سيارات الأجرة الصفراء.. شاهد على تطور الحياة منذ ظهورها في الستينات

المرور لـ«الشرق الأوسط»: قرار تغيير لونها عائد لوزارة النقل والمواصلات

علاقة أخوية تربط سائقي سيارات الأجرة الصفراء بعضهم ببعض نتيجة وجودهم معا لأوقات طويلة («الشرق الأوسط»)
TT

ذكريات كثيرة ما زالت راسخة في أذهان سائقي سيارات الأجرة ذات اللون الأصفر، التي ظهرت منذ الستينات بعدما رسمت خطوطها الطويلة ملامحهم، وخطت تجاعيد الزمن على وجوههم، وأرهقت مسافاتها أعينهم، وغزا الشيب رؤوسهم، ليشهد قصة حضارة ومرحلة تطور عمراني واكبوها من خلال تنقلاتهم بين المدن السعودية بحثا عن الرزق من خلال الموقف المخصص لهم لإيصال الركاب من جدة إلى الطائف ومكة المكرمة، والذي يضم غرف لاستراحة السائقين يتبادلون فيها أطراف الحديث.

السائق مطلق الوقداني الذي يعيش العقد السابع من عمره لم يكن يعلم ما تخبئه له الأيام كي يصبح أسيرا لمقود مركبته، بعدما أصبحت علاقته بالسيارة الصفراء أشبه بقصة عشق رسمت تفاصيل طرقها الطويلة ملامحه طوال مسيرة امتدت لـ45 عاما.

ويقول الوقداني من أمام موقف مكة: «قضيت أجمل أيام عمري هنا وعلى هذه الأجرة أحمل الركاب من جدة إلى الطائف وأعود في الاتجاه نفسه وفي اليوم ذاته»، مشيرا إلى أنه كان قد خضع لعمليتين في عينيه بعد إصابته بمرض المياه البيضاء، الأمر الذي جعل الأطباء يحذرونه من التعرض للهواء مدة 40 يوما.

ويعتبر الوقداني سيارة الأجرة سترة له، كونها أسهمت كثيرا في تربية أبنائه الثمانية وتلبية احتياجاتهم، مبينا أن اثنين من أبنائه يعملان في القطاع العسكري، في حين تمكن الاثنان الآخران من إكمال المرحلة الجامعية ليلتحق أحدهما بشركة الكهرباء، بينما يعمل الآخر بوزارة التجارة والصناعة.

ويؤكد وجود علاقة أخوية تربط سائقي سيارات الأجرة الصفراء بعضهم البعض، والتي نشأت نتيجة وجودهم سويا لأوقات طويلة، لافتا إلى أن الموقف المخصص لهم لم يكن يخلو من الراكبين بين جدة ومكة والرياض والطائف، إلا أن قلة أعداد السيارات حاليا جاءت نتيجة انخفاض أعداد الركاب ودخول السيارات الخاصة التي يرى أنها أغلقت عليهم الطريق، كونها تحمل الركاب من الشارع العام، من دون مراعاة لوجود سيارات الأجرة، بحسب قوله.

وما زالت سيارات الأجرة الصفراء موضع تفضيل من قبل بعض الركاب حتى الآن، رغم وجود السيارات الخاصة والأجرة البيضاء وغيرها، وهو ما علق عليه مطلق الوقداني قائلا: «إن ذلك عائد لحرص سائقي الأجرة الصفراء على السير بسرعة مقننة، عدا عن وسيلة الترفيه المستخدمة والمتمثلة في وضع أغنيات قديمة لكبار المطربين العرب بحسب ذائقة الراكب»، موضحا أنه عادة ما تنشأ علاقات صداقة بين السائقين والركاب من خلال تبادلهم الأحاديث طيلة الطريق.

وفي زاوية أخرى داخل الموقف يقبع عبد الله سعد الغامدي البالغ من العمر 63 عاما مع صديقيه من السائقين في انتظار ركاب يقلونهم بعد أن اتخذوا من إبريق الشاي وسيلة للقضاء على الانتظار، عدا عن مناقشتهم لمشكلاتهم وهموم حياتهم المختلفة.

العم عبد الله الذي يعمل كسائق أجرة منذ نحو 35 عاما، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أنه استطاع تربية أبنائه الخمسة وتأمين منزل لهم من خلال سيارة الأجرة الصفراء، مشيرا إلى أن دخله اليومي في الماضي كان يتراوح ما بين 600 إلى 700 ريال.

ونتيجة لارتباطه بسيارته الأجرة وما تحمله له من ذكريات عتيقة، رفض استبدالها بأربع سيارات جديدة، كونها كانت سببا في معيشته وتأمينه لمستقبل أبنائه، مؤكدا أن المجتمع في السابق كان ينظر إلى سائقي الأجرة كأصحاب ثقافة واطلاع جراء مرورهم بأماكن كثيرة ومعرفتهم لشرائح مختلفة من الناس، غير أنه أبان أن اختلاف نمط الحياة بين الماضي والحاضر أسهم في انخفاض دخلهم اليومي الذي قد لا يتجاوز 50 ريالا.

من جهته، أكد المقدم زيد الحمزي المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للمرور في محافظة جدة، عدم وجود أي مضايقات لسائقي سيارات الأجرة من قبل أصحاب السيارات الخاصة ممن يعملون في المجال نفسه.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة مركز تابع للمرور بجوار موقف سائقي سيارات الأجرة، وذلك بهدف متابعة خط سير المركبات، إضافة إلى إيقاف السيارات الخاصة ومنعها من الاقتراب من الموقف، وذلك عن طريق تحرير مخالفات لسائقيها مع إنذارهم بعدم الوقوف إلى جانب الطريق المؤدي إلى موقف سائقي سيارات الأجرة».

وفيما يتعلق بإمكانية تغيير لون سيارات الأجرة الصفراء، أفاد المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للمرور بأن مسؤولية تلك السيارات تابعة لوزارة النقل والمواصلات التي بدورها تقرر استمرارية تلك السيارات على لونها أو تغييره.