العثور على بئر أثرية خلال تمديد أنابيب مياه محلاة في «رجال ألمع»

السياحة والآثار لـ«الشرق الأوسط»: دراسة تاريخ البئر والاستفادة منها كمعلم سياحي

نائب القرية والباحث محمد غريب والمواطن سالم حديش أثناء معاينتهم للبئر المدفونة («الشرق الأوسط»)
TT

عثر، أول من أمس، في محافظة رجال ألمع، في منطقة عسير، جنوب السعودية، على بئر أثرية، يتوقع أن يزيد عمرها عن القرن، وذلك خلال عمليات حفريات لإحدى الشركات المنفذة لتمديد أنابيب المياه المحلاة في أعلى وادي كسان، من الناحية الغربية لقرية البتيلة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أنه على عمق أكثر من سبعة أمتار ظهرت بئر مغطاة بصخرة كبيرة، ومشيدة بالحجارة، وذلك عندما أزاح سائق آلية الشركة الصخرة الكبيرة عن فوهة البئر التي كانت تفيض بالماء.

وأوضح حسين يحيى قاسم، نائب عشيرة البتيلة، أن البئر التي ظهرت صدفة بعد حفر الشركة المنفذة لأنابيب المياه المحلاة، عمرها أكثر من سبعين سنة، ولا يعرف عن هذه البئر شيئا، وأنه تحدث مع كبار السن في القرية، فأكدوا أنهم لا يعرفون شيئا عنها، مطالبا الشركة المنفذة بالحفاظ على الموقع وعدم دفنه، كما دعا وزارة الزراعة، والهيئة العامة للسياحة والآثار، والدفاع المدني، بالحفاظ على هذه البئر، باعتبارها موقعا أثريا قديما، وطالب بدراستها دراسة أثرية، لتحديد زمانها وعمرها.

من جهة أخرى، قال المواطن سالم حديش إنه ليس متأكدا، ما إذا كانت البئر «بئر علي»، كما كنا نسمع من الأولين، وطالب الجهات المسؤولة باستخراج هذه البئر والمحافظة عليها، فمحافظة رجال ألمع شحيحة من المياه، والأهالي بحاجة ماسة إلى وجود مثل هذه البئر.

من جهته أكد لـ«الشرق الأوسط» عبد الله مطاعن، المدير التنفيذي لجهاز السياحة والآثار في منطقة عسير، أنه ستتم معاينة هذه البئر من قبل فريق الآثار في منطقة عسير، وسيقومون بدراسة زمانها وتاريخها، وتحديد عمقها، والاستفادة منها كمعلم سياحي في المنطقة.

إلى ذلك أكد محمد المتحمي، محافظ رجال ألمع، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه من المحتمل أن يزيد عمر هذه البئر الأثرية عن 100 سنة، وذلك بحسب رأي كبار السن، الذين تجاوزت أعمارهم الـ100 سنة، حيث أكدوا أنهم لم يسبق لهم أن سمعوا عنها شيئا، ولذلك نعتقد، وبحسب قول محافظ رجال ألمع، أن تكون هذه البئر أثرية، تعود لأكثر من 100 سنة.

وبين أنه زار البئر برفقة نائب عشيرة البتيلة، للوقوف على مستجداتها، إلا أن السيول التي اجتاحت الوادي خلال الأيام السابقة، أدت إلى طمرها تماما، مما أخر عملية الوقوف عليها.

وأوضح المحافظ أن الطريق الذي وجد فيه البئر عبارة عن واد كان يستخدم كطريق تجاري، يربط بين محافظة رجال ألمع وباقي المدن التجارية، كاليمن، وذلك لتبادل البضائع التجارية.

وكشف أنه رفع خطابا للأمير فيصل بن خالد، أمير منطقة عسير، بهدف تشكيل لجنة تضم الهيئة العامة للسياحة والآثار والزراعة والمياه في منطقة عسير، من أجل تحديد طريقة تسليمها، وإلى من ستسلم، إلى جانب دراستها دراسة علمية، خاصة أن هناك أثرا لحبال كانت تتخذ سابقا لرفع الماء من البئر، مما يدل على أنها بئر أثرية تعود لأكثر من 100 سنة.

