العرضة الجنوبية: رقصة الموت.. وعطر الأفراح

يعقبها يوم العيد مد سرادقات الطعام ويدعى حضورها لمعايدة جماعية

العرضة الجنوبية تسمى رقصة الموت ويلعبها أهالي المنطقة في وقت الأفراح والمناسبات («الشرق الأوسط»)
TT

(رقصنا بالحزام وبالسيوف البريعة والجنابي... رقصة الموت ما هي رقصة أهل الطرب والدندنة)، هكذا يعرفها أبناء المنطقة الجنوبية من السعودية فالعرضة لديهم رقصة موت، حيث كانت تقرع طبولها بعد أن تنتهي المعارك التي كانت تدور رحاها بين القبائل المتناحرة قبل توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبد العزيز، كما تقرع طبولها في لحظات الفرح والسعادة، فالأفراح والمناسبات التي تقترن بوجود العرضة تكون خالدة أكثر من غيرها، لا سيما بعد أن تواجه بالممانعة والرفض من قبل بعض المتشددين دينيا من أبناء المنطقة الجنوبية.

وكما ذكر الشاعر في البيت الذي وضع في المقدمة، فإن السلاح الأبيض عادة يكون رفيق لاعبي العرضة، حيث يأتي في مقدمة هذه الأسلحة السيف الذي عادة ما يكون صقيلا وحادا وإلا فلن يكون للرقص والتباهي به أي معنى، وقد يترافق مع ذلك الحزام ويسمى في بعض المناطق (المجند) الذي يكون محشوا بالرصاص المستخدم للمسدسات، كنوع من إضفاء الهيبة على اللاعب، ويأتي بعد ذلك الجنبية، ثم الفأس والمشعاب والهراوات التي يتوجب على المشاركين في العرضة إحضارها مسبقا إذا لم يرغبوا في إحضار السلاح.

إقامة احتفال العيد على شكل عرضة تحرص عليه بعض القبائل وبينها قبيلة آل يعلا إحدى قبائل بني سهيم، حيث قرر أبناء القبيلة إقامة احتفال عصر يوم العيد يضم حفلة عرضة يجتمع فيها كل أبناء القبيلة والقبائل المجاورة، حيث يتوقع حضور أعداد غفيرة للاحتفال من محبي العرضة، مما سيعطي ليوم العيد بهجة أكبر وفرحة أعم، بعدها يتم تقديم دعوة عامة في نهاية الحفل لمعايدة جماعية لبعض القرى.

بعض قرى آل يعلا وبينها قريتي (المشراف ومردم) لا تقدم الطعام للزوار صباح العيد، حيث يكتفى بتقديم القهوة والحلويات، وتؤجل أطباق الطعام للفترة المسائية من اليوم نفسه، حيث يتفنن النساء في إعداد هذه الأطباق بحيث لا تتشابه ويتفرد كل طبق عن الآخر، وتأتي صحاف العيش وطبق الكبسة في مقدمة هذه الأطباق، بينما قد يكون هناك حضور للمرقوق والجريش.

وبعد أن ينتهي حفل العرضة تمد سرادقات الطعام، ويسمى الطعام الذي يقدم في اليوم الأول من العيد (عيد)، حيث يحضر كل واحد من سكان القرية التي تدعو باقي القرى لمعايدتها طبقا من الطعام وتجمع هذه الأطباق في صف يمر عليها المعايدون يأكلون من كل طبق كمية قليلة، لأنهم سيمرون على كل الأطباق وهم يرددون (يا الله عيد من هو عيده وعيده عليهم بالخير والسرور).

تقترن العرضة عادة بنوع من الشعر منتشر في المنطقة الجنوبية من السعودية، حيث ينتشران - أي العرضة والشعر - كتراث شعبي، هذا النوع من الشعر يسمى شعر الرد، حيث يعتمد على وجود شاعرين أو أكثر والشاعر الذي يقول قصيدة أولى تسمى بدع، في حين يرد عليه الشاعر الآخر بقصيد تنقض كل ما قيل في القصيدة الأولى ويسمى ذلك رد، كما يطلق على الشعر الذي يقال في العرضة في الثقافة المحلية لأهل الجنوب (شقر) أي اشتقاق، حيث ينتهي كل بيت شعري بكلمة لا بد أن يشتق منها معنى جديد غير المعنى الذي قصده الشاعر الأول.

تتميز العرضة الجنوبية عن غيرها من الفنون الشعبية عند أدائها بأنها تتكون من صفين متقاربين يسيران متحاذيين وفي اتجاه واحد بشكل دائري (عكس عقارب الساعة)، حيث يتصدرها أبرز اللاعبين، ويكون خبط الأقدام مع الأرض متوافقا مع إيقاع الطبول، ولا تتوقف إلا في وجود شاعر أو عندما تحتاج الطبول إلى حمسها على النار، ليصبح صوتها أنقى وحتى لا تتعرض الجلود التي صنعت منها للتشقق بسبب انخفاض حرارتها.تختلف العرضة في تفاصيل بسيطة من ناحية الإيقاعات فقط من قبيلة إلى أخرى، ويعد أشهر أنواعها عرضة بلقرن، التي تنتشر في مناطق واسعة من تهامة حيث تنتشر قبائل بلقرن، وكذلك في منطقة السراة حيث تتمركز بعض القبائل هناك.

تعتمد العرضة على نوعين من الطبول (زير) و(زلفة) يكونان متلازمين في الإيقاع، كما تتناسب أعداد كل نوع بالنسبة إلى الآخر حتى يكون إيقاع العرضة مضبوطا، فالزير تكون أعداده أكثر فيتراوح عدد الطبول من هذا النوع من ثلاثة وهو الأقل إلى أن يتجاوز عددها الثمانية، وتكون موضوعة على الأرض والذين يتولون مهمة قرعها يكونون في وضعية الجلوس، بينما يكون عدد الزلف من اثنتين إلى أربع في الحفلة الواحدة وتحمل على حزام وتكون مقابلة لصدر من يتولى قرعها، وفي العادة يصنع الزير من جلد الجمل، بينما الزلفة من جلد الماعز.