«الشرق الأوسط» ترصد جدة من الجو بعد مرور 10 أيام على كارثة الأمطار

عبر مروحية تابعة لطيران الدفاع المدني

سد السامر شرق محافظة جدة تم تنفيذه لحماية سكان الحي من مياه السيول (تصوير: عدنان مهدلي)
TT

في تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح أمس، وعلى ارتفاع تراوح بين 500 و1000 قدم، حلّقت «الشرق الأوسط» في سماء جدة بعد مضي نحو 10 أيام على الكارثة الثانية، لرصد ما تبقى من الأضرار ضمن جولة بمروحية تابعة لقاعدة طيران الدفاع المدني الواقعة في حي بني مالك، والتي تجلى من خلالها رفع الضرر عن نحو 80 في المائة من أصل 90 في المائة من المناطق التي طالتها أمطار محافظة جدة الأخيرة.

أضرار الأمطار تركزت حول أربعة أحياء تتمثل في السامر والتوفيق وأم الخير والبغدادية، إلى جانب بني مالك، كونها ما زالت تعاني من إشكاليات وجود مستنقعات مائية، إلى جانب منازلها التي كان لأشعة الشمس دور في تجفيف الماء المستقر بها.

بينما ظهر مؤخرا وجه عروس البحر مع شيء من الشحوب، بعد أن عادت ملامحها إلى الحياة، منها الأنفاق والشوارع المتضررة التي قدرها الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بنحو 90 في المائة من إجمالي مساحة جدة خلال جولته التي قام بها مؤخرا على المناطق المنكوبة.

اللواء طيار محمد عيد الحربي، قائد طيران الدفاع المدني في السعودية، والذي رافق «الشرق الأوسط» خلال الجولة، أوضح أن جدة قبل نحو 10 أيام لم تكن معالمها واضحة على الإطلاق، حيث إن أنفاقها اختفت بالكامل من الطرق، غير أنه ومع تضافر جهود كل الجهات المعنية المسؤولة في الدولة أصبحت حاليا «وكأن شيئا لم يكن» - بحسب قوله.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اختلفت ملامح مدينة جدة كليا، إلا أنه بقيت آثار محددة في مواقع معينة تتضمن حي أم الخير والتوفيق والسامر، حيث إن آخر عملية مسح تمت يوم الخميس الماضي كشفت انتهاء الإشكاليات بنسبة كبيرة في تلك الأحياء، بعد أن تم سحب المياه من داخلها، عدا عن بدء تلاشي مشكلة السد الاحترازي لسد السامر في ظل وجود مضخات لسحب مياهه إلى المجرى ومنه للبحر».

وأشار إلى أن ما زاد من إشكاليات مخطط أم الخير هو انهيار السد الموجود خلفه، وهو ما شكل أكبر معاناة لفرق الدفاع المدني من ناحية عمليات الإنقاذ وإجلاء السكان من مواطنين ومقيمين، لافتا إلى أنه رغم وجود إشكالية السد فإن التحرك في الحي بات أسهل مما كان عليه أثناء الكارثة.

وذكر أن وزارة الداخلية تعمل حاليا على مشروع لتطوير مرافق طيران الدفاع المدني ضمن خطط تطوير الجهاز بأكمله، وذلك من خلال وجود ما يقارب 68 طيارا مبتعثين في أميركا، ونحو 103 فنيين تم ابتعاثهم إلى أستراليا، موضحا صدور توجيه من قبل مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية بتمديد الابتعاث إلى خمس سنوات قادمة، وذلك من أجل تحقيق ابتعاث أكثر من 300 فني و100 طيار.

فرق الدفاع المدني التي باشرت عمليات إنقاذ المحتجزين في مياه الأمطار والسيول خلال ما مرت به مدينة جدة منذ نحو 10 أيام من الآن واجهت الكثير من الصعوبات، وهي التي وصفها قائد طيران الدفاع المدني في السعودية بـ«المعوقات» الكثيرة.

وزاد «على مدار خبرة الدفاع المدني في عمليات الإنقاذ طيلة 30 عاما، فإن الفرق لم تكن تقوم بتلك العمليات داخل المدن، كونها اقتصرت على القرى والهجر والأودية التي تعد مناطق مفتوحة ولا تشكل أي إشكاليات، إلا أن الإنقاذ في المدن يعد حديثا نظرا للتوسع فيها من ناحية إنشاء الجسور والأنفاق والكباري وغيرها، مما يجعله يختلف تماما عن خارجها».

وأفاد بأنه داخل المدن تواجه فرق الإنقاذ بالطيران صعوبات كبيرة، من ضمنها مواجهة المباني وأبراج التقاط إشارات الهواتف النقالة وكابلات الضغط العالي، إلى جانب الأطباق الفضائية القديمة والتي شهدت وقوف عائلات بجوارها، مما صعب على الطائرات الاقتراب كثيرا منها خوفا من تأثرها بالهواء الشديد المنبعث من المروحيات ومن ثم خروج الأطباق من أماكنها وإلحاق الضرر بالواقفين إلى جوارها.

