أطفال جدة.. خبراء أرصاد بحكم التجربة

يستقبلون الأمطار في غرف نومهم.. ويشاركون بفاعلية في إنقاذ منازلهم

TT

لم يعد هطول المطر في جدة مناسبة يفرح أو يرتاع منها الأطفال فقط، فهم اليوم، وبحكم التجربة القاسية التي يمرون بها كل عام، «خبراء أرصاد»، قادرون على التنبؤ بما يمكن أن يكون، ولو كان المطر الذي يسقط في حمى مدينتهم في مكة المكرمة أو بحرة أو الجموم.

فزخات المطر بالنسبة لهم تعني استعدادا وترقبا مسبقا، كما تعني انحيازا إلى البيوت والترقب تحت هزيم الرعد، وضوء البرق، والأمطار التي تزيد وتنقص وتسرع وتبطئ بشكل متفاوت، وتعني غيابا جماعيا أحيانا إجباريا عن المدارس صباحا، فالمطر لم يعد المناسبة المثلى التي يرددون أثناءها أنشودة المطر التي كتبوها بعد السياب بسنوات: «حفنة ماءِ.. ذات مساءِ.. طارت خلف طيور الماء».

ويتعدى بالنسبة لهم المطر مجرد الترقب والمشاهدة واللعب إلى المشاركة، فالوليد عادل محمد، وهو طالب بالمرحلة المتوسطة، شارك في الأمطار التي هطلت في جدة أخيرا، مشاركة فاعلة، بغية منع وصول أرطال ماء الأمطار الذي قد يخرب ويبلل أثاث منزلهم ومنزل جده الواقع وسط المدينة.

وسط المدينة أو غربها أو شمالها وما يجري له عقب نزول المطر أهون، إذا ما قورن بالناحية الواقعة شرق طريق الحرمين من جدة، وهي التي تتكبد أحياؤها النصيب الأكبر من الضرر كلما أمطرت السماء غرب المملكة، فأطفالها يستقبلون المطر بشكل قد لا يتكرر في بقية الأنحاء.

ذلك أن السيول لا تستخدم سبيلهم إلى المدرسة مسارا لها، أو تخرب ملاعبهم وأماكن سمرهم على قارعة الطرقات فحسب، بل قد تنتهك خصوصية غرف نومهم في أي من ساعات هطول المطر، ليجد الطفل عند خلوده للنوم أو استيقاظه منه، غرفته وقد تحولت إلى بحيرة، مما أجبر الكثير منهم على مرافقة أسرهم إلى الفنادق والشقق المفروشة.

ومع كل تلك المشاعر المتناقضة التي يعيشها الطفل في تلك الزاوية من جدة، تبقى هالة الخوف والفزع من الأمطار الأكثر حضورا في أذهان الأبناء والفتيات، خصوصا بعد المشاهد التي تعرضت لها ذات المنطقة في الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، فيما سمي بعد ذلك في وسائل الإعلام بـ«كارثة جدة».

ويبقى دائما السؤال مترددا بين إجابات الأهالي وتطمينات النفسيين من اختصاصيين واستشاريين، هل مشاعر الأطفال تجاه المطر مبررة، وهل أضاف الآباء والأمهات إليها أكثر مما تسبب فيه المطر، ذلك أن النفسيين يتهمون الآباء بإعطاء صورة سلبية مرعبة لأطفالهم عن المطر، فهم يتعمدون أخذ أبنائهم وبناتهم لمشاهدة السيول وهي تجرف الأشجار والسيارات ومرفقات الطرق، كما يتعمدون إجراء احتياطات مبالغ فيها قبل هطول المطر.

ويحمّل النفسيون وسائل الإعلام الجديدة وشبكة الإنترنت إفساد علاقة الأطفال بالمطر؛ فهي قد بالغت، حسب رأيهم، في إظهار رمزية مرعبة للأمطار لا تتعلق إلا بالغرق والجرف والتخريب والهدم، ولا تخرج المطر في معانيها المتعلقة بالرحمة والإنبات والإحياء، خاصة أنه يأتي على مدينة ذات جو ساخن طوال العام.

كما ينتقد النفسيون الإجراءات التي تعتمدها مؤسسات التعليم من إلغاء وتأجيل الدراسة بعد نزول المطر، والتي تؤدي حسب رأيهم لـ«تشنيج نظرة الطفل للمطر كمناسبة فرحة للطفل».

ولم يكتفِ أولئك فقط بانتقاد تلك الإجراءات التي تأتي بها مؤسسات التعليم، بل حضوا الأخيرة على إدراج وتنظيم دورات علمية وفنية في التعامل مع الكوارث، وتعليمهم أن الأمر معتاد ويحصل في مناطق كثيرة من العالم بشكل مستمر، خصوصا أن عددا منها حصلت خلال السنوات الماضية في المملكة في جدة والعيص.

=