60% نسبة تسرب طلاب وطالبات الجامعات خلال العامين الماضيين

مسؤولون ربطوه بدخول أقسام لا تناسبهم.. واعتبروه أمرا معقدا مرتبطا بسياسة التعليم

ضرورة توسع الجامعات في برامجها للتعرف على ميول الطلاب واهتماماتهم للقضاء على ظاهرة التسرب («الشرق الأوسط»)
TT

أكدت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مسؤولة في جامعات سعودية تجاوز نسبة تسرب طلاب وطالبات الجامعات المحلية 60 في المائة خلال العامين الماضيين، وذلك نتيجة نمطية طرق التدريس والمناهج بها، معتبرين في الوقت نفسه تلك المسألة من الأمور الأكثر تعقيدا والمتعلقة بمسيرة التعليم في المملكة.

وتأتي تلك التصريحات في وقت أعلن فيه مؤخرا الدكتور عبد الحميد العبد الجبار وكيل جامعة الفيصل لشؤون الطلاب أن نحو 70 في المائة من خريجي الثانوية العامة يلتحقون بالجامعات بشكل عشوائي.

وأرجع أسباب تلك العشوائية إلى عدم امتلاك الطلاب الأدوات الصحيحة اللازمة لكيفية التعرف على قدراتهم وإمكاناتهم واختيار التخصص والجامعة المناسبة لهم، مشددا على أهمية توسع الجامعات في البرامج المختلفة للتعرف على ميول واهتمامات الطلاب بهدف الحد من نسب التسرب في الجامعات السعودية.

وكان الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي قد أبان في وقت سابق أن تسرب الطلاب المبتعثين عن طريق وزارة التعليم العالي في الجامعات الأجنبية خارج السعودية أقل بكثير من تسرب الطلاب في الجامعات المحلية، غير أنه لم يفصح عن نسب محددة في تلك القضية، مضيفا أن ذلك يعود إلى أسباب عدة من بينها أسباب عائلية وعدم التوافق والانسجام مع الجامعة التي يتم اختيارها.

وكشف الدكتور عبد العزيز العثمان عميد عمادة السنة التحضيرية في جامعة الملك سعود بالرياض، لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ نسبة تسرب الطلاب خلال العامين الماضيين ما يقارب 35 في المائة، مرجعا سبب ذلك التسرب إلى طرق التدريس التقليدية التي من شأنها أن تتسبب في الملل لدى الطلاب.

وقال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت تلك النسبة انخفاضا في جامعة الملك سعود بعد بدء تطبيق نظام السنة التحضيرية لتصل إلى ما يقارب 10 في المائة فقط»، مشيرا إلى أن عمادة السنة التحضيرية تسعى لتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، إلى جانب إكساب طلاب وطالبات الجامعة مهارات مختلفة.

يأتي ذلك في وقت أوضح فيه سعيد الغامدي عميد الكلية التقنية في بيشة خلال تصريحات سابقة لوسائل الإعلام أن التسرب من مقاعد الدراسة والتدريب يكاد يكون مشكلة تعانيها معظم المؤسسات التعليمية والأكاديمية والتدريبية.

ولفت إلى أن نسب التسرب تتفاوت بين جهة وأخرى، بالإضافة إلى أن مسبباتها تتباين أيضا بين الجهات المختلفة، مبينا أن كل ذلك يخضع لعوامل متعددة من بينها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب عوامل ذات علاقة ببيئة التدريب أو الدراسة.

الدكتور عبد الفتاح المشاط عميد التسجيل والقبول في جامعة الملك عبد العزيز بجدة أكد لـ«الشرق الأوسط» على أن نسبة تسرب الطلاب والطالبات في الجامعة لا تقل عن 30 في المائة، مرجعا أسباب ذلك إلى وجود قنوات بديلة للتعليم العالي من شأنها أن تجذب هؤلاء الطلاب إليها. واعتبر وجود تلك القنوات أحد أسباب تسرب الطلاب والطالبات من الجامعات السعودية خاصة في بداية سنواتهم الدراسية، والتي من ضمنها برامج الابتعاث التي يمكنها استقطاب الطلاب من الجامعات لإكمال تعليمهم خارج السعودية.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن عدم الوعي الكامل بأسلوب التعليم العالي من قبل المجتمع المتمثل في الأسرة والجامعات كمنظومة متكاملة أدى إلى تكوين مفهوم خاطئ لدى الطالب عن الجامعات السعودية».

ومن ذلك المنطلق، بدأت الجامعات السعودية تتجه أخيرا نحو تطبيق نظام السنة التحضيرية الذي يتميز بوسائل تعليمية ومناهج دراسية مختلفة تماما عن تلك الموجودة داخل قاعات المحاضرات المعتادة، وذلك كأحد حلول القضاء على إشكالية تسرب طلابها وطالباتها.

وبالعودة إلى عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة الذي علق قائلا: «بدأت الجامعات السعودية مؤخرا في تطبيق نظام السنة التحضيرية بعد انتباهها لمسألة تسرب الطلاب والطالبات، وذلك في محاولة منها لتفادي النتائج المترتبة عليها».

وأشار إلى أن نظام السنة التحضيرية من المفترض أن يعمل على سد الفجوة بين التعليم العالي والعام وليس خلق أخرى بينه وبين الجامعة، لا سيما أن دراسة السنة التحضيرية تعتمد على أساليب تقنية عالية بخلاف التعليم الجامعي والعام على حد سواء.

