بائعات في مجمعات تجارية ينافسن الرجال في أساليب تسويق المنتجات

اشتكين من «غيرة الزوجات» واعتبرن تفهم أسرهن لأعمالهن أول طريق النجاح

TT

على الرغم من حداثة عمل المرأة في الأسواق التجارية والمجمعات في السعودية، الذي اعترض طريقه جملة من المعوقات بعضها لا يزال قائما، فإن العشرات من النساء السعوديات حسمن هذا الجدل بالانخراط في الأعمال داخل هذه الأسواق والمجمعات، محققات نجاحات واسعة على الرغم من كل الصعوبات.

واستطاع كثير من البائعات السعوديات تجاوز الرجال في مجال التسويق والبيع في المحلات التجارية على الرغم من حداثة عمرهن في العمل، وسط تأكيدات لكثير من العاملات في جولة لـ«الشرق الأوسط» على بعض الصعوبات التي تعترض طريقهن، إلا أنهن يرين أنها طبيعية ووجودها أمر عادي جدا.

الغيرة ومعارضة الأسر ومضايقات بعض الشباب أو ملاحظات بعض الجهات الرسمية أحيانا، تأتي في مقدمة مشكلات العاملات، لكن الحديث عن النجاح والعمل والفرص يفوق صوت الشكاوى خلال حديث الفتيات.

وهنا تشير شذى الشريف، إحدى البائعات في محل لتغليف الهدايا، إلى أنها تبدأ ساعات عملها من الخامسة عصرا وحتى الثانية عشرة من منتصف الليل، لافتة إلى أنها في حال عدم استقبالها لزبائن فإنها تعمل على ترتيب بضائعها في المحل.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنشأت هذا المحل منذ نحو أربعة أشهر، ولكنني كنت أمتلك محلا آخر استمر قرابة 8 أشهر، غير أنني اضطررت لإغلاقه على خلفية ظروف دراستي خارج السعودية»، مشيرة إلى أنها في بداياتها بمجال البيع والشراء واجهت شرائح مختلفة من المجتمع، إلا أن المؤيدين لها كانوا أكثر من المعارضين لعملها، بحسب قولها.

وترى أن عمل المرأة الحر في مجال التجارة يعد أفضل بكثير من ارتباطها بوظيفة معينة، لا سيما أنها لا تتقيد بساعات عمل محددة، إضافة إلى أنها تكتسب آفاقا أوسع في الحياة، إضافة إلى أن عملها كموظفة عادة ما يعرضها للمعاقبة في حال تقصيرها وعدم الاهتمام بها وشكرها إذا ما أنجزت، مبينة أن الميزة الوحيدة في الوظائف هي وجود راتب ثابت نهاية كل شهر.

وحول السلبيات الموجودة في مجال التجارة والبيع والشراء بالنسبة للنساء، أفادت شذى بوجود فتيات يشوهن صورة المرأة العاملة في مثل تلك الأماكن التجارية، بصرف النظر عن هيئتهن أو حجابهن، حين إن هناك من يكن محتشمات في الظاهر ولكنهن يستخدمن أساليب حديث ونظرات وطرق تعامل توحي بعكس ذلك، في حين ثمة فتيات غير ملتزمات بالحجاب، إلا أنهن يفرضن احترامهن على الآخرين.

وأضافت أن «المرأة في حاجة إلى الدعم من قبل الجهات المسؤولة في ذلك المجال، إلى جانب أن المجتمع السعودي لا يزال ينظر للمرأة السعودية العاملة بشكل سلبي في ظل تفضيله التعامل مع الأجنبيات في عمليات البيع والشراء وكافة المجالات الأخرى، على الرغم من قدرة السعوديات على إثبات وجودهن في سوق العمل».

وفي ما يتعلق بعدم اختيارها العمل في مجمعات نسائية بحتة، أبانت أن مثل تلك المجمعات تعد سيئة للغاية، إضافة إلى أن كثيرات من المتسوقات لم يعدن يفضلن هذه المحلات، مشيرة إلى أن محلها يستهدف الرجال والنساء على حد سواء، غير أن فئة الرجال هم الأكثر إقبالا عليها.

ولم تخالفها صديقتها رهام، صاحبة أحد محلات التحف، في الرأي، حيث إنها أرجعت سبب عدم نجاح المجمعات النسائية المغلقة إلى أن طبيعة الأزواج والزوجات اختلفت في الوقت الحالي كونهم أصبحوا يتشاركون الرأي حتى في شراء أغراضهم الشخصية.

وقالت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «بات من الصعب على المرأة ترك زوجها أو شقيقها في السيارة لتتسوق هي داخل مجمع نسائي مغلق يمنع دخول الرجال، خاصة أن هناك شراكة أصبحت موجودة بين الرجل والمرأة بحيث يختار كل منهما أغراض الآخر»، مؤكدة على وجود مجمعات نسائية بحتة حققت فشلا ذريعا، على حد قولها.

رهام التي جربت العمل كموظفة في إحدى الشركات لمدة خمس سنوات متواصلة، أكدت على أن الشركات لا تقدر مجهود موظفاتها اللاتي يعملن في الأساس لأجل غيرهن على عكس العمل الحر كونه يجعل كل مجهوداتهن تعود عليهن أنفسهن. واستطردت بالقول: «استطاعت المرأة أن تثبت وجودها في معظم المجالات بشكل أكبر من الرجل، ومن بينها البيع والشراء، على الرغم من كل الصعوبات التي ما زالت تواجهها؛ ومنها عدم السماح بدخول بضائع للسعودية باسم امرأة، حيث لا بد من تسجيلها باسم رجل».

ولفتت إلى وجود إشكاليات في بعض الأحيان مع كثير من الجهات المعنية التي تعارض اختلاط المرأة بالرجل أثناء العمل حتى وإن كانت البائعة ملتزمة بحجابها الشرعي، إضافة إلى وجود شرائح من النساء اللاتي يرفضن أن تتخاطب البائعات مع أزواجهن أثناء عملية البيع والشراء، مبينة أن معظم المشكلات التي تواجهها البائعات والعاملات ناتجة عن المجتمع نفسه.

وما إذا كان لهيئة الفتاة علاقة بزيادة مبيعاتها، ذكرت رهام أن بعضا من الموجودات معهن في المجمع يعملن على جذب زبائن أكثر من الأخريات بواسطة هيئتهن وتبرجهن، مضيفة: «ثمة فتيات لا يلتزمن بحجابهن، الأمر الذي من شأنه أن يشوه صورة الأخريات الجادات في العمل».

في حين جاءت وجهة نظر نادية الصغير العاملة في محل لبيع الإكسسوارات مختلفة تماما عن الباقيات، حيث إنها أكدت على عدم وجود أي مشكلات تعترض الفتيات الراغبات في العمل بمجالات مختلطة سوى توجه أسرهن وعقلياتهم. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «بكل تأكيد استطاعت المرأة إثبات وجودها في مجال التجارة، إضافة إلى أن عملها في هذا المجال له إيجابيات أكثر من السلبيات، إضافة إلى أن النساء أكثر التزاما من الرجال في عملهن»، مؤكدة على أن المجتمع السعودي بات يعيش عصرا متحررا حاليا على عكس ما كان عليه في السابق، مما يجعله يتقبل عمل المرأة في أي مجال من المجالات.

وشددت على ضرورة إتاحة المجال للمرأة بشكل أكبر من أجل الدخول إلى مجال البيع والشراء بحرية أكثر، لا سيما أن النساء أصبحن يفضلن التعامل مع البائعات كونهن نساء مثلهن من دون إحراج في اختيار المقاسات المناسبة أو الموديلات أو الألوان المناسبة لهن، في حين يجدن حرجا كبيرا في التعامل مع الرجال في هذا المجال، وأضافت: «باعتبار أن المجمع يمنع دخول الشباب، فإننا لا نواجه أي مضايقات أثناء ساعات عملنا، خاصة أن معظم الموجودات ملتزمات بحجابهن الشرعي، غير أن هناك من هن متحررات»، مؤكدة أن ذلك لا يؤثر مطلقا على حجم المبيعات لدى كل واحدة منهن، لا سيما أن أساليب وطرق التسويق للبضائع تختلف من واحدة لأخرى.

وحول وجود أي معارضات لطبيعة عملها داخل مجمع تجاري ووقوفها بين الكل للبيع والشراء، علقت نادية قائلة: «وجدت في بادئ الأمر معارضات كثيرة من قبل أفراد عائلتي مفادها طريقة حجابي، غير أنهم وصلوا الآن إلى مرحلة التفهم والتحرر حول عمل المرأة بشكل عام».

من جهتها، أوضحت المسؤولة عن مجمع «مملكة المرأة» الواقع في مركز «رد سي مول» التجاري أن هذا المجمع يحوي نحو 20 سيدة و10 شبان ممن يبيعون في المحلات، مؤكدة أن المجتمع بشكل عام بات يتقبل فكرة عمل المرأة في مجال البيع والشراء، ولا يرفضه سوى القبليين منهم.

وقالت المسؤولة عن المركز التي فضلت عدم ذكر اسمها في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد مضايقات كثيرة من قبل الشبان، إلا أن هناك مشكلات من البائعات أنفسهن تتضمن الغيرة في العمل مما تعرضه كل واحدة منهن في محلها، غير أنه بشكل عام استطعن إثبات وجودهن كبائعات».

وأشارت إلى أن خصوصية المرأة وراحتها في الشراء عادة ما تتحقق في حال تعاملها مع بنات جنسها، مبينة أن البائعات يتسمن بالجدية أكثر من البائعين الموجودين، بحسب قولها، وأضافت: ثمة ضوابط يتم فرضها على البائعات، من ضمنها عدم التبرج والالتزام بالحجاب الشرعي، إضافة إلى منعهن من وضع ماكياج مبالغ فيه، لا سيما أن المجمع يسمح بدخول العائلات بشكل عام».

وأبانت أن ذلك المجمع افتتح بشكل رسمي العام الماضي، الذي حاولت مالكته تغييره من بازار إلى مجمع رسمي وتغيير فكرة الناس عن المنتجات الموجودة في مثل تلك الأماكن بعد اعتقادهن بأنها رخيصة ورديئة.

وعلى الرغم من تحرر المجتمع قليلا تجاه عمل المرأة، فإنه لا يزال محصورا إلى حد ما ضمن نطاق التجمعات النسائية البحتة، مما جعل مراكز التجميل النسائية تشهد التحاق كثير من الفتيات الراغبات في الحصول على شهادات معتمدة تخولهن شق طريقهن المهني سواء عن طريق العمل في المشاغل النسائية أو افتتاح مشاريع خاصة بهن.

سامية الزهراني، إحدى الملتحقات بدورة تدريبية في مجال الماكياج لدى أحد مراكز التجميل، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن التحاقها بها جاء من منطلق رغبتها الناتجة عن هوايتها منذ زمن، لافتة إلى أن الدورة تتدرج في التعليم بدءا من أساسيات ومبادئ الماكياج وانتهاء بوضع اللمسات الأخيرة له. وأبانت أن مجال العمل لدى السيدات لا يزال محصورا نوعا ما في كل ما يخص المرأة، الأمر الذي جعلها تلتحق بتلك الدورة في محاولة منها للعمل مستقبلا في أحد المشاغل النسائية.

ولأن معظم سيدات المجتمع السعودي يمتلكن قناعة مفادها أن المبدعات في مجال التجميل هن خبيرات من جنسيات عربية مختلفة، في حين لم يثقن بعد في مستويات الكوادر الوطنية، فإن هذا الأمر دفع بكثير من العاملات السعوديات لتغيير تلك النظرة، وذلك بحسب ما أوضحته لـ«الشرق الأوسط» رباب الزهراني إحدى المدربات في الدورات التدريبية المجانية لمبادئ الماكياج في أحد مراكز التجميل النسائية. وزادت: «لم نواجه أي صعوبات خلال تدريبنا للفتيات الملتحقات بالدورة، لأنهن يردن التعلم، إضافة إلى إلمامهن السابق ببعض مهارات فن التجميل»، مشيرة إلى وجود متدربات يرغبن في الدخول إلى هذا المجال باعتباره مصدر رزق لا بأس به.

