الأمير خالد الفيصل يدشن فعاليات «سوق عكاظ» في نسختها الرابعة

برعاية خادم الحرمين الشريفين.. وحضور شخصيات ثقافية من 21 دولة عربية

فعاليتان لـ«سوق عكاظ» في مناسبة سابقة
TT

برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يدشن الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ، اليوم في الطائف، انطلاق فعاليات السوق في نسختها الرابعة. وذلك في تمام السابعة والنصف مساء، في منطقة العرفاء، شمال الطائف، المكان الذي تعاكظت فيه العرب منذ ما يتجاوز الـ13 قرنا..

وتأتي نسخة السوق الرابعة، بجملة من التطورات والتحسينات التي أضيفت لرصيفاتها من النسخ السابقة، ابتداء من فوز شاعر من مدرسة حديثة، مرورا بالتجهيزات والتحسينات التي طرأت على جادّة عكاظ، بشارع يبلغ نحو الكيلومتر طولا، مرورا بتجربة الكتّاب ومشاركتهم خلال ندوات، باستعراض ومحاورة المهتمين بأعمال تشمل الترجمة والرواية والببلوغرافيا وغيرها من الفنون الكتابية المختلفة.

ومن المقرر أن يبدأ حفل افتتاح فعاليات السوق بجولة لراعي المهرجان ومرافقيه على جادة عكاظ، ويشتمل برنامج الفعاليات الثقافية لسوق عكاظ، التي تستمر لمدة خمسة أيام، على أكثر من 12 ندوة نقدية وأمسية شعرية، وبرنامج فعاليات جادة عكاظ اليومي والحيّ.

وسيضع الأمير خالد الفيصل حجر الأساس لخيمة سوق عكاظ إيذانا ببدء الأعمال الإنشائية، إذ تقام على مساحة قدرها 3876 مترا مربعا، تضم قاعة كبرى بسعة 3061 مقعدا, إضافة إلى قاعات الانتظار ومكاتب للخدمات المساندة، بتكلفة بلغت نحو 36 مليون ريال، وسيكمل المشروع شركة سعودية تستغرق ثمانية أشهر، لتكون جاهزة في الموسم المقبل.

كما سيشهد الموسم الرابع لأول مرة إقامة مهرجان للكُتّاب، وهو مهرجان مخصص للمؤلفين العرب أصحاب الإسهامات المتنوعة في التأليف والنشر، وذلك للحديث عن تجاربهم مع التأليف والكتابة.

يشار إلى أن اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ استقبلت هذا العام مشاركة أكثر من 480 عملا، من 21 دولة، وتسعى اللجنة للتواصل مع المؤسسات الثقافية في العالم العربي لتشجيعها على الترشيح للجوائز للأعوام المقبلة، وخاصة جائزة شاعر عكاظ.

ودعت اللجنة المنظمة لسوق عكاظ جملة مشاركين من رجالات الأدب والثقافة في العالم العربي، فمن لبنان دعي عبده وازن، محمد علي فرحات، ورضوان السيد. ومن الجزائر الكاتب الروائي واسيني الأعرج، وقرينته الشاعرة زينب الأعوج. ومن المغرب الشاعر حسن نجمي، ومن تونس الناقد الدكتور توفيق الزيدي، ومن العراق الناقد عبد الواحد لؤلؤة، ومن السودان الشاعر محيي الدين الفاتح، ومن عمان الشاعرة سعيدة خاطر الفارسي، ومن سورية الشاعر رضا بلال رجب.

أما من سيشارك من السعودية، فهم: الدكتور عبد العزيز السبيل، الدكتور هاشم عبده هاشم، الدكتور علي الموسى، الشاعر سعد الحميدين، ظافر الشهري، خالد اليوسف، يوسف المحيميد، قماشة العليان، بديعة كشغري، وفهد ردة الحارثي.

واعتمدت السوق منح جوائز عكاظ هذا العام لسبعة أشخاص، بمجموع جوائز ناهزت قيمتها الـ970 ألف ريال، وذهبت الجائزة الرئيسية (شاعر عكاظ) للشاعر شوقي بزيع مصطفى من لبنان، أما جائزة شاعر «شباب عكاظ» وهي جائزة مخصصة للشعراء الشباب في المملكة العربية السعودية، ففاز بها الشاعر ناجي بن علي حرابه، في حين فاز بجائزة «لوحة وقصيدة» الفنان التشكيلي محمد إبراهيم الرباط من المملكة العربية السعودية عن لوحته «الخيل»، وجاءت جائزة «الخط العربي» مناصفة بين كل من صباح الأربيلي، وهو بريطاني مقيم في قطر، ومثنى العبيدي من العراق، كما فاز بجائزة «التصوير الضوئي» في موضوع «جماليات العمارة الإسلامية» عن فئة فوق 18 سنة، الفوتوغرافي سامي إبراهيم حلمي من جمهورية مصر العربية، بينما فازت بفئة أقل من 18 سنة الطالبة بيان أحمد بصري من المملكة العربية السعودية.

من جهته، ربط الدكتور جريدي المنصوري، أمين اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ، فوز الشاعر شوقي بزيع، الفائز بجائزة شاعر عكاظ، بمزج السوق للتاريخ العتيق بالفن المعاصر، وقال: «يعد بزيع من شعراء المدرسة الشعرية الجديدة، ولهذا فهو يقدم شيئا مهما، وهو أن سوق عكاظ تستوعب التجديد والمظاهر الجمالية الحديثة للشعر الحر، ممثلا في شعر التفعيلة، حيث إن الشاعر شوقي بزيع أحد شعراء التفعيلة البارزين في الوطن العربي، وهو الفائز بجائزة الشعر الكبرى ولقب شاعر عكاظ، وهذا يعني أن هذه السوق التقليدية القديمة بالمعنى العميق للأصالة، تستوعب كل المنجزات الحديثة في التفكير الجمالي وأساليب الأداء في شتى الفنون، والسوق تؤكد، عبر فوز بزيع، استيعابها لكل التجارب الحديثة للفنون».

بدوره، أكد الدكتور سعد مارق، أمين اللجنة العليا لسوق عكاظ، صيانة جادة عكاظ بشكل يناسب استقبال الجماهير التي ستتوافد طيلة أيام السوق، لافتا إلى أنه تم إكمال كل التجهيزات للفنادق والإسكان والمواصلات، حيث تم توفير عدد من السيارات والحافلات وشركات جندت طاقاتها لتنظيم الحفل والفعاليات، كما تهيأت الاستعدادات الإعلامية واللوحات الإرشادية والإعلانات الإيضاحية عن الأنشطة.

وتقام فعاليات «جادة عكاظ» التي تشرف على تنظيمها الهيئة العامة للسياحة والآثار, بأسلوب وصفه المنظمون بـ«المحاكي» لما كان يجري حقيقة بسوق عكاظ القديمة. وحول ذلك، يقول الدكتور جريدي المنصوري: «الجميل هو أن الجمهور جزء من فريق العمل داخل الجادة، خاصة أن 450 مشاركا من جميع مناطق المملكة، بمن فيهم أبناء محافظة الطائف، بالإضافة إلى 125 من الحرفيين والحرفيات الذين يشاركون من داخل المملكة وبعض الدول العربية، يسهمون في تفعيل الأنشطة».

ويضيف: «آثرنا أن ننفرد وأن نتميز عن الآخر»، وذلك في معرض رده على سؤال «الشرق الأوسط» حول اللوحات الغنائية الشعرية التي تعرض في الدول العربية المهتمة بالمسرح.

وعن جديد الجادة، يعود الدكتور سعد مارق ليقول: «لقد تم توزيع الأنشطة الفلكلورية على جنبات الجادة، وتقام في ساحتها عروض الخطابة والشعر والمبارزة والفروسية، وأنشئ بها مسرح جديد للفنون الشعبية، وأضيف نحو 60 خيمة للحرف اليدوية والمعارض المختلفة، وخصصت ستة مواقع جديدة للمعارض التشكيلية والخط العربي والتصوير الضوئي».

وعلى مدار 12 يوما، تقدم فيها الجادة أعمالا مسرحية درامية تاريخية، ممثلة بـ«مسرح الشارع»، حيث جزم الدكتور جريدي المنصوري بأنه مسرح سيضاهي المسارح العالمية، يمتد لنحو 1000 متر طولا، ويعلق: «هناك الكثير من المسارح التي لا تحتوي على مدرج (...) بإمكانك أن تمشي وتسأل: من أنت يا هذا، فيرد: أنا عمرو بن كلثوم. فتقول: أسمعني ما لديك، ومن ثم يصدح بشعر عمرو بن كلثوم». في إشارة إلى التجديد في طرق العرض والمشاركة في آن واحد.

