لن تبلغ «المنحة» حتى تلعق الصبر

مواطنون يقضون نصف أعمارهم في انتظار تسلمها والنصف الآخر في انتظار وصول العمران إليها

قد تزيد مدد انتظار الراغبين في الحصول على المنح سنوات توازي نصف عمر طالبها (تصوير: خالد الخميس)
TT

يبدو أن كل شيء في السعودية أصعب من التقديم لنيل منحة سكنية، بينما كل شي في السعودية أسهل من الحصول عليها، ذلك أن أمانات المناطق والمدن السعودية أتاحت مؤخرا الفرصة أمام المواطنين، للتقديم لنيل المنح إلكترونيا على شبكة الإنترنت، بينما لن يكون الحصول عليها بذات الطريقة الإلكترونية المريحة.

وفي ظل أزمة الإسكان التي تشهدها المملكة بفعل منح الكثير من القطع للمواطنين خلال السنوات الماضية، وبالتوازي مع الزيادة المطردة في عدد السكان، يعاني المواطن الفرد من صعوبة شديدة في مخاض قطعة الأرض التي يسكنها ويسكن ذريته عليها.

وإن كان الشاعر العربي أكد أن المجد ليس تمرا سهل المضغ والهضم، فإن المنحة السكنية هنا مثله تماما؛ إذ لا تنال إلا بلعق الصبر المر، فهي تأتي للمواطن السعودي مجانية إما مع مرض، أو عجز، وأحيانا يؤجل انتهاء معاملة المواطن للحصول عليها بعد انتهاء معاملته مع عزرائيل.

وليس أدل على ذلك، أكثر من قصة نشرتها «الشرق الأوسط» عن إبراهيم السباعي الذي بشره أحد جيرانه عام 2005 بالمنحة الحكومية التي كان قد طلبها في عام 1980، فأتى مبتور القدمين وقد انتصف به العقد السادس من العمر وخطت به الدنيا وخطوبها، ليتسلم أرضا تقع خارج عمران مدينته على مسافة 100 كيلومتر، وتغني وحيدة «صوبي كم صعب الوصول».

وليست قصة الأرض المأهولة بالموتى عنا ببعيدة التي منحت لمحمد حمزة فلاتة، أحد سكان مكة المكرمة الذي صدر أمر بمنحه قطعة أرض، في الرابع من أغسطس (آب) 1989، وبعد أن حان موعد تسلمها بعد 21 عاما، أبلغ فلاتة أنه لن يتسلم الأرض الواقعة على مدخل طريق جدة - مكة السريع، لأن «الأرض مسكونة».

الأموات - أنزل الله عليهم شآبيب الرضا - اضطروا المواطن المكي الذي كاد يعكر صفو خلواتهم، لقضاء سنوات من الشكوى وطلب الاستبدال (استبدال الأرض طبعا)، تم له بعد أن مضت بأرض في مخطط العكاشية، أما بعد سنوات الإبدال ردت الأمانة بأن الأرض «عليها مشكلات». وبعد انتفاء الحائل بين محمد حمزة فلاتة والأرض أبلغ الأخير بأن الحلم يقع على الطريق الدائري.

القصتان السالفتان تأتيان في مؤخرة قصص تحدثت عن من انتظر بين 15 و20 عاما ليحصل على قطعة أرض تقع في الصحراء، وآخرون أخذتهم في لجة ذلك فكرة الاستثمار باعتبار السكن خارج العمران غير ممكن ولا مجد، ليجدوا أسعار المنح لا تباع بأكثر من 10 آلاف ريال (نحو 2700 دولار).

يرقق كل واحد من منتظري المنحة معاناة الآخرين بسماع المعاناة، ففي المنطقة الشرقية، ومنذ أكثر من 31 عاما، يوجد على قوائم الانتظار أكثر من 180 ألف مواطن ومواطنة، بينما آخرون ينتظرون استكمال إيصال الخدمات إلى ضاحية الملك فهد التي مضى على توزيع أراضيها أكثر من 20 عاما.

وفي الطائف، مضى على آخر تقديم لمنح ذوي الدخل المحدود 18 عاما، بينما يعقد الأهالي آمالهم على المجلس البلدي في مناقشة مسؤولي الأمانة حول تأخر المنح، والبحث عن مخططات جديدة داخل المحافظة لتوزيعها عليهم، خصوصا بعد أن أسندت وزارة الشؤون البلدية والقروية للمجلس مهمة الحصول على بعض الأراضي غير المستغلة التابعة لجهات حكومية، وتحويلها إلى منح بهدف توزيعها على المسجلين في قوائم الانتظار.

أما في تبوك فقد لبي في العام الماضي طلب 2000 اسم في قوائم الانتظار التي حوت أكثر من 15 ألف طلب.

الذين يوضعون على قوائم الانتظار انقسموا بين متسائل ومتجاهل لأسباب التأخير الذي يؤدي بهم إلى فقدان أحلام وردية اللون، أسباب قد يجدها البعض منطقية تتعلق بكثرة الطلبات في مقابل المنح، بينما يعدها آخرون متقوقعة داخل قمقم البيروقراطية ومتجاهلة لتطلعات المواطنين وطموحاتهم وطالتها أياد متنفذة.

حول الأسباب تتحدث أمانات المناطق والمراقبون عن توجه وزارة الشؤون البلدية والقروية التي أوقفت التخطيط خارج النطاق العمراني، في المناطق والمحافظات، في الوقت الذي لم تعد هناك إمكانية لاستحداث مخططات جديدة داخل المناطق السكنية.

بينما تشدد الوزارة في ردها على ذلك عن أن مخزون المنح السكنية في الرياض مثلا قادر على توفير مليوني وحدة سكنية، على أهمية تعاضد جهات مختلفة معها كشركات المياه والكهرباء في مناطق مختلفة من المملكة.

ومن هذا المنطلق تقول أمانات المناطق إن تأخر منح الأراضي يأتي نتيجة طبيعية لعدم اكتمال الخدمات الأساسية في المخططات في المدن المختلفة التي تتسع وتنمو بشكل متسارع أفقيا، وهو الشكل الذي يتعدى قدرة الوزارة على التغطية.

في حين أن الباحثين عن الأسباب من المواطنين يردون على ذلك باستغراب شديد، آخذين في اعتبارهم أن النقص واضح وموجود في البنى التحتية في أواسط المدن الرئيسية من المملكة، فضلا عن غيرها من المحافظات والقرى والهجر، بالنظر إلى النقص في المياه والكهرباء وأعمال الرصف وخدمات الاتصالات.

أمانات المدن والمناطق بدورها ترجع أسباب التأخر أيضا إلى عملية تحديث البيانات التي جرت عام 1993، وذلك حينما أنشئت وحدات الأراضي والمنح في الأمانات، كما طلبت من المواطنين المزيد من التريث، باعتبار أن هناك أرقاما تسلسلية خاصة بالأرامل والأيتام والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة.