الباحة: «ذي عين» قرية أثرية يديرها الأهالي

بنيانها يقف شامخا على مدى 400 عام في شكل هندسي هرمي فريد

الأهالي يديرون أعمال قريتهم عبر جمعية قرية ذي عين
TT

أطلق جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة خطة لتأهيل وتطوير قرية ذي عين الأثرية بمنطقة الباحة، متضمنة ثلاث مراحل يستمر تنفيذها على مدى خمس سنوات، تشمل إعداد الرؤية الاستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام.

الدكتور محمد ملة، مدير المكتب التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بالباحة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن القرية استقطبت خلال صيف العام الماضي أعدادا كبيرة من الزوار والمصطافين في أول إطلالة للقرية منذ بدء أعمال التأهيل والتطوير التي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار، ضمن برامج جمعية ذي عين».

وتعد قرية ذي عين من أشهر القرى الأثرية في السعودية؛ فما زالت بعض مبانيها متماسكة على الرغم من قدمها مئات السنين وتعدد طوابقها، حيث يصل عمر هذه القرية إلى أكثر من 400 سنة، وهي تقع جنوب غربي الباحة، في تهامة، على بعد 24 كلم، عبر عقبة الملك فهد بالباحة، شمال شرقي الطريق المتجه إلى المخواة، التي تبعد عنها نحو 20 كلم.

وأطلقت ولأول مرة جمعية قرية ذي عين بمنطقة الباحة، جنوب غربي السعودية، أعمالها لاستثمار القرية وعائداتها السياحية، وتوزيعها بحسب برنامج أعدته الجمعية تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، بعد الفائض من مشروع التأهيل.

القرية بنيت على قمة جبل أبيض من الصخر وحجر المرو، وتضم 31 منزلا ومسجدا صغيرا وعددا من المزارع الدائمة الخضرة بفعل العين التي تمدها بالمياه طوال العام، بها مزارع للموز وأشجار الكادي وبعض النخيل، وأشجار الليم والليمون، وبعض الحمضيات، والشجيرات العطرية.

وتتراوح طول أبنيتها ما بين طابقين إلى سبعة طوابق، وقد استخدم أهالي القرية الحجارة في بنائها، حيث تم نقل الحجارة بواسطة الجمال أو على ظهور الرجال من الجبال المجاورة، أما السقوف فهي من أشجار العرعر التي نقلت إليها من الغابات التي تحيط بها، وزينت شرفاتها بأحجار المرو على شكل مثلثات متراصة، كما يوجد فيها بعض الحصون التي كانت تستخدم للدفاع عن أهاليها من هجمات القبائل والقرى الأخرى قبل العهد السعودي لحمايتها من الغارات أو لأغراض المراقبة.

وتشتهر ذي عين بزراعة الفواكه المختلفة، ويوجد بها عين تجري على شكل نبع في سفح الجبل، سميت «القرية» باسمه، هذا النبع الذي لا ينقطع طوال العام تأتي مياهه المتدفقة الصافية من بين الصخور من منحدر الجبل الشمالي الشرقي، ويتم توزيعها بين المزارعين بما يسمى «الشرب»، وهو أن يسقي كل شخص مزرعته بحسب مساحتها في وقت معين، تحت ما يسمى بـ«الشرب».

ويشير أهالي القرية في تعريفهم للقرية إلى حكاية أقرب للأسطورة لتسمية القرية بهذا الاسم، وهي أن القرية أصيبت بقحط شديد، فزارها رجل من البادية على بعد قرابة مائة كلم، يبحث عن عصا فقدت منه عندما كان يرعى الغنم في البادية التي تبعد مئات الكيلومترات من موقع القرية في الجزء الشمالي من الباحة، فطلب منهم البحث في هذا الموقع، متنبئا بأن الماء سيخرج منها، وبالفعل قام الأهالي بالبحث وهو واقف معهم، فانطلقت العصا من النبع وأصابت عينه، فمسكها ولم يخرجها، وظل يمشي في الوادي والماء يتبعه حتى وصل إلى نقطة معينة في الوادي ونزع العصا، وعندها غار الماء في الأرض.

