«حديقة الحيوان» سجال بين «المطلق والمقيد».. والكبار رغم الحصار كبار

«الشرق الأوسط» تكشف مفارقات التلاقي والتضاد بين الإنسان والحيوان

زوار يقفون أمام أقفاص الحيوانات في حديقة الحيوان بالرياض («الشرق الأوسط»)
TT

فرض «الحيوان» وجوده على جاره «الإنسان» في الأرض، قرونا وعقودا، وظلت علاقة الطرفين ما بين شد وجذب، إلا أن أحدا منهما لم يستغن عن الآخر، فعلى الرغم من سطوة «الإنسان» وإيذائه وجبروته، لم يستسلم «الحيوان» بكل قبائله وأنواعه، وبات يصارع من أجل البقاء وانتزاع شيء من «السيادة» له، وإن في عوالم محدودة.

أما الإنسان الذي ينظر لغريمه الحيوان بشيء من التعالي، فكثيرا ما دفع ثمن هذا التعاطي مع جاره، فقل أن يمضي ساعة أو يوم إلا ويحدث فيه صدام بين الجانبين، تسيل فيه الدماء أحيانا.

وفي الرياض التي أعادت مؤخرا تأهيل «حديقة الحيوان» فيها، قامت «الشرق الأوسط» بزيارة الحديقة وسكانها الذين يرحب كل منهم بزواره على طريقته الخاصة، رغم احتفاظ الكبار بمقامهم حتى وإن ظلوا خلف الشباك.

إلا أن الأمر اللافت كان استعراض «القوة الزائف» من قبل الزوار أمام قضبان حجز السباع من الأسود والنمور والدببة وغيرها من الحيوانات والبهائم، وكأن بلسان حال الحيوانات يقول لو خرجنا من مكان أسرنا وحملنا على بني الإنس حملة واحدة هل بقي منكم من أحد.

فـ«الشمبانزي» بات مدمنا بشرب «سجائر»، و«النعامة» على سبيل المثال لا الحصر، تآلفت مع تناول «حذاء» أو تذوق «جورب»، كل ذلك في سبيل استجداء ضحكات مزيفة تثيرها كائنات لا تتعدى أن تكون لدى الإنسان أعضاء تهريج في «سيرك عام».

حالة «شوفونية» و«استهتار» بالغ، أكدها المهندس محمد الحواشي المشرف العام على حديقة الحيوان في الرياض والذي أتى مناصرا للحيوان خارج محاكمتهم المزعومة، منوها بأن الإساءة إلى الحيوانات لا تنطلق من الأطفال بداية وإنما من قبل البالغين أنفسهم كتقديم «السجائر للبابون» أحد فصائل القرود، وإطعامهم من كل ما يتوفر بين أيديهم رغم وجود اللوحات الإرشادية التي تحذر من إطعام الحيوانات لعدم الإضرار بها، والإخلال بنظامها الغذائي.

وقال الحواشي إن عددا من الزائرين يفدون إلى حديقة الحيوان مع المفهوم التراثي ألا وهو «مجرد حيوان» نلعب به وتلقي عليه القاذورات، كان سببه غياب ثقافة «احترام الحيوان»، بحسب المهندس الحواشي، والتي يظهر أنها لن تدرك سوى عقب بيان صوت وطنين وزئير الحيوانات، واستيعاب ما تقول.

أكثر من 1600 حيوان من (164) نوعا، استضافتهم حديقة الحيوان في الرياض من أماكن مختلفة، كسهول أفريقيا، أو أميركا الجنوبية وآسيا الوسطى وبأثمان باهظة بلغت قيمة أحدها 80 ألف دولار أي ما يعادل 300 ألف ريال سعودي (للمها العربي)، و25 ألف دولار «للأسد» أي ما يعادل 93 ألف ريال سعودي، خصصت لها إدارة الحديقة بما يسمى بـ«طباخ الحيوانات» الذي يعمد على تجهيز البرنامج الغذائي المحدد من قبل مختص روسي، سواء أكانت من لحوم بقرية أو من أعلاف أو فواكه وخضار، وذلك كله بحسب تصنيف الحيوان والذي قد يحدد له المختص أيام صيام مراعاة لصحته.

ورغم توصيف القرآن الكريم الحياة الآخرة بـ«الحيوان» في قوله تعالى: «وإن الدار الآخرة لهي الحيوان«، والتي عرفها علماء اللغة دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها وهي الحياة الحقيقية، والتي أتى منها وصف «الحيوانات باعتبارها تعيش حياتها الحقيقية التي ليس لديها سواها، إلا أنه بقيت لكلمة (يا حيوان) حدا أمضى من حد السيوف بحق النفوس المعادية، من بني الإنسان أو زوار الحديقة الذين بلغوا 2000 زائر أسبوعيا بحسب إحصائية للمشرف العام على الحديقة.

وظل مفهوم تسخير الله تعالى الحيوانات لخدمة الإنسان، المفهوم السائد مع تجاهل ما فرضه الله عليه في المقابل من معاملتها بلطف ومنع أي إساءة لها وعدم إرهاقها، كما استعبد قوم من التجار والصناع وأهل العلم، في قصة «رسائل إخوان الصفا» أصنافا من البهائم والأنعام والطيور والسباع، نصبوا أنفسهم أربابا، لكائنات تآلفت فيما بينها مستأنسة غير متنافرة، أدى بها الأمر إلى الإعلان عن حالة العصيان منشقة ما بين هارب عاص، ومطيع كاره منكر لعبودية بني الإنسان لها.

وعودة إلى حديقة الحيوان التي أعيد تأهيلها مؤخرا 1429، ويقوم على شؤونها 149 عاملا إلزاميا إضافة إلى لإدارة الطبية، إلا أن عمليات التخريب والإهمال بدأت تطال الحديقة من قبل الزوار كما أوضح الحواشي.

وأفاد الحواشي بأنه وعقب كل زيارة تشهد إدارة الحديقة الكثير من عمليات التكسير وإتلاف الزروع، إلى جانب الكتابة على شاشات البلازما أو الجدران، متسائلا عن أسباب غياب الاكتراث واحترام بيئة حديقة الحيوان، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن يخرج بصحبة «ضب» التقطه من أحد الجحور المعروضة.

وكأنه لم يكتب لحيوانات الحديقة أن تكابد مشقة التأقلم على درجات حرارة تقارب 60 درجة مئوية في العاصمة الرياض، كما تفعل الدببة الأربع، أو الزرافات، وإنما عليها أيضا (تفهم نفوس سبعية باتت بأجساد بشرية) خارج أسوار الحديقة وداخلها، عجزت حتى عن استيعاب حكمة الصرصر في محاكمة الهوام، والتي لخص فيها وصفه لمعشر الإنس بأنهم «غافلون ساهون في طغيانهم يعمهون ولأنعام الله كافرون جاحدون».