السعودية: نظام «ساهر» وجدل «الأغاني».. أحداث تعيد الصخب لسوق التسجيلات الإسلامية

«الكاسيت» الإسلامي يحتضر.. والإغراق الفضائي للمشايخ أبرز المتهمين

جدل «الأغاني» ونظام «ساهر» والطائرة الباكستانية المنكوبة في يوليو الماضي أحداث تخرج سوق التسجيلات الإسلامية من غرفة الإنعاش («الشرق الأوسط»)
TT

لسنوات مضت، كان شهر رمضان هو الموسم الذهبي للمئات من محلات التسجيلات الإسلامية المنتشرة في مختلف المدن السعودية، لكنها اليوم باتت مهددة بالانقراض، بعد إغلاق عدة محلات مؤخرا، إيذانا بانتهاء عهد «الكاسيت» الإسلامي، الذي كان لعقود ماضية نجم الدعوة الدينية والوسيلة الأبرز لنشر الخطب والمحاضرات الدعوية، وهو ما يأتي على خلفية الإغراق الفضائي للمشايخ والدعاة على مختلف القنوات التلفزيونية، الأمر الذي دفع بعض محلات التسجيلات الإسلامية للاندماج أو التحول إلى شركات والدخول في أنشطة أخرى مساندة.

حمود الشمري، خبير سوق التسجيلات الإسلامية ومالك مؤسسة «تسجيلات القادسية»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» حول ذلك، قائلا: «التسجيلات الإسلامية انتهت»، ويتابع: «لجأ بعض أصحاب التسجيلات إلى الطرق البديلة، مثل التسويق عن طريق الإنترنت، والنغمات وحوامل الصوت التقنية والتعاون مع شركات الاتصالات والقنوات الفضائية، ودمج كم كبير من المواد الإسلامية على (CD) واحد، ولا شك أن هذا ضرب للشريط الإسلامي، لكنها تبقى أفضل الخيارات المتاحة»، وأضاف: «سابقا كنا نبيع 50 محاضرة على 50 كاسيت، والآن أصبحت الـ50 محاضرة كلها في CD واحد».

ويضيف: «مع نزول سوق الشريط الإسلامي أغلقت بعض (التسجيلات)، وإغلاقها أنعش نسبيا (التسجيلات) الأخرى، لكن لا تزال السوق سيئة ونزولها حاد جدا، لأن من يريد متابعة محاضرات الشيخ محمد العريفي مثلا، لا شك في أنه سيفضل الصوت والصورة، والعريفي الآن ظاهر في كل القنوات الدينية، الإسلامية وغير الإسلامية، فبدل الذهاب إلى (التسجيلات) لشراء كاسيت أو (CD) وسماعه في السيارة أو البيت، في الإمكان الجلوس أمام التلفزيون والتيقن بأن أحد القنوات سيكون فيها محمد العريفي أو سلمان العودة».

وحول منافسة الدعاة الجدد، يقول الشمري: «هي واضحة، لكنها لا تؤثر على المشايخ القدامى، لأنهم انتقلوا مرحليا إلى نشاط آخر»، مستشهدا بالشيخ محمد المنجد الذي شهدت فترة التسعينات زخما كبيرا في إنتاجه الصوتي، حيث كان الكاسيت الإسلامي حينها الوسيلة الوحيدة لنشر خطبه ودروسه، ويتابع الشمري: «الآن تحول المنجد إلى مؤسسة ضخمة جدا بالملايين، وأصبح مستثمر أجنبي داخل السعودية، يدير عددا كبيرا من المواقع ويملك فرقا ضخمة، وينفق عليها رواتب عالية».

ويبرز هنا أثر الإغراق الفضائي للمشايخ وتوجههم للتسويق الذاتي على واقع «التسجيلات الإسلامية»، في حين يضيف خبير السوق لذلك تبني جهات أخرى لهذه المواد السمعية والمرئية، قائلا: «مثلا الشيخ سلمان العودة لم يتبنَّ قناة (دليل) إلا بعد أن تبنته قناة (mbc) ووصل عن طريقها للعالمية»، ويضيف: «قناة (الرسالة) تبنت عددا من المشايخ، وقناة (اقرأ) أيضا، والآن الدكتور عبد العزيز الفوزان بدأ بسلسلة قنوات فضائية.. الجميع يعمل، وإذا ضُربت هذه الوسيلة (الكاسيت) سيلجأون لوسيلة أخرى لأنهم أصحاب رسالة ومعهم بضاعة واضحة، يسلكون كل الطرق الممكنة والمستحدثة لإيصالها».

وكشف الخبير في سوق التسجيلات الإسلامية عن أمزجة الزبائن، بقوله: «أي حادثة تحصل في العالم شرقا أو غربا، يأتي الناس للتسجيلات الإسلامية ويطرحون السؤال: (هل يوجد من أهل العلم من تكلم في هذا الموضوع؟)، مثل أحداث بركان آيسلندا وإعصار كاترينا وفيضان تسونامي، بل حتى آخرها تحطم الطائرة الباكستانية (يوليو/ تموز الماضي) التي مات فيها 152 راكبا»، وعلى الرغم من أن مثل هذه الكوارث أشبعت نقاشا على الأخبار والبرامج التلفزيونية، فإن الشمري يؤكد على رغبة كثيرين في معرفة رأي المشايخ حولها.