الأمير مشاري بن سعود، أمير منطقة الباحة، أكد أن هذه القرية وعددا من القرى القديمة ذات التاريخ لها قيمة سياحية كبيرة، وتعتبر من المميزات التي تضع المنطقة على خارطة السياحة الداخلية، وتعرف المنطقة بها لدى السياح في المملكة ودول الخليج الشقيقة، مشيدا بدور الهيئة العامة للسياحة والآثار، ممثلة في الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، الذي زار المنطقة وهذه القرية بالذات عدة مرات، ووجه المكتب التنفيذي بمتابعة تأهيلها وتنظيمها أمام السياح ليطلعوا على أسلوب البناء القديم وجماله في المنطقة، الذي قاوم آثار وعوامل التعرية والأجواء المتقلبة والتقادم مئات السنين، وأكد أنها والمواقع السياحية والغابات ستلقى العناية والمتابعة من قبل الإمارة، من خلال الجهات ذات العلاقة، باعتبار المنطقة وجهة سياحية للباحثين عن الأجواء المعتدلة والطبيعة الخلابة في السراة وتهامة والبادية، من خلال تنوع بيئاتها الثلاث.

وتعود الكثافة الكبيرة التي شهدتها القرية من الزوار نظرا لتاريخها الذي يعود إلى نحو 400 عام، إضافة لكونها مبنية بطريقة جاذبة، حيث إن بيوت القرية البالغ عددها عشرات المنازل متداخلة في شكل هرمي فريد الموقع والبناء، وتقع على سفح تل من المرمر الأبيض، وهي ذات ارتفاعات مختلفة تتراوح بين دور وأربعة أدوار يربطها عدد من الممرات التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة، ويكتمل عقد بيوت القرية بالمسجد الذي يقع في الجزء الأسفل منها، في وسط القرية.

والمزارع التابعة لها تنتج الموز والكادي والليمون والريحان، وتسقى طيلة أيام العام من العين التي منحها الله لأهل القرية، وهي التي سميت باسمها القرية، تصب طوال العام من دون انقطاع.

وعانت بيوت القرية الأثرية خلال الثلاثين سنة الماضية من الإهمال والتخريب وضياع موجوداتها الأثرية، بسبب هجر أهلها لها وضعف ثقافة السياحة عند زوار القرية، وتعديهم على تلك المباني، إضافة إلى تأثير العوامل الطبيعية وتقادم بنائها.

ولم يكن أهالي القرية والمجتمع المحلي يستفيدون من تلك القرية سوى ما يحصله البعض منهم نتيجة بيعه لما ينتجه من مزرعته من ثمار، ومنها الموز البلدي وعذوق الكادي ذات الرائحة العطرية الطبيعية، والريحان، وبعض الحمضيات، إلى أن تم البدء في تأسيس أول جمعية تعاونية على مستوى المملكة تعنى بالمحافظة على التراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية، وسميت بجمعية قرية ذي عين التعاونية، وكان ذلك في عام 1429هـ.

وتحمل هذه الجمعية جملة من الأهداف تسعى لتحقيقها، من أهمها المحافظة على أملاك أهالي القرية، والحفاظ على القرية واستثمارها وتسويقها سياحيا، وإدارة وتشغيل استثماراتها، بالإضافة لإعادة تأهيل المباني الأثرية واستثمارها لصالح الأهالي، وإيجاد فرص عمل لأبناء القرية وتفعيل دور الأسر المنتجة وتحقيق عوائد مالية مجزية لملاك القرية، وإحياء الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية، وتبني جميع المشاريع داخل القرية وفي محيطها.

وبالتزامن مع ذلك، بدأ جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة تنفيذ خطة تأهيل وتطوير القرية التي تضمنت ثلاث مراحل، يستمر تنفيذها خمس سنوات، تشمل إعداد الرؤية الاستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام، وهي المرحلة الأولى، حيث تضمنت تأهيل الممر الرئيسي للقرية، وإيجاد جلسات ومطلات على طول الممر، وصولا إلى شلال الماء، وإعادة افتتاح مسجد القرية الأثري، وتأهيل عدد من المباني لتكون المتحف الخاص بها.

ومع مطلع العام الماضي تم البدء بالتشغيل التجريبي للقرية من قبل جمعية قرية ذي عين التعاونية، في خطوة هدفت للبدء في تدريب أعضاء الجمعية والمجتمع للتعامل مع الوضع الجديد لقريتهم كمورد اقتصادي يحقق دخلا ماديا، ويوفر الكثير من فرص العمل، وتعزيزا لذلك قام جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة بالبدء في تنفيذ برنامج تدريبي منوع لأفراد المجتمع المحلي بقرية ذي عين، بدأه بدورة في التعامل مع الزوار، بالإضافة للكثير من الدورات الأخرى.

وفي هذا الجانب، عاد الدكتور ملة بالقول إن مشروع تأهيل قرية ذي عين نموذج يحتذى به على المستوى الوطني من حيث فكرة التأهيل وتأسيس الجمعية التعاونية لأهالي القرية، وانتهاء ببرامج التدريب المختلفة التي تنفذها الهيئة.

وأكد أن الهيئة لا تنظر إلى مدخول هذه الاستثمارات على الهيئة، إنما تنظر إليها على أنها فرصة اقتصادية لإيجاد كثير من فرص العمل وجلب استثمارات تعود بالنفع على المجتمع المحلي، وتوفير استثمارات إضافية لبلدية محافظة المخواة، نظير ما تقدمة من خدمات للمشروع وأهل القرية.

محمد العمري، رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية متعددة الأغراض بقرية ذي عين قال لـ«الشرق الأوسط» إن جهاز السياحة في الباحة بدأ في تأهيل القرية التراثية قبل ثلاث سنوات تقريبا، برصف الطريق المؤدي إلى الشلال، وتسويره، وإنارته، وترميم مسجد القرية القديم وبعض المباني الصغيرة القريبة من الممر، إلا أنه بقي الجزء الكبير من المباني دون ترميم، وهي على وشك الانهيار، وحرصا من الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، على استفادة أهالي القرية باستثمار قريتهم، جاءت فكرة تأسيس الجمعية التعاونية لقرية ذي عين.

وأضاف: «طرحت الفكرة على الأمير محمد بن سعود، وأيد الفكرة وشجعها، كما طرحت الفكرة بعد ذلك على وزارة الشؤون الاجتماعية، ورحبت بالفكرة ووافقت عليها، وتم فعلا تسجيل الجمعية رسميا بوزارة الشؤون الاجتماعية»، واليوم تلقى رعاية واهتمام الأمير مشاري بن سعود أمير المنطقة.

وعن أهداف الجمعية قال العمري: «أولويتنا الحفاظ على قرية ذي عين الأثرية واستثمارها سياحيا، وإدارة القرية الأثرية وما يحيط بها من مزارع ومياه العين الطبيعية، والتنسيق مع الجهات الحكومية والأهلية لتطوير القرية والمواقع المحيطة بها».

وأضاف: «نسعى لتنظيم الفعاليات والمناسبات التي تضمن تنشيط الحركة السياحية بالقرية وتوفير الدعم والمساندة الفنية للمزارعين لتحسين زراعة وإنتاج الموز والكادي، والاهتمام بمصدر المياه وتنميته والمحافظة عليه وتسويق القرية سياحيا بالتعاون مع الجهات المختصة الأخرى».

وحول الأهداف قال العمري: «نهدف لإحياء الحرف اليدوية التي تشتهر بها القرية، وتدريب وتهيئة أبناء القرية للقيام بالأعمال الفنية والإدارية للمشاريع المستقبلية للقرية، وإيجاد فرص عمل لأبناء القرية والأسر المنتجة، وتسويق منتجات القرية المحلية (زراعية - حرفية) محليا ووطنيا، وتبني المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل القرية وفي محيطها، ودعمها فنيا وماليا، وخدمة المنطقة بتوفر المنتجات الاستهلاكية المختلفة».

وحول نشاط القرية في الصيف الماضي، أكد أن القرية استقبلت مئات الزوار من داخل المملكة ومن خارجها، وخصوصا دول الخليج العربي، كما استقبلت وفودا، ومنها وفد وزارة الصحة، ووفد جامعة أم القرى، ووفد جمعية النحالين، ومركز رعاية الأيتام ببريدة، وقدمت الجمعية أكلات شعبية من عمل الأسر المنتجة في القرية، كما قامت بتوظيف عدد من شباب القرية كحراس ومشرفين على القرية التراثية، وقام مجموعة من أهالي القرية ببيع منتجاتهم الزراعية (الموز البلدي والكادي والريحان والليمون) في مدخل القرية لزوارها في فترة الصيف، ومن الفعاليات التي قامت بها الجمعية إنارة بيوت وممرات القرية التراثية بنحو 140 فانوسا في بداية الصيف في كل ليلة خميس، تحت مسمى (ذي عين في ليلة خميس) لإحياء تراث الآباء والأجداد، باعتبارهم كانوا يقومون بإشعال الفوانيس قديما في أسطح، بينما أجريت مقابلات مع الآباء والأجداد تحدثوا فيها من خلال القنوات الفضائية الشعبية عن ماضي القرية، مع إقامة العرضة الشعبية أمام القرية التراثية حضرها مجموعة من الزوار وسكان القرى المجاورة، كما قامت اللجنة بتنظيم فعاليات احتفال عيد الفطر لأهالي القرية، وشاركت أيضا في الفرحة باليوم الوطني للمملكة، حيث قامت بتوزيع الهدايا على زوار القرية في ذلك اليوم.

