72 عاما مضت.. ولا يزال «الربوع» مخيفا في حياة أهالي جدة

حقائق تاريخية تعيد للذاكرة سيول يوم «الأربعاء» منذ عام 1360

لا زالت العديد من شوارع مدينة جدة غارقة بالمياه رغم محاولات شفطها (تصوير: سلمان مرزوفي)
TT

يوم الأربعاء، يوم هام بالنسبة للسعوديين، كونه في الغالب توقيتا تلتقط فيه الأنفاس بعد عناء 5 أيام من العمل، ليكون على عكس يوم السبت بداية الأسبوع، والذي في الغالب ما يكون ثقيلا من حيث ساعاته ودقائقه.

الحديث هنا ليس لخلق مواجهة أو لبحث وراء فروقات بين يومي الأربعاء والسبت من حيث السرعة في مرور ساعاتيهما، فمن عقود مضت، والأربعاء لأهالي منطقة مكة المكرمة (بما فيها جدة التي تتبع لها إداريا) يتصف بلون يختلف تماما عن الأيام الباقية.

فيبدو أن يوم الأربعاء من الأيام التي ستظل في ذاكرة جيل عاش حقبة زمنية مضت، ربما تزيد على أربعين عاما، حيث لا يزال أحد «أربعاء» عام 1360 هجرية، عالقا في نفوس أهالي أحياء جدة، حيث شهدت منطقة مكة المكرمة أمطارا غزيرة ذاك اليوم، بلغ السيل على أثر ذاك «الأربعاء» باحة المسجد الحرام، ووصل إلى باب الكعبة، وتعذرت الصلاة والطواف بالكعبة ذلك اليوم، وأطلق عليه «سيل الربوع» مرورا بعام 1368 للهجرة، حيث عاد ذات السيناريو وتكرر السيل في يوم الأربعاء أيضا، مرورا بأربعاء آخر من شهر ذي القعدة من عام 1388 هجرية، حيث طالت مياه الأمطار الحرم المكي الشريف، وبلغ باب الكعبة، ومن ذاك التوقيت، لا يزال اليوم عالقا في ذاكرة أهالي المنطقة من كبار السن حتى اليوم.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمحو التاريخ من ذاكرة أهالي جدة، بل ربما السعوديون عموما، كارثة الأربعاء الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، والذي راح ضحيته 137 شخصا، جراء سيول وأمطار، كانت سببا في أن تكشف ضعف تأسيس شبكات خاصة بتصريف مياه السيول والأمطار.

فمن ذاك اليوم وإلى اليوم، وكل أربعاء خصوصا خلال الأيام التي تكون خلالها فرص هطول الأمطار مواتية، فكان «أربعاء» أول من أمس، يوما أعاد لذاكرة الأهالي ذاك اليوم «الأسود»، لا سيما أن الأمطار تسببت في احتجاز الطلاب في المدارس، والعاملين في المرافق والحكومية العامة، وساد الخوف معظم الأحياء، وتناقل السكان رسائل تحذيرية عبر وسائل عدة، خوفا من عودة وتكرار نفس القصة.

ما حدث أمس من أمطار غزيرة، قادت جامعة الملك عبد العزيز لتعليق الامتحانات يوم الأمس، وأعلنت التربية والتعليم تعليق الاختبارات المسائية وتعليق الدراسة، وحالة مياه الأمطار بين الكثير من السكان وأبنائهم في المدارس، واضطر بعض مديري المدارس إلى إلغاء الراحة بين الاختبارات، خشية تكاثر المياه، وأعلن مدير تعليم بمنطقة مكة المكرمة عبد الله الثقفي تعليق الدراسة في ثلاث مدارس في محافظتي خليص ورابغ بعد الأمطار الغزيرة.

الثقفي تحاشى في قراره تعرض أي من الطلاب لأي إشكال قد يحدث جراء الأمطار الغزيرة، واعتبر سلامة الطلاب هدفا أساسيا أهم من تقديمهم الامتحان الفصلي، الذي سيتم تحديد موعده في وقت لاحق.

وعلاقة جدة مع الأمطار تسببت في تأزم نفسيات بعض من أهالي المنطقة، الذين عانوا من أمراض نفسية، أو بمعنى أصح «صدمة نفسية» ارتبطت في يوم كارثة سيول جدة، خصوصا بين سكان الأحياء التي شهدت الضرر الأكبر.

الدكتورة سميرة الغامدي استشارية نفسية في مستشفى الصحة النفسية في جدة، دعت الأهالي لضرورة توعية أبنائهم وبناتهم حول الكوارث الاجتماعية التي قد تحدث على أي بقعة من العالم، كـ«تسونامي وفيضانات باكستان وزلزال هاييتي» مؤخرا.

واستنتجت الدكتورة الغامدي من خلال رصدها، أن هطول الأمطار، لم يعد مناسبة فرحة كما كان في السابق، مع أن طقس المدينة حار أغلب فترات العام، إذ يجدر بهم أن يظهروا سرورهم بالأمطار التي تضفي على الأجواء نسمة باردة. وفي ذات الوقت توقعت جمعية الطب النفسي في السعودية عودة الأمراض النفسية المرتبطة بوقت وقوع كارثة سيول جدة مع قرب حلول مواسم الأمطار على مدينة جدة.

وحول تصرفات الأهل أوقات المطر، قالت الاستشارية النفسية إن «عددا من الآباء باتوا يهرعون على أبنائهم وبناتهم بمجرد تلبد السماء بالغيوم، فيما يعتمد آخرون يتعمدون إخراجهم لمشاهدة السيول التي تجرف ما أمامها، بينما المفروض إعطاؤهم صورة واقعية عن المطر الذي يعمم الفرحة في قلوب الناس».

وأضافت: «حوادث السيول أتت على جدة منذ 40 عاما، لكن ليس ثمة إعلام أو إشاعات تروع الناس منها وتشوه العلاقة بين الناس والأمطار في تلك الفترة، وهو الأمر الذي يقود إلى التفكير في إجراء دورات للطلاب والطالبات في المدارس، للتوعية بكيفية التعامل مع مثل تلك الأحداث، خاصة بعد التغيرات المناخية الأخيرة وثقب الأوزون».