مدير هيئة الأمر بالمعروف لـ«الشرق الأوسط»: لا يحق لأي جهة مصادرة حقوق الناس في الأماكن العامة

الحضور انقسموا بين مؤيد واصل النقاش ومعارض غادر القاعة >جدة: ورقة عمل للهيئة عن المرأة تتحول إلى جلسة استجواب بـ2000 سؤال

د. أحمد بن قاسم الغامدي عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال حديثه مع بعض المشاركات في منتدى خديجة بنت خويلد المنعقد في جدة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

تحولت الجلسة التي قدمها مسؤول في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية إلى جلسة استجواب لجهاز الهيئة وعمله وأدائه وأخطائه، طرح خلالها حضور منتدى خديجة بنت خويلد المنعقد في جدة نحو ألفي سؤال مكتوب.

إلى ذلك أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة على عدم امتلاك أي جهة حق مصادرة حقوق الناس في الأماكن العامة، وذلك بعد توضيحه اللبس الحاصل بين مفهومي «الخلوة» و«الاختلاط» لدى مجموعة كبيرة من فئات المجتمع.

جاء ذلك ردا على سؤال «الشرق الأوسط» عن إجراءات بعض الأفراد التابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمتضمنة التجول في الأماكن العامة ومحاولة ضبط المخالفات التي قد تحويها تلك الأماكن، لافتا إلى أن الخلوة المحرمة شرعا تتمثل في الجلوس في مكان بعيد عن مرأى الآخرين، بينما لا يدخل فعل ذلك أمام الناس ضمن التحريم في الشرع.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعمل الجهات الرسمية على ضبط أنظمة ولوائح محددة والتي لا تخالفها وجهات النظر، غير أن المكان العام يبقى عاما ما لم يكن هناك أي سلوك خاطئ»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه «ليس لأي جهة الحق في مصادرة حقوق الناس في الأماكن العامة».

وحول ما يتعلق بالأخطاء الصادرة من بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيال سوء تصرفهم مع أفراد المجتمع، أفاد الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي بأن أعضاء الهيئة يعملون على ضوء لوائح وأنظمة في ظل خضوعهم لمشرفين ورؤساء.

ولكنه استدرك قائلا: «فيما يتعلق بالأخطاء الصادرة من بعض الأفراد فإن هناك جهات تعاقب المخطئين، ولا سيما أن المعنى الحقيقي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتمثل في رعاية حقوق الإنسان»، مبينا أن الهيئة تعد ميزانا لوزن السلوك الاجتماعي بحيث لا يطغى سلوك الفرد على المجتمع.

وأبان أن هيئة الأمر بالمعروف تعمل على إصلاح الفرد بشكل إيجابي، غير أن أخطاء بعض أفرادها قد تكون سببا في التأثير على سمعة جهاز الهيئة عموما، إلا أنه من المفترض أن لا يتم تجاهل دورها الكبير والإيجابي ودورها في معالجة بعض الأمور التي تطفو على السطح.

ومما لا شك فيه أن عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على تطبيق منهج الوسطية والاعتدال في المجتمع كان سببا في إثارة حفيظة المجموعات المتشددة باعتبارها ترى أن ذلك الأمر يندرج تحت التساهل في أمور الدين وانحلاله.

وهنا علق مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة بالقول: «إن للمجتمع بشكل عام دورا في زرع المنهج المعتدل في أبنائها، حيث إن ذلك مسؤولية المرأة والرجل على حد سواء، وذلك من أجل القضاء على السلوك المتشدد السلبي الذي من شأنه أن يفرز أضرارا كبيرة»، متوقعا في المستقبل القريب أن يعي المجتمع منهج الإسلام الصحيح المتمثل في الوسطية. قيادة المرأة للسيارة في السعودية كانت أيضا محورا تطرقت إليه الحاضرات خلال طرح أسئلتهن على الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي، وهو ما أجاب عنه قائلا: «ليس هناك فرق في كون المرأة راكبة أو قائدة، ولا يوجد أي نص في الإسلام يحرم ذلك الأمر، غير أن عدم السماح به ناتج عن مخاوف من تعرضها للإيذاء».

واستطرد في القول: «إن ذلك المنع المبني على المخاوف يفترض أن يتم تنظيمه من قبل الجهات المعنية، وبالنسبة لي لا أرى ما يمنع من السماح للمرأة بقيادة السيارة».

يأتي ذلك في وقت تحولت فيه يوم أمس الجلسة الأولى من جلسات اليوم الثاني والأخير لأعمال منتدى خديجة بنت خويلد إلى قاعة استجواب لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظل مشاركة الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي بورقة عمل حول مشاركة المرأة في التنمية الوطنية.

