بعد كارثة جدة: 8 آلاف منزل مهددة بالسقوط.. والمباني تفقد نصف عمرها و10% من قيمتها

19 منزلا تاريخيا انهارت بسبب الأمطار

أحد الأحياء الجديدة في جدة التي غمرتها مياه الأمطار بالكامل
TT

حذر خبراء ومختصون من تبعات كارثتي جدة الأولى والثانية على المديين، القريب والبعيد، خصوصا في ما يتعلق بالبنى التحتية الأرضية للمنازل والعقارات بسبب تكون المياه الجوفية وتأثيرها على الأساسات، الأمر الذي يقلل من العمر الزمني للجديد منها إلى النصف، وانخفاض أسعارها إلى ما يقارب 10 في المائة، وينبئ عن سقوط المباني القديمة والمتهالكة.

واستبق 19 مبنى في جدة التاريخية، ومع هطول الأمطار، التحذيرات وتهاوت جميعها الواحد تلو الآخر بسبب زيادة الأمطار، وذلك بحسب المهندس سامي نوار، مدير بلدية المنطقة التاريخية حينها.

وأعلن الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار لـ«الشرق الأوسط» البدء بخطة عاجلة لإنقاذ 100 منزل في المنطقة تأثرت جميعها بالأمطار.

وبينما دقت أمانة جدة ناقوس الخطر لـ8 آلاف منزل متهالك في كافة أنحاء المدينة، كونها مهددة بالسقوط هي الأخرى، وذلك نتيجة تهالكها، كما تشكل المياه الجوفية تحتها نذيرا بالانهيار في أي لحظة، أعلنت الأمانة عن تشكيل لجنة عاجلة مع عدد من الجهات الحكومية لدراستها وإخلاء السكان منها.

وكشف تقرير حديث صادر من أمانة جدة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه عن قيام لجنة مشكلة من عدة جهات حكومية بحصر كافة المنازل الآيلة للسقوط، حيث تشير الأرقام إلى تجاوز عدد المنازل نحو 8 آلاف منزل.

بينما قدر - من جهته - المرصد الحضري في جدة، عدد المنازل في جدة بأكملها بنحو 200 ألف مبنى، منها، ووفق تقاريره الإحصائية، 18 ألف مبنى عشوائي في 52 حيا يصنف عشوائيا، أي أن ما نحو 12% من مباني المدينة آيلة لسقوط، وبحسب الخبراء فإن النسبة قابلة للزيادة بعد أحداث الأمطار الأخيرة.

وقد وضعت لجنة المباني الآيلة للسقوط بالتنسيق بين أعضائها (أمانة جدة، وإدارة المرور، وإدارة الدفاع المدني، وشركة الكهرباء، والشؤون الاجتماعية) آلية عمل واضحة للقيام بأعمال الكشف واتخاذ القرار إما بالإزالة أو الترميم، وعمل محضر مبدئي لمعاينة المباني الآيلة للسقوط بموجب البيانات المرفوعة من قبل البلديات الفرعية، وتعميد المكتب الاستشاري بالوقوف على جميع المباني لإصدار التقرير الفني لها - كل حالة على حدة - بالإضافة إلى عرض التقارير الفنية على أعضاء اللجنة والوقوف عليها ميدانيا لاتخاذ القرار اللازم لحالة كل مبنى إما بالإزالة أو الترميم.

وكانت التقارير الأخيرة لكارثة جدة الثانية والصادرة من إمارة منطقة مكة المكرمة كشفت عن تأثر نحو 7702 عقار جراء الأمطار الأخيرة، وأن منسوب مياه الأمطار لهذا العام فاق أمطار الكارثة السابقة وتجاوز في بعض المواقع 120 ملليمترا.

الدكتور زهير بن عبد الحفيظ نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، علق على تأثير المياه الجوفية على بنية المدينة بقوله: «تؤثر مياه الأمطار على ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وبالتالي كلما ارتفع منسوبها زاد تأثيرها على قواعد المباني والمنشآت، وكذلك على التمديدات الأرضية، التي تشكل البنية التحتية للمدينة، خصوصا إذا ما استمر تعرضها للمياه الجوفية لمدة طويلة».

