جدة تغرق

مسؤولون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن الأوضاع غير طبيعية وكميات الأمطار غير مسبوقة

شاب يقف وسط الشارع وقد حاصرته المياه ويحمل بين يديه طوق نجاة تحسبا لأي طارئ (تصوير: غازي مهدي)
TT

عاشت جدة وسكانها يوما عصيبا، أمس، غرقت فيه الشوارع والأحياء، وتوقفت فيه حركة البر والبحر، واحتجز فيه الناس حيث وجدوا لساعات طويلة وحتى إعداد هذه المادة، وتوقفت معظم مناشط الحياة نتيجة الأمطار التي هطلت منذ صبيحة الأمس، واعتبرها مسؤولون في جدة أمطارا غير طبيعية وغير مسبوقة.

وبينما قال لـ«الشرق الأوسط» مسؤولون في مدينة جدة، أمس، إن الأمطار التي هطلت يوم أمس على جدة غير مسبوقة وغير طبيعية وأدت إلى إرباك كل مجالات الحياة العملية والدراسة وغيرها. مشيرين إلى أن كل الجهات باشرت في الميدان بكل طاقاتها لكن الأمطار كانت غزيرة، اتجهت أصابع الاتهام نحو الجهات الخدمية وفي مقدمتها أمانة جدة، لتطرح سؤال أين المشاريع التي وعدت الأمانة العام الماضي بتنفيذها؟

وفي حين اكتفت الأمانة عن تقديم أي توضيح ببيان رسمي بعثته بالبريد الإلكتروني، يحمل أعمال الأمانة لمواجهة الأمطار والتجمعات، حيث أكد بيان أمانة جدة «البدء في تصريف مياه الأمطار والسيول وذلك بفتح الشبكات وتسهيل دخول مياه الأمطار، إلى جانب الاستعانة بأكثر من 30 صهريجا تابعا للأهالي، وتشغيل 70 مضخة، بالإضافة إلى وجود نحو 35 ناقلة تابعة لإدارة الحدائق والتشجير والمرافق البلدية، و25 أخرى تابعة لشركات النظافة، و10 قلابات، بينما جرى توزيع المعدات على المناطق التي تم حصرها».

إلى ذلك، أكد العميد عبد الله الجداوي، مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، أن الوضع صعب جدا من ناحية تجمعات المياه. مشيرا إلى أن الجهات الأمنية استنفرت كل طاقاتها لمواجهة أي مشكلات. ومبينا أن معدل الأمطار بلغ نحو 112 ملليمترا.

من ناحية أخرى، احتجزت الأمطار المئات من منسوبي القطاعات الحكومية والخاصة وطلاب وطالبات المدارس داخل مقراتهم، وبخاصة في منطقة الرويس وطريق المدينة المنورة وشارع فلسطين والأندلس، حيث فضلوا البقاء لحين الانتهاء من سحب المياه في المواقع.

وكشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مطلعة في إدارة التربية والتعليم للبنين في محافظة جدة عن تعليق الاختبارات في نحو 32 مدرسة ليلية ومسائية في المحافظة على خلفية الأمطار الغزيرة التي شهدتها المحافظة يوم أمس، لافتة إلى أنه ستتم لاحقا معالجة الوضع، وذلك بتحديد موعد لتلك الاختبارات بعد انتهاء ما تبقى منها.

وأعلن عبد الله الثقفي، مدير إدارة التربية والتعليم للبنين، عن تعليق الدراسة في 3 مدارس أخرى في خليص ورابغ، والمتمثلة في مدرسة حجر الثانوية، ومتوسطة نويبع في رابغ، إلى جانب ثانوية ستارة في خليص، على أثر الأمطار الغزيرة التي هطلت على المحافظة.

الأمطار الغزيرة التي شهدتها محافظة جدة يوم أمس كانت سببا في تكرار بعض المشاهد التي عاشها أهالي جدة العام الماضي، والمتضمنة تجمعات مياه في الشوارع التي أعاقت الحركة المرورية، واستنفار الجهات الأمنية والمعنية بالكامل تحسبا لحدوث أي طارئ يستدعي التدخل، عدا عن حالة الترقب التي يعيشها السكان.

واستمرت معاناة سكان أم الخير للعام الثاني على التوالي، فبمجرد سقوط أمطار أمس انهار السد الذي وضع لحماية الحي، وغمرت المياه من جديد المباني الموجودة، حيث أكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» انهيار السد الترابي في حي أم الخير ودخول مياه الأمطار على الطوابق الأولى من المنازل الموجودة في الحي، لافتين إلى أن سكان الحي بدأوا في إطلاق نداءات الاستنجاد.

