السعودية: 3 أسباب تفاقم أزمة السكان.. «العمالة» و«الهجرة» و«كثرة الفتيان»

وفق دراسة .. جدة بحاجة لـ95 ألف وحدة حتى 2029

تعاني السعودية من عوامل عدة تؤدي إلى تفاقم أزمة الإسكان فيها («الشرق الأوسط»)
TT

تعاني المملكة بشكل عام نقصا في المساكن، ويزداد هذا النقص في جدة عما هو في المناطق الأخرى، فطبقا لدراسة متخصصة أعدتها جهات حكوميه تعمل ضمن فريق التخطيط لجدة للعشرة أعوام المقبلة، تحتاج جدة لأكثر من 28 ألف وحدة سكنية، يتعين توفيرها في أقرب وقت ممكن.

وأكدت الدراسة على الجانب الآخر، الحاجة لتوفير ما يقارب 95300 وحدة سكنية خلال الأعوام العشرين المقبلة، حتى عام 2029 وهو ما يتطلب بحسب الدراسة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، توفير ما يزيد على 47500 وحدة سكنية سنويا خلال فترة السنوات العشرين المقبلة، وهو ما يعني ضرورة قصوى للعمل بجد على رفع المعدل الحالي لتوفير الوحدات السكنية، والذي لم يزد على 25ألف وحدة سكنية خلال اثني عشر عاما سبقت عام 2004.

إلى ذلك كشفت شركة تعمل في التطوير العمراني لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل مشروعي الإسكان الميسر المقرر بناؤه لاستيعاب سكان الأحياء المطورة، والذي يتشكل بمشروعين الأول يقام في منطقة حي الثغر وسط مدينة جدة والآخر جنوب جدة.

وبحسب الشركة، سيقام الأول على موقع مساحته 10,087 مترا مربعا، ويتكون من 8 مبان توفر ما مجموعه 216 شقة، حيث تتراوح مساحة كل منها بين 80 و160 مترا مربعا مكونة من 8 مبان سكنية منخفضة الارتفاع تضم 216 شقة، تتراوح مساحة كل منها بين 80 و160 مترا مربعا ينتهى منها في عام 2013.

ويقام المشروع الآخر في الإسكان الجنوبي وهو قيد التخطيط لمواجهة العجز المتزايد في الوحدات السكنية المخصصة لذوي الدخل المحدود والمتوسط، ويهدف إلى توفير مساكن ملائمة واقتصادية، مع إقامة بنية تحتية ومرافق عامة متكاملة، تخدم الشريحة المستهدفة المكونة من السكان المنقولين من الأحياء العشوائية تحت التطوير وذوي الدخل المحدود والمتوسط، ويقع المشروع في منطقة عمرانية في جنوب شرقي مدينة جدة بمساحه 4 ملايين متر مربع تقريبا، وتتكون من 30 ألف وحدة سكنية (شقق وفلات) ومرافق ضرورية، كالمدارس والعيادات ومراكز التسوق والمرافق الترفيهية من المتوقع انتهاء بنائها عام 2016.

وبالعودة للدراسة، فقد أرجعت زيادة الطلب على المساكن لعدد من العوامل تشمل الزيادة في أعداد العمالة الوافدة، والهجرة من الريف إلى المدينة والنمو السكاني، وأكدت أن النمو السكاني سيستمر كعامل أساسي في قضية الإسكان، نظرا إلى ارتفاع النسبة المئوية لسكان جدة ممن تقل أعمارهم عن عشرين عاما وهو ما أدى إلى انتشار الأحياء العشوائية وزيادة حالات التعدي على الأراضي.

وبحسب الدراسة التي عكف على إعدادها فريق بحثي متخصص، برزت توقعات أن تنمو جدة بنحو 2.25 مليون نسمة بين عامي 2007، وحتى 2029 فقد ولد النمو السكاني خلال السنتين الماضيتين الحاجة إلى 51500 وحدة سكنية جديدة يجب تلبيتها قبل العام الحالي.

ودعت الدراسة إلى توفير خيارات إسكان جيدة النوعية متنوعة، تلبي احتياجات مختلف شرائح السكان، وتحسين عمل سوق الإسكان وسوق تمويل الإسكان في جدة، وزيادة توفير الإسكان الميسر والإسكان لذوي الدخل المتوسط، من خلال تطوير آليات تمويل مبتكرة لتوفير الإسكان الميسر، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في توفير الإسكان وتعاون الوزارات ذات العلاقة، مثل «شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني» والقطاع الخاص لتوفير حلول مناسبة للمشكلات الإسكانية في جدة.

ويتوقع هنا منصور أبو رايش، رئيس اللجنة العقارية بغرفة مكة، أن يشهد العام الجاري زيادة في حركة البناء بعد إعلان الميزانية وتخصيص جزء منها لتقديم القروض، والتي ستسهم في زيادة حركة البناء الذي ستودعه الحكومة في صناديق الإقراض المتخصصة.

وقال: «سيسهم في دفع وتحريك مدد القروض وتسريع وتيرة صرفها وتنمية بناء الوحدات السكنية، التي ستسهم في حل أزمة المساكن في البلاد، وأرهقت نحو 40 في المائة من السكان ودفعتهم للانتقال والعيش في الضواحي».

