الأرصاد لـ«الشرق الأوسط»: لا مخاوف من تقلبات بيئية.. ونتوقع «عواصف ترابية» في 3 جهات

توقع بتكرار العاصفة التي ضربت جدة قبل أيام وألحقت أضرارا ببعض الأسواق

انعكاسات محلية للتغيرات المناخية الدولية («الشرق الأوسط»)
TT

قللت جهات سعودية رسمية في حديث لـ«الشرق الأوسط» من أي مخاوف لأي تأثيرات بيئية قد تتعرض لها السعودية وجزيرة العرب ككل، وسط التغيرات المناخية التي تشهدها بعض دول العالم. مشيرة إلى أن الجزيرة العربية محمية طبيعيا بالجبال الطرفية والصحارى الواسعة.

ويأتي ذلك وسط تحذيرات أطلقها الدفاع المدني في السعودية، والذي دأب على إطلاقها للسكان من التقلبات المناخية خلال الفترة الأخيرة، وافقتها توقعات الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة باستمرار العواصف الترابية، خاصة على بعض المناطق الشمالية والشرقية والوسطى.

وأوضح سعد محمد المحلفي، وكيل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تعيش التغيرات المناخية الآن، التي بدأت مع فصل الصيف «يوليو (تموز)، وأغسطس (آب)»، وقال إن نمطا مناخيا غير معتاد شوهد على المرتفعات الجبلية.

وأردف مفسرا «لأن السحب في السابق كانت تتكون من البحر الأحمر، وتتجه باتجاه المناطق الجبلية، وتؤدي إلى هطول أمطار في فترة ما بعد الظهيرة، لكن تحولا ملحوظا في النمط المناخي حدث هذه السنة، واستمر خلال الشهر الماضي، وما زال مشاهدا في هذا الشهر».

وأضاف متابعا «التيارات الرطبة المقبلة من شبه القارة الهندية، تؤدي إلى تكون سحب شرق المرتفعات الجبلية، تم تتجه باتجاه المنحدرات الغربية، وهو أمر غير معتاد، وحدث عدة مرات خلال هذا الموسم، وخاصة على مرتفعات منطقة عسير ومكة المكرمة، ومنها تكونت خلايا عملاقة من السحب الرعدية التي تؤدي إلى حدوث رياح هابطة مصاحبة لهذه السحب، تؤثر على المناطق الساحلية برياح تصل سرعتها إلى أكثر من 70 كيلومترا في الساعة، تؤدي إلى تدن في مدى الرؤية الأفقية نتيجة للأتربة والغبار المثارة».

ووصف المحلفي تلك الخلايا بالخطرة، كونها تؤدي إلى حدوث عواصف ترابية في وقت قصير، يمتد من دقائق إلى ساعة، ولكن رياحها تكون شديدة وعاتية، وقد تحدث في أي منطقة من المرتفعات الجبلية.

وأشار إلى أن العاصفة التي ضربت مدينة جدة خلال الأسبوع الماضي جاءت وفقا لهذا التحليل، بمعنى أن الرياح تضرب منطقة محدودة، في فترة زمنية ضيقة، وهو ما حصل بالفعل في عدة مناطق وخاصة في جنوب الليث، والقنفذة، وجازان، وقال: «نتوقع استمرار حدوثها في شهر أغسطس».

وأفاد بأن استمرار هذه الرياح له مؤثرات خارجية، مثل التيارات المقبلة من الشرق، التي عادة ما تكون جافة ومؤثرة، ثم تتحول إلى تيارات رطبة نتيجة لبخار الماء المتزايد على شمال القارة الهندية.

ونبه وكيل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة على أن مثل هذه الظواهر هي التي يجب أن يتوخى منها الحذر وخاصة خلال شهر أغسطس الحالي، نظرا لصعوبة معرفة مكان تراكم هذه السحب الركامية الخطرة، مشددا على جميع المواطنين عند مشاهدتهم للبرق أو سماعهم للرعد أوعند شعورهم ببداية تيارات هوائية أخذ الحيطة والحذر، لا سيما وأن السحب الركامية تصطحبها معها، مما يستوجب التزام المنازل فورا.

وبالنسبة للمناطق المتوقع حدوث مثل هذه الظواهر فيها، أكد المحلفي أن الرئاسة العامة تراقب جميع المناطق، وتقوم بتبليغ الدفاع المدني عند حدوث أي مؤشرات، واستدرك «لكن التبليغ سوف يكون في ظرف ساعة أو ساعتين، لأن حدوث هذه الظواهر يقع في وقت قصير، فقد تبلغ الدفاع المدني بحدوث سحب أو عواصف رعدية، لكن نوع الخطر يحدث في وقت قصير جدا، لذلك نرجو من المواطنين عند ملاحظة السحب الخطرة، وهي عادة تكون مسحوبة ببرق متواصل يلاحظ بالعين المجردة».

وتوقع حدوث العواصف الترابية على المناطق الشمالية الشرقية والوسطى من البلاد خلال ما تبقى من هذا الشهر، وقال: «نتوقع مرور إحدى العواصف خلال الأسابيع المقبلة، وسوف تبلغ الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة عنها بيوم أو يومين قبل حدوثها».

وأكد تأثر الساحل الغربي والساحل الشرقي بحقل الرطوبة، التي من شأنها رفع درجة الحرارة، ومن المتوقع أن تصل إلى الأربعينات على الشرقية، لكن حقل الرطوبة سوف يؤدي إلى شعور متزايد بالحرارة، وخاصة على منطقتي الدمام والخبر وما حولهما، وكذلك هو الحال على المنطقة الغربية الساحلية، التي ستكون الرطوبة العامل المؤثر فيما تبقي من الفترة المقبلة من فصل الصيف».

