تأكيدات رسمية بشمولية «كارثة جدة» الثانية عن نسختها الأولى

قائد أمني: الكارثة الأولى أضرت بأحياء الشرق.. أما الثانية فاجتاحت المدينة بأكملها

شجرة ضخمة تحدث أضرارا بالغة بسيارة متوقفة جراء الأمطار التي اجتاحت مدينة جدة (تصوير: غازي مهدي)
TT

كشف لـ «الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة عن وجود بعض العوائل التي سبق وأن تضررت في أحداث كارثة جدة الأولى والذين لحق بهم الضرر للمرة الثانية خلال أمطار الأربعاء الماضي، لافتا إلى أنه تم إيوائهم في شقق مفروشة.

ووصف العميد عبد الله الجداوي مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة عدد هؤلاء العوائل بـ «القليل»، غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن كلا من حي السامر والتوفيق تضررا للمرة الثانية خلال الكارثتين.

وقال في حديث لـ «الشرق الأوسط»: «إن عمليات لجان حصر الأضرار البالغ عددها 30 لجنة لا زالت مستمرة، إلى جانب لجان تسكين المتضررين، والذين سيتم تعويضهم كما في المرة الأولى).

وقوع منازل المتضررين للمرة الثانية في بطون أودية ومجاري سيول يجعل من تضررهم مرات عديدة في كل مرة تشهد بها المحافظة هطول أمطار كثيفة أمرا واردا ومحتملا، إلا أنه وكما حدث خلال أحداث كارثة جدة الأولى يتم تعويضهم لإصلاح منازلهم والرجوع إليها مجددا دون وجود أي حلول أخرى.

وهنا علّق مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة قائلا: «في الكارثة التي شهدتها مدينة جدة منذ عامين، تم صرف التعويضات لأصحاب المنازل المتضررة من أجل إعادة إصلاحها والعيش فيها، وسيتم ذلك أيضا للمرة الثانية في ظل عدم وجود أماكن أخرى يستطيعون السكن بها).

وللمرة الثالثة على التوالي، يتعرض منزل المواطن محمد الرويس وعائلته الواقع في المنطقة خلف السد الاحترازي لحي أم الخير إلى الدمار جراء الأمطار التي هطلت على مدينة جدة.

محمد الرويس، أحد المواطنين الذين تم إيوائهم مجددا بعد انهيار السد الاحترازي وغرق منزله بالكامل، ذكر لـ «الشرق الأوسط» أن التعويضات التي تسلموها بعد أضرار كارثة جدة الأولى أتت عقب أن نسوا ما تعرضوا له – بحسب قوله-.

وأضاف: «تم إيوائنا أثناء كارثة جدة منذ عامين لمدة أسبوع واحد فقط لنجبر بعد ذلك إلى العودة لمنازلنا قبل أن يتم تقدير الأضرار من قبل اللجان المخصصة لذلك، وهو ما دفعنا إلى تنظيف منزلنا على حسابنا الشخصي والمكوث فيه لحين قدوم لجنة تقدير الأضرار إلينا).

وأشار إلى أن الأمطار التي شهدتها مدينة جدة منذ نحو ثلاثة أسابيع تسببت في وصول المياه إلى الطابق الثاني من منزلهم، غير أن الأمطار الأخيرة دمرت المنزل بالكامل، مبينا وجود تعقيدات في إجراءات الموافقة على الإيواء والتسكين.

وزاد: «بعض العائلات اضطرت لانتظار صدور ورقة الموافقة من قبل الجهات المعنية بالإسكان منذ الساعة الرابعة عصرا وحتى الحادية عشر مساءا من اليوم الأول للكارثة الجديدة)، لافتا إلى أن عودتهم المرة الأولى إلى منازلهم كانت وسط وعود بإنشاء مشاريع لتحسين وضع المنطقة.

وبيّن أن العقوم الترابية التي تم وضعها خلف حي أم الخير تسببت أيضا في تفاقم الأضرار بعد أن حبست وراءها كميات كبيرة من المياه لتدخل دفعة واحدة للمنطقة بعد انهيار تلك العقوم والسد الترابي في آن معا.

