جدة: 24 شهرا من الحرب ضد «الغراب الهندي» تقلص أعداده إلى 15%

مدير صحة البيئة لـ«الشرق الأوسط»: وردت إلينا شكاوى من سفارات وقصور ومشاريع إسكان والمطار الدولي

TT

قدرت أمانة جدة نسبة تراجع أعداد الغربان في جدة إلى 15 في المائة عن أعدادها السابقة قبل عامين نتيجة حرب شنتها الأمانة على مدار 24 شهرا مضت، مؤكدة النسبة التي تساعد في الحفاظ على التوازن البيئي.

وبحسب عوض القحطاني، مدير الإدارة البيئية في أمانة جدة، فإن لجان عمل تشكلت لمحاربة انتشار الغربان، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحاجة برزت لتكوين اللجنة بعد ملاحظة زيادة أعداد تلك الطيور، حيث عملت اللجنة من خلال مشروع مستقل ومتكامل لمحاربة فصيلتين منه انتشرتا في شوارع وأروقة مدينة جدة الساحلية.

وبيّن أن الخطة أحكمت في السنتين الماضيتين، وأنه لولا عملية التوازن البيئي لتم القضاء عليه بشكل كامل، وزاد: «تبقى ما نسبته بين 10 إلى 15 في المائة، من أجل خلق توازن بيئي، كما تم استقطاب خبير بيئي من جامعة الملك عبد العزيز لمعالجة انحساره».

وكانت القنصلية الأميركية في جده، ومن خلال فترتي عمل قنصلين سابقين قد شكت من الوجود الكثيف للغربان، وكان مبنى القنصلية الأكثر تضررا من «غارات» الغراب الهندي.

ودفعت الشكاوى الأميركية لتمكين ثلاث لجان بيئية لتطهير مبنى القنصلية واقتحام مخابئ الغراب الهندي، وهو ما أفصح عنه أحمد الغامدي، المتحدث الرسمي لأمانة جدة، الذي أكد الحادثة، وحفز الإدارة البيئية لمعالجة التكاثر الكبير في القنصلية، موضحا أن الشكوى تكررت في عهد القنصل الأخير، وقامت فرق المكافحة على إزالة كامل الأعشاش وإتلاف البيض، وتسميم اللحوم التي يتغذى عليها الغراب، نافيا في ذات السياق أن تكون الفرق المعنية قد استخدمت «البنادق» في القضاء على الغربان في جميع الأماكن التي تم استهدافها.

ولم يقف غزو الغراب الهندي عند القنصلية الأميركية فحسب، بل دخل إلى مباني قنصليتي الهند وإيران - بحسب الغامدي - إلى جانب عدد من القصور الملكية ومطار الملك عبد العزيز الدولي، ومنطقة الكورنيش والإسكان الجنوبي، وقال: «تمت محاصرتها حتى في أعمدة الإنارة بحكم حدس الغراب الهندي، الذي يعمد إلى الاستقرار في الأماكن التي يعتقد أنه من غير الممكن الوصول إليها».

الدكتور محمد شبراق، أستاذ الأحياء في جامعة الطائف وأحد الذين شاركوا في عملية إزالة الغراب الهندي من عدد من هذه المقرات الرسمية، أشار إلى أن فصيل الغراب الموجود في جدة موطنه الأصلي في شبه القارة الهندية، وبيّن في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه يرتبط في معيشته بالإنسان، لذا تجده عادة داخل المدن الساحلية فقط، ويعتبر من الطيور المقيمة، ولا تهاجر أو تتنقل لمسافات بعيدة، وإن كان في الهند يقوم بتحركات لمسافات بعيدة، ولكن هذه التحركات تعزى إلى البرودة الشديدة في الشمال، حيث يقصد المناطق الجنوبية والمناطق المنخفضة البرودة. وأردف: «بشكل عام لا يعرف لهذا النوع تحركات موسمية».

وقال شبراق: «بدأ هذا الطائر في الانتشار في كثير من المدن الساحلية بالجزيرة العربية والخليج العربي، وفي السعودية سجل حضورا في معظم المدن الساحلية ذات الموانئ التجارية المهمة مثل جدة وينبع والظهران والجبيل، وحل في وقت قريب في ميناء جيزان».

وعزا انتشاره في السعودية إلى السفن القادمة لهذه الموانئ، خصوصا أن هناك مدنا شاطئية قريبة تربطها حركة تجارية بينها وبين موانئ المملكة يوجد بها هذا الطائر بشكل كبير جدا مثل الحديدة وبورسعيد وبورسودان، وأكثر المدن احتضانا له مدينة عدن في اليمن، والتي تمت فيها عدة محاولات خلال العقد الماضي للتخلص من هذه الطيور، ولكنها عادت مرة أخرى خلال السنوات الماضية وبشكل ملفت للنظر.

وأفاد استاذ الأحياء بجامعة الطائف، ان الغربان آكلة أعشاب وآكلة لحوم في نفس الوقت، لذا فهي قادرة على التأقلم على المتوفر من الغذاء، وهذا يعطيها فرصة للعيش أكثر من الطيور الأخرى.

وتعتمد هذه الطيور بشكل كبير على الإنسان في تغذيتها، ويمكنها أن تقطع 16 كيلومترا من منطقة تعشيشها إلى مناطق التغذية، كما أنه مسجل كسارق ماهر تخصص في سرقة الغذاء من المزارع ومن داخل البيوت ومن الإنسان نفسه وحيواناته. وعلاوة على ذلك فهذه الطيور لديها قدرة للتعرف السريع على الأجواء المحيطة بها، وهذا يعنى أنها تتعامل بذكاء في جميع الأحوال، حيث لوحظ أنها تغير من أوقات تغذيتها عند وقوعها تحت ضغوط المكافحة، فهي تتغذى في الليل في المناطق لتفادى المكافحة.

