«حقوق الإنسان» السعودية تنشغل بـ«نقد الذات».. و«تبادل الاتهامات»

ناشطة حقوقية تصف الجمعية والهيئة الحقوقيتين بـ«مكاتب البريد».. وعضو ينتقد قلة الإمكانات

جمعيات حقوق الإنسان تؤكد فاعلية التقارير السنوية التي تصدرها بينما يطالبها البعض باتخاذ خطوات أكثر حزما للدفاع عن الحريات (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

انشغلت الأوساط الحقوقية في السعودية بـ«نقد الذات» و«تبادل الاتهامات»، للمؤسستين المتخصصتين في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في البلاد، في وقت يحتفل فيه العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان.

وخلافا لندوات ثلاث، ستقوم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية بتنظيمها خلال أيام السبت والأحد والاثنين من الأسبوع المقبل، في الرياض وجدة والدمام، تبقى الانتقادات هي صاحبة الصوت الأعلى في الحراك الحقوقي الذي تشهده أراضي البلاد.

ووصلت الانتقادات إلى حد أن وصفت ناشطة حقوقية كلا من الجمعية والهيئة الحقوقيتين بـ«مكاتب البريد» التي تتولى تلقي الشكاوى لفرزها، قبل إحالتها للجهات ذات العلاقة، فيما كان ناشط حقوقي آخر أقل حدة من سابقته، حيث أشار إلى أن قلة الإمكانات هي التي تقف خلف تواضع أداء الجهات الحقوقية.

الجمعية الوطنية وهيئة حقوق الإنسان الحكومية، على الرغم من الجهود التي بذلتاها مؤخرا، فإنهما تواجهان بسيل من الانتقادات.. أبرزها الحديث عن تفريغ هاتين الجهتين من أهدافهما الأساسية، إلى جانب اتهام البعض لها بالتأخر وتحويلها لمكاتب علاقات عامة للجهات الحكومية.

وفي محاولة للرد على الانتقادات التي تواجه نشاط الجمعيات الحقوقية بالسعودية، أوضح الدكتور حسين الشريف، المشرف العام على جمعية حقوق الإنسان في المملكة بمنطقة مكة المكرمة وعضو هيئة تدريس بجامعة الملك عبد العزيز، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم يرحبون ويحترمون كل الآراء، ويقبلون النقد البناء والموضوعي لأنه هو أساس تطور عمل أي مؤسسة أو أي كيان موجود ما دام هذا النقد يستهدف المصلحة العامة، ومبنيا على أساس معرفي.

وبين أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يظل عمرها في حدود الست سنوات. وأشار إلى أنه إذا ما تم قياس هذا العمر في مجال حقوق الإنسان فإنه يعتبر صغيرا نظرا لجمعية بدأت من التأسيس، ثم مرحلة بناء القاعدة الشعبية، ومن ثم كتابة التقارير واستقراء المشكلات الاجتماعية ممثلة في الأجهزة الحكومية.

عالية فريد، ناشطة حقوقية وعضو في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ساقت في حديثها مع «الشرق الأوسط» انتقادات لاذعة بحق الجمعية التي تنتمي إليها، وشقيقتها هيئة حقوق الإنسان الحكومية، وقالت إن الجهتين ستغدوان صاحبتي اختصاصات شكلية وعامة متى اقتصر عملهما الحقوقي على إبداء الرأي والمشورة وتقديم المقترحات والتوصيات وتلقي الشكاوى وإحالتها إلى جهات الاختصاص والتنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية بحقوق الإنسان.

وأنصفت عالية فريد الدور الذي لعبته جمعية حقوق الإنسان التي تنتمي إليها، قائلة إنه «جيد نوعا ما»، مستدركة بقولها «لكن ماذا بعد كل ما قدمته هذه الجمعيات.. وهل هي تعالج كل المشكلات التي ترد إليها؟».

وتضيف «الواقع أنهم يهتمون بأمور بينما هناك أمور أساسية غير مهتمين بها، وذلك يتضح جليا من خلال الشكاوي التي تردنا، ومن خلال جولاتنا الميدانية».

وأضافت الناشطة الحقوقية «لا بد للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان من النأي عن اعتبار نفسها مجرد مكاتب بريد تتلقى الشكاوى لتمررها لذوي الشأن»، مشددة على أهمية أن تقوم المؤسسات الحقوقية بإعادة الاطلاع على المرجعية الفكرية لمبادئ حقوق الإنسان الواردة في النظام الأساسي للحكم والمواثيق العالمية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يمثل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الملحقين به.

ودائما ما تعول الدوائر الحقوقية والنشطاء في مجال حقوق الإنسان على الجهات الحقوقية في البلاد أن تلعب دور المساهم في وضع الحلول وامتلاك وسائل الضغط الكافية واللازمة لإحداث التغيير المطلوب لا سيما إزاء الأجهزة والإدارات الحكومية التي لا تلتزم حرفيا بتطبيق ما ورد من نصوص في النظام الأساسي للحكم على مستوى تنظيم العلاقات والتعاملات بين الناس.

وأمام ذلك، تؤكد عالية فريد أنه «عند النظر إلى مهام هذه المؤسسات نرى أنها تعمل على تعزيز وتنمية حماية حقوق الإنسان وترسيخ قيمها، ونشر الوعي بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وحمايتها بعيدا عما يزخر به الواقع من تناقضات قد لا تتطابق مع هذه الحقوق والحريات والقيم المتضمنة في المواثيق الدولية»، مؤكدة على الحاجة إلى «إحداث تطوير في مؤسساتنا المعنية عبر تشكيل لجان متابعة وإشراف على إنفاذ الاتفاقيات الدولية وتطبيقها، والنظر في مدى مواءمتها للتشريعات والأنظمة المحلية التي هي بحاجة ماسة لمواكبة العصر وحاجياته». وأكدت أن المؤسسات الحقوقية بحاجة إلى مضاعفة عملها وجهودها ورسالتها في تعزيز ونشر الثقافة الحقوقية لدى المجتمعات أكثر مما هي عليه حتى في الدول المتقدمة التي تسجل أحوالها رقيا في التعامل مع الإنسان التابع لها واحترام حقوقه بصفة عامة، لا أن تكون هذه المؤسسات مجرد مكاتب بريد توظف سعاة لتسلم وتسليم الشكاوى لا أكثر.

وأمام كل هذه الانتقادات، يرد حسين الشريف، رئيس فرع جمعية حقوق الإنسان الوطنية بمنطقة مكة المكرمة، بالإعراب عن أسفه لمن يحاول مقارنة المؤسسات الحقوقية المحلية بالمؤسسات العالمية، فيقول «للأسف أن كثيرا من الذين يوجهون النقد لجمعية حقوق الإنسان الوطنية يقارنونها بمثيلاتها من جمعيات ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية التي لها في هذا المجال مئات السنين، ويقارنون الطاقة الاستيعابية لهذه الجمعية مع مثل هذه الجمعيات الدولية التي تقدر ميزانيتها في بعض الأحيان بمئات الملايين من الدولارات».

وأضاف «المتابع لعمل كل الجمعيات سواء على المستويات الإقليمية أو الدولية يعرف تماما أن عمل هذه الجمعيات ينصب في المقام الأول على كتابة التقارير عن واقع وأحوال حقوق الإنسان، ويتناولها بشكل موضوعي وشفاف، استنادا إلى الحقوق الدستورية المنصوص عليها في دستور الدول أو المعاهدات والاتفاقات الدولية المعنية بحقوق الإنسان». وأشار إلى أنه على الرغم من العمر القصير لجمعية حقوق الإنسان الوطنية، فإنها استطاعت أن تصدر تقريرين أشاد بهما كافة المتخصصين على المستوى المحلي والدولي، أولهما تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في المملكة قبل ثلاث سنوات، وتقرير آخر عن أحوال حقوق الإنسان قبل سنتين، وقريبا هناك تقرير ثالث.

وأشار إلى الكثير من التقارير التي أعدتها «حقوق الإنسان» المتعلقة بالسجون والعمالة، إلى جانب رفعها دراسة متكاملة عن مدى انسجام الأنظمة السعودية مع الاتفاقيات الدولية، وأنه تم تشكيل لجنة على مستوى لجان وزارية تعمل على دراسة هذا المقترح من الجمعية وكانت لهذه الأمور أصداء جيدة.

وذكر أن «الجمعيات لا يقتصر دورها على إعداد التقارير وحدها، بل أيضا تعمل على نشر الوعي الحقوقي، وذلك عبر زيارة السجون والدور التابعة للشؤون الاجتماعية، مثل دور الأيتام والتأهيل الشامل، ودار العجزة، وأنها تواصلت مع الكثير من الجهات من أجل دعم قضايا حقوق الإنسان. وهناك قضايا دولية شاركت فيها حقوق الإنسان مثل قضايا المعتقلين في غوانتانامو، وهناك اهتمام من الجمعية بقضايا الفقر والعنف الأسري».

ويؤكد الناشط الحقوقي أن جمعية حقوق الإنسان ما زالت في أولى مراحل عملها. وأضاف «ما زلنا نحتاج إلى مزيد من إنشاء الجمعيات الأهلية المتخصصة، لا سيما أننا الجمعية المدنية الوحيدة التي تختص بحماية حقوق الإنسان والدفاع عنه، ونحن نرغب ونتطلع إلى صدور نظام الجمعيات الأهلية من أجل أن يعطي ويفتح الضوء الأخضر لإنشاء جمعيات متخصصة، فنحن بحاجة إلى جمعيات متخصصة للدفاع عن الطفل وأخرى تعنى بالمرأة وأخرى بالعمالة، وجمعيات متخصصة للجاليات الأجنبية». وطالب الدكتور إحسان الطيب، مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة والناشط الحقوقي، بتوسيع دائرة المنتسبين للجمعيات الحقوقية في بلاده، حيث إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تفتح مجالات أكثر وتستقطب خبرات أكثر من مجلات مختلفة، مثل الجامعات والمنشآت الخاصة، يشكلون في نهاية المطاف قاعدة تسهم في أن يكون للجمعية انتشار أوسع ومراقبون في كل مكان».