جدة: 70% من شركات القطاع الخاص تخفق في تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية

نتيجة وجود جملة معوقات تحد من النشاط الاجتماعي بها

TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» باحث ومتخصص في المسؤولية الاجتماعية للشركات عن أن نحو 70 في المائة من شركات القطاع الخاص بجدة أخفقت في تطبيق برامج العمل الاجتماعي، في حين أنه تم رصد مجموعة من الملاحظات على برامج المسؤولية الاجتماعية التي تطبقها الـ30 في المائة المتبقية من الشركات. وأرجع الدكتور ناصر الزهراني، الحاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع والباحث والمتخصص في المسؤولية الاجتماعية للشركات، أسباب عدم تطبيق تلك الشركات لبرامج العمل الاجتماعي إلى مجموعة من المعوقات التي تواجهها، مبينا أن هذه المعوقات تم حصرها من خلال دراسة بحثية ميدانية، أجراها على شركات القطاع الخاص في مدينة جدة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن أبرز المعوقات التي تحد من النشاط الاجتماعي المرتبط بالقطاع الخاص في جدة تتمثل في عدم وجود أقسام متخصصة بالمسؤولية الاجتماعية، وقلة الدعم الحكومي للشركات وتشجيعها، فضلا عن الافتقار إلى وجود أشخاص متخصصين في هذا الجانب».

وأشار إلى أن عدم تخصيص ميزانيات محددة لبرامج المسؤولية الاجتماعية من شأنه أن يعيق العمل الاجتماعي في القطاع الخاص، إلى جانب إشكالية تداخل مفهومي المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، مؤكدا أن أعمال المسؤولية الاجتماعية لا تعني مساعدة الجهات الخيرية.

وشدد على ضرورة عدم تركز برامج المسؤولية الاجتماعية وحصرها في فئة الجهات الخيرية فقط، لا سيما أن هذه البرامج يمكن تقديمها لأغنى الأغنياء أيضا، ومن ضمنها البعثات التعليمية المقدمة من قبل بعض الجامعات الأهلية لطالباتها وطلابها المتفوقين، كجائزة تفوقهم بصرف النظر عن أوضاعهم المادية. وأضاف: «ثمة خلط أيضا بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية والقانونية في الشركات، خصوصا أن بعض المنشآت الخاصة تعتبر التزامها بأنظمة وقوانين وزارة العمل، فيما يخص نسب السعودة وغيرها ضمن برامج العمل الاجتماعي». ووصف الدكتور ناصر الزهراني، برامج المسؤولية الاجتماعية التي تقدمها بعض شركات القطاع الخاص بـ«الخجولة جدا»، في ظل تركيزها على المجتمع المحلي والعاملين والحكومة فقط وإهمالها أطراف المسؤولية الاجتماعية الأخرى.

واعتبر برامج المسؤولية الاجتماعية أحد مصادر الكسب المادي في شركات القطاع الخاص، خصوصا أنها تعد وسيلة من وسائل الدعاية وإكساب السمعة الجيدة للمنشأة، مستشهدا على ذلك بما تقوم به معظم المؤسسات العالمية من عمل اجتماعي تسوق عبره لنفسها، بهدف إعادة صياغة علاقتها بعملائها.

وزاد: «إن العمل الاجتماعي يعتبر إحدى آليات كسب تعاطف المجتمع وصناعة سمعة جيدة للشركات، حيث إن الهدف الأساسي منه لا يقتصر على المجتمع فقط، وإنما لا بد من اقتناع المستثمرين وأصحاب القرار بما سيعود عليهم من النفع جراء تطبيق برامج المسؤولية الاجتماعية».

وذكر الدكتور ناصر الزهراني أن برامج المسؤولية الاجتماعية الداخلية في شركات القطاع الخاص من شأنها أن تعزز من ولاء الموظفين، وتتضمن تحسين بيئة العمل ورفع مستوى أجورهم وإعطاءهم كل حقوقهم، الأمر الذي يجعل تلك المنشآت نقطة جذب لاستقطاب الكوادر الاحترافية من جهات مختلفة.

