مؤرخ طائفي ينبش لـ«الشرق الأوسط» ذاكرة الطائف الفنية والثقافية

قال إن الملك فيصل كان يجمع الأدباء في منتدى أسبوعي وقت وجوده في الطائف

TT

في خضم الفعاليات القائمة في مدينة الطائف، وسط صخب سوق عكاظ وحراكها، يؤكد لـ«الشرق الأوسط»، عيسى علوي القصير، المؤرخ المختص في شؤون الطائف، صاحب كتاب «أحلى اللطائف في منتجع الطائف»، إذ يقول: تعد الطائف واحدة من أقدم مدن العالم، ويندر أن يخلو كتاب في تاريخ جزيرة العرب من دون أن يشير إليها. وعلى الرغم من الغياب الطويل الذي سجلته سوق عكاظ، وكان مستمرا 13 قرنا، بيد أن علاقة العرب بهذه السوق لم تنقطع، فكانت أشعارهم من المعلقات، تحكم وتجاز، فتجتاز وتخرج إلى العالم من ساحة عكاظ، ولهذا كانت عكاظ حاضرة في الحياة الثقافية العربية حتى وهو غائب.

وأضاف القصير كانت الطائف منذ العصر الجاهلي منبع الأدباء، أبرزهم في ذلك الوقت، أمية بن أبي الصلت، شاعر ثقيف منذ السنة التاسعة للهجرة، وفي السنوات الأولى ظهرت مجموعة من أبناء الطائف من ثقيف وهوازن في الأدب والشعر والنثر منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى بداية الدولة الأموية والدولة العباسية، منهم من رافق خلفاء بني أمية والعباسيين، سواء شعراء أو أدباء أو فرسانا، واشتهر منهم نحو 36 فارسا وأديبا، ووصلوا إلى مشارف إسبانيا وتخوم الصين، ومن أبرزهم عقبة بن نافع ومحمد بن القاسم.

ويرجح القصير أن من أبرز إيجابيات هذه الحركة الأدبية، نشأة المكتبات التي حوت أمهات الكتب والمخطوطات، وكانت ملتقى الأدباء، حيث أنشئت مكتبة عبد الله بن عباس، كأول مكتبة بالطائف والجزيرة العربية سنة 678 من الهجرة، وتضم بين رفوفها أمهات الكتب في جميع أنواع المعارف، وظلت هذه المكتبة مرجعا للباحثين والدارسين، وأنشئت أيضا، أول مكتبة في العهد السعودي عام (1362هـ). ومن ثم أنشئت مكتبة الثقافة، ثم مكتبة المعارف (1364هـ)، ثم مكتبة المؤيد عام (1365هـ)، التي كانت بمثابة منتدى للمثقفين من أرجاء المملكة، ومن الجزيرة العربية. إذ كانوا يتدارسون البلاغة وصنوف الأدب والتاريخ.

غير أن تأسيس مثقفي الطائف ناديها الأدبي عام 1395هـ حول بوصلة الثقافة والأدب إلى تلك المظلة، حيث اضطلع الدكتور حمد الزيد وعلي العبادي ومحمد خلف الزايدي ومحمد سعيد كمال وعبد الله المهنا وياسر العظمة، إضافة إلى أسرة آل قاضي وآل بن حريب.

واستطرد: أن الملك عبد العزيز كان حريصا على جمع المثقفين والأدباء والشعراء حوله، وفي عهد الملك فيصل استمرت النهضة الأدبية، حيث كان للملك فيصل، رحمه الله، منتدى أسبوعي يقيمه خلال وجوده بالطائف في موسم الصيف.

ويؤكد عيسى القصير أن الفن دخل الطائف منذ القدم، واشتهر أهل الطائف بالغناء والطرب الحجازي واليمني عبر العصور المختلفة، وتداولته الأجيال، جيلا بعد جيل.

وكان موسم الصيف بمثابة مهرجان فني حقيقي، يبدأ من أول الصيف ولا ينقطع. ويمتاز فن الطائف بسهولة الألحان وشفافية الكلمة في التعبير والأداء، وله شهرة كبيرة بين المدن المجاورة، خاصة في جلسات الطرب، ولم تقتصر بيوت الفن على الطرب، بل كانت بيوتا للفكر والأدب والشعر ومنتدى للبلاغة والحوار وملتقى للأدباء.

وكان أهل الطائف حريصين في المناسبات والأعياد على إقامة الألعاب الشعبية وإحياء الليالي بالغناء والرقص في الساحات الكبرى، ففي حارة أسفل تقام في برحة مسجد الهادي وحارة فوق في برحة الركن وحارة السليمانية في برحة ابن العباس. وكانت هذه الساحات مكانا للاحتفالات والمهرجانات الشعبية والمناسبات الوطنية في السابق.

ويشير المؤرخ الطائفي إلى أن من أشهر الألوان الشعبية، المجرور والمجسات والابتهالات والمزمار والرفيحة والمجالسي والصهبا واليماني ولعبة حيوما ولعبة يلي والملعبة. ومن أشهر مؤدي هذه الألعاب قديما: عيد الطويرقي وعبد الله حدايدي ومحمد حبسي ومحمد وزيرة ومحمد سعيد حلواني ودرويش هلال ومحمد صديق السليماني وحامد كنجري ويحيى حدايدي وصالح بهلول وعمر ياسين وأحمد ردة وأحمد وفاء وعبد القادر كنجري.

ويشير عيسى القصير إلى أن من الفنانين الذين عاصروا الفن قديما بمدينة الطائف خلال عقوده الماضية حسن جاوا وحسن لبني من مكة المكرمة، والفنان والموسيقار طارق عبد الحكيم، الذي أسس أول مدرسة موسيقية بالجيش العربي - السعودي في الطائف، والفنان محمد حلوني وإسماعيل التركي وأبو حصة وكردوس ومبروك القريني ومحمود خان ويوسف محمد وداود خان وأحمد بن ردهان وأحمد باكلكا وأسعد حربي ومحمود عشي وسليمان سحره وعبد الله سحره وعبد الرحمن مؤذن وعمر كدرس.

ثم أتى من بعدهم الفنان حيدر فكري وعبد الله محمد ومسفر القثامي وطلال مداح والشريف عبد الله جعفر مرشدي، ومن الفنانات توحة والفنانة عتاب وابتسام لطفي وكرامة ولطيفة المغربية والعدنية وسمر دنيا. وهؤلاء من مطربي الطائف ومكة، حيث اشتهروا بالغناء والمجسات.