وشدد على ضرورة الموازنة بين أساليب الدراسة في السنة التحضيرية والأساليب الأخرى الموجودة في الجامعات، في ظل اكتساب الطلاب والطالبات لمهارات إضافية لم يحصلوا عليها من قبل عن طريق السنة التحضيرية، مشيرا إلى أنهم قد يفاجأون بتعليم مختلف عن ما تلقوه في السابق.

وزاد: «نعمل في جامعة الملك عبد العزيز على تحقيق التوازن من خلال التوافق بين التعليم العام والجامعي عبر السنة التحضيرية التي تعد أول سنوات المرحلة الجامعية، خاصة أنها لا تزيد العبء على الطالب أو الجامعة ما عدا في محاولة إكسابه مهارات إضافية في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي».

وبحسب ما يراه عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة فإن نظام السنة التحضيرية سيسهم في التقليل من نسب التسرب خلال الأعوام القادمة، موضحا عدم وجود إحصائيات دقيقة حول أعداد المتسربين في ظل بدء تطبيق ذلك النظام منذ عامين فقط.

وبين أن فصل الطالب من الجامعة لا يتم من السنة الأولى إلا في حال إقدامه على فعل يستدعي ذلك، بحسب الأنظمة واللوائح، غير أنه لم تتم مواجهة أي مشكلات خلال السنة الأولى، لا سيما أن الطالب عادة ما يكون حريصا على مقعده - بحسب قوله -. وأضاف: «لا يتم قبول الطلاب والطالبات في كافة الجامعات السعودية إذا ما تم فصلهم تأديبيا، بينما من الممكن التحاقهم بجامعات أخرى في حال تعرضوا لفصل أكاديمي متعلق بتدني مستواهم التعليمي».

من جهته، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عمر السويلم عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران أن مسألة تسرب الطلاب في الجامعات السعودية تعد من أكثر الأمور تعقيدا، مرجعا سبب ذلك إلى غياب تعريف حقيقي لمفهوم التسرب.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تعتبر تلك الكلمة دقيقة جدا، غير أن الكثير من الباحثين يعملون على أبحاثهم دون الوعي بمفهوم التسرب»، لافتا إلى أن البعض يعتبر خروج الطالب من الجامعة تسربا، إلا أنه قد يلتحق بجامعة أخرى، وهو ما يعرف لدى الدول الأخرى بأنه قد أكمل الدرجة العلمية في مكان آخر.

وأشار إلى أن ما يتم التصريح به من نسب وأرقام حول حجم تسرب الطلاب في الجامعات يفتقر إلى الحقيقة، لا سيما أن الخلط بين المفاهيم والتعريفات يعطي معلومات مختلفة تماما عن المغزى المطلوب - بحسب قوله -.

ولكنه استدرك قائلا: «قد يسهم نظام السنة التحضيرية في انخفاض نسب التسرب كونها تهدف إلى تعلم اللغة والمواد العلمية، عدا عن تهيئة الطالب لجو الدراسة الجامعية ومتطلباتها باعتبارها مختلفة تماما عن المرحلة الثانوية من حيث طرق التدريس ونمط الاختبارات ونوع الكتب والدخول إلى المحاضرات»، مبينا أن كل تلك الأهداف تتحقق من خلال السنة التحضيرية في الجامعات.

وأكد عميد القبول والتسجيل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران على تطبيق الجامعة لنظام السنة التحضيرية منذ بداية نشأتها، إلى جانب بدء توجه الجامعات السعودية لتطبيقها، موضحا أن ذلك النظام يشهد تطويرا وتحديثا في برامجه كل عام، فضلا عن إضافة المهارات وبعض المتطلبات التي من شأنها أن تساعد الطالب على التأقلم مع الحياة الجامعية.

وحول حالات الفصل الأكاديمية أو التأديبية التي قد يتعرض لها الطلاب في الجامعة، أفاد بأن ذلك موجود ضمن لائحة النظام في حال تدني مستوى الطالب بشكل كبير، إلا أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تتبع نظام المتابعة الدورية.

وزاد: «يتمثل هذا النظام في متابعة أداء الطالب أثناء التحاقه بالجامعة وفي كل فصل دراسي من خلال تقييمه وإعطائه بعض التوجيهات لتحسين وضعه أو التوقف للتأكد من سير مسيرته بشكل صحيح»، مشيرا إلى أنه في جال وجود أي أسباب أو ظروف تحول دون تحسن أداء الطالب تعاد له الدراسة بعد تخطيه لتلك الظروف.

وذكر أن المتابعة الدورية لا تقتصر على الطلاب أصحاب المستويات المتدنية، وإنما تشمل المتفوقين وغيرهم والذين يحصلون على مكافآت تشجيعية من قبل الجامعة، لافتا إلى عدم وجود نسب معينة لحجم التسرب في الجامعة كونها تتفاوت بتفاوت طرق التدريس والمناهج والخطط الدراسية -على حد قوله -.

يشار إلى أن الدكتور محمد الصالح الأمين العام لمجلس التعليم العالي في الجامعات السعودية كان قد عزا في وقت سابق تسرب الطلاب من الجامعات إلى دخولهم في تخصصات لا يرغبون فيها ولا تناسبهم، مؤكدا في الوقت نفسه على أن أهمية السنة التحضيرية تكمن في أنها ستحد من التسرب كونها توجه الطالب إلى التخصص الذي يرغبه، فضلا عن تزويده بمهارات مختلفة وتطبيقية يحتاجها في العمل، إضافة إلى حدّها من الهدر في مؤسسات التعليم.