وأردف: «كما تتعرض الجدران إلى التآكل في المنشآت التي تتعرض للرطوبة لفترة طويلة، وتتكون عليها الأملاح، خصوصا في الأدوار السفلية منها، كما تتعرض الأجزاء الحديدية منها للصدأ والتآكل، كما يمكن أن يتسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية في حدوث تكهفات تؤثر على العقارات والمنشآت».

وأضاف نواب: «نحن نشاهد، بعد هطول أمطار غزيرة، كيف أن تجمع كمية من هذه المياه على الطرق لعدة أيام يؤدي إلى تلف الطبقة الإسفلتية، وإلى تشوه الأرض من تحتها الأمر، الذي يؤدي إلى تكون الكثير من الحفر والمطبات التي تعوق حركة السير».

وبين رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية يعتبر من أهم العوامل التي تساعد على حدوث ظاهرة تميع وإسالة التربة في حالة حدوث زلازل - لا قدر الله - وقد يؤدي هذا إلى انهيار كامل للمباني، حيث تفقد بموجبها التربة قوتها وصلابتها بشكل كبير، نتيجة لتعرضها لإجهاد، يتولد من الاهتزازات الناتجة عن حدوث زلزال أو أي مصادر أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى أن تتصرف التربة مثل السائل.

واستطرد نواب: «غالبا ما تلاحظ هذه الظاهرة في التربة الرملية المشبعة بالمياه، ونتيجة للإجهاد المتولد عن الموجات الزلزالية فإن الضغط المتولد عن وجود الماء بين حبيبات التربة يزداد فجأة، مما يؤدي إلى فقدان التربة تماسكها وتصبح مثل السائل، مما يؤدي إلى تكون شقوق كبيرة في الأرض ودفن بعض من الأجزاء السفلية من المباني والمنشآت في الأرض». وأوضح الدكتور نواب أن طبيعة التربة في أي مدينة لا بد وأنها تختلف باختلاف درجة تشبعها بالماء. فعندما تكون التربة صلدة وقليلة المسام وعلى درجة عالية من الصلابة وخالية من وجود السوائل فهي تربة ذات مواصفات هندسية جيدة، أما إذا كانت التربة مشبعة بالمياه الجوفية لفترة طويلة فإن خواصها الهندسية تتغير وتصبح تربة ضعيفة، وبالتالي فإن المباني التي تقام عليها ستكون عرضة للكثير من المخاطر في حال تعرضها إلى عوامل أخرى تعمل على اهتزازها.

وبالعودة إلى أمانة جدة عبر مركزها الإعلامي، وفي رد لاستفسارات «الشرق الأوسط» حول هذا الموضوع، قالت إنها تقوم الآن بجولات ميدانية لحصر المباني التي تضررت عقب الأمطار الأخيرة، ولم تكن ضمن الحصر الأول، بالإضافة إلى عمل التقارير الفنية عن طريق المكتب الاستشاري للمباني التي سبق حصرها، وتحديد طريقة المعالجة، إما بترميم ما يمكن ترميمه، أو الإزالة.

وأكدت الأمانة في ردها أن لارتفاع منسوب المياه الجوفية أثرا سلبيا على أساسات المباني، حيث تقوم المياه بنقل الأملاح إلى الأساسات الإسمنتية، مما يؤدي إلى تآكلها، بالإضافة إلى احتمال حدوث هبوط في الأساسات نتيجة تخلخل التربة، كما ينتج عنه صدأ للحديد. وأشارت إلى أنها تقوم بتسلم البلاغات عن حالات الهبوط في أرضيات المباني، والوقوف عليها فورا بصحبة الاستشاري، ويعد عنها تقرير فني لتحديد مدى خطورة الوضع.

كانت الأمانة قد أجرت في وقت سابق لأمطار وسيول العام الحالي، عمليات مسح شاملة للمباني الآيلة للسقوط، وحصرت أعدادها في ظل المستجدات والمتغيرات التي طرأت خلال الفترة الماضية، وغيرت من خريطة أعدادها، من أجل إيجاد حصر رسمي لتلك المباني التي تشكل في مجملها خطرا على أرواح المواطنين، ومن ثم صدور قرارات إما بالإزالة أو الترميم.

وحذر من جهته، العميد عبد الله الجداوي، مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، من تأثر المنازل القديمة والمتهالكة بسبب الأمطار، ملمحا إلى حدوث سقوط المنازل في العام الماضي، إلا أنه استدرك القول بأن هناك فريق عمل تشكل بتوجيه من أمير منطقة مكة المكرمة لحل مشكلة المياه الجوفية في الأحياء السكنية.

