أميركيون عاشوا مع عائلاتهم في السعودية من خلال «آرامكو»: إنها أرض الخيال والأحلام والثراء

دارة الملك عبد العزيز ترصد انطباعاتهم وذكرياتهم في فترات مختلفة حيث ولد البعض فيها أو وصلها طفلا وغادرها شابا

الملك عبد العزيز محاطا بأطفال أميركيين وسعوديين وذويهم أثناء زيارته للظهران في الأربعينات الميلادية
TT

تركت مجموعة من الأميركيين الذي نشأوا في السعودية خلال فترات زمنية في عهد الملوك عبد العزيز وسعود وفيصل، خاصة أولئك الصغار الذين ولدوا فيها لآباء يعملون هنا، ونما لديهم إحساس بالمصير المشترك، حيث نشأوا وترعرعوا في بلد ينمو بدوره وينشأ ويتطور على جميع الأصعدة استفادة من كميات النفط التي تفجرت في الجزء الشرقي من البلاد؛ ترك الجميع انطباعات وذكريات ومواقف تحمل كثيرا من المعلومات والمشاعر التي لا يعوزها الصدق، واسترجعوا تلك الذكريات أثناء وجودهم في السعودية، التي طبعتها قلوبهم في بدايات نشأة الدولة وبعد عمليات التنقيب والتصدير للنفط من تلك الأرض الضاربة في القدم التي تنام على بحيرات سلعة من أهم السلع في العالم، وهي الذهب الأسود.

وسجل عدد من أبناء الولايات المتحدة الذين أصبحوا أعضاء في رابطة أبناء العاملين الأميركيين في شركة «آرامكو» بالسعودية، التي تعد واحدة من أكبر الشركات العاملة في مجال النفط، وكانوا أطفالا عند قدومهم مع ذويهم إلى السعودية، انطباعات تميزت بصدقها وإحساسها العميق بالرابطة مع الأرض والناس الذين عاشوا معهم أو ولدوا بينهم بعد أن وجدوا أنهم تعايشوا مع المجتمع ووجدوا الاحترام المتبادل والفهم الصحيح للآخر، انطلاقا من تجربة «آرامكو» التي احتضنت هذه المجموعة من الأميركيين كما احتضنت السعوديين الذين ملكوا أخيرا الشركة وأصبحوا يديرونها بكل نجاح واقتدار.

ولعل من اللافت أن هذه الذكريات والانطباعات التي اختزنتها ذاكرة الأميركيين كشفت عن تأثر أصحابها بالمجتمع السعودي ومبادئه العظيمة، ولا يزالون إلى اليوم يحملون في قلوبهم كل تقدير واحترام للسعودية قادة وشعبا، بل إن هؤلاء الذين قضوا معظم سنوات طفولتهم في السعودية وغادروها وهم شباب ما زالوا يحملون ذكريات عن ملك عظيم ويذكرون بكل وضوح الملك المؤسس عبد العزيز ونظرته الحانية ومصافحته الدافئة لهم حيثما استقبلهم، ويتذكرون بحزن رحيله عن الدنيا، ولكنهم كانوا يدركون الأمن والأمان الذي تواصل واستمر في البلاد نظرا لحكمة أبناء الملك الراحل وقدراتهم وتمرسهم، وقد صاغ أحد هؤلاء الأطفال مشاعره في عبارة بليغة حين قال: «أحس بأنني محظوظ أكثر من أبناء أعمامي عندما أعود إلى الولايات المتحدة؛ ذلك أنني أحظى برعاية رئيس ورعاية ملك».

تبنت دارة الملك عبد العزيز التي تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرا لها وتعد حاضنة تاريخ البلاد تسجيل هذه الانطباعات التي سردها أعضاء «رابطة أبناء العاملين الأميركيين» في شركة «آرامكو» ومقرها ولاية تكساس الأميركية وإصدارها في كتاب رأى النور عام 1998م وذلك قبل ثلاث سنوات من أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، غطى انطباعات وذكريات أميركية عن الحياة والعمل في السعودية خلال الفترة من عام 1938 إلى 1998م، وقد وصف الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الدارة في تقديمه، الإصدار بأنه «يعد جزءا من التقدير لصداقة ثمينة عبرت عنها كلمات عدد من أبناء العاملين من الولايات المتحدة الأميركية في المملكة العربية السعودية في الفترة الماضية، التي جاءت بمثابة شواهد صادقة على محبتهم للمملكة ولقيادتها وشعبها ومبادئها وتقاليدها»، مشددا على أن الملك عبد العزيز عندما بدأ في مشروع البناء الحضاري لدولة قوية الأركان، كان يضع نصب عينيه السير على نهج آبائه، فأسس دولة حديثة قوية، استطاعت أن تنشر الأمن في أرجائها المترامية الأطراف، وأن تحفظ حقوق الرعية، بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وامتد عطاؤها إلى معظم أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وكان لها أثر بارز في السياسة الدولية بوجه عام، بسبب مواقفها العادلة والثابتة، وسعيها إلى السلام العالمي المبني على تحقيق العدل بين شعوب العالم، وجاءت عهود بنيه من بعده امتدادا لذلك المنهج القويم.

من جانبه، علق الدكتور مايكل كروكر رئيس جمعية أبناء العاملين في «آرامكو» بالولايات المتحدة الأميركية الذي عاش مع عائلته في السعودية من عام 1942 إلى 1981م في مقدمة الكتاب الذي جمع مادته وصدر في الرياض باللغتين العربية والإنجليزية، وتزامن مع مناسبة مرور مائة عام على دخول الملك عبد العزيز الرياض وانطلاق تأسيس السعودية؛ بقوله: «كان لي شرف مقابلة ثلاثة رجال عظماء في المملكة العربية السعودية، وكان لكل واحد منهم أثره الحميد علي، مما حدا بي إلى أن أحبهم وأمتزج بالتالي بتقاليد وعادات هذا البلد الرائع، قابلت الملك عبد العزيز عندما كنت في الخامسة تقريبا، كما قابلت الملك سعود عندما كنت في الثامنة، وقابلت الملك فيصل عندما كنت شابا، وصرت أدرك المعنى الحقيقي لكلمة ملك، أنا أميركي أتبع لرئيس، ولكنني أيضا رجل يدين بالولاء لملك.

إنني أتشرف بمحاولتي هذه لمساعدة أصدقائي في أرض الملك عبد العزيز لإعداد هذا الكتاب، ولتكن آخر كلماتي في هذا الخصوص هو ما كتبته في زمن ما، وهو ما أكتبه هنا مرة أخرى:

إنني ربيب بيتين: بيت آل سعود، والبيت الأميركي. لقد نشأت على حب الصحراء وعلى حب الحياة الجميلة على الطريقة العربية منذ وصولي إلى المملكة عام 1371هـ/ 1951م. نشأت هنا وأنا أشعر بالأمان لإحساسي بأن الشعب السعودي يحميني، وكان والدي يعرف المملكة جيدا، وكان يحكي لي بوصفي طفلا صغيرا، عن حبه للصحراء.

