أخطار السيول تحول قلوب السعوديين إلى جدة

عروس البحر.. «مكانك سر»

رجل أمن يساعد عائلة على عبور الشارع («الشرق الأوسط»)
TT

أصبحت مدينة جدة تعيش حالة استنفار موسمية، تثير موجة من الاتصالات الهاتفية، تسعى إلى الاطمئنان على أهل هذه المدينة، وعلى وضع سكانها في ظل أزمة السيول التي أضحت تغزوها كل عام.

حالة الاستنفار هذه لم تكن مألوفة، إلا في حالات قليلة شهدتها السعودية، كالحرب الأخيرة ضد الحوثيين، التي استدعت سكان السعودية للاطمئنان على معارفهم في الحد الجنوبي من البلاد، أو كحالات الهجمات الإرهابية، التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض، حيث تثير هذه الحالات - بطبيعة الحال - مشاعر الناس، وتدعوهم إلى الاطمئنان على ما حل بأقرانهم ممن يعيشون في قلب الحدث، أو بالقرب منه.

أما عروس البحر، جدة، فلم تكن النيران هي التي داهمها، كحالات الحرب والهجمات الإرهابية، بل كان النقيض من ذلك تماما، حيث تصطف أرتال المياه لتحاصر أحياء جدة وأزقتها، وتبدأ معركة من طرف واحد، حيث يقف حراس جدة مكتوفي الأيدي، من دون حراك، أو رد تكتيكي لهذا الهجوم - الذي لم يكن مُباغتا - على الرغم من أنه لم يكن للمرة الأولى، ولم تستخدم المياه هذه المرة هجوما مغايرا عن سابقه.

وكما قال المتنبي «إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن أن الليث يبتسم»، حيث أصبح أهالي جدة، وعلى نقيض معظم سكان السعودية، يقلقون من رؤية سحب الغيوم حين تظلل سماء العروس، خشية أن تشن المياه هجوما ضاريا عليهم.

جدة التي تعاني شحا في تزويد المياه في أوقات كثيرة من السنة، تفاجأ عدد من سكانها في أوقات قليلة بمياه تدخل إليهم من كل صوب، متجاوزة أنابيب مصلحة المياه، لتقتحم المنازل من الأبواب وفتحات الجدران، وتدخلها دون استئذان.

وبعد أن كان أطفال جدة، في أزمان سابقة، يستجدون مزن السماء، لتبللهم بالماء، مرددين «يا مطرة كُتّي كُتّي، على قريعة بنت أختي»، أضحوا يتخوفون من زخات المطر، حيث إن ذكريات الأربعاء الأسود، أواخر عام 2009، كانت حاضرة في أذهانهم، وكل «رشة» مطر، تثير قلقهم خشية عودة يوم العروس الأسود.

سيول جدة لم تعد تقلق سكانها فحسب، بل أصبحت أزمة تتكرر موسميا تثير حفيظة الملايين داخل السعودية وخارجها، حيث تحتضن جدة، ثاني أكبر مدن السعودية بعد الرياض، عشرات الجنسيات العربية والأجنبية، حيث ترتبط دماء سكان جدة ببقع متناثرة في أنحاء العالم، لتنطلق منها الاتصالات الهاتفية، لتصل إلى جدة وسكانها، لتطمئن على أوضاعهم، في زخم الماء.

الضجة التي أثارتها أحداث الأربعاء الأسود، أواخر 2009، والتي تسببت في إحداث ردود فعل لم يعتد عليها السعوديون، لا يبدو أنها غيرت شيئا في عيون أهالي العروس، فبعد أن توقعوا بعض التغيرات الاستثنائية، التي تصب لصالح جدة، وتعالج عيوبها التي تراكمت عليها دهرا من الزمن، عرت «الحرب المائية» ما كانوا يعتقدونه، وأظهرت أن جدة لا تزال منذ الأربعاء الأسود «مكانك سر».