وفي محاولة لإصباغ تفسير علمي على ما يحدث من حراك مناخي، قال الدكتور على عشقي، أستاذ علم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز بجدة لـ«الشرق الأوسط»: «إن المعطيات المتوفرة لدينا والتي نتابعها، تبين أن التقلبات الجارية إنما هي أمر عادي يحدث في شبه الجزيرة العربية، باستثناء الأمطار التي ستمتد من المرتفعات الغربية من اليمن والسعودية، وصولا إلى الطائف، وقد تتأثر منطقتا مكة وجازان، لا سيما وأن هذه التقلبات جزء من الاختلافات والتقلبات المناخية الحاصلة في العالم، مثل ما حدث في باكستان والهند الصين وموريتانيا والسودان، وهذا كله جزء نحن منه، وهذه التقلبات الحاصلة لدينا بسبب تيارات مناخية عالمية، وفي سلوك ما يسمى الشريط الاستوائي، وهذا الشريط متقدم إلى الشمال بشكل واضح جدا»، مؤكدا أن «هذه التأثيرات لن تتوقف إلى منتصف شهر سبتمبر (أيلول) المقبل».

وذكر الدكتور عشقي أن منطقة الجزيرة العربية تعتبر الأكثر والأوفر حظا من التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، بالمقارنة مع مناطق في العالم مثل باكستان والهند والصين وغيرها من مناطق العالم، التي تخضع لتأثير تلك التقلبات حاليا، وقال: «إن الفضل يرجع إلى أن جزيرة العرب تتميز بضغوط جوية مرتفعة تقتصر عليها كل العواصف والأمطار والعواصف المدارية المقبلة من بحر العرب».

وأضاف «أن الحاصل في المنطقة الغربية ما هو إلا نتيجة تسلل بعض السحب عن طريق الحوض الجنوبي للبحر الأحمر، لأن هذه المنطقة أكثر تأثرا بالطقس في شرق أفريقيا منها بالتأثر في الطقس بجزيرة العرب».

ويواصل الدكتور عشقي بقوله: «بعد انتهاء هذه التقلبات المناخية في منتصف سبتمبر المقبل سوف ندخل في موجة التغيرات المناخية المقبلة من الشمال وتحديدا، من حوض البحر الأبيض المتوسط مثل ذلك التغير المناخي الذي حصل في كارثة جدة. كان التغير المناخي مقبلا من الشمال بعكس التغير الحاصل لدينا الآن بسب التغيرات الحاصلة في الركن الجنوبي الغربي».

وأردف «بعد 11 سبتمبر سوف يحصل الانقلاب الخريفي، وتبدأ التقلبات تختلف في شكلها ونوعها ولن تكون مثل التي مشاهدة لدينا الآن (حرارة وعواصف ترابية) بل شيء مختلف أي جو معتدل، لكن قد تكون أمطارا شديدة في الفترة ما بين نهاية سبتمبر إلى يناير (كانون الثاني) وديسمبر (كانون الأول) المقبل والذي سيوافق فصل الشتاء».

وفي السياق نفسه، لم تنف مديرية الدفاع المدني أن المملكة جزء من التقلبات المناخية الحاصلة في العالم، مشيرة إلى التواصل المستمر بينها والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة لإشعار السكان بأحوال الطقس بصفة مستمرة ودائمة من أجل سلامة الجميع.

مدير شعبة الإعلام والناطق الإعلامي للدفاع المدني، الرائد عبد الله الحارثي، شدد على أنه في حالة وجود رياح سطحية نشطة مصحوبة بأتربة، بضرورة عدم الخروج من المنزل في مثل هذه الأوقات وخاصة للإخوة المصابين بأمراض الجهاز التنفسي، بالإضافة إلى توفير الكمامات وإقفال النوافذ والحذر من الأجسام الطائرة بفعل الرياح، وعدم الاقتراب من الأماكن المسقوفة بالزنك والحديد خشية تطايرها، كذلك حذر من عدم السير أو الجلوس تحت اللوحات الدعائية، التي غالبا ما تكون معرضة للسقوط، كما نصح السائقين بالحذر عند القيادة، في مثل هذه الأوقات والتوقف بمركباتهم في مكان آمن حتى تنتهي العاصفة ويزول الخطر.

وأكد الرائد الحارثي وجود خطط لدى الدفاع المدني لمواجهة مثل هذه الأخطار المحتملة تحت إشراف إدارة متخصصة في تحليل المخاطر واستشرافها قبل وقوعها ووضع الخطط المناسبة لمواجهتها، مشيرا إلى أن الخطط والتدابير الموضوعة لمواجهة أخطار السيول والأمطار تشارك فيها كل الجهات الحكومية الأعضاء في مجلس الدفاع المدني.

وأشار أيضا إلى خطة متكاملة لمواجهة العواصف والرياح والأعاصير مبنية على أسس ومنهج علمي واضح تشرف عليه كوادر تحمل درجات علمية رفيعة في كل مجالات الدفاع المدني، وقال: «إن مباشرة الدفاع المدني لكثير من الأحداث المتعددة خلال الفترة الماضية التي مرت على البلاد منحتهم الخبرة العملية أكثر في التعامل مع مثل هذه الحوادث، إلى جانب الدورات التدريبية المستمرة التي من خلالها أصبح لديهم خبرات عالية في التعامل الفوري والسريع مع كل الأحداث».