تعلمت الكثير من أصدقائي، وما زلت أتعلم حتى الآن، عرفت قسوة حرارة الصحراء وشدة برد الليالي، ولكنني شغفت أيضا بجمال الكثبان الرملية واندهشت لجمال السماء ليلا، حيث تكون النجوم في متناول أصابعنا.

علمت بكرم الملك وبحسن ضيافة المواطنين، وعرفت عن العدالة الإسلامية النافذة والأكيدة، والطريقة الإسلامية للحياة، واحترمت القانون هنا أكثر بدافع من هذا التوجه، قضيت فترات ممتعة في الرمال مع البدو، وتعلمت ألا أتوه أبدا، وأكثر من هذا كله، أيقنت أنني وسط أصدقاء.

قدمت لي شركة النفط أرفع أنواع التعليم، علمني السعوديون الشرف وعزة النفس، الإخلاص والأمانة، وفي خيمة البدو في الربع الخالي تعلمت كيف أعمل على البقاء وكيف أتعقب الأثر، وامتطيت ظهر حصان عربي يسابق الريح على طول ساحل العزيزية. إن عظمة هذه الأرض بمثابة الأوبرا بالنسبة لي، الأغاني التي أسمع إيقاعها ملأت جوانحي بالهدوء والسلام وهو ما لم أجده أبدا في مسيرة حياتي اللاحقة، إن الصداقات التي كونتها والإخوان الذين أفتقدهم الآن جعلوا المملكة العربية السعودية موطنا لي أكثر من بلادي بالميلاد.

وكلما حل أي من أولئك الملوك البواسل ثم رحل عنا تركت الصحراء صورهم وبصماتهم كأنما تفعل ذلك احتراما لهم.. وكانت مخيلتي تجري وراءهم، وكانت دموعي تنهمر كأنما أفتقد برحيلهم أبا.. إن هؤلاء الملوك الأشاوس كانوا حقيقة بالنسبة لي مثل أسود الصحراء وعندما رحلوا عن دنيانا تأثرت البلاد برحيلهم.

شكرا مملكتي السعودية الحبيبة، للحياة التي حبوتني إياها في كنفك، وللثقة التي علمتنيها، وللمعرفة التي أتحتها لعائلتي، وللصداقة والرفقة والإخاء الذي سمحت لي أن أشارك فيه أصدقائي هنا.. إخواني وأخواتي في المملكة العربية السعودية».

وشدد الدكتور فهد عبد الله السماري أمين عام دارة الملك عبد العزيز صاحب فكرة الإصدار ومحرره، على أن هذا الإصدار نابع من قلوب أناس عاشوا في السعودية واطلعوا على مكامنها الحقيقية، وجاءت كلماتهم تنبض بالتقدير والإعجاب، مقدما شكره للأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الدارة على دعمه لهذا الإصدار من منطلق رعايته للصداقة وللأصدقاء، كما قدم شكره للدكتور مايكل كروكر على جهوده في جمع مادة الكتاب، معتبرا أن الانطباعات التي رصدت مشاهدات عدد من الذين سبق أن عملوا وعاشوا في المملكة أبرزت حقيقة المجتمع السعودي من خلال عيون الآخرين الذين وجدوا فيه الشموخ في مبادئه وعاداته وتقاليده.

وتصدرت الصفحة الداخلية الأولى من الإصدار صورة طفلة تصافح الملك المؤسس، وجاء تعليق صاحبتها ماري برايان التي عاشت في السعودية منذ عام 1946 حتى 1949م قائلة: «كنت تلك الطفلة ذات القبعة البنية. لا أذكر التفاصيل، لكنني أذكر جيدا مصافحة الملك عبد العزيز لي، لم تكن يده قاسية على يدي بل كانت حانية، ولا أستطيع التعبير عن تلك المصافحة بالكلمات، لكنها جعلتني أشعر بالحبور والارتياح».

وعبر 91 من أصدقاء السعودية من جمعية أبناء عاملي «آرامكو» في الولايات المتحدة عن مشاعرهم وعواطفهم وعن حياتهم بوصفهم «أطفال الرمال» ونظرا لطول المادة التي تضمنها الكتاب، فإننا سنكتفي بإيراد بعضها وتحديد السنوات التي غطتها هذه الانطباعات.

* «ما زلت أعدها بلدي»

* «كنت ضمن أول خمس نساء أميركيات يصلن إلى المملكة، كان ذلك عام 1946م. وأذكر جيدا أن سموم الحر لفحتني أول ما نزلت من سلم الطائرة، حينها قلت لنفسي لقد وجدت المكان الذي يروقني، عسى أن أرتاح من البرد والصقيع، كانت معاملتنا كأول نساء أميركيات نصل إلى هناك معاملة كريمة، وقدموا بنا إلى الظهران التي كانت فيها أفضل خدمات، وسكنّا في وحدات منظمة ومريحة. وافق الملك عبد العزيز على زيارتنا عندما يأتي إلى الظهران، وصل الملك عبد العزيز إلى الظهران وأقام معسكره المؤقت بالقرب من ميادين التنس، وذهبنا لمقابلته، وكان يجلس على كرسي جميل، لم نكن نعرف هل علينا أن نرتدي قفازات أم لا ولم يكن لدينا أي منها، وقام أحدهم من متاجر «آرامكو» بتزويدنا بزوج من القفازات البيضاء لكل واحدة منا في الليلة التي كانت قبل ذهابنا إلى هناك.

كان الملك عبد العزيز شخصا رائعا، كان طويلا ووسيما، عندما تكلم فكأنما حمل الهواء صوته عبر الساحة كلها، كان صوته رخيما، لكنه صوت مليء بالحزم والسلطة، كانت كلمته نافذة، أذكر إلى هذا اليوم الابتسامة الكبيرة والإحساس الكبير بالدفء والحماية النابعة من الملك الذي ذكروا لي عنه أنه كان رجل حرب عظيما. لقد أعطاني في ذلك اللقاء عقدا من اللؤلؤ وما زال العقد معي، وما زلت أشعر بقوة كلما وضعت العقد حول عنقي. كان برنامج ذلك اليوم حافلا مليئا بالتفاصيل، وقد وضع مدفع صغير أمام المعسكر لإطلاق قذائف تشريفية للملك، وعندما حان وقت الإطلاق حدث شيء ظريف؛ أطلقوا نيران المدفع ولكن قذيفة المدفع انطلقت لنحو عشرين قدما وسمع الجميع بعد ذلك صوت ارتطام القذيفة بالأرض من دون أن تنفجر، وكنت أعلم أن الفزع تملك الجنود لأن خطأ ما قد حدث وربما تكون العواقب وخيمة، ووجم الجميع، وعمّ هدوء تام لترقب ما سيحدث، وفجأة بدأ الملك يضحك بصوت عال، وتملكه الضحك حتى ضحكنا كلنا معه، وهكذا امتص الملك فزع الجميع بضحكته العامرة.

في أيامنا تلك بدأت مشكلة فلسطين، وكان كثير من السكان يلومون «آرامكو» ويلوموننا نحن الأميركيين بسبب فلسطين، وأصدر الملك قرارا يقول: «إن الأميركان في أرضنا هم ضيوفي، ويجب معاملتهم بناء على ذلك»، وبذا لم تعد هناك مشكلات في أي مكان في المملكة.

