الغذاء الآمن في السعودية.. بين «شح الإنتاج» و«نار الغلاء» و«فخ التحايل»

مزارع عضوية تبتكر خدمة «التوصيل للمنازل».. مع تزايد الطلب على الأطعمة النقية

لقطة لخضراوات عضوية أنتجت في السعودية تم تصويرها من مزرعة في الخرج («الشرق الأوسط»)
TT

لا يقف غلاء الأسعار وحده عائقا أمام رغبة المستهلك السعودي في تناول الأغذية العضوية الآمنة صحيا، إذ كشف مختصون لـ«الشرق الأوسط» أن بعض المتاجر الشهيرة التي توفر على أرففها الأغذية العضوية، تقوم بالتحايل على المستهلك، في ظل ارتفاع أسعار هذه الأغذية من 25 إلى 40 في المائة، مقارنة بالمنتجات التقليدية، ومع عدم توفرها بشكل واسع في السوق المحلية.

بعض المتاجر تلجأ إلى خلط منتجات الـ«أورغانيك فود» أو الأغذية العضوية مع الأخرى غير العضوية، ومن ثم تباع بأسعار مرتفعة، خاصة أن معظم المستهلكين لا يتعاملون مع المزارع أو الشركات المنتجة، بل مع المورد الذي يسوق لها، الأمر الذي يجعلهم بين نار غلاء هذه المنتجات واحتمالية الوقوع في فخ التلاعب والتحايل، وهو ما دفع إحدى المزارع العضوية في السعودية لابتكار خدمة «التوصيل المنزلي»، تجنبا لأي وسيط يزيد من فاتورة شراء المستهلك.

الدكتور إبراهيم الشهوان، وهو عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للزراعة العضوية وعضو هيئة التدريس في كلية الزراعة بجامعة الملك سعود، يوضح أن «ارتفاع أسعار المنتجات العضوية يأتي نظرا لارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج كسبب رئيسي، وقلة كميات الإنتاج في الزراعة العضوية مقارنة بالأخرى التقليدية، يضاف لهذا وجود الرغبة لدى المستهلك في تناول منتجات الزراعة العضوية دون أن يعوقه السعر عن ذلك».

ويكشف الشهوان خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «التسويق عن طريق المتاجر المعروفة قد يدخل فيه جانب الغش واستغلال الاسم التجاري، من خلال بيع منتجات غير عضوية إلى جانب المنتجات العضوية»، بينما يؤكد أن المستهلك يدفع نحو 40 في المائة زيادة في السعر عند الشراء من بعض المتاجر المعروفة، وهو ما يصفه بأنه يمثل «عبئا على المستهلك، دون أن يعود بفائدة على المزارع».

وحول تجربة مزرعته التي تقدم خدمة التوصيل المنزلي، أوضح الشهوان أن «هذه الخطوة أسهمت في تقليل مستوى السعر على المستهلك، حيث كان يذهب جزء منه للمسوق».

ولا يبدو ارتفاع السعر مشكلة محلية فقط، بل هو إشكالية عالمية، فوفقا لموقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن المنتجات العضوية أكثر تكلفة من نظيراتها التقليدية، بسبب أن «إمدادات الأغذية العضوية محدودة مقارنة بالطلب، وتكاليف إنتاج الأغذية العضوية أعلى عادة نتيجة لارتفاع المدخلات من اليد العاملة بحسب وحدة الإنتاج، إلى جانب أن مناولة ما بعد الحصاد للكمية الصغيرة نسبيا من الأغذية العضوية تؤدي إلى ارتفاع التكاليف نتيجة للفصل الإلزامي بين المنتجات العضوية وتلك التقليدية، وخاصة أثناء التصنيع والنقل».

وكان الدكتور سعد خليل، مدير عام إدارة التسويق الزراعي في وزارة الزراعة السعودية، قد أكد في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، على عدم رغبة بعض المستهلكين في دفع سعر أعلى للمنتجات العضوية، الذي أوضح أنه «قد لا يتجاوز 30 في المائة زيادة عن سعر المنتجات التقليدية، بينما في الدول المتقدمة، خاصة اليابان، يدفع المستهلك ثلاثة أضعاف السعر للمنتجات العضوية».

وفي سياق متصل، يفصح عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للزراعة العضوية، بأن طلب المستهلك السعودي يتركز تحديدا على شراء الخضراوات العضوية مقارنة بالأغذية العضوية الأخرى، وذلك للرغبة في الابتعاد عن الخضراوات التقليدية المتعرضة لرش المبيدات «الكيماوية»، مشيرا إلى أن منتجات الزراعة العضوية إلى جانب أمنها الصحي فهي تمتاز كذلك بطول فترة تخزينها وبقائها طازجة لمدة أطول مقارنة بالمنتجات التقليدية.

