غرفة جدة تعيد إحياء «مقعد» البيوت الحجازية العتيقة في مجلس لمناقشة أهم القضايا

يهدف إلى اجتماع رجال وسيدات الأعمال بالمسؤولين وأصحاب القرار

«مقعد» البيوت الحجازية العتيقة عملت غرفة جدة على إعادة إحيائه بهدف إشراكه في مجلس مخصص لمناقشة القضايا البارزة («الشرق الأوسط»)
TT

من البيوت الحجازية العتيقة التي تميزت بوجود مكان مستقل في كل منها للقاء الأهالي عن طريقها، استقت الغرفة التجارية الصناعية في جدة فكرة لإنشاء مجلس يجمع رجال وسيدات المجتمع المهتمين بالشأن الاجتماعي والاقتصادي، وذلك بهدف الالتقاء والتواصل بشكل يخدم أداء الغرفة وفق أنشطتها ليواكب آمال وتطلعات أصحاب الأعمال، وأطلقت عليه اسم «المقعد».

اسم «المقعد» كان يطلقه أهالي منطقة الحجاز القدامى على المكان الذين يلتقون فيه لمناقشة شؤون الأسرة والحارة والالتقاء من أجل توطيد الأواصر والعلاقات الأسرية والجوار، إضافة حل النزاعات والمشكلات على مستوى الأسرة والأسر المجاورة.

ومن ذلك المنطلق، برزت فكرة «المقعد» في غرفة جدة التي تبناها مجلس الإدارة في دورته العشرين، وذلك لارتباطها بالأهداف الاستراتيجية التي تتبناها، إلى جانب التواصل مع كل شرائح قطاعات الأعمال والمسؤولين الحكوميين من ذوي العلاقة لمناقشة أبرز القضايا.

الدكتورة عائشة نتّو عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة، أوضحت أن فكرة «المقعد» كانت نتيجة اقتراح لصالح كامل رئيس مجلس إدارة غرفة جدة، وذلك بهدف إنشاء مكان دائم للقاء مع المسؤولين ومناقشة قضايا مختلفة. وقالت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تميّزت البيوت الحجازية القديمة بوجود (المقعد) الذي عادة ما يكون في مدخل المنزل كونه بمثابة ملتقى بين الأهالي، وذلك كي لا يمر الضيوف على كامل مرافق البيت والأسرة»، لافتة إلى أن «المقعد» عادة ما يكون منفصلا عن بقية مرافق المنزل.

ويعد المقعد في الغرفة التجارية الصناعية بجدة مكانا يلتقي فيه أصحاب الرأي والحل والخبرة من رجال وسيدات الأعمال والمسؤولين الحكوميين وكل من لهم علاقة بالأعمال المختلفة والسلك الدبلوماسي كالسفراء والقناصل بحسب طبيعة الموضوع. ويهدف إلى الالتقاء والتواصل ومناقشة شؤون الأعمال في مدينة جدة بصفة عامة والنواحي الاقتصادية والاجتماعية وطرحها للنقاش العام، فضلا عن بلورة الآراء ورفعها للجهات المختصة، وحل النزاعات والخلافات بين الشركات العائلية.

وبالعودة إلى الدكتورة عائشة نتّو، فقد أشارت إلى أن «مقعد» الغرفة التجارية الصناعية سيجسد مكانا مجهزا دائما يلتقي فيه أعضاؤه بأصحاب الرأي والقرار بمن فيهم النساء، خاصة أن سيدات الأعمال في بعض الأحيان لا يجدن مقرا للقاء الشخصيات النسائية البارزة القادمة من خارج السعودية.

الدور الحادي عشر من مبنى الغرفة التجارية الصناعية في جدة هو الذي يشهد احتضان ذلك المقعد حاليا باعتباره المكان المخصص لاجتماعات أعضائه، غير أنه سيتم تخصيص مقر آخر في الطابق الأرضي أو الأول من المبنى الرئيسي بحسب المتاح.

ويتمثل أعضاء المقعد في كل من أعضاء مجلس الإدارة بغرفة جدة ورؤساء ونوّاب مجالس الإدارة للدورات السابقة، إضافة إلى رؤساء اللجان القطاعية بالغرفة والمتضمنة التجارية والصناعية والخدمات والمقاولين والنقل والموانئ، فضلا عن وجهاء المجتمع ممن يعتد بآرائهم ومكانتهم ومن يساهم منهم في خدمة القطاعات.

كما تشمل العضوية أيضا رؤساء التحرير في الصحف المحلية والصفحات الاقتصادية والكتّاب المختصين، وبعض أعضاء مجلس إدارات الشركات المساهمة الكبرى، إضافة إلى استضافة المقعد للمسؤولين الحكوميين والشخصيات الاعتبارية والسفراء والقناصل بحسب الموضوع المطروح للنقاش. ويبلغ عدد أعضاء المقعد نحو 100 عضو تشمل فئات التجار والصناع والخدمات المالية البنكية من بناء وتشييد وخدمات صحية وتعليمية، إضافة إلى فئة المهنيين والمحامين والمحاسبين القانونيين والاستشاريين والأكاديميين والحرفيين، إضافة إلى القطاع الحكومي من مسؤولين حكوميين وعمد.