غادرت المملكة نهائيا عام 1955 بعد عامين من رحيل ذلك الإنسان العظيم عن دنيانا، وما زلت أشعر بالمملكة العربية السعودية وأفتقدها. لقد أحببت ذلك البلد وأناسه، وحتى هذا التاريخ ما زلت أعدُّها بلدي.

كارول دو بريست هوج (1946 – 1955م)».

* كان ملكا حانيا

* «في ذات صباح في مطلع الخمسينات وأنا أتوجه نحو مدرستي بمدينة الظهران وبالقرب من حوض السباحة جرى نحوي عدد من صديقاتي زميلات الدراسة وأخبرنني أن السيد أوكونور سيقوم بمخاطبة الطلاب قبل دخولهم إلى الفصول، وربما يسمحون لنا اليوم بالخروج مبكرا، وحدث ما قالته زميلاتي؛ إذ خرج مدير مدرستنا السيد أوكونور إلى ساحة المدرسة وتجمعنا للاستماع إليه، فقال لنا: (أيها التلاميذ: علمت للتو أن صاحب الجلالة الملك سعود سيزور الظهران، وستتم دعوة طلاب الثانوية لمقابلته في حفل شاي بعد الدراسة يوم الأربعاء). ونظرنا أنا وصديقاتي بعضنا إلى بعض بفرح وارتسم فرحنا في ابتسامات كبيرة.

وفي البيت ونحن على العشاء في ذلك المساء أخبرت والدي بالخبر السار، وابتسم، وقال: (ألم تلاحظي أنهم يرممون البيت الذي خلف سكننا؟ إنهم يعدونه ليكون منزل ضيافة لبعض حاشية الملك، وبذا يمكننا رؤية كثير من رجال الملك هنا)، ذهبت بعد العشاء لأنظر إلى البيت خلف منزلنا الذي أشار إليه والدي، ورأيتهم بالفعل يصلحون المنزل الموجود عبر الشارع ويقومون بطلائه، وبالطبع كنت آمل أن ينزل الملك نفسه في ذلك البيت، ولكنني علمت أنه سينزل في منزل ضيافة آخر مخصص للشخصيات الكبيرة، وفي يوم لقاء الملك لبست أفضل فستان عندي مع الغطاء، كنت مليئة بالفرح والانفعال، حتى أنني لم أستطع التركيز في دروس ذلك اليوم، وعندما قرع الجرس بنهاية الحصص، انتظمنا جميعا في صفوف حسب الفصول، وسرنا في طابور طويل من المدرسة إلى بيت الضيافة الكبير، حيث ينزل الملك.

وعندما وصلنا رأينا موائد طويلة وفوقها أواني الشاي وقطع الكيك والفطائر التي جلبت من الظهران من أرقى محلات المأكولات بها، كانت هنالك خيمة كبيرة منصوبة على العشب الأخضر، حيث يجلس داخلها جلالة الملك وأعضاء العائلة المالكة الموقرون.

وطلب منا السيد فريد ديفيس رئيس شركة «آرامكو» أن نحيي الملك. ومن الصور التي شاهدناها سابقا عرفنا جميعا من يكون الملك بين الجلوس الكرام، كان يرتدي «الشماغ» ذا اللونين الأحمر والأبيض والنظارة الشمسية التي يلبسها دائما، كان يبدو حانيا.

وقف الجميع وصفقوا له لمدة طويلة، ثم تلا ذلك كلمات ترحيب تمت ترجمتها للعربية. ظللت أنظر إلى جلالة الملك سعود ابن الرجل العظيم الذي وحد المملكة العربية السعودية، وسمح لنا نحن الأميركيين بالحضور إلى المملكة العربية السعودية المدهشة المليئة بالجديد، كان الملك يجلس على كرسيه وعلى وجهه ترتسم نظرة رضا وهو محاط بالناس الذين يعملون في بلده، وعندما طلب منا أن نتقدم نحن الطلاب لنصافح الملك، أمر جلالة الملك بأن يحضر له الكرتون الكبير، فأحضر ووضع بالقرب منه، وبعد أن صافحنا بحرارة، أعطى كل واحد منا علبة معدنية من حلويات الكرامل الإنجليزية، إنها ذكرى حلوة عن كل السنوات المدهشة السعيدة التي قضيتها في المملكة العربية السعودية، وعن اليوم غير الاعتيادي، حيث أتيحت لي الفرصة لأن أصافح الملك.

ديان ماكوود ناولاند (1950 - 1960م)».

* ابتسامة جد

* «أول وآخر انطباع لي يرد في الذاكرة عن المملكة العربية السعودية هو الحرارة، إنها حرارة لا تشبه أي شيء مماثل عرفته سابقا أو صادفته من بعد، إن الحرارة شديدة للدرجة التي يخيل للمرء فيها أنه يمشي في فرن ذي تيار هوائي ساخن، ولكن تلك الحرارة ليست مزعجة إطلاقا، أنا أعلم أن لدينا مكيفات هواء في كل مكان ولكنني لا أذكر أنني كنت منزعجة من تلك الحرارة، وبمجرد أن نرجع من الإجازة وفي اللحظة التي نكون فيها في طائرة (آرامكو) نكون في وطن آخر نحبه، وعندما نخطو خارج الطائرة نعانق الحرارة فنشعر أنها تنزل علينا بردا وسلاما.

أول مرة رأيت فيها الملك كانت ربما في أواخر عام 1950م، وبالطبع لم نحظ بالحديث معه، وأعتقد أنه أطول شخص رأيته في حياتي، ولديه ابتسامة دافئة ومشجعة، إنها مثل ابتسامة جدي حين تغمرني..

لا أذكر أنني كنت أخاف من الذهاب إلى أي مكان في أي وقت من النهار، وكان سائقو سيارات الأجرة والحافلات يعملون على إيصالنا للجهات التي نريدها بكل دقة وأمان، لا أذكر أننا كنا نغلق أبواب منازلنا، لقد كنا نشعر وكأننا عائلة واحدة.

ماري لويس روهويدل لونج (1949 - 1970م)».

