبة مشاركته إلى 25 في المائة، مشيرا إلى أنه تم وضع الكثير من الإجراءات التي تحفز المستثمرين على المشاركة في الاستثمار في التعليم العام.

واعتبر «أن من المأمول في هذا التوجه المشاركة في تشغيل بعض القطاعات التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم مثل الخدمات الموجهة لرياض الأطفال ومحو الأمية وتعليم الكبار وذوي الاحتياجات الخاصة وتشغيل المراكز الصيفية والترفيهية والأنشطة، إضافة إلى خدمات النقل المدرسي وطباعة الكتب والمناهج وخدمات الأمن والحراسة وخدمات التعليم الإلكترونية، بل وحتى المقاصف المدرسية».

وشدد نائب وزير التربية والتعليم على أنه في ظل هذا التوجه، فإن الأمر سيطال كل ما يتعلق بالمناهج طباعة وتأليف بما يتوافق مع السياسة العامة للتعليم في البلاد، مؤكدا أن هذا المشروع سيسهم في التخفيف من الأعباء الملقاة على كاهل الوزارة في عمليات الإشراف والصرف على الخدمات المساندة، وصولا إلى هدف تحقيق الجودة المأمولة من التعليم وتحسين المداخيل وتوفير فرص العمل، وبحيث تتفرغ الوزارة للهدف الأساسي وهو التخطيط والتطوير والإشراف على العملية التعليمية والتربوية.

ولفت ابن معمر إلى أن هذا المشروع الذي يؤمل منه إحداث نقلة في التعليم، ينطلق متناغما مع مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم الذي سيحل الكثير من العقبات والمشكلات المزمنة في قلب العملية التعليمية، موضحا أن شركة «تطوير التعليم القابضة»، التي وافق مجلس الوزراء على قيامها، ستكون المحرك الأساسي في جميع عمليات التخصيص المقبلة بمشاركة القطاع الخاص.

وأكد أن المشروع يحظى باهتمام الملك عبد الله وولي عهده الأمير سلطان والنائب الثاني الأمير نايف ومتابعة الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم.

وكانت دراسة لتطوير التعليم في القطاع الخاص قد رفعت إلى جهات عليا تتضمن تأسيس عدة شركات تتولى التعليم الأهلي. ويشار إلى أن مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم، سيسهم في انتشال الطلاب والطالبات من أسلوب التلقين المتبع حاليا في المدارس إلى تطبيق أسلوب علمي يساعدهم على المشاركة في قاعة الفصل بشكل أكبر، مما يؤدي إلى بناء مجموعة مهارات وقدرات مبنية على التفكير وسيشمل إدخال المناهج الرقمية، وسيودع العاملون في الميدان التربوي حزمة من المشكلات المزمنة في قلب العملية التعليمية. كما يتضمن المشروع إعادة تأهيل 400 ألف معلم ومعلمة من خلال دورات تدريبية مكثفة تسهم في تزويدهم بالقدرات والمهارات التي تمكنهم من إدارة الفصل الدراسي، وتصقل مواهبهم وتسهم في زيادة ولاء المعلمين للمهنة وسيلغي المشروع نظام التعليم بالتلقين، كما سيتم في ظل هذا المشروع الأخذ بأحدث ما وصلت إليه التقنية ومنها المناهج الرقمية التي تراعي الفوارق الفردية بين الطلاب.

كما أن البيئة المدرسية ستتحول إلى منبع للمعلومات من خلال ربط الفصول الدراسية بأنواع كثيرة من الشبكات، إضافة إلى إدخال الحاسوب والتقنيات الحديثة. وارتبط مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم مباشرة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، مما يعطي المشروع قوة وضمانا للتطبيق، كما أنه مشروع مؤسسي في إطار هيكلي واضح وسيطبق على مستوى وطني يعم جميع مناطق السعودية. ويأمل خبراء تعليميون أن يؤدي المشروع إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم وتوفير الكوادر الوطنية المؤهلة في سوق العمل وتقليص عدد العمالة وسيحقق ريادة علمية للسعودية في المستقبل. وفي ما يتعلق بشركة «تطوير التعليم القابضة»، التي وافق على إنشائها مجلس الوزراء العام الماضي، فقد حددت مهامها في تقديم جميع الخدمات التربوية الأساسية والمساندة وتطوير وإنشاء وامتلاك وتشغيل وصيانة المشاريع التربوية والقيام بالأعمال والأنشطة المتعلقة بذلك، ويناط بها تنفيذ مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام وتنفيذ أي برامج تطوير إضافية. وتابع الملك عبد الله الخطوات العملية التي أقرتها وزارة التربية والتعليم لتحقيق أهداف مشروع تطوير التعليم العام الذي يحمل اسمه، وهو المشروع الذي كان موعد البدء في إنجازه قد تأخر لمدة عامين بعد قراره. وحرص وزير التربية والتعليم، الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، منذ توليه مهام الوزارة العام الماضي على وضع تصورات ومنطلقات وأسس للمرحلة المقبلة وتحقيق تطلعات وآمال القيادة السعودية في ما يتعلق بقطاع التعليم العام ورفع نوعيته وجودته خلال فترة قياسية نسبية.

