مدير مرور الرياض: «ساهر» جعلني مكروها من الناس.. ولكن مصلحة الوطن الأهم

قال لـ «الشرق الأوسط» : هناك من يردد «جباية أموال» ولا يعي معناها.. وعلى شركات التأمين خفض الكلفة مع تدني عدد الحوادث

لقي تطبيق نظام «ساهر» اعتراضا شعبيا كبيرا في السعودية بالرغم من خفضه للحوادث المرورية («الشرق الأوسط»)
TT

لم يظهر في السعودية نظام تسبب في انتقادات واسعة، وحملات شرسة، وموجات من عدم الرضا، كما تسبب نظام «ساهر» الذي فرضه جهاز المرور السعودي على مستخدمي الطريق داخل وخارج المدن، والذي يراه المراهنون على تطبيقه نظاما ساهم بشكل أو بآخر في تدني مؤشرات حوادث السير، لا سيما الحوادث المميتة أو ما تتسبب في إصابات بالغة.

فالمتابع للشأن المحلي في المملكة لا بد أن يكون قد لمس حملات من عدم الرضا على النظام، الذي يراه البعض نظاما أسهم في ضبط الحركة المرورية داخل وخارج المدن، ويراه آخرون نظاما لا يتجاوز كونه وسيلة لجباية الأموال، فكان النظام محورا هاما في أحاديث المجالس والمنتديات خلال الأشهر القليلة الماضية في المملكة.

ومعلوم أن نظام «ساهر» الذي طبقته السعودية مؤخرا عمل على الحد من تجاوز السرعة القانونية التي تم تحديدها على الطرق، عن طريق وضع كاميرات مراقبة تقوم بالتقاط صور دقيقة لا يمكن التلاعب بها بأي حال من الأحوال لأرقام المركبة التي يتجاوز قائدها الأنظمة والسرعة المحددة على الطرق، وهو القانون الذي يراه البعض كان سببا في تدني أرقام الحوادث في البلاد، طبقا لما أفرزته نتائج ميدانية، عمل على رصدها عدد من الجهات الحكومية، لا سيما أن السعودية تعد من أكثر دول العالم من حيث نسب حوادث السير، التي في الغالب ما تخلف وفيات في البعض منها، أو إصابات بالغة في البعض الآخر.

تلك الانتقادات الواسعة، واجهها مدير مرور الرياض الذي يعتبر مهندسا لنظام «ساهر» العميد عبد الرحمن المقبل، الذي طبقت إدارته أولى خطوات النظام بشكل تدريجي في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط»، بضرورة التحلي بالنقد الهادف، وأن يلتمس منتقدو النظام ما شهدته مؤشرات الحوادث المميتة من تدن بشكل واضح، كما هو الحال في تتبع أو تلمس أي سلبية، قد يتم اختلاقها لمواجهة وانتقاد النظام.

فالإحصاءات المدعمة بالأرقام يواجه بها مدير مرور الرياض من يرون نظام «ساهر» نظاما لجباية الأموال، وهنا توقف للحديث عن هذا المصطلح، الذي يرى الكثير ممن يرددونه لا يعون معناه، فالجباية من وجهة نظر الرجل هي أخذ مال بغير وجه حق، أو بمعنى آخر، ما تأخذه الدول على مواطنيها تحت مسمى ضرائب، مع العلم أن المملكة لا تتعامل مع مواطنيها ولا المقيمين على أراضيها بنظام الضرائب، على عكس ما هو معمول به في أغلب دول العالم.

العميد المقبل يسترسل في إطار الحديث عما يسمى جباية الأموال، يقول «في السعودية بإمكان أي شخص الذهاب لأي مكان دون أن يوقفه أحد ليطالبه بضرائب أو رسوم على الطرق، سواء داخل أو خارج المدن، فمن حق الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والمواطن والمقيم، أن يستخدم الطرق السريعة التي وفرتها الدولة وصرفت عليها مليارات الريالات دون أن يتوقف لثانية واحدة لدى مركز تحصيل للرسوم أو ما شابه ذلك، كما هو معمول في غالبية دول العالم، الغنية منها والفقيرة، فمن المؤسف أن تجد شخصا أطلق كلمة جباية أموال، وأخذ يرددها من يعي معناها ومن لا يعيه، ثم كيف يفسر من يردد كلمة جباية الأموال، إن تعرض أحد ما للوفاة، جراء تهور شخص ما، قام بقطع إشارة مرور، وأزهقت روح نتيجة ذاك التصرف الطائش، هنا، لا قدر الله، ما هو موقف أسرة الشخص القتيل من ذاك المتهور».