* أغلى من أي كنز

* «أحاول منذ سنين أن أشرح لأصدقائي ومعارفي من الأزواج والزوجات والمعلمين والسياسيين ورجال الأعمال وأطفالي، ماذا تعني النشأة في المملكة العربية السعودية، وكيف أن هذه التجربة كان لها وما زال تأثير عميق على حياتي، وهو عمل قد يكون مدعاة للإحباط لو لم يكن قد تسنى للقائم به أن يزور هذا البلد ويقيم فيه حتى يكون شرحه مستندا إلى فهم ومعرفة. ولعل أفضل أسلوب لاستخدام طريقتي التي اتبعتها في الشرح هو أن يوجد المتحدث في نفسه القدرة على التعامل مع أسئلة دأب معظم الناس على توجيهها إلي عندما أبدأ في الحديث عن تجربة إقامتي في المملكة وتأثير الثقافة السعودية الكبير على حياتي، ومن أمثلة هذه الأسئلة: (إنهم يقطعون رؤوس الناس ويقطعون أيديهم، أليس كذلك؟)، وأجيب دائما بنعم، فهذه هي فعلا العقوبات على بعض الجرائم الشنيعة التي ترتكب هناك، ثم أسعى لشرح كيف يعمل النظام القضائي السعودي، ولماذا العقوبات في السعودية محددة وتنفذ في العلن وتتسم بالشدة، وبعد ذلك لا ألبث أن أترك هذا الموضوع سريعا لأنتقل إلى شرح كيف أن الشعب السعودي استوعب بشكل رائع دينه ونشاطات حياته اليومية وقسوة بيئته الطبيعية في إطار ثقافة تتسم بالإنسانية والوئام والشمول، وكما أوضحت، فإن قليلا من السامعين كانوا يستطيعون التحرر من أسر الصور المغلوطة التي تشكلت في أذهانهم عن الطبيعة العدوانية للعرب وفسادهم بسبب تطبيق هذه العقوبات، أو استهداف وسائل الإعلام العالمي تشويه صورتهم، فهؤلاء السامعون يسألون عما إذا كنت رأيت بنفسي تطبيق مثل هذه العقوبات، فأرد كارها بالقول: (نعم)، ولكن أواصل الإيضاح كيف أن روعة وجمال المملكة العربية السعودية والحياة اليومية فيها كان لها تأثير عميق في حياتي، ومعظمهم يظهر استمرار المحاولة، لأنني مقتنع أن طريقة الحياة السعودية تتضمن ما يمكن أن يتعلمه كل من قابلته وسوف أقابله. لقد أقمت في المملكة العربية السعودية واستفدت بما تعلمته من ثقافتها طوال مدة إقامتي هناك، وأقدم فيما يلي قائمة ببعض قواعد السلوك التي اعتاد السعوديون تطبيقها بشكل يومي بمختلف فئاتهم الاجتماعية؛ أولا: احترم أصدقاءك، ثانيا: كل الناس سواسية، ثالثا: أحب أسرتك، رابعا: لا تأخذ ما ليس لك، خامسا: كن كريما، سادسا: ساعد من هم أقل منك حظا، سابعا: الحياة الإنسانية كلها غالية، ثامنا: كن مؤدبا دائما، تاسعا: تحرَّ عمن تتاجر معه، عاشرا: كن مجاملا وابحث عن المعرفة. إن نشأتي في المملكة كانت هبة ثمينة ونادرة من حيث إنها وفرت لي ثراء في حياتي أكثر من الثراء الذي كان سيوفره لي العثور على أي كنز، ودليلا للحياة يفوق أي دليل سواه، فشكرا لك: أيتها المملكة العربية السعودية.

ستيفن إن وود (1950 - 1966م)».

* جسور المحبة

* كلف أبي، ليستون هيلز، في عام 1938م بمهمة عمل التمديدات الكهربائية للقصر الملكي القديم للملك عبد العزيز المبني باللّبن، وشعر أبي أن اختياره لهذه المهمة كان شرفا عظيما له، ورمزا للعلاقة المتبادلة بين الأميركيين في الأيام الأولى لـ(الشركة العربية الأميركية للزيت) (آرامكو) والسعوديين، فالأميركيون يقدمون التقنية الحديثة في مقابل تعرفهم على شعب الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) وثقافته الغنية وتمتعهم بضيافته المعهودة. إنني أتذكر ذهابي في صباي إلى الصحراء بصحبة أبي وصديق له، وقد كنا نلتقي هناك بين الفينة والأخرى بعائلات بدوية، وندعى من قبلها لتناول الشاي أو القهوة في مضارب خيامها، وكنت في تلك الأيام صبيا كبيرا، لذلك كان يسمح لي بالجلوس مع الرجال، ولكن لم يكن يسمح لي بالتوجه إلى قسم النساء لأختلط بالنساء والأطفال. إن كرم ضيافة هؤلاء البدو وابتسامتهم والمواشي التي كانت ترعى بالقرب من خيامهم لا تزال تمثل صورها في ذاكرتي. إن المملكة العربية السعودية كانت مكانا رائعا لنشأة الأطفال؛ إذ كانوا يلقون فيها الحب والعناية وتجعل لهم قيمة كبيرة ويعتز بهم، لقد كان كل العرب الذين التقيت بهم طيبين بلا استثناء ودائمي الترحيب بي كطفل، وعندما نقلت شركة (آرامكو) أبي من المملكة إلى مقر عمل جديد خارجها أثناء دراستي الثانوية توجهت لأوروبا لإكمال دراستي، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية لأواصل دراستي الجامعية، وعلى الرغم من هذا فقد كنت أكن أعظم الحب للشعب السعودي، الذين عاملوني بتلك الطيبة عندما كنت طفلا، وعندما كبرت عملت مدرسا للغة الإنجليزية كلغة ثانية في الولايات المتحدة، وكنت أثناء عملي ألتقي وأقوم بتدريس كثير من الطلاب من الشرق الأوسط، كما كنت ألتقي أحيانا بأميركيين يسمعون كلمة (عربي) فيربطون بينها وبين كلمة (إرهابي)، ولكنني كنت أعمل لفك مثل هذا الارتباط في أذهانهم، وأنا سعيد لأنني أستطيع أحيانا أن أكون بمثابة جسر ثقافي بين طلابي العرب وبين الأميركيين الذين يحيطون بهم، وبهذه الطريقة أتمكن بأفضل ما أستطيع التعبير عن تقديري لأولئك الذين أتاحوا لي الفرصة لأتعرف على ثقافتهم وأستمتع بكرمهم عندما كنت طفلا.

بات فينلايسون (1936 - 1972م)».

* الهدية

* في أحد أيام أبريل (نيسان)، وأعتقد أن ذلك كان عام 1959 سافر والدي ووالدتي واصطحبوني معهم إلى أحد مواقع عمل الوالد النائية، كانت الشركة تشيد مدرسة تقع على مسافة ساعتين من المنطقة التي نعيش فيها، وكان والدي هو المشرف على المشروع، كان اسم المدينة هو الهفوف، ويقال إنها واحدة من أقدم المدن التي ظهرت في العالم، كان من المتوقع أن يصل الملك إلى هذه المدينة في زيارة لمدة يومين لحضور الاحتفالات، وبما أن والدي كان هو المشرف المسؤول عن بناء المدرسة، فقد كان يلقى تقديرا عاليا من المواطنين، وقد تمت دعوتنا لوليمة فاخرة أقامتها إحدى العائلات على شرفنا وبعدها أوصلونا إلى المدينة بسيارتهم، وفي أثناء الطريق وقبل وصولنا مررنا ببوابة علقت فوقها مظلة تحفها الأعلام السعودية المميزة، وقال لنا الأشخاص الذين استضافونا إن الملك بنفسه سيمر عبر هذه البوابة بعد عدة أيام، وسوف يمنح الملك هذه الأعلام للأشخاص الذين يرغب في أن يشرفهم، أذكر أنني علقت على تلك الأعلام بأنها جميلة، وبعد مدة وصلنا وودعنا مضيفينا، كان يوما ممتعا قضيناه مع أشخاص يختلف أسلوب حياتهم كليا عن أسلوبنا.