ويتفق معه الدكتور خالد الرضيمان، عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة والطب البيطري في جامعة القصيم، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن إقبال المستهلك السعودي على هذه المنتجات، قائلا: «الإقبال على المنتجات الغذائية العضوية على مستوى العالم في تزايد، حيث بلغت قيمة المنتجات العضوية 60 مليار دولار في عام 2010، وبلغت المساحة المزروعة على المستوى العالمي 35 مليون هكتار في عام 2008، بزيادة قدرها 3 ملايين هكتار عن عام 2007، أي بزيادة 9 في المائة».

ويضيف: «في السعودية في عام 2000 كانت توجد شركة (الوطنية الزراعية) موثقة في الإنتاج العضوي، أما الآن يبلغ عدد المشاريع الزراعية الموثقة في وزارة الزراعة 52 مشروعا، وتبلغ المساحة المزروعة 43548 ألف هكتار، وبدأت المحلات الخاصة لبيع المنتجات العضوية أو الطبيعية الآن تنتشر في جميع مدن المملكة، وخاصة في المدن الكبرى، وأيضا بدأت المحلات الغذائية الكبرى، مثل (كارفور) و(جيان) و(التميمي) و(العثيم)، في بيع المنتجات الغذائية العضوية».

ويبرر الرضيمان سبب تسابق المتاجر في السعودية على توفير الأغذية العضوية، بأنه يأتي «نظرا لتزايد الإقبال عليها محليا، لخوف كثير من المستهلكين من المنتجات الزراعية الغذائية المستخدم فيها رش المبيدات بطريقه عشوائية، التي تُحدث تلوثا للغذاء والماء، وتسبب أضرارا صحية للإنسان والحيوان والبيئة».

وعن واقع مشاريع الزراعة العضوية في السعودية، يقول الرضيمان إنها «في تزايد مستمر في المساحة المزروعة والكمية المنتجة، وخاصة منتجات التمور والزيتون العضوية، التي يبلغ أعداد الأشجار العضوية مئات الآلاف»، مؤكدا «أن تمور السعودية تمتلك ميزة نسبية ومطلوبة سواء للسوق المحلية أو للتصدير، وخاصة للدول الإسلامية التي تفضل التمور السعودية لجودة أنواعها ولقيمتها الغذائية والدينية».

ويتابع حديثه بالقول: «أيضا بدأت تزداد مشاريع البيوت المحمية في المملكة لإنتاج الخضراوات العضوية الطازجة، التي تتميز بقربها من الأسواق المحلية، والآن في المملكة بدأت بعض المشاريع للإنتاج الحيواني العضوية، وخاصة البيض والحليب والألبان واللحوم».

وأرفق الرضيمان، الذي يُعد ممثل هيئة «BCS» الألمانية للزراعة العضوية في الوطن العربي، خلال رده على استفسارات «الشرق الأوسط»، جدولا يوضح قيمة الأغذية العضوية على المستوى العالمي؛ ففي عام 1999 كانت تبلغ 12.2 مليار دولار، وفي عام 2001 بلغت 20.9 مليار دولار، ثم ارتفعت في عام 2003 إلى 25.5 مليار دولار، وبلغت في عام 2005 نحو 33 مليار دولار، وارتفعت في عام 2007 إلى 46.1 مليار دولار، وأخيرا قفز هذا الرقم ليصل إلى 60 مليار دولار بنهاية عام 2010 الماضي، أي بزيادة نحو 80 في المائة خلال 11 سنة. تجدر الإشارة إلى أن الأغذية العضوية هي الأغذية المنتجة بوسائل طبيعية دون استخدام المواد والأسمدة الكيميائية التي تزيد النمو، ومن دون استخدام المبيدات الحشرية، إضافة إلى ذلك يجري زرع الأغذية العضوية في أراض غير معرضة للتلوث، أو مصادر مياه ملوثة. ووفقا لتعريف المنتج الغذائي العضوي في وزارة الزراعة الأميركية، الصادر في 21 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002، فإن المنتجات الغذائية العضوية هي منتجات المزارعين الذين يحرصون على استخدام موارد متجددة ويحافظون على التربة والمياه للإبقاء على نوعية عالية من سلامة البيئة للأجيال المقبلة، أي أن سلسلة العمليات الإنتاجية لها لا تُستخدم فيها طرق الإنتاج التقليدية.