وأخذ المقبل يتحدث عن ضرورة أن يتحلى الجميع بالعقلانية، والابتعاد عن إطلاق الأحكام المتسرعة، وأرجع سبب وجود هذا النظام للحد من المخالفات التي أزهقت أرواحا بريئة، أو كما قال «ساهر لم يوضع للعموم، بل وضع لمخالفي أنظمة السير فقط، وهنا الفرق يبدو واضحا، فمن لا يخالف ويلتزم بآداب الطريق، لن تتعرض له كاميرات (ساهر) بأي حال من الأحوال، وبمعنى آخر، لا تخالف ولن يؤخذ منك مال، ولو لم تخالف سيخلد نظام (ساهر) للنوم، فإذا أردت أن ينام (ساهر)، فلا تخالف» طبقا لتعبيره.

المقبل يواجه من يراهم منتقدي النظام بإحصائيات زود «الشرق الأوسط» بها، يتأكد خلالها انخفاض حوادث السير بنسبة تقترب من 25% عن ذات الإحصائية في العام الذي سبقه، حيث اقتربت مؤشرات وفيات الحوادث من 6 آلاف قتيل، وخلفت أكثر من 35 ألف مصاب، تلك الأرقام تقود المملكة لأن تتبوأ مراتب متقدمة بين دول العالم في نسب حوادث السير.

ومن تلك الإحصائيات، في مدينة كالعاصمة السعودية الرياض، التي يقطنها أكثر من 6 ملايين شخص، فيعتمد 98% من سكان العاصمة في تنقلهم على مركباتهم الخاصة، في ظل عدم وجود نظام نقل عام يخفف من زحام العاصمة، فتحوي الرياض أكثر من 4 ملايين سيارة، تقطع 64 مليون كيلومتر في 24 ساعة.

وهنا يرى المقبل أن انخفاض معدلات الحوادث التي تؤكدها إحصاءات عدد من الجهات، الإغاثة كـ«هيئة الهلال الأحمر» والصحية مستشفيات منها «مجمع الملك سعود الطبي، وقوى الأمن، والمستشفى العسكري، والحرس الوطني»، حيث استند الرجل على تقارير صدرت عن تلك الجهات، أكدت بدورها تدنيا واضحا في نسب حوادث السير المميتة على الأقل، مع العلم أن مصابي حوادث السير يشغلون 30% من الأسرة في تلك المصحات، هذه النسبة كانت قبل تطبيق النظام، وهو الأمر الذي يراه المقبل ينعكس إيجابيا على الخدمة الصحية المقدمة للمواطن كنتيجة ثانية، يسبقها انخفاض أعداد الوفيات والإصابات الخطيرة جراء حوادث السير، وهو ما تمت الإشارة له مسبقا.

وأخذ العميد عبد الرحمن المقبل في الحديث عن هذا النظام، الذي يراه جاء بنتائج إيجابية بالرغم من الانتقادات الواسعة التي تعرض لها النظام والقائمون على تطبيقه، واعتبر ردود الفعل القوية تلك، سواء كانت في وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية أو حتى الإلكترونية نتيجة أن «ساهر» نظام قوي، يصعب اختراقه أو التلاعب فيه بأي حال من الأحوال.

فيرى العميد عبد الرحمن المقبل كون «ساهر» نظاما قويا يصعب اختراقه، تمت مواجهته بانتقادات وعدم رضا من البعض، لكن الغالبية العظمى ممن لمسوا نتائجه الإيجابية يشعرون برضا تام بعد تطبيقه في عدد من مناطق المملكة.

ولم يخف العميد المقبل توقعاته بحدوث الضجة المصاحبة لتطبيق النظام، وهنا قال «كنت متوقعا حدوث الصخب الذي أعقب تطبيق النظام في العاصمة، ومن ثم في مدن أخرى تدريجيا، فلأن لدي نظاما قويا يصعب اختراقه بأي طريقة كانت، كنت متوقعا حدوث ما صاحب تطبيق النظام من عدم رضا وصخب في آن واحد».

ويرى مهندس المشروع أن تبين عدم جدوى النظام، حتى ولو بنسبة 1% لما تم تطبيقه، فهو ذاته المطبق في أميركا ودول أوروبا وأستراليا، وتلك الدول بالفعل جنت فوائد تطبيقه وانعكس إيجابيا على مؤشرات الحوادث التي ترصد سنويا في تلك الدول.