وبعد انقضاء عدة أسابيع جاء والدي في إحدى فترات الظهيرة وفي يده مغلف وقال إنه لي، وتملكني حب استطلاع حتى إنني وددت لو أمزق الغلاف تمزيقا، وسرعان ما تكشف لي ذلك عن علم مشابه للأعلام التي كانت تخفق في السماء فوق البوابة التي مررنا عبرها بالهفوف، وسألت والدي بدهشة.

* كيف حصلت على علم كهذا؟

- الملك أرسله لي.

* الملك أرسله لك؟

قال والدي:

- أصدقاؤنا ذكروا له كيف أنك أعجبت بالأعلام، وكيف أنك تستحقين علما.

سمعت طوال الوقت الذي عشنا فيه في المملكة العربية السعودية قصصا جميلة عن الملك. وكطفلة أميركية، فإن إدراكي كان محدودا عن قوته، لكنني أعرف أنه بذل اهتماما ملحوظا للسهر على حياتنا ورعايتنا عندما كنا في بلاده.

كانت خائفة منه في الحقيقة، وبعد هدية العلم أصبحت كطفلة أنظر إلى الأمر من زاوية مختلفة، فما دام قد أظهر مثل هذا العطف على فتاة صغيرة لم يرها أبدا، فإنه ليس مخيفا، وأدركت أنني مهمة مثل الآخرين ما دام الملك قد اهتم بي على هذا النحو.

وأنظر الآن إلى تلك الواقعة بعقل شخص راشد، إنني لا أعرف إن كان الملك قد أرسل لي ذلك العلم أم إنه كان يعني به والدي، ولكنني أعلم أنه كان حقيقة أحد الأعلام التي مر الملك بها في الهفوف، إن ذلك العلم يحظى بالمكان الذي يليق به من الشرف في منزلي إلى الآن.

دانيل دانو نزيو (1948 - 1969م)».

* السمو اللطيف

* «قابلت الملك سعود عندما كنت ربما في السادسة من عمري، كان هنالك استعراض رائع يتكون من سيارات وشاحنات كبيرة أيضا، وكان هنالك جنود يمشون في مارشات عسكرية منتظمة أيضا، وبعض الجنود يقفون على شاحنات يرتدون القبعات العسكرية المميزة وتزين سواعدهم ملابسهم ذات علامات الصقر، ويبدو لي أن هناك فرقة موسيقية عسكرية مصاحبة لهؤلاء الجنود، كنت واقفة في صف أنتظر الملك عبد العزيز، وعندما حان دوري نظرت إليه فوجدته يرتدي عباءة بنية حوافها ذهبية اللون، كان شخصا كبيرا وطويلا مثل أبي الذي كان طوله خمسة أقدام وست بوصات، ولكن الملك بدا لي أطول وأكبر وأكثر ضخامة، مس الملك كتفي ثم أعطاني علبة حلوى مزخرفة، كانت عيناه حانيتين مثل جدي، كانت كفاه كبيرتين قياسا بكفي لكنهما رقيقتان، وبدا لي حين مس كتفي أنه لم يلمسه على الإطلاق.

مرت السنوات وكنت دائما أتساءل لماذا كان الملك سعود يقابل هذا الجمع الذي لا نهاية له من الأطفال الأميركيين الذين تنضح طفولتهم بشقاوة الطفولة، هل كان يباركنا؟ هل كان يصنع أصدقاء لمستقبل المملكة؟ أم أنه كان يرينا أنه ليس هناك شيء مما نخافه في وطننا الجديد؟ أم أنه كان يصنع بفعله هذا من نفسه نموذجا يحتذى لشعبه؟

شارون رومين آيرس (1952 - 1954م)».

* مصادقة أميرة

* «أعتقد أن معظمنا نحن الأطفال الأميركيين الذين كنا في المملكة العربية السعودية في الأربعينات والخمسينات يتذكر مجيء الملك سعود إلى الظهران وإقامة مخيمه على النجيل الأخضر (بيت هاملتون) كنا جميعا نمر من أمامه ونصافحه ونتسلم منه الهدايا. الشيء الذي لا يعرفه كثيرون هو أنه يحضر مع بعض أفراد عائلته، وكانوا ينزلون في بيتين في الشارع الحادي عشر، كان أحد هذين البيتين مجاورا لمنزلنا مباشرة والآخر عبر الشارع، وكانت الحواجز الخضراء المعروفة تفصل ما بين البيوت، كنا دائما نشعر بكل نزيل جديد في هذين البيتين لأن الحرس الوطني بملابسهم التقليدية عادة ما يظهرون حين يأتي الملك، وينتشرون حول بيوت الضيافة الملكية تلك، في أحد هذه الأيام وعند السادسة مساء كنت أختلس النظر - كما يفعل الأطفال - عبر السياج الذي يفصل بيننا وبين بيت الضيافة الملكي، وتعرفت بهذه الطريقة على إحدى الأميرات الصغيرات، كان اسمها الأميرة لولوة، كانت لديها ضفيرتان طويلتان غزيرتا الشعر، وكنت أعجب بهما لحد الوله، وأصبح الحرس يسمح لي بالدخول والخروج وكنا نلعب معا بفرح، وأذكر جيدا أنه في إحدى المرات حين استدعت أمها جميع أبنائها لدخول حجرة النوم كنت هناك، لذلك دخلت مع صديقتي الجديدة الأميرة الصغيرة ورأيت كيف أن زوجة الملك وضعت حقيبة كبيرة على حجرها وبدأت في إخراج بعض النقود، وحتى لا تجعلني أشعر بحرج العزلة وضعت قطعة نقود ذهبية في راحتي، وفيما بعد، وعندما أبرزت هذه الهدية لوالدتي أخذتها مني وقالت إنها ستحتفظ بها في مكان آمن، لم أرها مرة أخرى حتى حان عيد ميلادي الحادي والعشرين، حينها أرجعت لي تلك العملة الذهبية، وقد نظمت ضمن بروش ذهبي على هيئة شمس ساطعة، إنني احتفظ بهذه القطعة من المجوهرات إلى هذا اليوم وسأحتفظ بها حتى أقدمها فيما بعد لابتني كقطعة ذهب ملكية مهداة إلي من بيت الملك سعود.

لورنا ويزوس مير (1949 - 1983م)».

* نهاية عهد

* عشت في المملكة العربية السعودية في الفترة من عام 1950 إلى عام 1956م (من عمر 9 إلى 15 سنة)، وكان والدي رالف أوجدين يعمل محاسبا ويسافر بين جدة والرياض، حيث كانت لديه أعمال ينفذها مع رجال البنوك السعوديين والمسؤولين الحكوميين.

وحدث أن زار الملك عبد العزيز الظهران بعد مدة وجيزة من وصولنا واستقبل المواطنين والزوار ممن كانوا يودون مقابلته، كان يجلس في الفناء المرصوف ويرتدي الملابس التقليدية، الشماغ الأحمر في الأبيض وعباءة بنية. زي الملك بسيط ولكن حضوره ومظهره مهيب وفخم، كان الملك عالي الطلعة جليلا، وقد تركت معاركه في لهيب الصحراء بصمات خفيفة على وجهه، أنا في تلك السن (10 أو 11 سنة) كانت تدهشني الحياة الملكية كما أسمع عنها فما بالكم بي حين أقابل الملك نفسه، وزار سمو ولي العهد الظهران أيضا، وارتفعت الأعلام ترفرف شاهقة للترحاب به وصدحت موسيقى الفرق العسكرية، ونصبت الخيام حول بيت الضيافة لمجموعة من الناس بملابسهم التقليدية المميزة، وهم يربطون حولهم سيوفا ضخاما وخناجر، وعلى الرغم من هذه الصرامة فإنهم فلم يكونوا خطرين على الإطلاق، كانوا ودودين يقفون معنا لالتقاط الصور، ويجيبون عن مختلف الأسئلة، وهم ربما يتملكهم حب الاستطلاع، ويريدون أن يتعرفوا علينا كما كنا نحن نرغب في الشيء نفسه بالنسبة لهم، وعقد اجتماع مدرسي على شرف ولي العهد، نذكر بوضوح اليوم الذي مات فيه الملك، كان يبدو مثل اليوم الذي مات فيه جون كنيدي، لم يمر وقت طويل بعد زيارته لنا حتى توفي، كنت أتذكر أن الهواء كان ساكنا ومخيفا في ذلك اليوم كأنه الهواء الساكن الذي يسبق العاصفة، وأطلقوا سراحنا من المدرسة، ووجدت نفسي عند ساحة بيت الضيافة مع بعض الصديقات، نظرنا إلى السماء فرأينا نسورا تحوم فوق رؤوسنا، وعلمنا أن ثمة شيئا جللا حدث.. الآن أتذكر، لقد كان نهاية عهد، هنالك شيء يذكرني بالملك عبد العزيز هو زوج من الأقراط الذهبية الجميلة المحلاة بالماس والياقوت، اشتراه والدي من صائغ جواهرجي (بالرياض) وقدمه هدية لوالدتي، ولا شك في أن الملك كان قد اشترى أزواجا من هذه الأقراط لزوجاته، وهذا الزوج الذي اشتراه والدي هو ما تبقى من الأقراط. إن تجربة العيش في المملكة ونحن أطفال شكلتني بحيث أصبحت أنا هو ما أنا عليه وشكلت رؤيتي للعالم بثقافاته المتنوعة، أشعر بأنني محظوظة لحضوري ومشاهدتي تحولات بلد يخرج من مجتمع تقليدي إلى القرن العشرين، وكان الملك عبد العزيز هو الشخص الذي قاد الركب في الطريق إلى ما تم إنجازه.

كاثرين أوجدين ويليامز (1950 - 1956م)».

* بعض الحكايات حقيقة

* اعتاد والدي أن يحكي لشقيقي جيف ولي الحكايات ونحن نتأهب للنوم في الأمسيات، ومعظم هذه الحكايات كانت خيالية، ولا شك أنه شعر بضرورة أن نلم بطرف من تاريخ البلد الذي يعمل فيه ويكرمنا جميعا بوصفنا ضيوفا عليه وكان والدي يحكي لنا من حين لآخر قصة اقتحام الملك الراحل عبد العزيز قلعة المصمك بالرياض مع ابن عمه عبد الله بن جلوي وأتباعهما، وفي خيالي ظننت أن هذه كانت قصة أخرى من القصص التي يحكيها لنا ونحن على السرير، مثل حكاية روبن هود وأنها حسب فهمي لها كطفلة، مجرد حكاية.

وصارت تلك الحكاية حقيقة بالنسبة لي في أحد الأيام، عندما تمت دعوة والدي بواسطة ممثل العلاقات لدى السلطات المحلية في أبقيق، وذلك لحضور حفل افتتاح المدرسة التجارية بالهفوف، وكان ضمن البرنامج أن يتناول طعام العشاء في ذلك اليوم مع صاحب الجلالة الملك فيصل، وبالطبع حكي لنا والدي عن الأمسية وعن وليمة العشاء ومقابلته للملك فيصل، ووجدت الأمر مدهشا؛ إذ إن هذا هو ابن الرجل الذي أسس هذه البلاد. إن القصة حقيقية تماما.

كريستين بومان (1953 - 1981م)».

* تقدير ملكي

* «كان والدي يعمل في (آرامكو) في سنواتها الأولى، وأخبرني بهذه القصة عن الملك عبد العزيز آل سعود.. كان الملك فيما يبدو مسافرا عبر المملكة ومر بالظهران عندما حدث عطل لسيارته الخضراء - البيضاء المطلية باللون الذهبي في حوافها، وتوقف ركب الملك في الظهران، وبحثوا عن ميكانيكي، واتضح فيما بعد أن نوافذ أبواب سيارة الملك الكاديلاك كانت أوتوماتيكية، وكان يجب أن ينزل زجاج النوافذ ليحيي الناس، وليقدم لهم الهدايا حيثما حل بالقرى والمدن في المملكة، ولكن زجاج تلك النوافذ تعطل وبقيت النوافذ مفتوحة لا يمكن إغلاقها، وكانت رياح الشمال تهب فتملأ السيارة بالرمال والغبار، وكان والدي (دون رابوسو) قد تم استدعاؤه ففحص الأبواب ووجد أن مثبت الزجاج كان مكسورا، ذهب إلى الورشة وأصلح الجزء المعطوب في دقائق وثبته في وضعه في الباب، جرب الملك الباب مرة ومرتين برفع الزجاج صعودا وهبوطا ثم اقتنع بما عمل، وقال الملك عبد العزيز لوالدي شكرا بالعربية، وتناول ساعة الجيب الخاصة به وناولها لأبي، ووضعها والدي جانبا كي يحيي الملك، وقال له: (نحن في خدمتكم، وسرعان ما تحركت قافلة الملك، واتضح أن الساعة لها غطاء عليه صورة الملك عبد العزيز وهي من الذهب الخالص. إنها ساعة يقدر ثمنها بآلاف الدولارات، أهداني والدي تلك الساعة فيما بعد، وتشرفت بها طوال هذه السنين، إنها هدية من شخص كريم لقاء خدمة بسيطة قدمت له، وكان والدي يقول دائما: (ما أعظم هذا الملك لشعبه ولبلده).

بوب رابوسو (1946 - 1956م)».

* الملك ورعاة البقر

* «يحكى أن الحادثة التالية حدثت أثناء زيارة الملك عبد العزيز إلى الظهران عام 1947م، عندما التقى الملك بمسؤولي (آرامكو)، حيث ظهر فجأة طفلان أميركيان يضع كل منهما قبعة رعاة البقر على رأسه، وهما يصوبان بمسدسات فرقعة صوتية أثناء سيرهما، أوقفهما الحرس المندهش لفعلهما وعندما أخطر الملك بمصدر الجلبة قطع برنامج العمل وأخذ فترة راحة قصيرة لاستقبال الوالدين، وبدأ مسؤولو (آرامكو) يعتذرون للملك عن فعلة الصبيين، وحاولوا تعنيف الولدين وطردهما ولكن الملك لم يسمح لهم بذلك.

