خطيب المسجد الحرام: العلاج بالرقية يستوجب الإيمان بآثار الرقية الشرعية

حذر من رقاة يلجأون للضرب ومن آخرين وصفهم بـ«المحتالين لابتزاز أموال الناس»

السديس طالب بالالتزام بالضوابط الشرعية في مجال الرقية الشرعية
TT

طالب إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، عموم المسلمين بعدم إغفال آثار الرقية الشرعية، والجوانب الإيمانية والعقدية لدى المرضى، الذين عافاهم الله تعالى من مرض أو سقم، بعد علاج بالرقية، يستوجب بالدرجة الأولى الإيمان بالآثار الشرعية للرقية الشرعية السليمة.

وأردف الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن كثيرا من شرائح المجتمع تغفل آثار الرقية الشرعية، والجوانب الإيمانية والعقدية لدى المرضى، «ينجفل كثير منهم إذا بطأ بهم الشفاء، وفدحتهم الآلام والسقام والرهق، وغدوا من العجز والضراعة في وهق (عافاهم الله) انجفلوا بقصد أو بغيره إلى أحلاس الشعوذة والطلاسم والخرافات، والسحر والدجل والمخالفات، وتلقفهم من في سلكهم من أدعياء الرقية الشرعية». وأخذ الشيخ عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام على عاتقه، إيضاح بعض من أحوال الرقاة، الذين وصفهم بـ«الزيوف».

وقال الشيخ السديس «فهذا راق يقرمط بكتابة غامضة ويتمتم، وآخر يهرطق بمبهم الكلام ويدمم، وآخر يقطع بأن الداء عين، والعائن من ذوي القربى، وما درى أنه أتى الحمق وقطع الأرحام وأربى».

وحذر السديس في خطبته من بعض الرقاة الشرعيين الذين يلجأون للضرب المبرح، ظنا منهم أن الضرب قد يكون مساهما في خروج جان متزمت، أو شيطان متمسك في نفس مسلمة، وقال: «هناك من لا ينفك عن ضرب مبرح يهدم الجلاميد، فكيف بالجسم المعنى العميد، ويزعم في بهتان، أن العذاب الأليم للمارد لا للإنسان، والمريض الضارع، يدافع سواد فعلة الراقي بصمت لاهب كالحميم، وبعضهم يتجلد بالأنين الدامع الكظيم، وآخر صعق بالكهرباء حد الإغماء أو الإفناء، رباه رباه، أي جهل مركب أوتوه، رحماك رباه رحماك!». ومضى السديس يقول: «جل هؤلاء الأدعياء، يموهون بإظهار سمت العقلاء التقاة، وإن هم إلا من المخادعين الدهاة، المحتالين لابتزاز أموال الناس، واستدرارها على غير قياس، وقد يزج بوصفات تروج للوهم، وتجارة الدجل باسم المشاهير لخداع الجماهير، واستغلال ربات الخدور بما يجر إلى البلايا والشرور، وإنك لواجد في عالم المرأة مع هؤلاء الدجاجلة ما يذهل الألباب ويثير العجب العجاب، كيف والمدنف العليل، تمنى زوال السقم ولو فداه بالنضار وما ملكت يداه».

وزاد إمام وخطيب المسجد الحرام بالقول: «وعلى أثر تلك التجاوزات الشرعية، والمخالفات الزرية، لزم ألا يتعرض لهذا العلم الشرعي، إلا ذو ديانة مشهورة، وأمانة منشورة، وسيرة مثلى مشكورة، بصدق في العلاج شاف، وحذق كاف، وورع عما في أيدي الناس صاف، وتنزه عن الغلظة والعجب وتجاف، وأن يكون الراقي رحيما رقيقا، بالمرضى رفيقا، غاضا أطرافه دون موضع الداء، خصوصا لدى النساء، مع الحذر من دواعي الاختلاء المحرم، وما يدعو إلى الفتنة، والالتزام بالضوابط الشرعية في هذا المجال، ومن كان هذا لازم وصفه، حقيق أن يوفق ويسدد، وترمقه الأبصار بالتقدير والوقار».

وبين فضيلته أن أهل العلم عدوا شروطا ثلاثة للرقية الصحيحة؛ أولها: أن تكون بأسماء الله وصفاته وآياته القولية، الثاني: أن تكون بلغة عربية واضحة المباني مفهومة المعاني، الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.

وأشار السديس إلى ضرورة تحصين البيوت، وقال: «ناهيكم عن أهمية تحصين البيوت والأولاد بالأوراد الشرعية والأذكار الصباحية والمسائية، فهي الحصن الواقي (بإذن الله)، مع التوكل الجازم على المولى البصير السميع، وتفويض الأمر لتدبيره المحكم البديع، وليس معنى ذلك ترك الأسباب وحسن التدبير، كلا وإنما حقيقته عدم الاعتداد بمكنة الراقي وكفايته، والاعتماد في حصول السبب على توفيق الله وعنايته؛ أليس الله بكاف عبده?! فاليقين في الله أجل العزائم قدرا، وأجلاها في حلك الحيرة بدرا، مع اتخاذ السبب الدوائي من الطب الحديث، سواء أكان المرض عضويا أم نفسيا، لقوله: (تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام) أخرجه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح».