أماني 10 آلاف جامعي تتبخر بسبب تصريح وزير سابق

آلاف الشباب التحقوا بأقسام اللغة العربية تلبية لـ«نداء الاحتياج».. وباتوا «رهينة» للمدارس الأهلية

تجمهر معلمي اللغة العربية مشهد يتكرر من وقت لآخر أمام مبنى وزارة التربية والتعليم («الشرق الأوسط»)
TT

في السعودية، لا يزال أكثر من 10 آلاف من خريجي أقسام اللغة العربية يدفعون حتى اللحظة ضريبة تصريحات لوزير سابق في الحكومة، كان قد أدلى بها قبل نحو 7 سنوات، وأكد خلالها احتياج قطاع التعليم في بلاده لمعلمي اللغة العربية لمدة 10 سنوات مقبلة.

وكان الدكتور محمد الرشيد، وزير المعارف في تشكيل الوزارة القديم، قد قال في تصريحات له في عام 2003/2004، بأن قطاع التعليم بحاجة ماسة إلى آلاف الخريجين من كليات المعلمين والجامعات السعودية، لتغطية النقص الحاد في معلمي اللغة العربية، على حد قوله.

هذا التصريح دفع نايف التويم، والمئات من زملائه، للالتحاق بأقسام اللغة العربية في الجامعات السعودية، حتى وصل عدد الطلاب في الشعبة الواحدة لأضعاف الطاقة الاستيعابية لها، وتم فتح شعب مسائية، وذلك لمواجهة الطلب الهائل على أقسام اللغة العربية.

واليوم، يقف التويم، الذي تخرج في وقت سابق، مع آلاف من خريجي اللغة العربية، من دون أن تستوعبهم الوظائف التعليمية، التي وعدوا بها على لسان الوزير الرشيد، حيث لا يزالون يدفعون ضريبة ذلك التصريح، رغم محاولاتهم الحثيثة لإقناع المسؤولين بوزارة التربية والتعليم بعدالة مطالبهم، حيث إنهم التحقوا بأقسام اللغة العربية تلبية لنداء الاحتياج الذي أطلقه وزير المعارف السابق.

وعند العودة إلى واقع حالهم في الجامعات السعودية فإنها قامت بزيادة أعداد الطلاب في الشعب من 40 طالبا للشعبة الواحد إلى 200 طالب، ولم يتم الاكتفاء بتلك الخطوة، بل فتحت بعض الجامعات شعبا مسائية لمواجهة الطلب المتزايد على شعب اللغة العربية.

و على حد قول مجموعة من الخريجين، فإن وزارة التربية والتعليم وعدت خلال الأسابيع القادمة بحل تلك المشكلة.

ومنذ أكثر من أسبوعين، بعثت «الشرق الأوسط» بتساؤلات للدكتور سعد الفهيد، وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون المدرسية، حول هذا الموضوع، من دون أن تصل منه إجابات حول أسباب عدم تعيين هؤلاء الخريجين.

وكانت وزارة التربية والتعليم أصدرت بيانا سابقا، تفاعلت فيه مع الرغبة الملحة التي يبديها خريجو تخصص اللغة العربية وحاجتهم للوظائف التعليمية أو غير التعليمية، وأكدت أنها ليست الجهة المعنية بالتعيين، وإنما تختص بتحديد احتياجها من المعلمين، وفق الوظائف المتاحة لها، وبما يلبي حاجة مدارس التعليم العام من التخصصات كافة.

وسبق لخريجي كليات المعلمين أن تجمهروا مرات ومرات، أمام مبنى وزارة التربية والتعليم، للمطالبة بتوظيفهم، وكانت تلك المحاولات تجد في الغالب مساعي لاستيعابها من قبل المسؤولين في الوزارة، الذين لا يتوانون عن مقابلتهم، وسماع شكواهم، وإعطاء الوعود الخاصة بحل مشكلتهم.

ولا تجد وزارة التربية والتعليم نفسها معنية بمفاضلة الخريجين، وإنما تتلقى قوائم المتقدمين بعد إنهاء جميع إجراءات المفاضلة من جهة الاختصاص، لإصدار قرارات التعيين وفق أولوية القوائم المشار إليها.

وكان وكيل وزارة التربية والتعليم للشؤون المدرسية الدكتور سعد آل فهيد، قد اعتبر أن التجمعات أمام مبنى الوزارة للمطالبة بالتعيين لن تكون طريقة مثلى لطلب الوظيفة، وأن احتياج وزارة التربية والتعليم الفعلي يستوعب أعدادا محدودة من الخريجين في تخصص اللغة العربية، وقد تم إصدار قرارات بتعيينهم مؤخرا.

وأطلقت وزارة التربية والتعليم أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي وعودا لخريجي كليات المعلمين، وتحديدا الدفعتين 27 و28، بأن يتم إخضاعهم لبرامج تأهيلية، لقياس مدى جدارتهم المهنية، ليتسنى عقب ذلك للوزارة تعيينهم على السلم الوظيفي الخاص بالكوادر التعليمية.