ويتابع: «أيضا نظام (ساهر) المروري، من الأمور التي يسأل عنها الزبائن حاليا وماذا طرح حولها من أهل العلم!»، وأفصح الشمري عن أن الضجة التي رافقت فتوى الشيخ عادل الكلباني حول الحكم الشرعي لسماع الأغاني وصل صداها أيضا لسوق التسجيلات الإسلامية، بقوله: «جاء للتسجيلات الإسلامية من يبحث عن أقوال المشايخ في هذا الموضوع، سواء القديمة مثل إصدار الشيخ المنجد (الأغاني في ميزان الشريعة)، أو الحديث منها».

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» على عدة محلات للتسجيلات الإسلامية، بدا ملحوظا توجه بعضها لإقامة المهرجانات والعروض الترويجية ورفع اللافتات الدعائية منذ الأيام الأولى لشهر رمضان، وهنا يؤكد إبراهيم الحاج، مدير تسجيلات «صدى القراء» الإسلامية بالدمام، أن معرضهم الرمضاني الذي يستمر حتى منتصف شهر الشهر الحالي ويضم 300 مادة منوعة، ساهم في جذب الزبائن، وأعاد الحياة لأرفف «الكاسيتات» الإسلامية والمحاضرات والدينية.

وتحدث الحاج، عن الأزمة التي يتعرض لها سوق الكاسيت الإسلامي، بقوله: «كثير من الزبائن أصبح الإنترنت وسيلة سهلة ومتناولة لديهم، بحيث يصلوا لمقصودهم في أسرع وقت، بينما الأشرطة السمعية تتأخر في نزولها للسوق، لذا قل الاعتماد على الكاسيت واتجه كثيرون أيضا لـ(CD) بهدف مواكبة التقنية»، فيما يصف الزبائن بقوله: «الناس محتاجة دائما إلى التغيير والتجديد».

وعن الأسماء المتصارعة على كعكة التسجيلات الإسلامية في شهر رمضان، يبدو التنافس واضحا بين المقرئين القدامى والجدد، وهنا يؤكد مدير تسجيلات «صدى القراء» أن «أئمة الحرم» لا يزال الطلب عليهم هو الأعلى، خاصة الشيخ عبد الرحمن السديس والشيخ سعود الشريم، يليهم مقرئون آخرون، مثل عبد الولي الأركاني وسعد الغامدي وماهر المعيقلي وناصر القطامي وياسر الدوسري.

ويبدي المسؤول عن تسجيلات «المثنى» الإسلامية في الخبر، هو الآخر تذمره من تراجع الطلب على سوق الكاسيت الإسلامي، مسترجعا ذكرى الأيام الخوالي، بقوله: «قبل سنوات كان دخول رمضان يعني ازدحام المحل وتكدس الزبائن، لكن الآن السوق (واقف)، وصار الطلب ضعيفا، والإنترنت والقنوات الفضائية أبرز الأسباب»، إلا أنه يعترف بأن الكميات الكبيرة التي تُطلب من قبل الراغبين في «التوزيع الخيري» كثيرا ما تنقذهم في هذه الفترة.

في حين يرى عبد الله بن صالح، مدير معرض «تسجيلات التقوى الإسلامية» في الرياض، أن كل السلع تقريبا ارتفعت أسعارها ما عدا الكاسيت الإسلامي الذي انخفضت قيمته لتصل إلى ريال واحد فقط بعد أن كان يتراوح بين 5 ريالات وريالين، وأوضح أن فئة من الزبائن يفضلون خلال شهر رمضان شراء كميات كبيرة من الأشرطة السمعية، بمبلغ يتراوح بين 1000 و2000 ريال، وتذهب هذه الكميات لمكاتب الدعوة أو توزع بجهد فردي، تحت اسم (احتساب الأجر)».

وعلى الرغم من كل هذه الأزمات التي تضرب سوق التسجيلات الإسلامية، فإن بعضها لا يزال باقيا مع ما يمكن وصفه بالتخلف التقني، وهنا تبين مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن سر بقائها يعود لوجود دعم قوي من التجار الذي يرغبون في عدم إغلاق محل التسجيلات الإسلامية في أحد الأحياء مثلا، حيث يأتي هذا الدعم من وراء الكواليس تحت شعار «لا يهم خسرانة أو ربحانة، المهم هو بقاؤها».

والبعض من ملاك محلات التسجيلات الإسلامية هم بأنفسهم يقرون بالخسارة ولا يحصلون على أي دعم مادي من التجار أو غيرهم، ومع ذلك لا يزالون مستمرين على نشاطهم بصورة محيرة، الأمر الذي يرجعه العاملون في السوق إلى قناعة هؤلاء الملاك بأنهم أصحاب رسالة، حيث يقول أحدهم: «البعض لديه استعداد لتحمل الخسارة المالية، لأن لديه رسالة دعوية يرغب في إيصالها بأي ثمن».

تجدر الإشارة إلى أن إيجار المبنى هو أبرز عبء يواجه محلات التسجيلات الإسلامية، حيث يؤكد العاملون في السوق أن نحو 95 في المائة من هذه المحلات تقع في مباني مؤجرة، في حين يبرز الاختلاف بين قسمين في سوق التسجيلات الإسلامية؛ الأول يشمل المنتجين (المؤسسات)، والثاني يتعلق بالمسوقين (المعارض)، والمنتجون هم أكثر من يعانون من العشوائية والتكرار وازدواجية الطرح، إلى جانب انتشار النسخ غير الأصلية التي تؤثر في جودة الكاسيت الإسلامي ومستوى السوق ككل.