المهندس الاستشاري فائق محمود خياط، مدير عام تطوير مشاريع المنظمة العربية للسياحة، أوضح من جهته تأثير الأمطار بشكل مباشر وغير مباشر على المباني والمنشآت الإسمنتية، وتضرر الأسطح الإسمنتية في حال عدم وجود عازل مائي جيد يمنع من تسرب المياه إلى حديد التسليح، مما ينتج عنه فصل بين الحديد والخرسانة نتيجة لتآكل الحديد بسبب الصدأ.

وأضاف خياط أن الأمطار تؤثر أيضا على الواجهات بجميع أنواعها سواء دهانات أو حجر أو رخام أو ألمنيوم وزجاج، حيث إن الإهمال في «تلييس» الواجهات يعرض الخرسانة للظروف الجوية دون حماية، وذلك أن «بياض» الواجهات ليس مقتصرا على الناحية الجمالية فقط، بل هو لحماية الخرسانة أيضا من العوامل الجوية، لذا يجب الاهتمام بالخرسانة والعناية بها من الداخل بمعالجة تلفيات العزل.

وتحدث المهندس خياط عن التأثير غير المباشر الذي يتمثل في السيول التي تتسبب في الانهيارات لبعض المنشآت الضعيفة، وبخاصة التي لا يوجد لها أساسات، وتتسبب السيول في جرف التربة من تحت المباني، مما يؤدي إلى خلخلة التربة أسفل الأساسات، فيؤدي ذلك إلى انهيار المبنى، كما أن تشبع الأرض بمياه السيول يسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية مما يسهم في إنقاص عمر المباني الموجودة حاليا، حيث إن أي مبنى له عمر افتراضي، بناء على نوعية الخرسانة والحديد والتربة، وإذا استجدت ظروف أخرى وتغير الوضع البيئي في المنطقة المحيطة قد يقل العمر الزمني للنصف حسب قوة مهاجمة المواد الكيميائية الموجودة في مياه الصرف الصحي على أساسات البناء.

وأضاف خياط: «وجود مياه أسفل المبنى يؤدي إلى تآكل الأساسات واختلاط مواد كيمائية مختلفة يسبب تفاعلات مع الحديد والخرسانة ووجود الماء وحده يسبب صدأ وتآكل الحديد». ودعا ملاك العقارات إلى الاهتمام بحماية المباني من الأسفل، وذلك بعمل اختبارات وفحص للتربة قبل تصميم الأساسات، واستخدام الإسمنت الخاص بالأساسات والحديد الموصى به، والتأكد من وجود طبقة إسمنتية كافية لحماية حديد التسليح، ومن ثم التأكد من استخدام العازل الجيد للقواعد، وحماية العازل بمواد خاصة لحمايته من التشقق أو الخدش أثناء الردم، ويفضل إسناد تلك الأعمال إلى شركات متخصصة في العزل وعدم إهمالها.

ومن جانبه، أشار بسام أخضر، عضو المجلس البلدي، إلى عدة شكاوى تلقاها المجلس خلال الأيام الماضية من سكان حي السامر، حول ارتفاع منسوب المياه الجوفية، بسبب تصريف أمانة جدة المياه إلى الحي، الأمر الذي دفع المجلس البلدي إلى التحرك، والقيام بدور كبير لحماية الأحياء المجاورة، وطرح تساؤلاته على الأمانة، وتم استدعاء مختصين من جامعة الملك عبد العزيز والشركات التجارية والجلوس مع المسؤولين والمقاول.

وأضاف أن أمانة جدة أخبرت المجلس البلدي خلال عرضها المشروع أنه سيتم تركيب مصبات فولاذية تحت السد لحمايته، وطالب بوضع حلول جذرية لكميات المياه التي تأتي من الأودية وتصب من شرق جدة إلى غربها، مشيرا إلى أن المشاريع الجديدة التي اعتمدتها اللجنة الوزارية ووافق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ستنهي هذه المشكلة.

وفي الجانب العقاري، أوضح عبد الله الأحمري، رئيس لجنة العقار في غرفة جدة، أن تشكل المياه الجوفية في بعض الأحياء بعد هطول الأمطار، وتجمع المياه فيه بشكل كبير، يؤثر على قسم عقاراتها السعرية، التي تأثرت بعد الكارثة الأخيرة، وأسهمت في انخفاضها بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة.