وأبان أن الجمعية التعاونية متعددة الأغراض بقرية ذي عين تتطلع إلى تحقيق جميع الأهداف التي تفيد أهالي القرية، إلا أن الإمكانات المادية لا تساعد حاليا على تحقيقها، وتناشد جميع المسؤولين في حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسهم الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز، أمير منطقة الباحة، لتقديم المساعدة المعنوية والمادية والوقوف جنبا إلى جنب مع الجمعية لتحقق أهدافها.

ونوه بدعم الجهات الحكومية التي ساندت الجمعية طيلة فترة التأسيس وكان لهم جهود واضحة، وعلى رأسهم إمارة منطقة الباحة وأمانة منطقة الباحة التي تقوم بإنشاء حديقة بجوار القرية التراثية تشتمل على جلسات عائلات وملاعب أطفال لتخدم زوار القرية التراثية ومحافظة المخواة ورئيس مركز الجوة والهيئة العامة للسياحة والآثار، وجهاز السياحة في الباحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية فرع الباحة، وبلدية محافظة المخواة، والغرفة التجارية بالمخواة، وشيخ بني عمر عبد الله بن أحمد موالا، ومدير شرطة المخواة، ومدير شركة كهرباء المخواة.

واستدرك الدكتور ملة حول مدى استفادة الأهالي من مشروع استثمارها بناء على رؤية اقتصادية، بقوله: «قرية ذي عين سيوفر مشروع تأهيلها فرص عمل لأبنائها ويحولها إلى قرية اقتصادية سياحية. يعود تاريخ قرية ذي عين التراثية إلى مئات السنين، حسب ما يرويه أهالي القرية، وهي لمن لا يعرفها قرية تراثية مبانيها من الحجارة على سفح تل من المرمر الأبيض عدد منازلها 31 منزلا ذات ارتفاعات مختلفة، وقد بنيت لتشكل ثلاثة مستويات على سفح التل؛ فبعضها بني في أسفل التل، وآخر في منتصفه، والبقية على قمة التل، ويربطها عدد من الممرات التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة، ويكتمل عقد تلك المباني الجميلة بمسجد القرية الذي يقع في الجزء الأسفل من القرية، ويتوسط موقعه بين القرية والمزارع، مما يمكن المزارعين من الصلاة في المسجد خلال تأدية أعمالهم اليومية. كما روعي أن يكون في أول القرية باتجاه المزارع ليكون في استقبال عابري السبيل الذين يمرون بالقرية في أوقات متأخرة، وقد ألحق بالمسجد غرفة صغيرة تستخدم لكي يبيت بها عابرو السبيل».

وأضاف أن هذه القرية هجرها أهلها في مطلع الثمانينات الميلادية من القرن الماضي لينتقلوا إلى مساكنهم الحديثة في الجهة المقابلة للقرية، مع استمرارهم في العمل في مزارعهم التي تقع في الوادي الذي تطل عليه القرية وتنتج تلك المزارع الموز والكادي والليمون والريحان وبعض الثمار، ومنها الدخن والذرة.

وعن مميزاتها، أفاد بأن ما يميز هذه القرية عن غيرها من عشرات القرى التراثية المتناثرة في منطقة الباحة هو التوليفة التي تحتويها من مبانٍ تراثية متعددة الأدوار في شكل هندسي بديع مبنية من الحجارة الطبيعية من نفس القرية وإطلالتها على مسطحات زراعية يتم تغذيتها بالماء من خلال عين ماء جارية على مدار العام، ويتقاسمه المزارعون بما يسمونه «الشرب» وفق نظام تم إقراره من قبلهم وهم ملتزمون به حتى اليوم.

