شرائح هاتفية محمولة «بلا هوية» في أسواق السعودية

الشرائح مسبقة الدفع.. استخدمها الإرهابيون ومروجو المخدرات.. وأجانب صغار يعملون على الترويج لها

لا تزال شرائح الهاتف الجوال مسبقة الدفع تلقى سوقا رائجة في السعودية على الرغم من مخاطرها الأمنية (تصوير: أحمد يسري)
TT

شرائح الجوال مجهولة الهوية ظاهرة باتت تظهر بوادرها في أسواق الاتصالات بالسعودية، منذرة بأخطار أمنية وهدر مالي، ومستهدفة شريحة من المتسوقين ذوي الدخل المحدود، ومن خلال تجمعات في أروقة أسواق رئيسية في العاصمة السعودية الرياض هدفها الرئيس الترويج لتلك الشرائح، محاولة استغلال الضائقة المالية التي قد يتعرض لها بعض الأفراد نتيجة تكدس فواتير سابقة.

إلا أن تلك الشرائح الهاتفية المتنقلة تكون ذات صبغة مريبة؛ فهي لا تحمل أي مرجع لهوية المستفيد من تلك الخدمة وتفتقر إلى الحماية القانونية عند إساءات استخدامها.

ومما يلفت النظر أن تلك التجمعات استغلت وبالشكل الأمثل جهل الأطفال لتزج بهم في مقدمة من يبيعون تلك الشرائح ليكون خط الدفاع الأول عند مداهمة السلطات الأمنية لهم.

وما تنبغي الإشارة إليه أن بيانات وزارة الداخلية السعودية، سواء تلك الخاصة بالإعلان من مطلوبين لـ«القاعدة» أو إحباط عملية تهريب مخدرات، كانت تشير صراحة إلى ضبط عدد من الشرائح مسبقة الدفع سواء مع الإرهابيين أو مروجي المخدرات.

وخلال الجولة التي قامت بها «الشرق الأوسط» لمعرفة بعض خفايا تلك الصنعة التي احترفها البعض ممن يرتادون الأسواق العامة بالرياض، يتضح جليا استهداف النساء، وذلك لتكتلهن أمام أسواق الكماليات التي عادة ما يرتادها النساء بغرض شراء حاجياتهن، كما يظهر استغلال حاجة الفرد ممن لا يمكنه أن يستخرج أي شريحة هاتفية أخرى، بسبب المديونية العالية لدى شركة الاتصالات المشغلة للهاتف الجوال محليا، وعندها يلجأ إلى تلك السوق غير القانونية.

إلى ذلك، تبرز الأضرار الجانبية لتلك الشرائح، خاصة الأمنية منها، ومن خلال الحملات الأمنية الاستباقية التي تقوم بها السلطات الأمنية في السعودية، التي أسفرت عن وجود شرائح بحوزة مطلوبين أمنيين، بالإضافة إلى الحملات التي تقوم بها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وتحفيز شركات الاتصالات العاملة في السعودية وحثها على تحديث بيانات عملائها.

إلا أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات (الذراع المعنية بتنظيم والإشراف على قطاع الاتصالات في البلاد) لم تفصح عن أي معلومات حول أعداد الشرائح التي من دون هوية، إضافة إلى عدم قيامها بحملات لمكافحة تلك الشرائح.

كما أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لا تقوم بأي حملة ميدانية واكتفت بالطلب من شركات الاتصالات القيام بتحديث بيانات عملائها منذ ما يزيد على عامين مضيا.

وفي ظل تكتم شركات الاتصالات العاملة في البلاد حول الأرقام الصادرة بشرائح من دون هوية لمن يستخدمونها وأعدادها، يبقى السؤال: من سيقوم بحملات ضد تلك الشرائح التي من دون هوية؟ إضافة إلى أنها تكبد شركات الاتصالات خسائر مالية فادحة.

إحدى النساء - رفضت الإفصاح عن هويتها - أشارت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها اشترت شريحة بلا هوية، مما قادها إلى المساءلة الأمنية حول مرجعية شريحة هاتفها المحمول، وأنها في الأصل تعود إلى أحد المطلوبين الأمنيين.

أحد الأطفال ممن امتهنوا ترويج مثل تلك الشرائح، وعلى الرغم من أنك تلمح في عينيه البراءة، حاولت «الشرق الأوسط» الحوار معه، وبتلقائية قال الطفل: «إذا انتهيت من المدرسة، آتي هنا لأجمع الفلوس»، إلا أنه سرعان ما تحول حديثه إلى خوف بعد شكه بنوعية التساؤل، مما دفعه للهروب بعيدا عن السوق، بعد أن قال أيضا: «إن هناك مجموعات لا تظهر في السوق تزودنا بتلك الشرائح في أول اليوم البيع، ومن ثم تجني منا آخر اليوم المحصلة المالية مع إعطائنا أجر هذا اليوم».

وحتى مع الشعور بخطورة تلك الشرائح التي أقرت بها إحدى المتسوقات - لم تكشف عن اسمها - إلا أنها لا تزال تشتري تلك الشرائح عدة مرات، وذلك بحجة المبالغ المالية التي تطلبها إحدى شركات الهاتف المحمول منها.

ويلاحظ تركز أماكن توافر بيع مثل تلك الشرائح مجهولة الهوية في الأسواق الشعبية التي يرتادها ذوو الطبقة متوسطة الدخل أو المائلة إلى الطبقة الفقيرة ماديا، مما يجعلهم مستهدفين بتلك الشرائح.

إلى ذلك، يبقى الرابح الأكبر من تلك السوق العمالة الوافدة الموجودة بلا إقامة وبطريقة غير نظامية وتجعل من الأطفال الجدار الحامي لهم.

ولم تتجاوب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات مع إلحاح «الشرق الأوسط» على مدى الأسابيع الـ4 الماضية، لطلب توضيحات منها حول موضوع الشرائح مسبقة الدفع.