واستطرد في القول «نتيجة عدم وجود مواقع لهبوط طائرات الدفاع المدني في كلية التربية لإعداد البنات بحي الشرفية، فقد اضطررنا إلى انتشال ما يقارب 34 مشرفة وطالبة بواسطة الونشات فقط، لا سيما أن الطائرة تعمل على ضغط هواء شديد، الأمر الذي من شأنه أن يشكل خطورة كبيرة على المحتجزين في حال الاقتراب منهم وعلى الطائرة نفسها».

واستغرب اللواء طيار محمد عيد الحربي ما يتم تداوله من انتقادات واتهامات تطال جهاز الدفاع المدني عبر المواقع الإلكترونية وبعض الصحف ووسائل الإعلام، مؤكدا أن الفرق تتعامل مع الأفراد دون التفرقة بين الجنسين في الإنقاذ، إلى جانب جهود الفرق الأرضية التي تعمل على مدار الساعة وفق أحدث آليات وفرتها وزارة الداخلية - على حد قوله.

وفي الوقت الذي ترددت فيه معلومات حول تعطل آليات الدفاع المدني أثناء مباشرتها لأعمال سيول جدة، أكد قائد طيران الدفاع المدني في السعودية على عدم معرفة الكثير من الناس بتلك المعدات، والتي تختلف في أشكالها وأحجامها كونها تواجه السيول كمشكلة جديدة، مبينا أنه تم استيراد معظمها من الخارج لمواكبة هذه الأحداث.

وهنا، علق اللواء محمد القرني، مدير المركز الإعلامي لمواجهة الحالة الطارئة بمحافظة جدة، قائلا «تم دعم الموقف بأكثر من 3 آلاف معدة وآلية فنية من وحدات إنقاذ وإطفاء ومعدات ثقيلة مختلفة تابعة للخزن الاستراتيجي بمنطقة مكة المكرمة، والذي عادة ما يكون مخصصا لخدمة موسم الحج والمملكة بين فترات هذا الموسم، إضافة إلى توفير سيارات خاصة لعمليات الإنقاذ».

وأضاف «ثمة تجهيزات فنية إضافية في المصانع والمتضمنة 50 آلية ومعدة برمائية لديها إمكانية الدخول في الأعماق وقطع الطرق والأماكن ذات المنسوب المائي المرتفع، والتي سيتم توزيعها على مناطق السعودية لتكون موجودة خلال موسم الحج القادم».

وأبان أن مشروع تطوير جهاز الدفاع المدني القائم يشمل عدة جوانب، تتمثل في القوى البشرية وتأهيلها ورفع مهاراتها، وزيادة الإمكانيات المادية والمشاريع التطويرية ومدن التدريب، وإنشاء قوات للطوارئ، وزيادة عدد قواعد الطيران في مناطق السعودية.

وفي ما يتعلق برفع الأضرار عن نحو 90 في المائة من شوارع جدة التي تضررت جراء الأمطار الأخيرة، ذكر مدير المركز الإعلامي لمواجهة الحالة الطارئة بمحافظة جدة أن ما تبقى منها يشكل أقل من 10 في المائة، حيث إنه تمت معالجة 19 حيا من أصل 23، في حين لم يبق سوى أربعة أحياء جار العمل عليها.

وقال «تتمثل الأحياء المتبقية في السامر والتوفيق وبني مالك وأم الخير، بينما البقية باتت شبه مهيأة بعد أن تم سحب المياه منها بالكامل، إلى جانب البدء في خطة إعادة تأهيل المساكن من خلال تأمين وزارة المالية لعد من الآليات المتضمنة القلابات والدركتلات الصغيرة لإعادة تهيئة الطرق، عدا عن إعادة شركة الكهرباء التيار الكهربائي إلى كل المستفيدين».

وبيّن أن شركة المياه الوطنية تعمل حاليا على تنظيف خزانات مياه المنازل المتضررة وإعادة إيصال الماء إليها عن طريق الصهاريج، إلى جانب استمرار العمل مع أمانة محافظة جدة في ما يتعلق بإنهاء سحب المياه من أحياء السامر والتوفيق، مشيرا إلى قيام العمل بالنسبة لسد السامر والتعامل معه وأخذ الاحتياطات في حال هطول أمطار إضافية غزيرة خلال المرحلة المقبلة والوصول إلى معالجة جذرية.

السيول الأولى التي أصابت مدينة جدة منذ نحو عامين علّقت معها مصير ثلاثة ما زالوا مفقودين حتى الآن، إضافة إلى ستة آخرين فقدوا جراء الأمطار الأخيرة التي شهدتها المحافظة، مما تسبب في إثارة جدل بين الأوساط السعودية حول مصير هؤلاء الذين لم يتم العثور عليهم حتى الآن.