ووجه الحضور في تلك الجلسة ما يقارب ألفي سؤال إلى هيئة الأمر بالمعروف رغم مشاركة كل من صالح كامل رئيس مجلس إدارة الغرف السعودية والدكتورة منجية السويحي أستاذ علوم القرآن والتفسير بجامعة الزيتونة في تونس، إلى جانب عدنان الصالح أحد القانونيين في السعودية، إلا أن معظم الأسئلة كانت تنتظر إجابة من مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة.

مشاركة جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منتدى خديجة بنت خويلد كانت سببا في انقسام الحضور ما بين مؤيد ومعارض، حيث إنه في الوقت الذي شهد فيه حديث الدكتور الغامدي خلال الجلسة تأييدا من قبل الموجودين رجالا ونساء، إلا أنه أثار حفيظة البعض ممن فضلوا ترك الجلسة والمكوث خارج القاعة لحين انتهائها.

الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان «القواعد الفقهية لمشاركة المرأة»، تهدف إلى تفسير تلك القواعد لمشاركة المرأة في التنمية الوطنية بميزان الشرع وليس التقاليد، وما زادها «حرارة» هو إدارتها من قبل تركي الدخيل الإعلامي السعودي الذي حولها للحظات إلى إحدى حلقات برنامجه الشهير «إضاءات»، وهو ما دفع أحد المتحدثين في الجلسة إلى تشبيهها بذلك البرنامج أثناء مناقشته للأسئلة المطروحة عليه.

الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي أشار خلال ورقة العمل التي طرحها في الجلسة إلى أن ما يشهده المجتمع داخل العالم الإسلامي من جدل حول بعض تفاصيل أحكام ما يسمى بالحجاب شغل حيزا لا يستهان به في مسألة قديمة محسومة شرعا، مرجعا سبب ذلك الجدل إلى ما ملئت به أذهان كثير من الناس برؤى بعيدة عن الصواب إما تغليبا للعرف والعادة المتحكمة أو تقليدا لآراء فقهاء ومفتين، أو رؤى معاصرة بنيت على التوجس من مؤامرة لتغريب المرأة التي يعتقد المحذرون منها أن ما يسمى بالحجاب هو أهم أهداف تلك المؤامرة.

وأضاف: «نشهد مؤخرا جدلا حول ما يسمى بالحجاب في الدول الأوروبية، إلا أن ذلك الجدل من وجه آخر يرتبط بما يعتبره الغرب مؤثرا على هويته، وقد يرتقي مع أهداف من يلحون على القول بأن التمسك بما يسمى بالحجاب يتنافى مع الدعوة لتحرير المرأة وحصولها على حقوقها».

وأكد أن الواقع دليل على أن المرأة المتمسكة بما يسمى بالحجاب قد تمارس دورها وتتمكن من حقوقها في تلك المجتمعات أكثر من تلك التي تخلت عنه، بينما قد تكون المواقف الحادة مما يسمى بالحجاب سببا في إبعاد المرأة عن نيل تلك الحقوق، وذلك بعد أن جعلت من قضية ترتبط باللباس جوهرا يحول بين المرأة المتمسكة بما يسمى بالحجاب والمؤسسات التي تساعدها على نيل حقوقها.

وبين أن الجدل حول ما يسمى بالحجاب في المجتمعات الإسلامية يرتبط أحيانا برؤى فقهية مختلفة حيال بعض تفاصيله، إلا أن الجانب الأكبر في الجدل هو اعتباره أحد ميادين الصراع فيما يتعلق بقضايا المرأة وأهمها، بينما الجدل حوله في المجتمعات الغربية يحمل أبعادا أخرى ترتبط بهوية المجتمع الغربي بشكل أساسي.

وزاد: «إن دولة أوروبية كفرنسا تسهم بدور مركزي في قيادة الاتحاد الأوروبي ولا يمكن أن يكون موقفها من الحجاب مسالما حين تراه يهدد المركزية الأوروبية التي تعتبر نفسها فيها عماد الهوية الأوروبية وهويتها بالخصوص، إذ أن المشكلة فيما يخص الحجاب تتمثل في كونهم يرونه يحيل إلى أبعاد أخرى ترتبط بطبيعة تصور شريحة لا بأس بها من المسلمين في تلك الدول الأوروبية».

وخلص مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة إلى عدد من التوصيات تتضمن ضرورة نشر الوعي بهذه المعاني السامية الإنسانية المقصودة في تشريع «الجلباب والخمار» لدى المرأة والمجتمع عموما في تعميق قيمة ذلك التشريع، ودعم ثقة المرأة بنفسها إذ كان ذلك التشريع يعطي معنى اعتبار الشارع الحكيم لمشاركتها في الحياة العامة بخلاف ما يظنه الكثير من أن ذلك التشريع لحجبها لا لتمكينها. وطالب بضرورة العرض على الجهات الرسمية المختصة دراسة تنظيم متكامل يهيئ للمرأة العمل بالجلباب والخمار المشروع مع تحديد صفتهما العامة وإدراج ذلك ضمن شروط العمل للراغبات وسن النظم الإدارية على المخالف لذلك وتمكين الجوانب التربوية في الناشئة وربط الوسائل بمقاصدها في التشريعات المنظمة للعلاقة الإنسانية بين الرجال والنساء مع تعميق قيم حب العمل وإتقانه في نفوس الناشئة لتحقيق الدور المتوخى فيهم مستقبلا على أمثل صورة شكلا ومضمونا.

عدنان الصالح، المستشار القانوني الذي ألقى يوم أمس ورقة عمل بعنوان «المرأة والقضاء» نيابة عن المستشار القانوني يوسف الجبر رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية الصناعية بالأحساء، طالب خلال الجلسة بإعداد قانون للمرأة يحفظ لها كامل حقوقها ويحميها من كل الأخطار ويضمن سلامة كل ما لها.

وشدد على ضرورة تحقيق التواصل بين الجهات العدلية والجمعيات النسائية عبر لقاءات دورية ومنظمة وإنشاء مكاتب نسائية مستقلة في جميع الجهات القضائية وتوابعها لدعم المراجعات والمتقاضيات وإيجاد آليات يمكن متابعتها إلكترونيا لتنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بقضايا المرأة وتعجيل استصدار قانون العقوبات وتحديد الأفعال المجرمة، ومن ذلك ما يتعلق بالاعتداء على المرأة أو الإضرار بها. واقترح دعم الفقه الميسر وتضمينه في مناهج التعليم وكليات الشريعة والدراسات الإسلامية والاهتمام بإعداد الدراسات القانونية المتعلقة بقضايا المرأة وبذل الجهود لتوعيتها بها ودراسة تحديد فرض آجال محددة للبت في قضاياها المختلفة وتطوير مفهوم البينة في القضاء وعدم وضع العقبات أمام المعنفين والاهتمام بالتدابير التحفظية لحمايتهم وإنشاء صندوق للمرأة برعاية وزارة العدل.

من جهته، أعلن صالح كامل رئيس مجلس إدارة الغرف السعودية عن وجود مشروع تتبناه الغرفة التجارية الصناعية بجدة حول بدء عمل المرأة في بيع الملابس النسائية عوضا عن الرجال، لافتا إلى أنه تم الرفع به لولي الأمر.

وذكر أن للمرأة الكثير من الآلام والشكاوى التي ليس من الممكن مناقشتها جميعها خلال منتدى خديجة بنت خويلد كونه مختصا بمحور مشاركتها في التنمية، وهو ما يجعل النقاش محصورا ضمن ذلك الإطار، إلا أنه أكد على أن مركز السيدة خديجة بنت خويلد التابع لغرفة جدة يهتم بكافة شؤون المرأة.

وزاد: «سيتم جمع كافة المقترحات التي تم طرحها وكانت خارج موضوع المنتدى والنظر فيها وتنظيم ورش عمل لها للوصول إلى مقترحات ترفع للجهات المعنية بهدف وضع حلول تخدم مصلحة المرأة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية»، موضحا وجود فكرة حول تقنين الأحكام الشرعية بما فيها الأحوال الشخصية التي يتم العمل على تنفيذها مع مجلس القضاء الأعلى بشكل يحقق الكثير من الإصلاح في ذلك الشأن.

الجلسة الثانية من أعمال اليوم الثاني لمنتدى خديجة بنت خويلد التي جاءت بعنوان «الإجراءات الحكومية من النظرية إلى التطبيق» وتهدف للتعرف على كيفية وضع آليات قابلة للتطبيق من أجل تنفيذ قرارات حكومية، شهدت طرح مجموعة من أوراق العمل، إحداهما من قبل الدكتورة بسمة عمير المديرة التنفيذية لمركز السيدة خديجة بنت خويلد، ناقشت من خلالها منهجية عمل المركز.

في حين تحدث خلال تلك الجلسة كل من الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزير التربية والتعليم، وعبد الله زينل وزير التجارة والصناعة، والدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام، إلى جانب المهندس عادل فقيه وزير العمل عن الإجراءات والتدابير اللازمة لزيادة مشاركة المرأة في التنمية الوطنية من منظور كل وزارة من وزاراتهم.

يشار إلى أن الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز رئيسة مجلس إدارة مركز السيدة خديجة بنت خويلد التابع للغرفة التجارية الصناعية بجدة رعت يوم الاثنين الماضي انطلاق فعاليات منتدى السيدة خديجة بنت خويلد في دورته الثانية تحت عنوان «واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية 1431هـ - 2010م» وذلك في فندق الهيلتون بمحافظة جدة، والذي اختتم أعماله يوم أمس.