الباحث والمتخصص في المسؤولية الاجتماعية للشركات، الذي قدم ورقة عمل لدراسته البحثية خلال الملتقى السنوي للمسؤولية الاجتماعية للمنشآت التعليمية الأهلية والأجنبية، أفاد بوجود فجوة بين القطاعين الخاص والحكومي فيما يخص مجال المسؤولية الاجتماعية.

ولكنه استدرك قائلا: «هناك جهود موجودة بين القطاعين وما زالت تخضع للتنسيق، غير أنه من المفترض توحيد الجهود بين هذين القطاعين، إضافة إلى القطاع الخيري تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية»، موضحا أن وزارة الشؤون الاجتماعية بإمكانها العمل على تمكين الأفراد وتأهيلهم لسوق العمل، عوضا عن صرف المليارات لبرامج الضمان الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يخفف العبء على الدولة ويفيد المجتمع في الوقت نفسه. وزاد: «إن عمل القطاع الخيري بحاجة إلى تنظيم، خصوصا أن بعض الجمعيات الخيرية تنفق مبالغ كبيرة قد لا تذهب في معظم الأحيان إلى مستحقيها الحقيقيين، وهو ما يحتم وجود تنسيق للخروج بعمل ذي استراتيجيات محددة وأهداف واضحة من أجل تحقيق الهدف المنشود على الفرد والمجتمع بشكل عام».

وكان الدكتور ناصر الزهراني قد طرح خلال ورقة العمل في الملتقى السنوي الثالث للمسؤولية الاجتماعية للمنشآت التعليمية الأهلية والأجنبية الذي اختتم أعماله يوم الاثنين الماضي، مقترحا حول تطبيق المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات التعليم الأهلي تجاه المجتمع المحلي من خلال المرأة، وذلك من منطلق أنها مدخل لتحسين نوعية الحياة.

وذكر أن المرأة في المجتمع السعودي ما زالت تحتاج إلى تمكين عن طريق إعطائها فرصة لمساعدة نفسها بنفسها، على الرغم من أنها بدأت تأخذ وضعها الطبيعي، غير أنها في حاجة إلى مزيد من إعطاء الفرصة والدعم لأنها شريك أساسي في التنمية، مبينا أنها تتميز بحماس أكبر لتطوير نفسها وأسرتها، مقارنة بالرجل، إضافة إلى تحليها بالصبر وقدرتها على التعلم السريع والمشاركة الإيجابية، مما يجعل دورها في المسؤولية الاجتماعية مهما جدا. وخرجت ورقة العمل بالكثير من التوصيات التي من ضمنها ضرورة غرس مفهوم المسؤولية الفردية والاجتماعية لدى الطلاب والطالبات منذ الصغر عن طريق تضمينها في المناهج الدراسية، وتدريبهم على القيام بالمسؤولية الاجتماعية من خلال إشراكهم في بعض الأعمال الموجهة لصالح أطراف المسؤولية الاجتماعية.

وتضمنت التوصيات أيضا ضرورة وجود هيئة عامة ترعى وتشرف على البرامج المقترحة من قبل المؤسسات، ليكون دورها إرشاديا وتوجيهيا فقط، إلى جانب إمكانية إصدارها لدليل إرشادي يشرح البرامج التي يمكن أن تتبناها المنشآت لصالح أطراف المسؤولية الاجتماعية.

كما شهدت تلك التوصيات مطالبات بتقديم الجهات المختصة للكثير من التسهيلات إلى شركات القطاع الخاص الفاعلة في مجال المسؤولية الاجتماعية وإعطائها الدعم والتقدير من قبل الحكومة، وعدم الاكتفاء بتكريمهم بالدروع التذكارية والجوائز فقط.

وهنا، علق الدكتور ناصر الزهراني قائلا: «إن شركات القطاع الخاص بحاجة إلى الكثير من التسهيلات التي ينبغي أن تحددها الجهات العليا بحسب منظورها، من بينها تسهيل عملية الاستقدام واختيار المنشآت الفاعلة في مجال المسؤولية الاجتماعية لإرساء مناقصات المشاريع الحكومية عليها، إلى جانب إمكانية منحها قروضا وغيرها من التسهيلات».