وجاءت قرارات الوزارة القاضية بإخضاعهم لبرامج تأهيلية لتطفئ غضب خريجين الدفعتين 27 و28 الذين ضختهم كليات المعلمين قبل أعوام، وطالبوا مسؤولي وزارة التربية والتعليم بمساواتهم بنظرائهم من خريجي بعض الدفعات من كلياتهم نفسها، الذين سبق أن عينتهم الوزارة على مراتب وظيفية يستحقونها، ولم يتم تعيين البعض منهم على ما يستحقونه من مراتب وظيفية، وهو ما أثار حفيظتهم، وانقادوا لمطالبة الوزارة بمساواتهم بزملائهم الخريجين.

ولجأت وزارة التربية والتعليم لإجراء اختبارات للمعلمين للتحقق من أهليتهم في الدخول كعاملين في سلك التدريس، في حين اشترطت حصول من يخضع لقياس أهليته على 50 في المائة من درجة القياس البالغة 100 درجة.

وتقوم وزارة التربية والتعليم بتوظيف نسبة معينة من خريجي اللغة العربية، على عكس خريجي كلية المعلمين، الأمر الذي يدل على معالجة مشكلة خريجي كليات المعلمين على حساب خريجي الجامعات السعودية للموظفين، ولم يعط هؤلاء المتخرجون أي أرقام تدل على أحقيتهم في التوظيف، والتي توزع كل سنة.

ويتم توزيع أعداد المقبولين في سلك التعليم من فئة الجامعيين، بحسب أعداد خريجي كليات المعلمين. واقترح مجموعة من الخريجين، قاموا بزيارة «الشرق الأوسط»، إيجاد حلول لمشكلتهم، بزيادة سقف الرواتب المعطاة في المدارس الأهلية، كما اقترحوا طرح دورة في علوم أخرى يمكن أن تدرس في التعليم العام مثل التربية الفنية أو التربية البدنية.

وصعد خريجو اللغة العربية من قضيتهم، وأرادوا تفعيلها حقوقيا، حيث قام مجموعة منهم بلقاء مسؤولين في مجال حقوق الإنسان وتم شرح معاناتهم، حيث التقوا بالناشط في حقوق الإنسان سليمان الزايدي، إضافة إلى شرح معاناتهم اليومية نتيجة ضغوطات الحياة.

وروى مجموعة من المعلمين قصص معاناتهم اليومية التي ركزت على ضعف الرواتب المالية في المدارس الأهلية، في ظل متطلبات الحياة اليومية الصعبة، وركزت أيضا على انعدام الحوافز الممنوحة في المدارس الأهلية وضغط العمل.

وطالب الخريجون بإيجاد حلول لمشكلات ما زالت موجودة، مثل أن الوزارة متعاقدة مع معلمين أجانب في هذا التخصص، إضافة إلى بلوغ نصاب معلم اللغة العربية 24 حصة بخلاف غيره من المعلمين.

وطالبوا بسرعة حل قضيتهم من قبل الجهات المختصة لأن البطالة وقلة ذات اليد من أهم أسباب حدوث الجريمة، فالمشكلة بدأت في التفاقم كل سنة، وعلى حد قول أحد الخريجين فإنه لم يتم النظر في قضيتهم بعكس خريجي الشريعة والتخصصات الإسلامية التي تمت معالجتها.

وطرح مجموعة من الخريجين تساؤلا عن الأسباب التي لم تدفع الجامعات السعودية للالتفات إلى التكدس الحادث في أقسام اللغة العربية، حيث إن الأقسام ما زالت تستقبل الطلبة، فيما خريجو اللغة العربية لم يشقوا طريقهم في مضمار التعليم العام في البلاد.

ويعد نايف التويم واحدا من الذين لم يتم تعيينهم في مهنة التدريس، وهو خريج عام 1425هـ، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة التربية والتعليم اشترطت دبلوم التربوي، وتم اجتيازه، واشترطت القياس (كفاءات) وتم اجتيازه، واشترطت الوزارة المقابلة الشخصية، وتم اجتيازها».

وحاولت تلك المجموعات رفع قضيتهم إلى الجهات القضائية في السعودية، ورفعوا القضية، لكن لم يتم الأخذ بها وذلك لعدم وجود حجة أو نص أو مستند واضح يدين وزارة التربية والتعليم.

وعند العودة إلى مشهد التجمهر فمحيط مقر وزارة التربية والتعليم طالما شهد مثل تلك التجمعات من بعض خريجي كليات المعلمين الذين طالبوا الوزارة على مدى الأعوام الخمسة الماضية بتحسين مستوياتهم الوظيفية أسوة بزملاء تم تعيينهم على درجات تفوق درجاتهم الوظيفية.

وكانت تلك المجموعات «تجمهرت» في وقت سابق أمام مبنى وزارة التربية والتعليم السعودية وفاقت أعدادهم 150 شخصا من خريجي كليات اللغة العربية الجامعيين، الذين أخذوا على عاتقهم المطالبة بتحسين أوضاعهم الوظيفية، أسوة بزملاء لهم في تخصصات تعليمية أخرى، وزيادة عدد الوظائف المخصصة لهم، التي لا تتجاوز حدود 600 وظيفة. ورأت وزارة التربية والتعليم أن التجمع أمام الوزارة ليس طريقة مثلى لطلب الوظيفة أو التعيين وفق الاحتياج.