وأوضح تيسير الحبشي، رئيس نادي التطوع البيئي السعودي في جدة، أن سد بحيرة الصرف الصحي بدأ في الانهيار، وذلك بحسب آخر إفادة وصلت من قبل أحد المتطوعين الموجودين في المناطق القريبة من البحيرة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «وصلت مستويات المياه القادمة بعد انهيار سد أم الخير إلى ارتفاع 4 أمتار لتغطي الطوابق الأولى من المنازل والفيلات السكنية الموجودة في الحي، وذلك بحسب ما أكده سكان الحي هناك».

في حين أكد محمد السقاف، بحسب ما علم به من قبل أحد أفراد الدفاع المدني الموجودين بالقرب من نفق الملك عبد الله، انهيار سد أم الخير وتدفق المياه على مدينة جدة، غير أنه أشار إلى أن ارتفاع منسوب تلك المياه ما زال يتفاوت حتى الآن دون وجود أرقام محددة.

من جهته أكد الدكتور خيري عابدين، مدير عام المشاريع في شرق جدة، أنه تأثرت أجزاء من السد المبني لدرء الخطر عن حي أم الخير، مشيرا إلى عدم تأثر المشاريع القائمة الأخرى القائمة. وأضاف أن قنوات تصريف المياه التي تم إنشاؤها كحلول عاجله تعمل بشكل جيد.

وفي سياق آخر ذي صلة، أوقفت إدارة ميناء جدة الإسلامي الحركة الملاحية في الميناء، منذ الصباح الباكر ليوم أمس جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت على محافظة جدة، وذلك بحسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» مدير عام ميناء جدة الإسلامي.

وأوضح الكابتن ساهر الطحلاوي، مدير عام ميناء جدة الإسلامي، أنه تم إيقاف كامل الميناء على خلفية شدة الأمطار التي شهدتها المنطقة، لافتا إلى أنه سيتم تشكيل فرق لمعاينة كافة المواقع والتأكد من مدى حدوث أي أضرار فيها.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن إيقاف حركة الملاحة البحرية جاء بهدف ضمان سلامة السفن ومن على متنها، ويجري حاليا الاطلاع على التحذيرات الصادرة من الرئاسة العامة للأرصاد ومراقبة الأجواء تمهيدا لإعادة تشغيل الرحلات بعد تحسن الأجواء».

في حين أكد لـ«الشرق الأوسط» عبد الله بن مشبب الأجهر، المتحدث الرسمي باسم الخطوط الجوية السعودية، عدم تعليق أي رحلة في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الرحلات الجوية تسير وفق الجدول الزمني المحدد لها.

بينما أوضح خالد بن عبد الله الخيبري، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني، أن أجهزة التشغيل في مرافق المطارات، وكذلك أجهزة الملاحة الجوية، مهيأة مسبقا للتعامل مع مثل هذه الأوضاع من خلال استخدام التقنية التي وفرتها الهيئة والمتمثلة في أجهزة المراقبة الجوية والرادارات المتقدمة، حيث يتم يوميا تلقي النشرات الجوية من الجهات المختصة وبثها عبر النظام الآلي لتكون متاحة للمراقبين الجويين والطيارين، ومن ثم التعامل بشكل جاد مع أي تنبيهات جوية تصدر.

وأشار الخيبري إلى أن عمليات الإقلاع والهبوط في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة كانت في وضعها الطبيعي، وكذلك أجهزة الهبوط الآلي على جميع المدارج منذ اللحظة الأولى لهطول الأمطار وحتى ساعة إعداد هذا البيان، مشيرا إلى أن الإجراءات التي تتخذ عادة عند سوء الأحوال الجوية لإيقاف أو تعليق الرحلات تعتمد على معايير تتعلق بكمية الأمطار على المدرج وسرعة الرياح.

وزاد: «تبين خلال هطول الأمطار يوم أمس أن كمية المياه في الحدود المسموح بها للقيام بعمليات الهبوط والإقلاع، ولم يكن هناك انعدام في مستوى الرؤية الأفقية التي كانت طبيعية مما يسمح باستمرار الحركة الجوية».