وواجه العميد المقبل من يردد أنه يمضي وقتا طويلا حال مراجعته لدوائر المرور مستفسرا عن مخالفة ما، وقطع جازما أن عملية الاستفسار والتأكد من ارتكاب المخالفة وتمكين صاحب المركبة المخالفة من رؤية صورة لوحة أرقام مركبته لا يستغرق أكثر من 5 دقائق، في حين شكا الكثير من طول وقت الانتظار في حال الرغبة بالتأكد من وقوع أو ارتكاب مخالفة مرورية، وقال العميد المقبل هنا «أنا مسؤول عن هذا الكلام، ما عليك سوى إبراز هويتك الوطنية، وفي غضون 5 دقائق فقط ستتمكن من رؤية لوحة سيارتك التي تم التقاطها عبر كاميرات (ساهر)، لكن هناك أشخاصا يأتون لإدارة المرور وهم غير مقتنعين عن إصدار مخالفة مرورية بحقهم، فمسألة القناعة هذه أمر يصعب علينا، لكن أنا أعيد التأكيد، أن من يأتي للتأكد من ارتكاب مخالفة ويرغب في رؤية صورة لوحة مركبته، هذا الأمر لن يستغرق أكثر من 5 دقائق، وأنا مسؤول عن هذا الكلام».

ورد مدير مرور الرياض على من يقول إن هناك عاملين غير سعوديين في المركبات التي تحوي كاميرات (ساهر) على الطرق داخل المدن، بالقول «أتحدى أن يكون هناك رجل أجنبي واحد يعمل في المركبات التي تحوي كاميرات النظام، من يقول إن هناك أجانب أو وافدين فهو مجانب للصواب، جميع العاملين على تلك المركبات سعوديون من الشباب المؤهلين للعمل على هذا النظام».

ونفى المقبل علمه عن طلبات لإيقاف العمل بالنظام، وهو ما يتم تداوله في المنتديات، فالنظام كما يراه مدير مرور الرياض «لم يطبق إلا عقب دراسة مستفيضة، وبموافقة من المقام السامي»، أما عن طلبات إيقافه، فأكد على عدم امتلاكه أي معلومة من هذا القبيل، في حين أبدى سرورا بدخول النظام حيز التنفيذ في المنطقة الشرقية خلال الأيام القليلة المقبلة.

وخالف من يرى أن هناك مخالفات تجاوز السرعة القانونية سجلت عند حد سرعة 71 كيلومترا في المركبة، وقال «لكل طريق سرعة محددة، فلا يمكن أن يتم تقييد مخالفة عند بلوغ سرعة المركبة 75 في بعض الطرق، هذا أمر غير صحيح، وأنا مسؤول عن هذا الكلام، لم يتم تقييد أي مخالفة عند هذه الحدود، وإذا ثبت أن هناك شخصا تم تقييد مخالفة بحقه لتجاوزه سرعة 75 فأنا مسؤول عن هذه المخالفة ليس غيري».

ولا يرى مدير مرور العاصمة أن هناك استغناء عن المحاكم المرورية المرتقب أن ترى النور في البلاد، والتي من شأنها تولي البت في قضايا المرور، التي يعمل على البت فيها حاليا أشخاص بمراتب مستشارين قانونيين وشرعيين، يساندهم مندوب من إدارة المرور، يعملون على البت في النزاعات المرورية إلى حين إقرار المحاكم المرورية التي لا غنى عنها.

وفي ذات السياق، وعقب أن طالت يد العبث ببعض كاميرات نظام «ساهر» في عدد من المواقع، أكد المقبل على إحالة عدد من الأشخاص، ممن وصفهم بـ«المراهقين» إلى جهات أمنية، بعد ثبوت تعمدهم إتلاف كاميرات المراقبة، وهو ما يندرج تحت إطار إتلاف الممتلكات العامة، وهو الأمر الذي يعاقب عليه القانون.

وأخذ المقبل على عاتقه مخاطبة شركات التأمين المصرح لها بالعمل في البلاد، ومطالبتها بتخفيض ما يسمى في لغة التأمين بـ«المخاطرة» أو ما يعرف بمعدلات بوليصة التأمين، وضرورة العمل بموجب مؤشرات حوادث المرور التي تدنت بشكل ملحوظ بعد تطبيق نظام «ساهر»، تلك المؤشرات يرى المقبل أنها يجب أن تقابل بانخفاض فيما تحصله شركات التأمين من أموال من الراغبين في التأمين عبر تلك الشركات.

ويواجه نظام «ساهر» حربا ضروسا من بعض منتقديه، خصوصا من فئة الشباب، حيث كرس عدد من السعوديين شيئا من أوقاتهم الخاصة لكسب أكبر قدر ممكن من المؤيدين لهم، في مواجهة هذا النظام، وأنشأ عدد آخر منهم صفحات على شبكة الإنترنت لمناهضة النظام، بل وطال غالبها شخص الرجل، كونه مهندسا لنظام «ساهر».

ولم يأبه العميد المقبل، كونه يعتبر مهندسا للمشروع الذي تسبب في جدل في السعودية منذ تطبيقه في عدد من المناطق بشكل تدريجي، من مكاشفة نفسه بداية، والاعتراف بأن هناك من بات لا يطيق شخصه، باعتباره كان يقف بشكل أو بآخر على نظام طبقته المملكة مؤخرا، يعمل على رصد متجاوزي الأنظمة داخل المدن، ومن بينها مثلا، تخطي حاجز معين في سرعة المركبة، أو قيام قائد المركبة بإجراء مكالمة هاتفية خلال قيادته السيارة، وهو القانون الذي أقرته السعودية مؤخرا ووضعته ضمن المخالفات التي يحاسب عليها قانون المرور السعودي، أو تجاوز إشارة مرورية.

الرجل لم يجد إشكالا في أن يقدم ذاك القانون على شخصه، أو بمعنى آخر، يعي أن تطبيق النظام في عدد من مناطق بلاده سيكون سببا في كره البعض له، الذين يقابلهم من يرونه محبوبا لديهم، كونهم لمسوا إيجابيات النظام، من حيث تدني مستويات وأرقام الحوادث التي تشهدها الطرقات السريعة في العاصمة الرياض والمدن الأخرى التي شهدت تطبيقه.

وعاد مستذكرا في حديثه سنوات للوراء، حين كان عمل المرور يعتمد بكافة مستوياته على رجل المرور، وما صاحب تلك الفترة من قدرة على اختراق النظام، إما في إطار محسوبيات أو وساطات وما شابه ذلك، أما النظام الإلكتروني الحالي فلا يمكن التلاعب به، ولا يملك أحد تغيير أو تحريف أي مخالفة يتم تقييدها وأكد جازما «أن لا أحد يملك القدرة على حذف أو تعديل أو تغيير أي مخالفة تم تقييدها عبر هذا النظام، أنا شخصيا وأنا مدير مرور منطقة الرياض لا أملك القدرة على الدخول على النظام لتعديل أو إلغاء مخالفة ما، وأضمن عدم القدرة على التلاعب وتحريفه، كونه مرتبطا بشكل تقني وآلي بمركز المعلومات الوطني، الذي يحوي بدوره كافة المعلومات عن مالكي المركبات، فهذا نظام مشفر لا يمكن المساس به مهما كانت سلطة الشخص الراغب في إجراء أي تعديل على أي مخالفة يتم رصدها، هذا الأمر يقطع الطريق أمام المشككين بصرامة النظام وشفافيته ومصداقيته، وأؤكد أن معظم شرائح المجتمع السعودي راضية كل الرضا عن النظام، والأرقام تحكي واقعا ملموسا».

ويؤكد مدير مرور الرياض عدم تأثره بالانتقادات الجارحة، التي قد تطال شخصه، فمن وجهة نظره أن «الفاصل بين النقد والتجريح شعرة، فالنقد الهادف أقابله بكل تقدير، أم بعض تلك الانتقادات، لا سيما الجارحة، فلا أهتم بها ولا ألقي لها بالا، فرغم مشاغلي، إلا أنني متابع لما يرصد في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، أنا أؤمن أن لكل إنسان رأيه، لكنه الرأي الذي يجب أن لا يقترب من التجريح الشخصي، ما يهمني بالدرجة الأولى تأدية الأمانة التي ألقيت على عاتقي، ورضا قيادتي، وتحقيق الصالح العام، ولا أخفي سرا أنه بالرغم من الانتقادات القاسية والمؤلمة، فإنني أشعر بالرضا عندما أتذكر أن عدد الوفيات والإصابات الخطيرة الناجمة عن حوادث السير قد تدنى عن مؤشراته السابقة بعد تطبيق النظام، وهنا أستلهم قدرتي وقوتي على مواصلة الطريق، وتحقيق أكبر قدر ممكن من انخفاض مؤشرات الوفيات والإصابات من حوادث السير».