وأفاد المتحمي بأن هناك جهودا من المواطنين «من أبناء محافظة رجال ألمع» لتسلم البئر، والوقوف عليها من قبل فاعل خير، وحمايتها من الأيدي العابثة، بيد أن هذا الأمر، وفق ما ذكر، لم يحسم، فما زال العمل جاريا على عدة محاور، وهذا أحدها. وعن كيفية إعادة الحفر للكشف مرة أخرى عن البئر، بعد أن طمرت جراء السيول، يقول المتحمي: «ستنبش البئر يدويا، حتى لا تتأثر الأحجار المستخدمة في بناء هذه البئر؛ إذ إنه من الممكن أن تتلف آلات الحفر حجم وشكل البئر، مما قد يؤخر عملية تحديد تاريخها وزمنها».

من جانبه، أكد محمد غريب، وهو باحث في مجال الآثار، أن وجود هذه البئر ليس مستغربا؛ لأن الإسلام جاء إلى قبائل ألمع بن عمرو، وهم أهل هذه المحافظة، منذ الأزل، وقرية البتيلة ذات جذور تاريخية قديمة، واسمها مشتق من الجبل الذي به المساكن الحالية، ولأن البتيلة في اللغة تعني «الهضبة المنقطعة من الجبل»، وكانت هذه القرية فيما مضى تسمى «حوط القلافي»، وأول من سكنها بعض أفراد من آل يعلى، من قرية نوخان، من مجنب عمرو، الذين كانت مساكنهم تمتد من رصعة الميل، حتى حورة آل عبد المتعالي، وهم من بطون قبيلة قيس، إحدى قبائل محافظة رجال ألمع، كما سكنها قديما آل غراب وآل سويد، وآل عيسى، وجمعيهم من فخوذ المجرعة من قبيلة قيس.

وأضاف: «هذه البئر قديمة جدا، وهي من مواردهم، وكانت تستخدم للشرب وسقي مواشيهم، وعند دراستها من المختصين، سيتحدد عمقها وماؤها وعمرها».

من جانب آخر وقف المتحمي على البئر، وقال: «تقدم نائب قرية البتيلة بخطاب رسمي، وطالب فيه الجهات المسؤولة باستخراج هذه البئر، والحفاظ عليها، وعلى ضوء هذه المطالبة تم الرفع والعرض على أمير المنطقة، الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز بهذا الشأن، وسيتم التنسيق مع الجهات المختصة كالزراعة والهيئة العامة للسياحة والآثار للحفاظ على هذه البئر، فهي أثرية، ولا يعلم أحد من كبار السن في القرية أو ما جاورها شيئا عنها، وطالب الأهالي بالعمل على معرفة تاريخ وزمن هذه البئر، والمحافظة عليها، والتأكد من صلاحية مائها للاستعمال الآدمي».

وناشد المتحمي جميع المواطنين أن يحافظوا على الآثار القديمة، وعدم العبث بها، سواء أكانت آبارا أو حصونا وقلاعا في أي مكان في المحافظة، فهي مصدر سياحي، وتاريخ لهذه المحافظة.

من جانب آخر قال نائب قرية البتيلة، حسين يحيى قاسم، إن أهالي القرية سيتعاونون على تنظيف مكان البئر، ويبحثون عن فاعل خير لاستخراجها وإقامة مصدات من السيول لحمايتها، وأكد أنه قام بالاستفسار من كبار السن، ومنهم إبراهيم بن عبد الله دهل، الذي يبلغ من العمر أكثر من تسعين عاما، فأفاد بأنه لا يعلم شيئا عن هذه البئر.

المواطن محمد علي سوادي قال: «نحن نرحب بأي مساهمة من الأهالي وغيرهم لاستخراج هذه البئر، فهي مصدر مائي»، وكانت البئر قد ظهرت بالصدفة بعد الحفر على مسافة أكثر من سبعة أمتار بآلية للشركة المنفذة، لتمديد أنابيب المياه المحلاة، وظهرت فوهة البئر مغطاة بصخرة كبيرة وبأخشاب يظهر فيها أثر الحبال التي كان الأولون يستخدمونها في جلب الماء من قاع البئر، ومحاطة من الجانب الشمالي باتجاه جريان الوادي بجدار مصد عن أخطار السيول.