المقدم زيد الحمزي، الناطق الإعلامي باسم المرور في جدة، أكد لـ«الشرق الأوسط» نزول كافة فرق المرور من ضباط وأفراد وآليات للميدان بالكامل، لافتا إلى أن الدوريات ما زالت تتابع الأوضاع في جميع شوارع جدة.

ووصف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» ارتفاع منسوب المياه وتجمعاتها في الشوارع بـ«غير الطبيعي»، لافتا في الوقت نفسه إلى أن المرور يسعى إلى إبعاد الحركة المرورية عن مواقع تجمعات المياه ومحاولة تسهيل الحركة المرورية.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تم إخلاء معظم المدارس فور انتهاء طلابها من الاختبارات، غير أن نحو 3 مدارس بقي طلابها حتى تهدئة الوضع عوضا عن خروجهم وتعطل سياراتهم في الطرق».

أمطار محافظة جدة التي بدأت صباح يوم أمس واستمرت قرابة 5 ساعات تسببت أيضا في تعليق الدراسة بجامعة الملك عبد العزيز، بناء على توصيات الدفاع المدني ولجنة الطوارئ، عدا عن اندلاع حريق في أحد المراكز التجارية في جدة، إلى جانب تحذيرات مبكرة ومستمرة عبر وسائل الإعلام.

وتضمنت التحذيرات التي بثتها المديرية العامة للدفاع المدني إلزام بعض أصحاب المركبات بالخروج من مركباتهم أثناء مرورهم في أماكن تجمعات المياه تفاديا لانجرافها، عدا عن التحذير من إمكانية التصاق عجلاتها بمواد بترولية صادرة عن عوادم السيارات، مما يؤدي إلى انزلاق المركبات.

وبالعودة إلى مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، فقد أبان أن أمطار جدة يوم أمس تسببت في ارتفاع منسوب المياه بشكل أكبر مما كانت عليه أمطار الأسبوع الماضي، خصوصا في جنوب جدة.

من جهتها، أعلنت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة عن استمرار هطول الأمطار التي تتخللها خلايا رعدية على معظم مناطق السعودية، من ضمنها الرياض والأجزاء الساحلية والجنوبية من منطقة القصيم لتمتد إلى منطقة الحدود الشمالية في مدينة رفحاء، وعرعر، والمنطقة الشرقية.

وتوقعت خلال بيان صادر يوم أمس هطول أمطار على مرتفعات عسير والباحة مع هبوب رياح سطحية جنوبية إلى جنوبية غربية على وسط وشرق السعودية، وجنوبها، التي من شأنها أن تثير الأتربة والغبار، بالإضافة إلى تكون الضباب خلال الليل والصباح على المرتفعات الجنوبية الغربية والغربية وأجزاء من وسط وشمال السعودية.

وبالعودة إلى بيان إنجازات أمانة محافظة جدة، في مواجهة المطر أوضح المركز الإعلامي في أمانة جدة أن فرق الأمانة واصلت عملها وضاعفت جهودها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، خصوصا في الأحياء والشوارع التي تعرضت لكثافة أمطار أكثر من غيرها، وذلك من أجل شفط تجمعات المياه.

وفي ما يتعلق ببلاغات السكان، أفاد المركز الإعلامي بأن الإدارة تلقت ما يقارب 113 بلاغا حول تجمعات مياه الأمطار، تركزت في بلديتي بريمان والعزيزية، حيث خص كلا منهما 21 بلاغا، و10 بلاغات في كل من بلديتي أم السلم وأبحر، و11 أخرى في نطاق بلدية الجامعة، و18 بلاغا في بلدية المطار، و13 في جدة الجديدة، 3 بلاغات في البلد، ومثلها في ذهبان، عدا عن بلاغ واحد في كل من بلديتي ثول والجنوب.

كما تسببت أمطار جدة يوم أمس في انقطاع التيار الكهربائي عن عدد من المنازل، من ضمنها منطقة أم الخير، وهو ما أكده لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في شركة الكهرباء.

وقال المصدر المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه: «يجري العمل على إعادة التيار الكهربائي إلى المنازل وذلك بعد زوال الخطورة عنها، لا سيما أن منسوب المياه وصل فيها إلى منطقة الماس الكهربائي».

وذكر أنه تم تلقي ما يقارب 43 بلاغا عن أعطال في شبكة التيار الكهربائي، في حين باشرت فرق الطوارئ أعمالها منذ الصباح الباكر ليوم أمس، لافتا إلى أنه تمت زيادة عدد مراكز الطوارئ إلى نحو 24 بعد أن كانت 18 مركزا.