اللواء محمد القرني، ذكر أن مفقودي الكارثة الأولى تمت إحالة ملفاتهم بالكامل إلى شرطة منطقة مكة المكرمة، التي بدورها تولت الحالات التي لم يتم العثور عليها بعد انتهاء مدة البحث التي استمرت قرابة 6 أشهر، مبينا أن الشرطة هي المعنية بالمتابعة أو الإعلان بينها وبين محافظة جدة مباشرة.

واستطرد بالقول «بالنسبة للمفقودين في السيول الأخيرة، فإن هناك أكثر من 60 فرقة بحث تابعة للدفاع المدني تم توزيعها في الأحياء التي تحوي بلاغات هؤلاء المفقودين من أجل العثور عليهم، مع احتمالية ألا يكونوا ضمن المتضررين جراء الأمطار»، موضحا أن طيران الدفاع المدني لا يشارك في عمليات البحث إلا إذا كانت خارج نطاق العمران أو ضمن مناطق يحتمل أن يتم العثور عليهم أحياء.

ومثل كل مرة، يظل أهالي محافظة جدة يترقبون مشهد تجمع السحب في سماء عروس البحر الأحمر، واضعين أيديهم على قلوبهم بعد ما تعرضوا له خلال مرتين متواليتين ليتجاهلوا أي بيانات صادرة من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تحمل بين طياتها محاولات لتهدئتهم ونزع الخوف في كل مرة تعلن بها عن وجود احتمالات لهطول أمطار.

وبالعودة إلى اللواء طيار محمد عيد الحربي، فقد أفاد بأن الدفاع المدني لا يكتفي فقط بما تبثه الأرصاد من توقعات مناخية فقط، وإنما يعتمد أيضا على جولات استطلاعية تقوم بها المروحيات التابعة له لرصد الأحوال الجوية بشكل يومي على مختلف مناطق السعودية، عدا عن الاتصال مع جهات أخرى من ضمنها الهيئة العامة للطيران المدني ومطار الملك عبد العزيز الدولي وغيرها.

وكان مصدر مسؤول في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة قد أكد في وقت سابق، لـ«الشرق الأوسط»، على أن الأوضاع المناخية التي ستشهدها محافظة جدة خلال الفترة المقبلة مستقرة حتى الآن، في ظل انتشار معلومات تفيد بإمكانية هطول أمطار غزيرة على المحافظة خلال الفترة نفسها.

وأوضح حسين القحطاني، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، خلال اتصال هاتفي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه لا توجد أي مؤشرات لدى الرئاسة في تحليلاتها وتوقعاتها تؤكد هطول أمطار على جدة. وأضاف «حتى الآن لا توجد أي مؤشرات لدى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في تحليلاتها وتوقعاتها تؤكد إمكانية هطول أمطار على جدة، غير أنه في حال استجدت أمور أخرى سيتم إصدار تقرير بذلك»، مشيرا إلى أن احتمالية حدوث ذلك تعد «ضعيفة» - بحسب قوله.

وما شهدته محافظة جدة من أضرار جسيمة خلال ثلاثة أعوام بين الكارثة الأولى والكارثة الثانية، كان سببا في منح مشاريعها حالة «استثنائية» تتمثل في اعتمادها دون الدخول بها في الإجراءات التقليدية والروتينية التي تتم عن طريق طرحها في منافسات حكومية، وذلك بحسب ما أكده اللواء محمد القرني. وزاد «سيكون لمشاريع مدينة جدة وضع خاص كي يتم إنجازها في مساراتها الصحيحة، ونطمح جميعنا لأن نرى عروس البحر خلال الشهور المقبلة في وضع مختلف تماما عما كانت عليه في السابق».

في حين عاد قائد طيران الدفاع المدني في السعودية ليؤكد على وجود خطط كبيرة متعلقة بمجال التوظيف والتوسع وزيادة الأعداد وفق ما تم إدراجه ضمن احتياجات الجهاز، لافتا إلى أن الوضع مختلف حاليا في ظل وجود ظواهر طبيعية لم تشهدها البلد من قبل.

وفي هذا السياق، أعلن مدير المركز الإعلامي لمواجهة الحالة الطارئة بمحافظة جدة عن إنشاء الدفاع المدني لإدارة التطوع تحمل تحت مظلتها أكثر من 12 ألف متطوع يتم تدريبهم وتأهيلهم كي يكونوا ضمن سجلات رسمية بحسب تخصصاتهم وأعمالهم للاستفادة منهم في الكوارث أو موسمي الحج والعمرة. وأكد على أنه تم تحديد احتياج السعودية بالكامل لزيادة إمكانيات وفرق الدفاع المدني، مع التركيز على المدن الرئيسية البالغ عددها 23 مدينة باعتبارها تحوي أكثر من 75 في المائة من سكان المملكة، غير أنه أفاد بأن ذلك الاحتياج يترك موضوعه في حينه نتيجة اختلاف تقديره - على حد قوله.