في حين يؤكد تقرير صدر عن وكالة الأنباء السعودية، أن الجادّة تمثل جوانب الحياة التي كانت تجري في سوق عكاظ قديما، إضافة إلى إلقاء الشعر العربي الفصيح، وخاصة المعلقات، إذ تقام قبة الشاعر النابغة الذبياني وقبة الشاعرة الخنساء، وتخصص منطقة لإلقاء الخطب القديمة كخطب قس بن ساعدة الأيادي، إلى جانب أمسيات أدبية وثقافية يشارك فيها نخبة من المثقفين والأدباء في موقع يمثل حيا في منطقة عكاظ، ويحتوي على بيوت الشعر المجهزة من الداخل بطرز عربية تعود للعصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام.

غير أن زائر الجادة، لن يكتفي بالشعر والتعاكظ، بل سيجد عروضا أخرى تصور نماذج من الحياة اليومية المعروفة في الجزيرة العربية قديما، كعروض المبارزة والفروسية، ومرور القوافل والشعراء والإبل والخيل، وإلقاء القصائد باللغة العربية الفصحى، وكذلك تقديم العروض من الألعاب الشعبية والرياضات التراثية والرقصات الفلكلورية، إلى جانب معروضات الأسر المنتجة، وهي جزء من جملة برامج تساعد الأسر ذات الدخل المتوسط والبسيط في البلاد على تحسين الإيراد، عبر عرض منتجات تصنع منزليا بطرق عتيقة، ويقع معرض الأسر المنتجة على طول الجادة والخاصة، ويبيع المأكولات الشعبية الحجازية والجنوبية، فضلا عن باعة المنتجات الزراعية والفواكه المنتجة في محافظة الطائف والمدن القريبة منها. كما ستزخر الجادة بباحة تباع فيها القطع الأثرية، توفرها محال تتخصص في عرض وبيع الهدايا التذكارية التاريخية اليدوية، كالمعلقات المكتوبة على رقاع من الجلد والصخر المنحوت وغيرها.

ومن ناحيته، وصف حماد السالمي، رئيس نادي الطائف الأدبي الثقافي، التطورات الدورية للسوق بأنها «تنبئ عن وعي الدولة والمجتمع بقيمة هذا الرمز الشعري والثقافي، الذي كان يجمع عليه العرب، ويعرفه ويرتاده العجم». ويضيف في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «بعد مرور ثلاثة أعوام، أصبحت (عكاظ) قيمة ثقافية وتاريخية تضاف إلى قيم السعوديين والعرب، وتبحث عن الريادة الشعرية والفنية في شاعر عكاظ والشعراء الشباب والمصورين والرسامين والمبدعين في كل ميدان»، معللا بأن ذلك لا يعكس سوى أنها تبحث عن التميز في دنيا الشعر والأدب والثقافة، «ولهذا فعكاظ تسير على طريق الإثراء المعرفي، وترفع من القيمة الثقافية بشكل عام».

وحول الفروقات التي يلحظها السالمي باعتباره من مثقفي المحافظة المتابعين للحراك الثقافي، أشار إلى أن هناك فوارق واختلافات واسعة في كل نسخة سنوية من عكاظ، وقال: «نلمس تراكمات جديدة من الخبرات الواعدة في التنظيم والإدارة وتنوع الطرح، إلى جانب التوسع في بناء البنى التحتية، التي تصل بنا في النهاية إلى مدنية ثقافية اسمها عكاظ، تستمد قوتها من مكان عكاظ ومن مكانته على حد سواء، وتجعل من عكاظ الثقافي القادم مهرجانا في كل المواسم ولكل الأطياف، وليس الذي يفتح أبوابه ثم يقفلها بعد أسبوعين».