وكان الدكتور هاني أبو راس، أمين محافظة جدة، قد كشف عن مشاريع تصريف الأمطار والمياه الجوفية، منها مشروع في حي الأجاويد، تمت ترسيته وسيجري البدء في التنفيذ قريبا، فضلا على أنه جرى طرح مجموعة من المناطق الحرجة وسيجري فتح مظاريف مشروعها الشهر المقبل، وتشمل أحياء الأجواد، والسامر، وقويزة، والمساعد، وعبيد، والسليمانية الشرقية، والأجواد الشعبي، والتوفيق، ومنطقة شمال حي النسيم، واستكمال حي الأجواد، واستكمال حي قويزة، وملحق حي التوفيق، كما تعمل الأمانة على مجموعة أخرى من الأحياء سيتم طرحها بمجرد الانتهاء من دراستها، وسيتبع ذلك مراحل أخرى ومشاريع جديدة.

وشهدت جدة العام الماضي سقوط عدد من المنازل قارب الـ15 حادث انهيار سكني في أحياء الشرفية، والسبيل، والجامعة، والمنطقة التاريخية، والبغدادية، وسجلت تلك الحوادث وفيات لأطفال وبعض العوائل المقيمة من قاطني تلك المنازل وقدرت حينها الأمانة وجود نحو 37 ألف منزل في جدة آيل للسقوط في 52 حيا متفرقا في أنحاء المدينة، وأنها تتلقى ما معدله حادث انهيار مبنى كل أربعة وعشرين ساعة.

وأعلن حينها الدفاع المدني تحسبه للطوارئ مجندا كامل طاقاته، وكشف اللواء عادل الزمزمي، مدير الإدارة العامة للدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» عن توفير نحو 500 آلية حديثة للتعامل مع الانهيارات والزلازل، وتدريب فرق خاصة للتعامل مع أي حدث طارئ.

وبين أن إمارة المنطقة شكلت لجنة من الدفاع المدني والأمانة، وأحد المكاتب الهندسية التي تعاقدت معها الأمانة لدراسة وضع تلك المنازل وإعداد تقارير متكاملة عما تحتاج منها إلى إزالة أو ترميم. ودعا اللواء زمزمي سكان المنازل في الأحياء إلى تلافي كثير من المشكلات من خلال الالتزام بمعايير السلامة والابتعاد عن تحميل المباني أحمالا إضافية من دون التقيد بتوزيع الأحمال على البناية والالتزام بأعداد السكان في تلك المباني.

وبالعودة إلى الدكتور زهير نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، دعا إلى الاستفادة من المياه الجوفية، وقال: «نسمع الآن صراعا بين الدول على المياه، وتسعى دول العالم إلى التعامل مع المياه كثروة وطنية طبيعية مثلها مثل الثروات المعدنية والبترولية، يتم بيعها والاستفادة منها، لذلك فإنني أود أن أشير إلى مدى أهمية مياه الأمطار والمياه الجوفية وضرورة إجراء الدراسات الجيوفيزيائية للبحث عن المياه الجوفية وتقييمها ومعرفة مدى الاستفادة منها كمصدر للشرب والزراعة وتحديد السبل والطرق عن كيفية الاستفادة منها وتوجيهها للاستخدام الآدمي عن طريق إنشاء السدود والخزانات في الأماكن المناسبة لتجميع هذه المياه، ومن ثم الاستفادة من المياه المتجمعة خلف السدود في مشروع يسمى حصاد مياه الأمطار».

وأضاف: «إن المياه الجوفية ومياه الأمطار تلعب دورا حيويا وهاما في حياتنا سواء بالنفع من الله عز وجل أو بالضرر نتيجة لسوء إدارتنا لها، وأنه يمكن تفادي الأضرار الناجمة عن تلك المياه في بعض الأماكن لاستخدامها في ما ينفع بلدنا الحبيب، وذلك في ظل النقص الشديد في مصادر المياه على مستوى العالم، ولهذا السبب يدعو ولي الأمر إلى صلاة الاستسقاء لهطول الأمطار، وهذا يعكس مدى أهمية مياه الأمطار والمياه الجوفية لمملكتنا الحبيبة بشكل خاص، نظرا إلى عدم وجود مصادر طبيعية كالأنهار والبحيرات لاستخدامها في أمور حياتنا المعيشية».