جلس الولدان وهما سعيدان في حجر الملك، وصار الملك يتحدث إليهما، ويفحص قبعتهما ومسدسيهما، وعندما حان وقت مغادرتهما منح الملك كل واحد منهما كيسا صغيرا من النقود، فجرى الولدان مباشرة إلى المتجر حيث اشتريا كل حلوى سكر النبات والكرامل الموجودة في المخزن.

أصبح هذان الولدان رجلين الآن، وما زالا يتذكران الملك بكل مودته تجاههما وعطفه.

برايان بلانك (1944 - 1976م)».

* متطوعة في بلاد مدهشة

* «عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري وكنت حينها طالبة، قررت أن أعمل في قسم (آرامكو) الطبي في الظهران في المستشفى القديم متطوعة، كنت أذهب وأنا مرتدية العباءة والحجاب مع سائقي السوداني علي، الذي يترجم لي أيضا، وأنا أحمل معدات الإسعافات الأولية كنت أقوم بعرض أفلام كرتون عن الصحة العامة التي أعدتها جامعة هارفارد للنساء والأطفال، وكانوا يتجمعون من حولي ما إن يروني، أحد هذه الأفلام اسمه (الذباب) أو (ذا فلاي) وفي الفيلم تظهر عائلتان تعسكران بالقرب من النهر، إحدى هاتين العائلتين اهتمت بنظافة طعامها وحمايته من الحشرات والذباب والأخرى لم تهتم، وظهرت أعراض التراكوما في عيون العائلة غير المهتمة ومشكلات صحية أخرى، بينما ظهرت العائلة الأخرى بأطفال أصحاء يلعبون مع الأغنام والإبل، أحد المشاريع التي أشترك فيها هي عمل فيلم تنتجه المستشفى، يوضح طرق غسل الطعام، كنت مغطاة بالأسود وكل ما يظهر في الفيلم هو يدي وهما تقومان بكل فنيات النظافة، ونتيجة لهذا النشاط منح أحد رجالات الملك عبد العزيز والدي قطعة عملة عندما جاء زائرا، كانت العملة مهداة لي، واتضح أنها تاريخية وقديمة جدا، وقد صنعت ضمن سوار لأحد الأشخاص. لقد منحها الملك لوالدي ليهديها لي.

أتذكر يوم زيارة الملك، تزينت كل الشوارع بصفوف منتظمة من الأعلام الخضراء، وكان هنالك كثير من الجنود والسيارات وظهر الرجل الكبير في عباءته وسار إلى الكرسي الضخم، وجلس عليه، انطبع في ذهني أن هذا شخص عظيم، لا أعرف الكثير عن تاريخ المملكة ولكن الانطباع عن هذه القوة والسلطان ظلت محفورة في ذهني طوال حياتي، كان الجميع كما بدا لي يحترمون ذلك الشخص، فيما بعد حكى لي والدي أن ذلك كان الملك عبد العزيز آل سعود، الملك الكبير الذي على جسمه كثير من الرصاصات وطعنات الخناجر من المعارك الشهيرة التي قادها، وكان والدي سعيدا جدا ومنفعلا بمشاهدته وكذلك أنا. في حضرة الملك استمتعت بسنواتي في المملكة العربية السعودية، وبصداقتي للناس ومعرفتي للغة، وهذه المتعة مستمرة معي إلى اليوم، وعلى الرغم من مرور السنوات فإنني ما زلت أتذكر كثيرا من الكلمات التي سمعتها في ذلك اليوم، سأشكر ربي على الدوام لأنه أتاح لي فرصة العيش في تلك البلاد المدهشة، حيث نشأت وترعرعت هناك، وكثير من الأسر التي زرتها كمعلمة أصبحت أسرا صديقة طوال العمر.

إليزابيث فالبي بينكهام (1947 - 1960م)».

* جدار الأوهام

* «كان عمري 8 سنوات عندما أحضرنا والدي ألكسندر ماكينزي معه إلى الدمام وسط عاصفة ترابية كانت تبدو كما لو أنها ستستمر لشهور، في هذه الأيام كانت الظهران محاطة بسور مع مدخل رئيسي للمركبات والمشاة، أخبروني أن السور قد تم بناؤه لإبعاد (الكلاب المتوحشة) لخطورتها على الإنسان، كما أخبروني أن البدو الذين يعيشون خارج السور يقومون باختطاف واستعباد الأولاد، ويأخذونهم بعيدا عن ذويهم لكن مع مرور وقت ليس بطويل علمت أن كل ذلك مجرد خزعبلات وأوهام صاغها الكبار لإخافة الصغار والتحكم فيهم. اعتاد والدي الاحتفاظ بكتب عربية في البيت مثل كتاب فيلبي (الربع الخالي)، وعن طريق ذلك تمكنت من اكتشاف حقيقة البدو، وعرفت أن للبدو شهرة واسعة في الكرم حتى لو استجار عدو من قبيلة بدوية بخيام قبيلة أخرى يكون في أمان، وتتم معاملته بشكل جيد، قرأت حول نمط حياتهم المتميزة وكيف أنهم لا يأبهون كثيرا لجمع المكاسب المادية، وأن الله هو المحور المركزي لحياتهم، وهم يستطيعون العيش في مناطق معزولة مثل الربع الخالي. مع مرور الأيام واكتسابي لمزيد من الوعي والإدراك، قمت بخرق جدار الأوهام فتسلقت السور، هذه المرة ذهبت بغرض تزويد نفسي بمزيد من المعرفة عن البدو، وجدت معسكرا للبدو بخيامه السوداء المتميزة، حياني رجل كبير في السن بلحية صفراء ودعاني للدخول، حيث جلست على بساط جميل، وبعد تقديم البلح ولبن الغنم الطازج الذي كنت أتذوقه لأول مرة في حياتي وبعد فراغي من الأكل، تم أخذي إلى قسم منفصل داخل الخيمة، حيث تمددت لأخلد إلى إغفاءة صغيرة، ولكن إحساسي بالدهشة والمتعة حال بيني وبين النوم، وأتذكر أن بعض صبية البدو كانوا يسترقون النظر لي من خلف الخيمة، وبالطبع كانوا مندهشين لرؤية هذا الزائر الغريب، كررت زيارتي مرات ومرات لسكان الصحراء، وأدركت مدى قسوة حياتهم لكن على الرغم من ذلك كانت روحهم المعنوية عالية، خلقت صداقات مع الأسر وشهدت أحد الشباب يصطاد طائرا كبيرا ببندقية صيد، حصلت على إحدى هذه البنادق، وقام أبي بإحضارها معه بعد أن تمت إحالته على المعاش من (آرامكو) وهي معلقة في جدار غرفة المعيشة، ارتحل أصدقائي البدو في أحد الأيام، ولم أتمكن من رؤيتهم بعد ذلك، لم أعرف مثل هذا الكرم في حياتي على الإطلاق، لذا استخدمت هذه التجربة كمعيار لقياس مستوى الكرم، وأدرك الآن أنني لن أنسى رائحة ماء الورد وطعم التمر ولبن الماعز طوال حياتي.