وبين أن مبانيها التراثية للقرية عانت من الإهمال بعد أن اتجه السكان لبناء منازل حديثة قريبة من القرية، وبالتالي طالها التهالك والهدم لبعض جدرانها وأسقفها على مدار ثلاثين عاما تقريبا بسبب عدم صيانتها، وضعف ثقافة الزوار للقرية، وتعديهم على تلك المباني، إضافة إلى تأثير العوامل الطبيعية من أمطار، في ظل سوء تصريف لها من على أسطحها المعمولة من الخشب والطين، ولم يكن أهالي القرية والمجتمع المحلي يستفيدون من تلك القرية، سوى مما يحصله البعض منهم نتيجة بيعه لما ينتجه من مزرعته، وحتى دخلت دائرة الاهتمام السياحي منذ بدء برامجه في الباحة قبل ثلاثة عقود تقريبا، ظلت تزار، ولكن من دون تنظيم ولا فائدة لسكانها.

وفي مطلع عام 2008م عقد جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة اجتماعا موسعا مع أهالي القرية، وتم الشرح لهم خلاله أهمية الحفاظ على هذه القرية ككنز أثري يستفيد منه الجميع في المستقبل ليكون موقعا سياحيا يقصده جميع زائري المنطقة من ضيوف وسياح وأهالي. وبمبادرة من الجهاز في نفس العام، تم البدء بتأسيس أول جمعية تعاونية على مستوى المملكة تعنى بالمحافظة على التراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية، ألا وهي «جمعية قرية ذي عين التعاونية»، وذلك لتحقق جملة من الأهداف، أهمها المحافظة على أملاك أهالي القرية، والحفاظ على قرية ذي عين الأثرية واستثمارها وتسويقها سياحيا، وإدارة وتشغيل استثمارات القرية لصالح الأهالي، وإعادة تأهيل المباني الأثرية واستثمارها لصالح الأهالي، وإيجاد فرص عمل لأبناء القرية والأسر المنتجة، وتحقيق عوائد مالية مجزية لملاك القرية، وتنشيط إحياء الحرف اليدوية والمنتجات الزراعية، وتبني جميع المشاريع داخل القرية وفي محيطها.

وبالتزامن مع ذلك، بدأ جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة تنفيذ خطة تأهيل وتطوير القرية، التي تتضمن ثلاث مراحل يستمر تنفيذها على مدار 5 سنوات. وتتضمن المرحلة الأولى التي بدأها الجهاز إعداد الرؤية الاستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام، كما تضمنت تأهيل الممر الرئيسي للقرية، وإيجاد جلسات ومطلات على طول الممر، وصولا إلى شلال الماء، إضافة إلى إعادة افتتاح مسجد القرية الأثري، وتأهيل عدد من المباني لتكون المتحف الخاص بالقرية. كما تتضمن المرحلة الأولى أيضا إنشاء مركز للزوار ومحلات تجارية لأهالي القرية ومطعم ومحل تموين، إضافة إلى دورات المياه العامة. كما قامت أمانة منطقة الباحة بتخصيص مبلغ 4 ملايين ريال لإنشاء الحديقة الخاصة بالقرية وفق التصور المعد من قبل الجهاز.

تم البدء بالتشغيل التجريبي للقرية من قبل جمعية قرية ذي عين التعاونية، في خطوة تهدف إلى بدء تدريب أعضاء الجمعية والمجتمع المحلي للتعامل مع الوضع الجديد لقريتهم كمورد اقتصادي يحقق دخلا ماديا ويوفر كثيرا من فرص العمل لأبناء القرية، واتضحت جدواه الاقتصادية بالنسبة لأهالي القرية. ولتعزيز هذا الجانب قام جهاز تنمية السياحة بمنطقة الباحة بالبدء بتنفيذ برنامج تدريبي منوع لأفراد المجتمع المحلي بقرية ذي عين، بدأه بدورة في التعامل مع الزوار، وسيتبعها كثير من الدورات الأخرى.

وفي هذا الجانب، أكد الدكتور ملة أن مشروع تأهيل قرية ذي عين يعد نموذجا يحتذى به على المستوى الوطني، من حيث فكرة التأهيل، مرورا بتأسيس الجمعية التعاونية لأهالي القرية، وانتهاء ببرامج التدريب المختلفة التي تنفذها الهيئة. ونوه الدكتور ملة بتجاوب الأهالي مع برنامج التأهيل، وتعاونهم مع الجهاز.

واختتم تصريحه بالقول إن الهيئة لا تنظر إلى مدخول هذه الاستثمارات على الهيئة وإنما تنظر إليها على أنها فرصة اقتصادية لخلق الكثير من فرص العمل، وجلب استثمارات جديدة تعود بالنفع على المجتمع المحلي، وتوفر استثمارات إضافية لبلدية محافظة المخواة نظير ما تقدمه من خدمات للمشروع وأهل القرية.