وهنا علقت آلاء داود المدربة الثانية قائلة إن «تخريج مثل تلك الدفعات من الكوادر الوطنية من شأنه أن يساهم في تطبيق نظام السعودة على المشاغل النسائية بشكل جيد»، مضيفة: «بات مجال التجميل يعد مصدرا جيدا للرزق في ظل تطبيق بند العمل والعمال على منسوبات المشاغل النسائية». ولكنها استدركت قائلة إن «سوق العمل في مجال التجميل يحتاج إلى تكثيف مثل تلك الدورات التدريبية وإلحاق الفتاة بدورات يتم عقدها دوليا أيضا، وذلك بهدف تطوير مهاراتهن بشكل أكبر».

يشار إلى أن غرفة جدة انتهت مؤخرا من إجراء دراسة تناقش العقبات والعوائق التي تعترض طريق عمل المرأة في محلات الملابس النسائية، خاصة في ظل بدء بعض الشركات والمحلات المتخصصة الكبرى بتشغيل السعوديات في المحلات في الفترة الماضية.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق محمد سلطان الشهري رئيس لجنة الأقمشة والملابس الجاهزة بغرفة جدة أنه تم تقديم مقترح لجهات حكومية ومؤسسات دينية منذ أربعة أشهر بجملة من المتطلبات التي تساعد المرأة على العمل بشكل جيد ومن دون أي عقبات. وقال رئيس لجنة الأقمشة والملابس الجاهزة بغرفة جدة إن «المقترح الذي قُدم وتمت مناقشته مع عدة جهات ذات علاقة تم فيه تلافي العوائق والمشكلات التي حصلت للمقترحات السابقة من اللجان التي ساهمت سابقا في توظيف السيدات، لكنها فشلت في إنجاح مقترحاتها». مشيرا إلى أن الدراسة التي قدمت حاليا وبدأ تنفيذها راعت كل تلك الأمور بنسبة 60 في المائة.

وجاء تقديم المقترح بحسب تأكيدات غرفة جدة من قبل اللجنة إلى الجهات ذات العلاقة منذ أربعة أشهر، سبقتها مناقشات واجتماعات بشأن هذه الخطوة مع دوائر حكومية ومؤسسات دينية لتغيير الأمور وتوضيح المقصد من الوظيفة وآثارها على العميل سواء كان رجلا أو امرأة.

وكانت وزارة العمل أشارت مطلع هذا العام إلى وجود نحو 200 ألف عاملة في السعودية وهو ما علق عليه نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد في وقت سابق من هذا العام بقوله إن «78 في المائة من العاطلات عن العمل يحملن درجة البكالوريوس». مشيرا إلى وجود فرص واعدة للتوظيف منها الترجمة والقانون والمحاماة ومراكز التدريب النسائية والاستشارية وبيع وصناعة المستلزمات النسائية، وأضاف أنه «حسب إحصاءات المنشآت الخاصة فقد تم إلحاق 454 ألف عاملة في 2008 في القطاع الحكومي والخاص، منهن 257 ألف سعودية في القطاع الحكومي بنسبة 84 في المائة و16 في المائة في القطاع الخاص وتبلغ نسبة غير السعوديات 27 في المائة). معتبرا هذا الأمر دليلا على قصور في دخول السيدات السعوديات في القطاع الخاص وعزوفا عن مشاركة المرأة، وذلك في ثلاثة مجالات؛ في مقدمتها القطاع التعليمي.

واعتبر الحميد أن من أهم معوقات عمل المرأة العامل الاجتماعي، مشيرا إلى «أننا نواجه جدلا اجتماعيا غير مبلور وهناك من يضيق عليها في هذا المجال (ومنه الجدل حول بيع المرأة الملابس الداخلية النسائية)، ومن هنا بادرت وزارة العمل لطرح الموضوع في الحوار الوطني ولم يخرج بالنتيجة المطلوبة، وتبع ذلك انعكاسات سلبية تحد من قدرة الوزارة في طرح الوظائف، ولذا عمدت الوزارة إلى التعامل بشكل إقناعي حتى يتم إنهاء الجدل الاجتماعي حول كثير من وظائف القطاع الخاص وعلى رأسها بيع المستلزمات النسائية».