* د. العيسى: الإنفاق العالي على قطاع التعليم يؤكد حقيقية تطوير نظام التعليم - مدير جامعة اليمامة السابق بعد تشخيصه حالة التعليم يطالب بتحويل الوزارة إلى هيئة لصياغة سياسات القطاع

* لعل أحد أكثر من تناول قضية إصلاح التعليم في السعودية في الوقت الحاضر وطرح تساؤلات بشأن مشاريع الإصلاح في هذا القطاع ومدى نجاحه هو الدكتور أحمد محمد العيسى، المدير السابق لجامعة اليمامة في الرياض، التي احتضنت إبان إدارته فعاليات ثقافية وتعليمية مثيرة، إضافة إلى أن كتابه الذي حمل عنوان «إصلاح التعليم في السعودية.. بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية» يعد محاولة للإجابة عن تساؤلات تتناول فشل محاولات التقويم ومشاريع الإصلاح وأفكار التطوير التي طرحت أو انطلقت في كل اتجاه خلال العقدين الماضيين.

ويؤكد العيسى أن القيادة السياسية العليا في البلاد يهمها أمر التعليم، ولديها الوعي بالتحديات التي تواجهها البلاد، خاصة ضعف مستوى مخرجات التعليم، وبالتالي ضعف مستوى تأهيل القوى البشرية الوطنية وتراجع إنتاجيتها ومشاركتها في الاقتصاد الوطني، وتفشي ظواهر سلبية في المجتمع كالتطرف الفكري والسلوكي وانتشار الجريمة والتفكك الأسري وضعف مستوى الثقافة والتعامل الحضاري عند كثير من أبناء المدن والقرى والأرياف.

وشدد العيسى على أن هناك رغبة حقيقية في تطوير نظام التعليم، تتضح من خلال الإنفاق العالي على قطاع التعليم، الذي يتعدى متوسط الإنفاق على المستوى الدولي، إضافة إلى الدعم المعنوي الذي تقدمه القيادة السياسية للمؤسسات التعليمية. لكن هذه الرغبة وهذا الاهتمام لم يتحولا - حتى الآن - إلى رؤية سياسية استراتيجية واضحة، حول ماهية النظام التعليمي المراد تطويره في السعودية في بدايات القرن الحادي والعشرين، من أجل تحمل مسؤولياته في إنتاج أجيال متعلمة ومثقفة. ولاحظ العيسى أن فرق التقويم والتطوير تتبنى مبدأ سرية مشاريع إصلاح التعليم، حتى لا تدخل في صراع خارجي مع بعض القوى السياسية والفكرية، كما لاحظ ذلك في مشروع التقويم الشامل للتعليم، وكذلك في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم. وهذا المبدأ على الرغم من وجاهته البيروقراطية، فإنه يفقد مشاريع تطوير التعليم التفاعل مع المجتمع ومؤسساته.

واعتبر المؤلف أن «الثقافة الدينية» تتبنى موقفا يمكن وصفه بأنه متأرجح بين التوجس والتخوف من مشاريع «إصلاح التعليم» والمعارضة الصريحة والحاسمة لكثير من الأفكار الجادة التي تُطرح لتطوير التعليم. وهذا الموقف المتأرجح، إنما يؤدي إلى تشكيل «لوبيات» ضغط كبيرة وهائلة، ضد عملية «إصلاح التعليم» والقائمين عليها والمنادين بها، سواء كانوا من المسؤولين في مؤسسات الدولة أو من المفكرين والكتاب الذين ينادون - دائما - بإصلاح التعليم. ويرى الدكتور العيسى في كتابه أن مسؤولية وزارة التربية والتعليم، فيما يتعلق بالسياسات العامة والقرارات الأساسية في النظام التعليمي تبقى مهمة وجوهرية في صياغة سياسات النظام التعليمي، إضافة إلى سلسلة طويلة من المهام التي ترتبط بشكل مباشر بالجهاز المركزي في الوزارة، ويبقى دور إدارات التعليم في المناطق إما الإشراف على التنفيذ المباشر لتلك الخطط والسياسات، التي تصدر على شكل تعاميم وقرارات عليا، أو خلق مسؤوليات مزدوجة مع مسؤوليات الوزارة بحيث تتضارب الآراء والمصالح والحسابات بين المسؤولين، فتتشكل بيئة متخلفة إداريا وتربويا.