يأتي ذلك في وقت ينظر فيه سكان جدة بأمل نحو الاجتماع الذي يترأسه الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية اليوم في الرياض لدراسة وضع الحلول العاجلة لمشكلة أمطار وسيول جدة.

الاجتماع الذي جاء بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب خادم الحرمين الشريفين، يشارك فيه جميع الوزراء ذات العلاقة، إضافة إلى عقد اجتماع لاحق برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز يوم الثلاثاء القادم، في مقر إمارة منطقة مكة المكرمة.

وقال الأمير نايف:» إن الاجتماع سيعقد لاستكمال ما ينتج عن اجتماعنا اليوم وسوف يسبق هذا الاجتماع جولة تفقدية لجميع المواقع المتضررة جراء السيول في محافظة جدة، وما جاورها من أجل التعرف على الأضرار الناجمة عن كثب، ومعرفة أسباب ووسائل علاجها بأسرع وقت ممكن وإيجاد الحلول الناجحة مما يحول دون تكرار ذلك لاحقا، عدا عن رفع تقرير متكامل لخادم الحرمين الشريفين ونائبه).

كارثة جدة الأولى، سجلت نحو 92 قضية انتحال لشخصيات متضررين من السيول، والذين تعرضوا للملاحقة الأمنية على خلفية إسكانهم وصرف إعاشة لهم من دون وجه حق، وذلك عقب إحالتهم من قبل الدفاع المدني إلى كل من شرطة جدة وإمارة منطقة مكة المكرمة.

تلك القضايا كانت سببا في تغيير آلية العمل على حصر الأضرار وإيواء المتضررين، وذلك في محاولة من الجهات الأمنية لضبط الأوضاع ومنع تكرار ما حدث أثناء كارثة جدة الأولى.

وبالعودة إلى العميد عبد الله الجداوي، فقد أفاد بأن نموذج حصر الأضرار وتسكين المتضررين اختلف هذا العام، حيث أن نظام الحاسب الآلي يرفض تكرار أي اسم أو رقم السجل المدني لأكثر من مرة، مضيفا: «باتت العملية أكثر دقة بحيث لا يكون هناك مجال للتلاعب وانتحال شخصيات للمتضررين).

وربما تواجه الجهات الإعلامية خلال تغطيتها لأحداث أمطار الأربعاء الماضي في جدة صعوبات من أجل الوصول إلى الحقائق بخلاف الكارثة الأولى، وذلك نتيجة عدم تجاوب المصادر المسؤولة على خلفية «انشغالهم« في رفع الأضرار التي لحقت بمعظم مناطق جدة.

وهو ما أكده مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، حيث أضاف: «إن المساحة المتضررة التي خلّفتها أمطار يوم الأربعاء الماضي تعد أكبر من تلك الناجمة عن كارثة جدة التي وقعت منذ عامين، وهو ما جعل الجهات تضاعف من جهود عملها في الميدان).

وذكر أن المناطق المتضررة جراء الكارثة الأولى كانت محصورة في شرق مدينة جدة، غير أنه خلال هذه الكارثة شملت الأضرار الشرق والوسط وأجزاء من الجنوب، مما أدى إلى اختلاف مساحة العمل الميداني، مطالبا في الوقت ذاته بتكثيف الجهود بشكل أكبر.

وحول الصعوبات التي تواجه أعمال الجهات المعنية في الميدان، أبان بأن آلية العمل حاليا أصبحت واضحة بعد أن كانت تواجهها العديد من الإشكاليات خلال اليوم الأول من الكارثة نتيجة ارتفاع منسوب المياه في الشوارع، إضافة إلى التباطؤ في تقديم الخدمة.