ويعتبر أبو رايش المبلغ المخصص لصناديق الإقراض «دفعة قوية وتحريكا لعملية الإنشاءات، خصوصا أن بعض بنود الميزانية وجهت تحديدا نحو تخصيص مبالغ لبناء المدارس»، ويشير أبو رايش بذلك إلى قطاع الإنشاءات، الذي قال إنه «مقبل على طفرة واعدة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، تزيد على 10 في المائة عن العام الحالي»، ويتعين تزويد ثلث الإسكان المطلوب لاستيعاب النمو السكاني قبل عام 2014، مع استمرار الطلب في السنوات اللاحقة، ومن الضروري ضمان إنشاء وحدات سكنية جديدة لتلبية الطلب القائم على السكن والاستمرار في الوقت ذاته في الإعداد لتلبية الاحتياجات المستقبلية للمساكن.

وبينت الدراسة في أحد فصولها أن العديد من السكان يعيشون في المناطق المخططة من المدينة إما في منازل لا تلبي احتياجاتهم، أو مع الوالدين أو الأقارب، وذلك لعدم تمكنهم من تحمل تكاليف الحصول على مساكن خاصة بهم.

ويعيش سكان جدة في أنواع مختلفة من المساكن، وهناك تقبل أكبر للعيش في شقق سكنية مؤجرة لدى سكان جدة مقارنة بمناطق المملكة الأخرى. ويعيش 60 في المائة من عائلات جدة في شقق أو غير ذلك من أشكال الإسكان الجماعي، وهو معدل أعلى بكثير من المعدل في المملكة ككل، والذي يبلغ 47 في المائة، بينما يعيش واحد من كل 4 أشخاص (25 في المائة من السكان) في مساكن تقليدية شعبية، وأن 41 في المائة من عائلات جدة تملك المنزل الذي تعيش فيه، وتعد تلك النسبة منخفضة كثيرا عن المعدل في المملكة، الذي يبلغ 59 في المائة.

وفصلت الدراسة أن نحو 250 ألف شخص يمثلون 11 في المائة من السكان يعيشون في شقق أو وحدات سكنية صغيرة، أو في منازل غير مناسبة، ولذا ترى الدراسة أنهم بحاجة فورية إلى السكن، وهو ما يعني أن هناك حاجة إلى 80 ألف وحدة سكنية إضافية، من أنماط ملكية وإيجار متنوعة لتلبية احتياجات هؤلاء السكان على المدى المباشر إلى القصير، لتحسين الظروف الإسكانية في المناطق المخططة.

وقدرت الدراسة أن 476 ألف شخص يمثلون 40 في المائة من سكان المناطق غير المخططة يحتاجون إلى إعادة إسكان لتحسين ظروف العيش في هذه المناطق ووقف نموها، وهو ما يعني الحاجة إلى ما يقرب من 151600وحدة سكنية، يشكل معظمها إسكانا بديلا لسكان الأحياء العشوائية وغير المخططة، خلال عملية التطوير، فيما لا يشمل ذلك من سيبقون في هذه المناطق، والذين سيتلقون عونا لمساعدتهم على تطوير منازلهم كجزء من مشاريع التجديد.

ويدعو هنا عبد الله الأحمري رئيس اللجنة العقارية بغرفة جدة، للتوجه نحو دعم صناديق لدعم قطاعات التنمية وقطاع الإسكان على وجه الخصوص، من أجل تغطية احتياج المواطن وسد العجز عن المواطنين، خصوصا أن الدراسات تشير إلى أن 60 في المائة منهم لا يمتلكون منازل. وأكد رئيس اللجنة العقارية بغرفة جدة، أن الحكومة توصلت مؤخرا لصيغة تضمن عدم رفع أسعار العقار، وذلك بفتح الباب أمام تملك الأراضي الحكومية وإعطاء القروض على شكل عقارات ووحدات سكنية.

وبحسب الخبراء فهناك فجوة بين مستوى الدخل وتكاليف السكن وذلك نتيجة لعدم ارتفاع مستوى الدخل بما يتلاءم مع الزيادة المطردة في تكاليف السكن للسعوديين وغير السعوديين، وأصبح نقص المساكن يؤثر حتى على العائلات متوسطة الدخل، ففي عام 2008 فاق معدل تكلفة المائة متر مربع من الأرض الخام (غير المخدومة) في جدة معدل دخل العائلة بـ2.24 مرة، بينما فاق معدل تكلفة المائة متر المربع من الأراضي المخدومة (بالكهرباء والطرق والماء) معدل دخل العائلة بـ19.5 مرة.وتبين التقديرات أن السعوديين والوافدين الذين يبلغ دخلهم العائلي السنوي 96 ألف ريال سعودي أو أقل يعانون صعوبات في تأمين سكن يفي بحاجاتهم.

