.. وتبقى جدة تحت المجهر

الأمطار في مدن أخرى فاقت ما شهدته عروس البحر الأحمر

TT

«هطلت أمطار غزيرة شملت أجزاء متفرقة من أنحاء المملكة، جعلها الله سقيا خير وبركة، وعم بنفعها أرجاء البلاد».. يكمل مذيع النشرة الجوية باقي الأخبار المتعلقة بالمناخ، من دون أي مشكلات تذكر، أو تقارير مفصلة.

كان هذا في السابق، بيد أن الحاضر يختلف وفقا لما يشير إليه مراقبون، إذ يلوحون إلى أن فاجعة الأربعاء 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 وكل ما تبعها من أحداث، أبقت جدة تحت مجهر الاهتمام المحلي، ابتداء من صناع القرار وصولا إلى المواطن البسيط، وما بينهما من وسائل إعلام وأصحاب أعمال وسياح وزوار.

وظهر الاهتمام جليا من خلال الاستعداد الحكومي الذي فاق العام قبل الماضي من ناحية التأهب والتنظيم، وباستثناء الوفيات والأضرار الكبيرة، لا تزال العروس أشبه ما تكون بثكلى، من نوع آخر، يشوبها تبلد تمثل في إغلاق بعض الشوارع حتى أمس، وتجمعات مائية تتوزع في أرجاء المحافظة، حتى السكان دأبوا يتخذون طرقا رديفة للأحياء والشوارع الكبيرة، بسبب العثرات الناجمة عن الأمطار التي تعرقل الرحلات اليومية التي يقطعها السكان خلال سيرهم إلى أعمالهم.

ويترجم هذا الاهتمام سلوكا اتخذه السكان المحليون في المدينة الساحلية، إذ لخص أحد الشبان رسالة بعث بها عبر «بلاك بيري» تحتوي على اختصارات لمواقع إلكترونية عالمية ترصد الطقس، مدعومة بنسخ ميسرة الاستخدام للهواتف الجوالة، ووجدت انتشارا واسعا خلال اليومين الماضيين. إلى جانب تحديث دوري رصدته «الشرق الأوسط» عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، تمثل في تحديد مسارات الشوارع المغلقة، والإعلان عن انتهاء الجهات المسؤولة من تهيئة شارع أو مدخل رئيسي.

بيد أن بوصلة الاهتمام أبت أن تتنحى جانبا عن الالتفاف السريع والتوقف عند المدينة المطلة على ساحل البحر الأحمر، إذ يؤكد مراقبون لـ«الشرق الأوسط» أن اهتمام مجمل وسائل الإعلام السعودية انصب على أمطار جدة، رغم ورود أنباء عن وفاة 4 أشخاص في مكة، بحسب الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، في مؤتمر عقده في تمام الخامسة والنصف من مساء أول من أمس. بل سجلت مدن ومحافظات أخرى في المملكة وقائع ومواقف سجلت وفاة 4 أشخاص في الليث (جنوب غربي البلاد) تزيد على ما تشهده جدة التي اقتصرت كبرى الأنباء الواردة عن أمطارها التي هطلت خلال اليومين الماضيين على إنقاذ نحو 200 شخص تم إخلاؤهم بالمروحيات، إلى جانب تعطل مركبات وحوادث سير وصفها مسؤول في الدفاع المدني بـ«المتكررة»، في أي مدينة أخرى تشهد أمطارا في العالم أجمع.

ويؤكد المراقبون استحالة تغير الصورة الذهنية التي رسمتها الأمطار داخل عقول السعوديين، وأكدوا أن ذلك مرهون بتمكن الجهات المسؤولة من محو الصورة الذهنية سالبة التصور.

وحتى يتحقق ذلك، جزم مصدر واسع الاطلاع في أمانة جدة لـ«الشرق الأوسط» بأن العمل جار لاستكمال تنفيذ مشاريع درء أخطار السيول شرق المحافظة، وهي التي تقوم بمهمة «تدويخ السيول» كما كان يحلو للمزارعين سابقا تسميتها، بينما تصنفها الأمانة كإحدى «مشاريع الواجهة»، في إشارة إلى أهميتها القصوى.

وقال الأمير خالد الفيصل للصحافيين في مؤتمر صحافي: «إن مشكلة جدة مع الأمطار والسيول مرتبطة بانتهاء مشروع تصريف المياه، ومشروع الصرف الصحي»، لافتا إلى أنها تتطلب سنوات كثيرة للاكتمال التام.

ويقول مصدر لـ«الشرق الأوسط»: «يجري حاليا تنفيذ مشاريع جديدة تكمن في تشييد 3 سدود في وادي القوس، وسدين آخرين في وادي مثوب، إلى جانب إكمال القنوات المقترحة في وادي غليل»، ويتابع: «تربط أجزاء المشروع عقب الانتهاء بالقنوات المفتوحة التي تقع جنوب المحافظة من ناحية القاعدة البحرية، وشمالها من ناحية شرم أبحر.. نتوقع أن يكتمل تنفيذ هذه المشاريع خلال 4 أشهر قادمة»، بيد أنه أكد «أن المشاريع تواجه عقبات تتمثل في اعتراض سكان الأحياء المتاخمة على مواقع بعض السدود والأحواض التجميعية الواقعة خلفها».

ولا يمكن التنبؤ في الوقت الحالي بما ستؤول إليه الأمور في قادم الأيام، باستثناء رغبة أهالي جدة الأكيدة في عودة مذيع نشرة ليستكمل نبأ هطول الأمطار بـ«الخير والبركة، وأن يعم الله بنفعها أرجاء البلاد»، دون أن يصاحب النشرة أي تقرير مفصل عن أي عواقب تخيم على عروس البحر الأحمر.