وأكد أن النظام التعليمي في السعودية ينبغي أن يعتمد فلسفة تعليمية جديدة، تقوم على التوازن بين التربية الإيمانية والأخلاقية والنفسية العميقة، واكتساب المهارات العقلية والسلوكية، تلك التي تجعله قادرا على الإنتاج والمنافسة في المستقبل. كما دعا إلى إيجاد وثيقة جديدة لسياسة التعليم، وأن تكون محصورة في إطار زمني معقول. مع أهمية أن تتحول وزارة التربية والتعليم الحالية إلى هيئة عليا لصياغة سياسات التعليم تعمل كالأمانة العامة للمجلس الأعلى للتعليم، مشددا على أن المناهج الدراسية في النظام التعليمي تحتاج إلى مشروع تطويري تنويري جذري.

وشكل تطوير التعليم في السعودية هاجسا للقيادة والمختصين والمفكرين والكتاب فيها على مدى العقود الماضية، وانصب الاهتمام بهذا القطاع الذي يعد الأهم في قطاعات الدولة على النمو والتوسع في فرص التعليم وإتاحة الفرصة لأفراد المجتمع كافة للالتحاق بمؤسساته، لكن هذا الاهتمام والانتشار الأفقي في التعليم - كما عبر عن ذلك الدكتور أحمد العيسى في كتابه المثير للجدل «إصلاح التعليم في السعودية» - لم يواكبه تطور حقيقي في الفكر التربوي والتعليمي، مرجعا ذلك إلى التأزم الثقافي العام، الذي شهدته الساحة الفكرية السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، بين تيارات «الأصالة» و«الحداثة». لهذا كله فإنه ليس واضحا - اليوم - ما هي فحوى الفلسفة التي يعتمدها النظام التعليمي في السعودية، فوثيقة «سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية» - تحديدا - التي صدرت في عام (1389هـ/1968م) لا تزال تمثل الوثيقة الرسمية الوحيدة المعتمدة للنظام التعليمي، لكن التطورات التي حدثت خلال هذه الفترة الطويلة قد تجاوزتها بكثير، فانعكس ذلك على القرارات تجاه التعليم»، مؤكدا في تناوله السمات العامة للمقررات الدراسية على أن الموضوعات تقدم في كل مادة دراسية باعتبارها علما مستقلا بذاته. كما يشير المؤلف إلى أن النظام التعليمي في المملكة يمنح اهتماما خاصا بالعلوم الشرعية واللغة العربية في مراحل التعليم العام كافة على حساب العلوم الأخرى، وهو ما انعكس على المخرجات والنتائج، مما يؤكد فشل النظام التعليمي بشكل واضح على المستوى النوعي، وبالتحديد على مستوى كفاءة المخرجات التعليمية.

ووقف العيسى على بعض معايير الفشل في مستوى النوعية، وكفاءة المخرجات في النظام التعليمي السعودي، ومنها المستوى التعليمي، حيث يفتقد الخريجون كثيرا من المعارف والمهارات، التي تمثل الحد الأدنى لمتطلبات النجاح والتفوق في الدراسات الجامعية، أو الانخراط في سوق العمل.

وضمن حزمة من مشاريع التطوير وإصلاح الأوضاع القائمة في مختلف قطاعات الدولة، أطلق الملك عبد الله مشاريع لتطوير التعليم ومعالجة الخلل فيه، لعل أهمها مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم الذي سيسهم في انتشال نحو 6 ملايين طالب وطالبة من أسلوب التلقين المتبع حاليا بالمدارس إلى تطبيق أسلوب علمي يساعد الطلاب على المشاركة ويؤدي إلى بناء مجموعة مهارات وقدرات مبنية على التفكير مع شمول المشروع إدخال المناهج الرقمية.

وبدأت وزارة التربية والتعليم السعودية خطوات لنقل القطاع إلى آفاق أرحب وإحداث تغييرات جذرية في أسلوب إدارة القطاع الذي يعد أهم القطاعات في البلاد بما يحقق جودة التعليم، انطلاقا من مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وذلك بمشاركة القطاع الخاص من خلال مشروع تخصيص الخدمات المساندة للتعليم، بهدف حل مشكلات مزمنة في قلب العملية التعليمية، والوصول إلى الجودة، وبحيث تتفرغ وزارة التربية والتعليم للإشراف والتخطيط والتطوير، مع العلم بأن الميزانية الجديدة لعام 2010 تضمنت، تخصيص 137.6 مليار ريال لقطاع التعليم بشقيه العام والعالي، وأيضا تدريب القوى العاملة، تمثل 25 في المائة من النفقات المعتمدة للعام المالي الحالي، وبزيادة نسبتها 13 في المائة عما تم اعتماده في ميزانية 2009.