كما التقت «الشرق الأوسط» بعدد من زائري القرية، حيث قال سعيد مشرف الغامدي من قرية رغدان: إن القرية جميلة، وتذكر زائريها بتراث الأجداد وتعبهم في بناء منازلهم قبل عشرات السنين، ولكن مع تطويع هذه القرية للسياحة العصرية نتمنى أن تكون أكثر تطويرا في ترميم مبانيها بواسطة شركة متخصصة، وأن تنال من اهتمام الهيئة العامة للسياحة نصيبا وافرا؛ فقد لا تكفي دخولها من التذاكر لترميم ما دمر منها، وطالب باستثمارها من قبل رجال أعمال عن طريق الجمعية لبناء مطاعم واستراحات للعائلات، وأن يكون فيها إرشاد سياحي، وأن تسور المقابر التي في مدخلها بصورة تحفظ للأموات كرامتهم، بعيدا عن السير عليه، وأكد أن وجود «تلفريك» من الباحة لذي عين مطلب سياحي استثماري ناجح.

أما الشاب صالح حسين من أهالي القرية، بائع تذاكر في مدخل القرية؛ فقد أكد أنه، مع التنظيم الجديد الذي تشرف عليه الجمعية، يعمل برفقة ثلاثة شباب من القرية، هم منصور إبراهيم وأحمد سعيد وحسين عبد الله من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء بالتناوب لاستقبال زوار القرية، وأن التذاكر تشمل الأطفال من سن سنتين وحتى الثانية عشرة بخمسة ريالات، والكبار بعشرة ريالات، والعائلات كل خمسة أشخاص بأربعين ريالا، وأنهم يجدون ارتياحا في عملهم لخدمة السياح الذين صنفهم بين محليين من داخل المنطقة، وسعوديين من خارج الباحة، وعرب وأجانب من دول أوروبية، ولكن أكثر ما يأتون على شكل مجموعات في الصيف أو بالتنسيق مع جهات حكومية في المنطقة عند زيارتهم للباحة.

وأوضح مهندس المشروع، حسين الزهراني، مدير مشاريع التراث الثقافي الذي كان متواجدا في الموقع وفريق عمل الإرشاد والتسجيل، أن الموقع يشهد مشروعا لتصريف السيول تقوم به بلدية المخواة، كما تم بناء مسجد في شمال القرية إلى جانب المسجد القديم جنوبها على امتداد الطريق الذي تم إعادة بنائه ورصفه من جديد بحجارة من جبل بجوار القرية، وأن مشاريع أخرى في طريقها للإنشاء بمتابعة المكتب التنفيذي للهيئة العامة للسياحة بالباحة ستخدم مرتادي القرية وتوفر لهم متطلبات التنزه.

أحمد متعب الزهراني، يعمل في البنك الزراعي، وصل من القويعية وزار ذي عين برفقة عدد من الزملاء التقطوا خلالها صورة تذكارية بالكادي والموز هدية الأهالي، اعتبر ذي عين وجهة سياحية أثرية، وبحكم اختصاصه الزراعي قال: «يجب استثمار مزارع ذي عين من خلال أبحاث زراعية، وزيادة زراعة الموز البلدي والكادي والرياحين وبعض الحمضيات، لأنها تشكل رافدا اقتصاديا استثماريا يمكن تسويقه على الأقل من خلال زوار القرية، فهو خير هدية إلى جانب رمان بطحان الذي تشتهر به المنطقة»، ودعا «زراعة الباحة» ومراكزها البحثية للاهتمام بهذا الجانب حتى تكتمل الصورة.

وأكد مجموعة من الشباب كانوا مودعين القرية بعد زيارتها، بطء سير العمل في ترميم القرية، الذي توقف من سنة تقريبا لقلة الإمكانات المادية، ودعوا للاستفادة من القروض التي تمنحها الدولة لإعادة بناء القرية، أسوة بقرية رجال ألمع في عسير، وطالبوا بمشروع «تلفريك» في أسرع وقت بين الباحة وذي عين، وطالبوا بخدمات ترفيهية وصالات ألعاب رياضية مغلقة وملعب كرة قدم مفتوح، وآخر للطائرة تقيمه رعاية الشباب مجاني للدورات الرياضية بدعوى جمال الطبيعة وقربها من الباحة وجوها المعتدل شتاء.