إلى ذلك، تشارك الهيئة العامة للسياحة والآثار في مهرجان سوق عكاظ بجملة فعاليات وبرامج، إذ أسهمت الهيئة في تنظيم سوق عكاظ من خلال المشاركة في اللجنة الإشرافية واللجنة الرئيسية واللجنة التنفيذية للسوق، والمشاركة في تنظيم الفعاليات عبر جهاز التنمية السياحية بالطائف والإدارات المختصة بالهيئة، إلى جانب تنظيمها جائزة عكاظ للحرف اليدوية، والإسهام في إعداد مخططات جادة عكاظ، والتنسيق مع أمانة الطائف لتطوير الجادة، وتنظيم الفعاليات التراثية والثقافية على الجادة، واختيار المؤسسات المنظمة لها، إضافة إلى الدعم الفني والمالي لتلك المؤسسات، وترتيب مشاركة الحرفيين والحرفيات في سوق عكاظ من مناطق المملكة والدول العربية.

وقال تقرير صدر عن الهيئة: «نسقت الهيئة ترتيب مشاركة أبناء الطائف في تنظيم الجادة (منظمين ومتطوعين)، وتنفيذ أنشطة تسويقية لدعم السوق، وتنفيذ أنشطة إعلامية مصاحبة للسوق، وتنظيم معرض الهيئة عن مشروع سوق عكاظ والمشاريع السياحية في الطائف، وتنفيذ دراسة الأثر الاقتصادي وإحصاءات الزوار، وتقديم الدعم لمنظمي الرحلات السياحية لتصميم وتسويق برامج سياحية لزيارة السوق من قبل الراغبين من مختلف مناطق المملكة».

من جانب آخر، أشار الدكتور سعد مارق إلى كتاب يتحدث عن سوق عكاظ ساردا قصة السوق في العهد القديم وفي العهد السعودي الحديث، وهو مطبوع طباعة فاخرة ليكون وثيقة وهدية يقدمها السوق لضيوفه، ويلخص قصة السوق قديما وحديثا، منذ أن نشأت قبل الإسلام، حتى سنة 129 للهجرة، ثم يعرج على إعادة إحياء السوق وإعادة اكتشاف موقعها التاريخي، إذ استعيد إحياؤها السنوي في هذا الموقع، موضحا أن الكتاب «حُرِّر بالاستناد إلى ما كتبه المؤرخون السعوديون، الذين وضعوا كتبا ودراسات كثيرة قيمة في موضوع السوق، يستعرضها الكتيب في فصوله السبعة، وهي: عكاظ في التاريخ والتجارة، عكاظ المرجل اللغوي الكبير، الشعر في عكاظ (المعلقات وأصحابها)، عكاظ في الشعر، زيارة سوق عكاظ، وفصل معنون بـ(كتبوا في عكاظ)، وآخر بعنوان (عنقاء الجزيرة العربية)».

ولمح الدكتور مارق إلى خيمة عكاظ، إذ سيوضع حجر الأساس لها في حفل افتتاح السوق، مشيرا إلى التقدم العمراني من ناحية المعمار الهندسي، وتشمل مجموعة من القاعات والخدمات المساندة، وبلغت تكلفتها نحو ستة وثلاثين مليونا، وبها جماليات تتناسب مع الثقافة الحديثة، وتلبي متطلبات الخدمات الثقافية كموقع متعدد الأغراض تمارس فيه مناشط ثقافية كثيرة، بدءا بحفل الافتتاح.

وفي الجانب الصحي، تشارك الشؤون الصحية بمحافظة الطائف في فعاليات السوق، وذلك عبر الأعمال الميدانية والرعاية الطبية الأولية، حيث أوضح سعيد الزهراني الناطق الإعلامي لصحة الطائف أن المشاركة تتمثل في تجهيز وتشغيل المركز الصحي المؤقت في مقر السوق، بهدف خدمة العاملين في فعاليات المهرجان وخدمة الزوار, وإقامة معرض التوعية الصحية الشاملة، بهدف توعية الجمهور صحيا في جميع الأمور المتعلقة بالصحة العامة، كأضرار التدخين والسكري وضغط الدم, والعادات الغذائية المختلفة, إلى جانب التوعية الشاملة عن بعض الأمراض المختلفة، كما تتضمن مشاركة الشؤون الصحية ببنك دم متنقل، لتمكين الراغبين في التبرع، من أجل تقديمه إلى المحتاجين من المرضى والمصابين في المستشفيات المختلفة.