وفي دراسات أجريت على هذا النوع في مصر لوحظ أنها تتغذى في الصباح الباكر تفاديا لاحتكاكها بالإنسان، الذي يقوم بطردها وإطلاق النار عليها.

وزاد: «تتجمع هذه الغربان كمعظم أنواع الغربان في تجمعات كبيرة حول مناطق التغذية والراحة، وتصل أعدادها من خمسة طيور إلى 130 طائرا، وفي مناطق في مدينة جدة تم تعداد أكثر من 500 طائر في حديقة واحدة، وهذه المنطقة هي من مناطق الراحة لهذه الطيور، والتي تبدأ في الوصول إليها قبل الغروب وتغادرها قبل شروق الشمس، وعادة ما تكون هذه المنطقة عبارة عن أشجار كبيرة قوية الفروع كثيفة الأوراق. ومع بداية موسم التكاثر تنفصل الأزواج وتبقى الطيور الصغيرة التي لم تبلغ سن التكاثر في مناطق التغذية وتختار مناطق أخرى بعيدة عن أعشاشها».

ويعود الدكتور شبراق للحديث عن مسألة تكاثر الغراب بقوله: «يختلف موسم التكاثر لدى الغراب المنزلي من منطقة لأخرى، ويمكن حصره بين شهري يناير (كانون الثاني) وأغسطس (آب)، وفي السعودية سجل موسم التكاثر في فصل الربيع بين شهري فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول)، وفي بعض الأحيان يمتد إلى شهر أغسطس، ويتعاون الزوجان في بناء العش وحضانة ورعاية الصغار، وإن كانت الأنثى تقوم دائما ببناء العش حيث يقوم الذكر بمناولتها المكونات وهي تقوم بترتيبه وببنائه، وتقوم بعض الغربان باستعمال نفس العش لعدد من السنوات بعد ترتيبه وزيادة بعض المكونات».

وبيّن أن هذا النوع من الغربان يمكن أن يتشارك عدة أزواج - يصل أعدادها إلى عشرة أزواج - لبناء أعشاشها في شجرة واحدة، وتقوم بالدفاع عنها، لذا فهي تعمل مثل المستعمرة، وتضع الأنثى نحو 2 - 5 بيضات، وتبلغ فترة الحضانة من 16 - 17 يوما، وفترة الرعاية للصغار التي تحتاجها إلى أن تستطيع الطيران نحو 21 - 28 يوما.

أما في ما يتعلق بمناطق التعشيش فقال: «جلب بعض الأشجار الكثيفة الأوراق، التي توفر موقعا جيدا للتكاثر والراحة لهذه الطيور، زاد من انتشارها، وأخيرا عدم وجود نظام يمنع دخول مثل هذه الطيور للبلد، وربما بعد توقيع السعودية لمعاهدة التنوع الحيوي التي توصي بعدم دخول الأنواع غير المستوطنة للبلاد سوف يوفر مناخ عمل لهذا القانون».

ولحرص كثير من الدول لعدم وصول هذه الطيور إليها فهي تقوم بالقضاء على الكائنات الغريبة عليها في عرض البحر وقبل رسو السفن بالميناء، ففي أستراليا تحرص السفن قبل الرسو في الموانئ على القضاء على الطيور الدخيلة، التي منها هذه الطيور، وهي في عرض البحر قبل وصولها للشاطئ.

وعما تم في مدينة جدة للحد من أعداد الغربان، قال الدكتور شبراق: «إن وضع السموم في بعض المواقع وإطلاق الرصاص عليها قد يؤدي إلى عكس ذلك، أي لزيادة أعدادها. فالدراسات السابقة أشارت إلى أن هذه الطيور ذكية ويمكنها التعامل مع أساليب المكافحة بتغيير أوقات وأماكن تغذيتها، كما أن إطلاق الرصاص عليها سوف يساعد في انتشارها، حيث إن إطلاق النار على مجموعة قد يقضي بالكثير على 30 - 50 في المائة من المجموعة، أما الباقي فسوف يهرب ويتفرق».

وأشار إلى «ضرورة دراسة هذه الطيور بشكل تفصيلي، بمعنى «اعرف عدوك»، فمتى تعرفنا على هذه الطيور ونقاط ضعفها يمكن أن نتعامل معها». وزاد بقوله: «الحقيقة أن الخطة الاستراتيجية شملت هذا الجانب، إلا أننا نود أن نركز على هذا الجانب، وذلك لأن هناك تجارب سابقة للهيئة مع تزايد أعداد القرود، كما أن هناك أحد الأنواع المستوطنة والمهددة بالانقراض في السعودية كاد أن يقضى عليها بسبب عدم قدرة العاملين بمكافحة هذه الغربان على التفريق بينها وبين هذه الغربان الدخيلة، وهذه الدراسة يجب أن تأخذ جانبين: الأول الدراسات المعملية، والآخر الدراسات الميدانية. فالدراسات المعملية تهدف إلى استخدام المقاومة الحيوية للتخلص من هذه الطيور، كما أن الاتصال بخبرات عالمية عملت على مكافحة هذه الطيور في مختلف أنحاء العالم يمكن أن يساعد من خلال الاستفادة من أبحاثهم وتقاريرهم في هذا المجال. أما الدراسات الميدانية فتشتمل على الدراسات البيئية والسلوكية لهذه الطيور، والتعرف على مواقع تعشيشها وطرق ومناطق تغذيتها وتحركاتها، حتى نوعية الأشجار التي تعشش عليها أو الأشجار التي تخلد إليها للراحة».