وفي ما يتعلق بآليات العمل، يتولى رئيس مجلس الإدارة مسؤولية افتتاح جلسات «المقعد» وتفويض من يراه مناسبا من المختصين في الموضوع المطروح لرئاسة الاجتماع ومن ثم تكتب التوصيات، بينما يتم اختيار الموضوعات بناءا على توجيه رئيس مجلس إدارة الغرفة.

وحول مدى فاعلية فكرة «المقعد» ومدى قدرته على تحقيق الأهداف التي تم إنشاؤه من أجلها، أكدت عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة على أن تلك الفكرة ستكون مجدية بشكل كبير لأنها توفر على سيدات الغرفة التجارية الانتظار لتوفير مكان ملائم من أجل الالتقاء بالشخصيات وإدارة أنواع متعددة من الحوار على شكل جلسة بسيطة، وأضافت أن «جلسات المقعد لن تكون لمجرد التسلية وإضاعة الوقت، وإنما ستخصص لمناقشة أي إشكالية تواجه أعضاء ذلك المجلس وذلك بعد استقطاب المسؤولين وأصحاب القرار بحسب المشكلة المطروحة للنقاش».

أعضاء «المقعد» تم تقسيمهم إلى تخصصات متعددة لمناقشة تلك الموضوعات التي يتم طرحها وفقا لتوجهها التي من ضمنها الاجتماعية والاقتصادية وأي مشكلات وقضايا أخرى، في حين يتم تخصيص أمانة سر للمقعد تتولى مهمة متابعة عقد الجلسات وتوثيقها وكتابة محاضرها ومن ثم رفع التوصيات إلى رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية من أجل أخذ القرار المناسب لها.

وبالنسبة لدعوات الاجتماعات، فإنه يتم توجيهها لكل أو بعض أعضاء المجلس وفق ما يراه مجلس إدارة الغرفة، إضافة إلى دعوة بعض المسؤولين أو الضيوف بحسب توجهه، على أن تكون الاجتماعات شهرية أو أسبوعية.

أمانة سر المقعد تتولى التنسيق مع رئيس مجلس الإدارة والأمانة العامة لجدولة الموضوعات المراد تناولها سواء على مستوى اللقاء الشهري أو الأسبوعي، والاحتفاظ بقائمة لأعضاء المقعد الدائمين والمستهدفين بالمشاركة.

كما تقوم أمانة سر المقعد بتوجيه الدعوات للاجتماعات ومتابعتها والتحضير لها وتسجيل التوصيات المتفق عليها، إضافة إلى تزويد الأعضاء بنسخة من تلك التوصيات بعد اعتمادها من رئيس المجلس والرئيس المكلف بإدارة الاجتماع ومتابعة تنفيذ توصيات المجلس من خلال الأمانة العامة للغرفة.

ويعمل «المقعد» على مناقشة القضايا العامة التي تهم المجتمع ضمن الاجتماع الشهري من ضمنها ارتفاع أسعار بعض السلع كالمواد الغذائية، إلى جانب مناقشة القضايا الخاصة والمختصة بحل الإشكاليات المتعلقة بالشركات العائلية وذلك بشكل أسبوعي. وهنا، علقت الدكتورة عائشة نتّو قائلة: «ما زالت الشركات العائلية حتى الآن غير قادرة على الفصل بين الإدارات وأصحاب المال في ظل اقتصار مفهومها على تقليد المناصب لأفراد العائلة فقط بصرف النظر عن مدى تأهيلهم وقدراتهم»، مشددة على ضرورة اختيار الأشخاص المؤهلين والقادرين على تأدية العمل بشكل سليم من دون النظر إلى مدى قرابتهم بأصحاب الشركة.

وذكرت أن شباب الأعمال الموجودين حاليا ما زالوا يجهلون الطرق الصحيحة والعملية لعرض أنشطتهم أمام رجال الأعمال، غير أن أعضاء مجلس «المقعد» سيعملون على جمع هؤلاء الشباب ذكورا وإناثا بهدف تعليمهم الأسس السليمة للقيام بذلك.

وزادت: «نسعى من خلال عضوية (المقعد) لأن نكون حلقة وصل بين المجتمع والمسؤولين من خلال التوصيات التي يتم رفعها للجهات المسؤولة، كل بحسب اختصاصه، إضافة إلى أن رئيس مجلس إدارة غرفة جدة يحاول إعادة مفهوم (بيت التجار) القديم مرة أخرى».

وأفادت الدكتورة عائشة نتّو بأن تجربة إنشاء مجلس «المقعد» لن تكون حكرا على غرفة جدة فحسب، وإنما من الممكن تطبيقها في كل الغرف التجارية على مستوى المملكة، لا سيما أن صالح كامل صاحب الفكرة يعتبر رئيس مجلس الغرف السعودية، ولكنها استدركت بالقول: «لا بد للمجتمع أن يعي أننا لا نملك عصا سحرية من أجل تحقيق كل الأهداف والإنجازات في وقت قصير، وإنما نحن نعمل على تحسين الأوضاع وتعديلها خلال الفترة المقبلة حتى وإن كانت ستستغرق أوقاتا طويلة».