باحثة ترصد «البويات».. و«حقوق الإنسان» تفتح ملف «الإعجاب» في مدارس البنات

في مدرسة ثانوية واحدة نحو 40 «بويه».. وبرنامج توعوي حقوقي لمعالجة مشكلات المراهقات

TT

بحذر شديد، شرعت جهات أهلية وحكومية في السعودية لبحث سبل معالجة بعض الظواهر السلبية المتواجدة في مدارس البنات، تأتي على رأسها ظاهرة «البويات» وملف الإعجاب غير السوي بين الفتيات ومعلماتهن أو نظيراتهن، وذلك في ظل تحفظ الأوساط التعليمية تجاه تناول هذه المسائل، وهي خطوة تأتي في إطار نشر الوعي المجتمعي بآثار مثل هذه السلوكيات.

وينظر لمشكلة الإعجاب «غير السوي» كظاهرة مقلقة في مدارس البنات، وهو ملف فتحه الفرع النسائي لهيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية، مؤخرا، بحذر شديد، وذلك في لقاء عقده الفرع بالتعاون مع جمعية «العطاء» الخيرية، وضم مجموعة من المعلمات والمربيات، حيث تم تناول موضوع الإعجاب بصفته أبرز المشكلات التي تواجهها المراهقة السعودية في الآونة الأخيرة.

وتوضح لـ«الشرق الأوسط»، اختصاصية قسم الطفولة في هيئة حقوق الإنسان، أمل الدار أنه بعد حصر المشكلات المتعلقة بالمراهقات جاءت ضرورة التركيز على التوعية بالإعجاب وتعلق الفتيات بالمعلمات، إلا أن الدار رفضت تسمية ذلك بـ«الظاهرة»، مبررة ذلك برغبتها بتحاشي الوقوع في فخ التعميم، مضيفة: «غالبا ما تكون المعلمة هي النموذج الأول للمراهقة».

وأفادت الدار بأن تخوفهن (كاختصاصيات) هو مما وصفه بـ«تجاوز الخط الأحمر، عندما تطغى هذه العلاقة على علاقة الفتاة مع أمها، وهنا يكون الخلل»، وبينت أن الورشة التي نظمتها الهيئة بحضور نحو 15 سيدة من المعلمات والمربيات؛ هدفت للتوعية من هذه الإشكالية إلى جانب كيفية اختيار المراهقة للصديقات المناسبات، في حين أكدت أن الهيئة تنوي عقد لقاءات أخرى لتعزيز هذه المفاهيم، قائلة: «البرنامج سيستمر على مدار العام، ومن خلاله نعمل على جانبين: الأمهات والفتيات».

إلى ذلك، أظهر رصد ميداني أجرته باحثة اجتماعية (تنتسب لجمعية جود الخيرية النسائية)، وشمل مدرستي بنات بمدينة الدمام (متوسطة وثانوية)؛ أن بين كل 20 طالبة؛ توجد فتاة واحدة يطلق عليها مسمى «بويه»، الذي يعني تقليد الصبيان في الشعر واللباس والمظهر العام، وهي نسبة وصفتها بـ«المرتفعة»، مع الإشارة لكون الرصد ضم نحو 1400 فتاة.

وتوضح لـ«الشرق الأوسط»، ميساء الدرويش، وهي مشرفة مشروع تنمية حي الخليج التابع لجمعية «جود النسائية» بالدمام، أن هذه النتيجة خلصت لها عبر زيارات ميدانية مطولة أجريت مؤخرا للمدرستين (تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمهما)، وبمساهمة 6 سيدات متطوعات لدى الجمعية، مفيدة بأن المدرسة الثانوية وحدها تضم 800 طالبة، بينهن نحو 40 «بويه»، بما يمثل 5 في المائة من مجمل الطالبات، وأشارت إلى وجود ما يقارب «بويه» واحدة في كل فصل مدرسي.

وتتابع: «نحو 90 في المائة من البويات في المرحلتين (المتوسطة والثانوية) يتجهن لهذا المظهر دون أن يكون لديهن رغبة جنسية شاذة»، مؤكدة على أن هذه النتائج من الممكن تعميمها على مختلف المدارس السعودية لتشابه الخصائص الديموغرافية للعينة، وعن الأسباب التي رصدتها حول هذه الظاهرة، تفيد بأن التمييز العنصري داخل المنزل وتفضيل الذكور على الإناث هو أبرزها، يلي ذلك أسباب أخرى توجزها بالقول: «قسوة الأهل، التفكك الأسري، الوحدة، البحث عن لفت الانتباه».

من جهتها، توضح الدكتورة دعد مارديني، الاستشارية النفسية في عيادات السلوان بالرياض، أن هذه السلوكيات تقتصر على فترة المراهقة، ثم تعود الفتاة لوضعها الطبيعي بعد سنوات قليلة، مضيفة: «عندما نقول (بويه) فنحن لا نقصد المثلية الجنسية، فهناك فرق بين الحالتين»، وتردف بالقول: «من الممكن أن تتشبه الفتاة بالرجال للإيحاء بأنها قوية مثل الرجل، أو للفت انتباه المعلمات وزميلاتها».