وأرجع سبب ذلك التباطؤ إلى تعطل الحركة كليا في بعض الأجزاء وصعوبتها في أجزاء أخرى على خلفية تعطل المركبات في الشوارع وإغلاق طرق ومحاور رئيسية أدى إلى اللجوء لطرق بديلة، عدا عن المشاريع والحفريات التي انغمرت بمياه الأمطار، الأمر الذي من شأنه أن يخلق «تخوّفا« من السير في الشوارع باعتبار أن خلفيتها كانت مجهولة.

وفي سياق آخر ذي صلة، طالب رئيس المجلس البلدية في جدة بطرح المشاريع بشكل عاجل من خلال عقود مباشرة موجهة للمقاولين في المدينة، بدلا من طرح تلك العقود عن طريق المناقصات والتي تحتاج لأشهر لحين فتح وإنهاء المضاريف المتعلقة بها، مما يؤدي إلى التأخر عمليا في البدء بالمشاريع العاجلة لاستكمال شبكة تصريف المياه.

وأوضح حسين باعقيل رئيس المجلس البلدي في جدة لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة شهدت كميات كبيرة من المياه، كانت غير متوقعة وأكبر من قدرة أمانة المحافظة في معالجتها، وهو ما يعكس الأضرار الجسيمة التي لحقت بجدة.

وحول التطمينات الكبيرة التي كان أعضاء المجلس البلدي وأمين جدة الدكتور هاني أبو راس يعلنون عنها، قبل هطول الأمطار يوم الأربعاء الماضي والتي بينت ضعف الاستعداد لمواجهة الأمطار وخاصة في شرق جدة قال باعقيل: « كنا نعمل على طمأنة الأهالي فعلا، ولكن كان ذلك حسب الكميات القليلة التي كنا نتوقعها ويتوقعها القائمون في الأمانة، إلا أن الأمطار الأخيرة كانت غير مسبوقة».

وشدد على أهمية إدراك الأهالي أن جدة أصبحت مقبلة على أمطار كثيرة، إلى جانب عدم وجود حل سوى إيجاد شبكة لتصريف السيول، وهو ما وصفه قائلا: (نحن نطالب به منذ عامين). –بحسب قوله.

وفي ما يتعلق بمشكلة انهيار السد الاحترازي في حي أم الخير، والذي تسبب في غرق 80 منزلا في المخطط للمرة الثانية، أوضح باعقيل أن مشكلة السد تكمن في كونه أحد الحلول المؤقتة، وليس حل استراتيجي سواء للمخطط أو لأهالي جدة، حيث واجه السد كميات كبيرة من الأمطار، مما أدى إلى زيادة الضغط عليه وانهياره.

وأشار رئيس المجلس البلدي إلى أن أمانة جدة حددت العام المقبل كموعد لإنهاء مشكلة جدة في إيجاد شبكة داخلية لتصريف السيول، الأمر الذي ينهي مشكلة العروس مع الأمطار نهائيا.

وطالب باعقيل أمانه جدة بتكثيف عمليات الرش في المستنقعات والمياه الراكدة للحد من انتشار الحشرات، مع استخدام أساليب جدية في المكافحة وذلك بهدف منع انتشار الأمراض بين الأهالي وخاصة حمى الضنك.

جهود المتطوعين في الميدان لا زالت تعتبر سيدة الموقف، في ظل الأعداد الكبيرة من أهالي مدينة جدة ممن أصبحوا يساندون الجهات المسؤولة في العمل بهدف إنقاذ ما تبقى ورفع الأضرار الناجمة قدر المستطاع.

من جهة أخرى قام الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية بجولة تفقدية، على بعض المواقع المتضررة اطلع خلالها الجولة على الأعمال الميدانية التي تنفذها الجهات ذات العلاقة، وبعض الشوارع والأحياء.

وشارك في عمليات الإنقاذ القوات المساندة من الحرس الوطني والجيش لدعم قوات الدفاع المدني وإنقاذ المحتجزين ومساعدة أصحاب السيارات العالقة، مع استمرار طيران الدفاع المدني في عمليات المسح الجوي ومواصلة عملهم في إخلاء بعض المنازل بناء على طلب أصحابها بعد استقرار وضعهم.