عيد العروس في العيدروس

مدينة الملاهي التاريخية التي لعب فيها الأبناء والآباء والأجداد

برحة العيدروس تحتوي على عدد من الألعاب الخشبية التي كانت الطريقة الوحيدة للتسلية في الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

ليس من نسج خيالهم ولا فيما رأوا خلال مناماتهم ودون الاستعانة بآلة الزمن للعودة لما كان عليه أجدادهم، فقليل من الألعاب الخشبية القديمة والأصوات والمظاهر العتيقة تمكّن الأبناء والبنات من استنشاق هواء آبائهم وأمهاتهم كما تستحضر في وجدانهم عشرات السنين وعشرات الأفكار والأحداث وتدنيها في روح فرحة كالعيد لأطفال جدة.

ففي قلب جدة التاريخية بين حارات الشام واليمن والبحر والمظلوم تنصب في السادس والعشرين أو السابع والعشرين من رمضان كل عام عدد من الألعاب الخشبية القديمة في منطقة صغيرة مفتوحة ومعروفة لدى الكثيرين يُطلق عليها «برحة العيدروس».

تقع «برحة العيدروس» إلى الجهة الغربية لمدارس الفلاح، وحسب أحد قدماء أهالي جدة، كانت البرحة صاحبة النصيب في اليوم الرابع من العيد، فحينما كانت جدة لا تتجاوز سورها كان المهنئون والمحتفون بمناسبة العيد يتجمعون وفق تنظيم معين للمعايدة، ففي اليوم الأول يكون الاجتماع في حارة المظلوم، والثاني في حارة اليمن، والثالث لسكان حارة الشام، أما الرابع الذي كان يسمى «عيد الفلاح»، فإنه يتميز بألعابه المتقدمة آنذاك بالإضافة للألعاب الشعبية والمزمار حيث يعتبر كرنفالا تختتم به الأيام الأربعة.

عبد الصمد محمد عبد الصمد عمدة حارة اليمن قال لـ«الشرق الأوسط» إنه من الصعب تحديد زمن معين لبداية تخصيص برحة العيدروس لألعاب العيد بسبب قدمها، لكن الأرجح أن سبب تخصيص هذه المنطقة جاء بسبب وقوعها في اليوم الرابع بين أيام المعايدة الأربعة في جدة، الذي يتميز كما أشار بأنه مهرجان ترفيهي يختتم به العيد.

ومع أن الروايات تعددت حول مرجعية اسم منطقة العيدروس إلا أن العمدة قال خلال حديثه إن العيدروس كان في الأصل شارعا طويلا، ويقال إن أحد الوجهاء الذي كان يحمل اسم العيدروس كان يسكنه في زمن سالف. وأضاف «أن الألعاب كانت في السابق توضع على طول الشارع إلا أن زيادة ازدحام الناس خلال السنوات الماضية وامتلاء الشارع بالمحال التجارية تسببا باقتصار الألعاب على البرحة فقط».

وأضاف أيضا «لا نعرف تحديدا أين توضع الألعاب خلال السنة، لكنها تظهر وتنصب من قبل أصحابها سنويا قبل أيام من عيدي الفطر والأضحى، كما تنصب في ذات المنطقة البسطات التي تبيع حلوى العيد وتردد الأهزوجة الجداوية القديمة (حلاوة العيد يا حلاوة.. من باب جديد يا حلاوة)»، كما بين أن هذه الألعاب والبسطات تبقى لأربعة أيام وقد تستمر ليومين آخرين فيما لو وافق هذان اليومان الأخيران الخميس والجمعة، ويستمر العمل من شروق شمس كل يوم إلى منتصف ليله.

وقال عبد الصمد «إن لابسي الغباني من الآباء والأجداد بما فيهم المشاهير من المسؤولين والمثقفين الذين سكنوا هذه المنطقة ثم تركوها في موسم الهجرة إلى الشمال يحرصون على اصطحاب أبنائهم وبناتهم إلى (برحة العيدروس) خلال العيد من أجل ربطهم بتراثهم القديم الذي عايشوه قبل عقود».

وأضاف «أن أعداد الزائرين لهذه المنطقة يزداد مع كل عيد بدرجة كبيرة حتى أصبحت زيارة العيدروس طقسا لا يتخلى عنه الأبناء ولا يمله الآباء سنويا خلال العيد».

وبين العمدة خلال حديثه أنه بالإمكان تطوير مرفقات المنطقة التاريخية بصورة عامة، وأن تنظم فعاليات ثقافية وشعبية خلال وجود الناس في المنطقة، واقترح أن تتحول الألعاب من برحة العيدروس التي أصبحت لا تتسع للأعداد الكبيرة التي تأتي إلى ساحة مستشفى باب شريف لتكون متاحة للزائرين طوال العام.

الزائر لمنطقة العيدروس خلال العيد يدفعه الفضول لمعرفة الكثير حول المنطقة والزائرين، حيث من بين ما يلحظه السحنة المصرية للمكان، حيث يقوم المصريون على كثير من الألعاب هناك، كذلك الأحصنة والجمال، بالإضافة إلى أن السيدات المصريات يبعن هناك عددا من الألعاب والطبول والملابس المصرية الريفية التي تجتذب الأطفال كثيرا.

وتنتشر العربات التي تجرها الخيول وهوادج الجمال، إذ إن الألعاب الأشهر والأقدم في «برحة العيدروس» هي الألواح الخشبية والعيلقية والدوار والشبرية والحصان الدوار والتدرية. وأسعارها تتراوح بين الـ10 والـ15 ريالا بعد أن كانت في يوم من الأيام بربع ونصف الريال، كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» أحد أعيان المنطقة القدماء.

ولا تقتصر مرفقات «برحة العيدروس» على الصغار برفقة آبائهم فقط بل إن الشباب أيضا يأتون إليها فرادى وجماعات للاستمتاع وتمضية الوقت وللعب ببعض الألعاب التي أضيفت خلال الأعوام الماضية كالفرفيرة والبلياردو والدراجات النارية.

جيران برحة العيدروس والعاملون فيها الذين يرصدون بالعين المجردة أعداد الزائرين لها سنويا يقولون إن زوار البرحة في تزايد سنوي مستمر، فكما عبر أحد العاملين هناك ويدعى «توفيق»، فإن الذي يأتي هذا العام بأبنائه يأتي بهم وبأبناء إخوته في العيد المقبل، ويأتي بأحفاده في العيد الذي يليه، فموسم العاملين في «برحة العيدروس» في ازدهار مستمر عاما بعد عام، ما عدا المصورين الفوتوغرافيين فغلتهم تكاد تكسد بسبب الجوالات وآلات التصوير الحديثة.