وتابعت مارديني حديثها لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «هذه الحالة لا تدل على اضطراب في الهوية ولا على وجود مرض نفسي، هي سلوكيات فقط»، مؤكدة على أهمية الدعم الأسري للمساعدة على تجاوز الفتيات هذه المرحلة في وقت قصير، وبعيدا عن العنف والإكراه، في حين ترى مارديني ضرورة توجيه الاختصاصيات الاجتماعيات المتواجدات في المدارس إلى حصر الحالات من خلال التقصي والاستبيانات، مرجعة ذلك لكونها ظاهرة بدأت تنتشر داخل المدارس.

ولم تجد «الشرق الأوسط» أي دراسات أو أبحاث محلية تقف بصورة علمية على ظاهرة «البويات» أو الفتيات المسترجلات في السعودية، وهو ما تؤكده الدكتورة مارديني؛ التي تصف ذلك بـ«المشكلة»، مع شح المكتبة العلمية المحلية من تناول هذه الظاهرة، وإحجام معظم الباحثين على التطرق لها لحساسيتها وصعوبة الكشف عن تفاصيلها.

وهنا تعود ميساء الدرويش لتؤكد على أن أسلوب المقابلة هو الطريق الأمثل لمعرفة تفاصيل كل فتاة «بويه» على حدة، مشيرة إلى أن عملية الكشف عن البويات تضمنت عدة مراحل، بداية من عرض مقاطع مصورة، ثم إجراء نقاش مفتوح، مع التفريق بين الفتاة التي تتصرف بشكل غير سوي والفتاة التي تحمل مظهرا غير سوي، ووصفت مستوى تفاعل المدارس مع ذلك بـ«الكبير جدا». وعن إمكانية تعميم الكشف عن «البويات»، توضح الدرويش أنه تم التنسيق مع موجهات من إدارة الإشراف التربوي بالمنطقة الشرقية حول ذلك، لما وصفته بكونه «موضوعا هاما وحساسا»، إلا أنها تستدرك قائلة: «لكننا الآن منشغلون بمشروع تنمية حي الخليج، فجميع جهودنا تصب فيه، وأيضا تحكمنا الميزانية، لأن ميزانية هذه البرامج هي عبارة عن تبرع لجمعية جود».

أمام ذلك، تقول نجوى فرج، وهي اختصاصية اجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض، إن الإعجاب غير السوي هو «ظاهرة منتشرة في المدارس المتوسطة والثانوية»، مضيفة: «الطالبة عادة ما تكون خاضعة لأسلوب المعلمة، فإذا كانت المعلمة لها قدرة عالية على التأثير فهذا هو العامل الأساسي لجعل العلاقة تتجه نحو مسار آخر».

وتابعت حديثها لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة لوجود عدد من المعلمات ممن يفضلن النزول إلى مستوى الفتيات دون وضع ضوابط للعلاقة بين الطرفين، واصفة هذه الشريحة بأنها «تنسى نفسها»، وأكدت على وجود عدة شواهد لمعلمات توطدت علاقتهن بين الطالبات إلى حدود تبادل النكت الساخرة والأحاديث الحميمة، مما سبب لهن مشكلات دون قصد من المعلمة، لكنها تستدرك: «ولا نغفل أن هناك معلمات غير سويات قد يقمن باستغلال هذه العلاقة».

وتؤكد ذلك فاطمة الأنصاري، مرشدة طلابية بمدرسة خاصة في الدمام، والتي تشير لضرورة وضع ضوابط للعلاقة بين المعلمة والطالبة وبين الطالبة وزميلاتها، قائلة: «أحيانا تنادي التلميذة معلمتها بـ(ماما) اعتقادا منها أن المعلمة مثل أمها، وهنا نلفت انتباهها بهدوء شديد إلى ضرورة التفريق بين الأم والمعلمة»، وتضيف: «المشكلة الوحيدة التي تواجهنا هي عدم تفهم بعض الأهالي، فيعتقدون أننا نضخم الأمور في مسائل بسيطة».

فيما تعود اختصاصية قسم الطفولة في هيئة حقوق الإنسان أمل الدار لتؤكد على ضرورة التعامل بإيجابية مع هذه المسألة على اعتبار أن المراهقة تبحث عن نموذج وقدوة، قائلة: «جميل أن تتواصل مع الآخرين، دون أن يكون ذلك على حساب نفسها وأسرتها»، وأكدت الدار أن السيدات أبدين تفاعلا واهتماما كبيرا باللقاء الذي حمل عنوان «محطة اسمها المراهقة»، قائلة: «تم توجيهه للأمهات والمعلمات في المدارس المتوسطة والثانوية، من أجل توعيتهن بالتعامل الإيجابي مع الأبناء في سن المراهقة وكيفية وضع حلول للتعامل مع مشكلات المراهقة بطريقة تربوية صحيحة ومساعدة الأبناء على اجتياز هذه المرحلة بهدوء وإيجابية».

يذكر أن الحاضرات اجتزن 4 ساعات من التدريب، تلقين فيها معلومات عن مرحلة المراهقة وأبرز سمات هذه المرحلة من تغييرات جسدية ونفسية والنمو العقلي واللغوي بها، ومجالات الاتصال اللغوي والنمو الاجتماعي لدى المراهقين، وكيفية بناء علاقة إيجابية مع المراهق، إلى جانب كيفية فهم وعلاج مشكلات المراهقة، وتضمنت ورشة العمل تدريبات فردية وجماعية، مع الاستعانة بوسائل توضيحية كعرض شرائح برسوم ومقالات وقصص.