ويعود النقص الحالي في المعروض من المساكن إلى عدم توفر أنظمة لتشجيع المطورين العقاريين من القطاع الخاص على بناء المساكن، أو إلزامهم بذلك، إضافة إلى أن المطورين أنفسهم يتوجهون أساسا إلى بناء مشاريع إسكان فاخر، مقارنة باحتياجات الإسكان لمتوسطي ومنخفضي الدخل، على اعتبار أن المساكن الفاخرة ذات جدوى اقتصادية أفضل. ويؤثر إعطاء الأفضلية للمشاريع الفاخرة ذات الكثافة المنخفضة والتي تتطلب مساحات واسعة من الأراضي تأثيرا سلبيا على إمكانية بناء مساكن متوسطة ومنخفضة التكلفة، لأنها ترفع الطلب على الأراضي، وبالتالي على أسعارها.

وأدت الزيادة في تكاليف تشييد المباني ومواد البناء إلى مزيد من ارتفاع تكاليف الإسكان، وقد يتطلب عجز السوق عن توفير إسكان مناسب تدخل القطاع الحكومي، ويمكن أن يتضمن ذلك وضع أنظمة تخطيطية واشتراطات لتشجيع أصحاب الأعمال على توفير الاحتياجات السكنية لموظفيهم.

ويرى على الجانب آخرون أن الوحدات السكنية ذات الكثافة السكانية المنخفضة لا تعكس أنظمة التخطيط العمراني الحالية في جدة تنوع الاحتياجات السكانية، فضوابط البناء وتقسيمات المناطق تحبذ تطوير مساكن ذات كثافة منخفضة على حساب إنشاء مساكن لذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط.

وفي غياب تخصيص أراض للإسكان الاجتماعي أو الميسر، اتجهت أعمال التطوير الخاصة إلى بناء الفيلات والوحدات السكنية غالية الثمن، فيما لم تتطور أنماط السكن وأنواع المساكن لاستيعاب الطلب المتنامي والمتغير، في حين لا تزال العائلة السعودية المتوسطة الدخل تفضل السكن في بيت عائلي منفصل وبمساحة محدودة تناسب دخلها، ويستمر المطورون العقاريون في التوجه بشكل رئيسي إلى شرائح السكان التي تتمتع بأعلى مستويات القدرة الشرائية، منشئين في الغالب بيوتا كبيرة وفيلات على مساحات أرض كبيرة، وأن وجود وحدة سكنية شاغرة بين كل ثماني وحدات سكنية في جدة، يعد مؤشر قوي على أن المساكن التي يجري بناؤها ليست مناسبة لاحتياجات السكان.

وتعد نسبة الأراضي المخصصة للإسكان المنخفض الكثافة في جدة عالية نسبيا بالمقارنة مع المدن الأخرى في العالم، فالوحدات السكنية المستقلة تمثل اليوم أكثر من ثلث المساكن في جدة، وهي مقامة على نصف الأراضي المخصصة للاستخدام السكني، حتى من دون احتساب الأراضي السكنية الخالية.

وأدى عدم كفاءة أنظمة التخطيط العمراني الحالية وعدم استجابة السوق للطلب على المساكن من قبل شرائح السكان المختلفة إلى انتشار الأحياء العشوائية وغير المخططة وإلى تفشي ظاهرة التعدي على الأراضي، وإلى وجود قوائم انتظار طويلة للقروض العقارية الحكومية، وأن البديل الأفضل للأسلوب غير المستدام القائم حاليا على الإسكان المنخفض الكثافة، الذي يستهلك مساحات واسعة من الأراضي.

وتبين بيانات المرصد الحضري أن 68 في المائة فقط من أراضي الاستعمال السكني الكلية في جدة مخصص فعلا للسكن، كما أن نسبة كبيرة من الأراضي المخصصة للسكن لا تزال أراضي فضاء، وهذا يعني أن الأراضي المخصصة للسكن إما غالية الثمن إلى درجة لا تجعلها مناسبة للمشاريع السكنية، أو أن مواقعها ليست مناسبة، أو أنه يجري استخدامها للمضاربة على أسعار الأراضي. ويمكن الحد من عملية المضاربة على الأراضي عن طريق السعي إلى تقنين عملية إتاحة الأراضي للتطوير، بالإضافة إلى وضع سياسات تحد من المضاربة على الأراضي.

ووضعت الدراسة في نهايتها عددا من الحلول تتضمن الأهداف الاستراتيجية لمواجهة التحديات وتحقيق الإمكانات الكاملة في مجال الإسكان، من خلال تكليف لجنة متخصصة بدراسة وتأكيد تكامل الأهداف الاستراتيجية لهذا المحور مع أهداف خطط التنمية الوطنية والرؤية التنموية لمنطقة مكة المكرمة، وتوفير خيارات إسكان جيدة النوعية متنوعة، تلبي احتياجات مختلف شرائح السكان وتحسين عمل سوق الإسكان، وسوق تمويل الإسكان في جدة، إضافة إلى زيادة توفير الإسكان الميّسر والإسكان لذوي الدخل المتوسط، وتطوير آليات تمويل مبتكرة لتوفير الإسكان الميّسر، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في توفير الإسكان الميّسر، من خلال التعاون مع الوزارات ذات العلاقة وهيئات للتنمية والتطوير العمراني.