جون ماكينزي (1950 - 1970م)».

* الغريب والمألوف

* «سافر والدي - آل كينهولز - إلى الجزيرة العربية لأول مرة عام 1944م، استقر بها لمدة ثلاثة أعوام ثم عاد إلى وطنه، التقى بوالدتي - فرانسيز - بمطار نيويورك، كانت وقتها تعمل ضمن شركة (آرامكو) السعودية، وكانت في طريقها إلى الجزيرة العربية للعمل كممرضة، أما أنا فقد ولدت بأحد المنازل المتحركة الذي أصبح بعد ذلك مقرا لاجتماعات مرشدات الكشافة بمدينة الظهران. التقى والدي الملك عبد العزيز في زيارة له لمعسكرات وتجمعات شركة (آرامكو)، وكان ذلك نحو عام 1947م تقريبا، وقد عقد الاجتماع بمنزل السيد هاملتون، حيث شملت الدعوة جميع الأشخاص حتى الأطفال، كان الملك يحب الأطفال الصغار، وكان والدي يحدثنا دوما عن طول الملك الفارع وعن كفيه الضخمتين، وبعد سنوات لاحقة كانت والدتي تتحدث مع أحد الأصدقاء المعارف وقد اتفق معها على أن الملك عبد العزيز لا يملك فقط كفين كبيرتين، ولكنه يحمل بين جوانحه قلبا كبيرا مفعما بحب الناس، وأنه كان يسعى دوما نحو تحقيق احتياجاتهم كافة، ونحن نؤمن بمدى صداقته للأميركيين، وكنا دوما نشعر بأننا نعيش بين أهلينا وفي وطننا الثاني ونفخر بصداقتنا للشعب السعودي، لم أرَ في حياتي سماء واسعة الأرجاء كتلك التي تغطي فضاء الخليج والصحراء، ونادرا ما تهطل الأمطار في ذلك الجزء من المملكة وعندما تهطل تنساب بغزارة مفرطة، حيث تتحول السماء بأكملها إلى اللون الأرجواني والأسود، ثم تنهمر المياه مدرارا، وسرعان ما تمتلئ الطرقات ببحيرات من الماء كنا نعشق اللعب فيها بدراجاتنا، كما أن العواصف الهوائية كانت كثيرا ما تحدث، حيث تهب الرياح بعنف حاملة معها ذرات الرمل التي تضرب بعنف على أي جزء مكشوف من الجلد، إلا أن أكثر الأمور تعلقا بذهني هي موجة الحر والرطوبة العالية؛ إذ أتذكر أنني خرجت ذات صباح من منزلنا الذي لا تتوقف عنه مكيفات الهواء إلى حيث الحر والرطوبة، وإذا بي أفقد القدرة على النظر فجأة، وظللت هكذا دقيقة أو دقيقتين أدركت بعدها ما حدث بالفعل، لقد أصاب التشويش بؤبؤ عيني. لقد رحلت عن المملكة العربية السعودية عام 1965م، وكنت قد بلغت السادسة عشرة من عمري، لقد اكتسبت الكثير من الأشياء في تلك الفترة، لقد تعاملت مع الكثير من الأجناس في العالم وعرفت كيف يفكرون وبماذا يشعرون، لقد أحببت الجزيرة العربية وما زلت أعشقها، فأنا أتذكرها كوطني الثاني، بعد ذلك عملت بالخطوط الأميركية الدولية حتى أتمكن من اكتشاف هذا العالم الواسع، وكنت أينما ذهبت أدافع عن القضية العربية وأبذل قصارى جهدي لأشرح للناس مدى صداقة وكرم وإخلاص الشعوب العربية، وما زال يعاودني الحنين نحو مزيد من التجارب حول العالم أخوضها أنا وأطفالي، فإني أود أن أوسع مداركهم بتعريفهم بثقافات الشعوب المختلفة حول العالم وأعلمهم بأن الناس جميعا سواسية وإخوة يعيشون في أرض واحدة وتظللهم السماء نفسها.

لوري كينهولز بوسلي (1944 - 1965م)»

* في قلب العالم

* لقد سبق لي العيش في المملكة العربية السعودية، أرض الرمال ورياح الشمال والجراد والمراكب الشراعية الصغيرة التي تستخدم في صيد الأسماك، ونباتات الرمال وأشجار النخيل، تلك الأرض التي تلمع وتتلألأ فيها النجوم بالليل لدرجة كنت أشعر فيها بأنني قزم صغير، لقد أقمت هناك لمدة 21 عاما، وها هي بعض من ذكرياتي، ما زلت أشعر بلسعات الرمال وهبوب الرياح التي هبت علي وأنا في طريقي إلى المدرسة، بداية في أبقيق ومن ثم الظهران، أتذكر هبوب رياح الشمال الحمراء حيث كنت أشعر وكأني في ضباب أحمر، الهواء سميك بغبار محمر، كنت أغطي فمي وأنفي بالشال الذي عودتني أمي أن أغطي به شعري، فهبوب رياح الشمال الحارة عودتني أن أكون معجبا ومولعا بأيام الخريف المشمسة، الصافية، اللذيذة والباردة، وكأن لسان حالها يهب في نسيمات تقول: (شكرا جزيلا). ماذا عن الدين في المملكة العربية السعودية؟ لربما اعتنقت الإسلام وارتضيته دينا حينما أسمع صوت الأذان يرفع كل مساء، ولكن لعدم فهمي للكلمات الخارجة من مكبرات الصوت، كنت أصغي لصوت المؤذن؛ فالإيقاعات تعلو وتنخفض في جو من التقى والورع، وكنت أطلع لسماع صوت الأذان وهو يرفع كل يوم، وكنت أرتاح كلما صلى البستاني الذي كان يعمل لدينا وهو يكرر الصلوات في الانحناء والركوع، وهو بين يدي الله في خشوع شديد غير عابئ بما إذا كنت أنا أو غيري ينتبهون إليه، يعج منزلي في دانفايل بكاليفورنيا بكنوز طفولتي، فهناك جمال مصنفة بأشكالها ومقاساتها وألوانها وتركيباتها، والقدور النحاسية الجميلة، والسجاد الفارسي على الأرضيات ولافتة: (مرحبا) باللغة العربية معلقة في مدخل محراب المنزل، فجميع هذه المدخرات والكنوز أحتفظ بها وأعتز بها، فليس في وسع أحد تخطي الصداقات التي كوّنها في طفولته، ولكن تظل صداقاتي في ذاكرتي دائما وفي صحبتي، وإنني أحب أن يظلوا على هذه السجية، فأين يمكنني أن أكون من دون الأصدقاء والصداقات التي كونتها وأقمتها هناك، حيث كنا نتقاسم خلفية وأرضية مشتركة لم يحز عليها أي أحد على وجه البسيطة، ترعرعنا في أرض المملكة الرائعة التي قدمت لنا الحماية والعون، وتربينا على أرضها فنمت ونبتت معنا، عشنا أوقات مثيرة في ذلك البلد المزدهر، عشنا في قلب العالم.

دورال زادور كين إلين (1939 - 1976م)».