نائب مدير إدارة التوقعات بالأرصاد: تحذيراتنا كانت كفيلة بتفادي «كارثة جدة2»

حسن ميرا قال في حوار لـ «الشرق الأوسط»: آخر تحذير تم إطلاقه كان في نفس يوم الكارثة في الرابعة فجرا

حسن ميرا خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»
TT

واجهت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في الفترة الأخيرة، انتقادات من قبل البعض، حول عدم رفعها مستوى التحذير المبكر لعموم المواطنين والمقيمين، حيال توقعاتها تجاه احتمالية سقوط الأمطار، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح أكبر، عند سقوط الأمطار الأخيرة على مدينة جدة، التي تسبب في خسائر بشرية ومادية.. إلا أن حسن ميرا، نائب مدير الإدارة العامة للتحاليل والتوقعات بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، كشف في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الرئاسة لديها خطة مستقبلية لتطوير منظومة إيصال المعلومة عبر هواتف الجوال، مؤكدا أن توقعات الرئاسة صحيحة بنسبة 90 في المائة، مشيرا في ذات الوقت إلى أن المملكة تشهد حاليا تغيرا مناخيا ضمن التحولات التي يشهدها العالم.. هذه المحاور وغيرها في الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع مدير التحاليل والتوقعات، فإلى نص الحوار:

* ما دور الأرصاد في التحذير والتنبيهات للعناصر الجوية ورفع الوعي لدى المجتمع؟

- تنحصر التوقعات في شقين: الأول في العمل الروتيني والمتمثل في التوقعات اليومية لحالة الطقس خلال 24 ساعة، وتوقعات للطقس خلال 48 ساعة، وتوقعات 5 أيام كحد أقصى لحالة الطقس، إلى جانب تقرير عناصر الجو للمناطق ومحافظات المملكة، وتصدر هذه التحذيرات لتصل إلى أكبر شريحة في المجتمع بكافة طبقاته، خلال إرسالها إلى وزارة الإعلام وإلى وكالات الأنباء في جدة والرياض ووسائل الإعلام من صحف وغيرها، بالإضافة إلى وضع تلك التقارير على موقع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ونظرا لأن الإنترنت ليس في متناول جميع الفئات، تم توفير خط للاستفسار عن حالات الطقس والتوقعات (998) لأي منطقة بالمملكة، بالإضافة إلى أن الإدارة العامة للتحاليل والتوقعات، أصبحت لها أرقام معروفة لدى العامة أو المهتمين بالأرصاد، فكثير من المهتمين بالتوقعات الجوية نتلقى اتصالاتهم على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلى وجود إدارة إقليمية لنا في جميع مناطق المملكة، ومن شأنها الرد على الاستفسارات وإطلاق التنبيهات والتحذيرات والتوقعات الجوية لكل منطقة والمحافظات التابعة لها.

* التنبيهات والظواهر الجوية المؤثرة، كيف يتم التعامل معها، في ظل تذمر الكثيرين من عدم علمهم بتلك التحذيرات؟

- الظواهر الجوية المؤثرة لها وضعية مختلفة وآلية متبعة متفق عليها ومعتمدة من قبل وزير الداخلية، بين الرئاسة والدفاع المدني والجهات المعنية الأخرى، وهي مراحل تم اعتمادها، متمثلة في مرحلة التنبيه والمراقبة، وهو الأمر الذي لا يملك وقتا محددا، بل غالبا يصدر قبل 4 أيام من حدوث ما هو متوقع حدوثه، من خلال تقرير إلى الجهات المعنية، وإلى بعض العامة من الناس، وبعد مرحلة التنبيه الأولى والمراقبة، يتم إخطار الجهات المعنية، ومن ثم يتم الانتقال إلى المرحلة الأخرى عبر التأكيد على إطلاق التحذيرات قبل الحالة من ساعة إلى 3 ساعات، ونقوم ببثها على الموقع الإلكتروني التابع لنا، والتابع للدفاع المدني.

* وما تلك الجهات التي من المفترض أن يبث الدفاع المدني التحذيرات من خلالها؟

- هي جهات متعددة وموجودة لديهم، وتتمثل في مركز القيادة والسيطرة والتحكم بوزارة الداخلية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة النقل، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة التعليم العالي، ووزارة التجارة والصناعة، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة الصحة، ووزارة الثقافة والإعلام، وهيئة الهلال الأحمر السعودي، والهيئة العامة للطيران المدني، والمؤسسة العامة للموانئ، ومن هناك يتم بثها للإدارات التابعة للمناطق الأخرى.

* إذن.. من المسؤول عن إطلاق التحذيرات الأخيرة ويتحمل مسؤولية عدم التحذير؟

- نحن نصدر تحذيراتنا للبيئة المدنية والدفاع المدني فقط، ومن جهته يقوم الدفاع بإطلاق التحذيرات كونه الجهاز المسؤول عن إطلاقها إعلاميا، وفق آلية معتمدة، وهنا أريد التأكيد أن الدفاع المدني متعاون معنا على أكمل وجه، وهناك تعامل وثيق وخط ساخن مفتوح بيننا، لكن عندما نتحدث عن مدينة جدة ونحن نعلم وضعها ولا نريد الخوض في تفاصيل، فمن المفروض منذ مشاهدتنا للهتان أو قطرات المطر أن نأخذ الاحتياطات اللازمة، خاصة أن هناك تحذيرات يتم إطلاقها من قبل مختلف الجهات والأفراد بوقت كاف، وإلى أن ينصلح حال مدينة جدة، لا بد من التقيد بالتحذيرات وأخذها على محمل الجد، حتى إن لم يكن هناك تحذيرات، فهناك إشاعات، ولا يعني أن نوقف حياتنا، لكن على الأقل أخذ الحيطة وقت الحدث.

* برأيك، هل وقعت الصحف في أخطاء كبيرة الفترة الماضية في نقلها وتناولها أخبار الطقس والمناخ في المملكة؟

- صحيح، لكن أود أن أوضح أن الإعلاميين ينقسمون إلى قسمين في هذا المضمار، الأول منهم هاو، والثاني محترف لا يمانع في إطلاعنا على المادة قبل نشرها، ليس لشيء له ارتباط بالمهنية، بل لكون الأرصاد تخصصا علميا، ولو أخطأ في تعبير كلمة قد يخلف في معنى الكلام كله، لكن الحاصل أن الإعلاميين يستقون المعلومة، وخاصة الأرصادية منها، دون التأكد أو الرجوع إلينا ليتم نشرها من منطلق سبق صحفي، وإما لضيق وقت طبعته، تجده أحيانا يسيء أكثر من كونه يحسن، هنا الأمر يتطلب التنسيق بين الإعلامي والمصدر، خاصة في التخصصات العلمية.

* من المسؤول عن الأخطاء التي ترد من مقدمي النشرة الجوية في وسائل الإعلام المختلفة؟

- المذيعون أو مقدمو النشرات الجوية متعاونون مع الرئاسة العامة للأرصاد وليسوا تابعين لها، والرئاسة ليست مسؤولة عن التوقعات التي يصدرونها، قديما كان لدينا نشرة جوية متخصصة يقدمها موظفون لدينا في الرئاسة العامة، وكانوا مسؤولين عنها، ويقومون بمهمة نشر تلك الأخبار التي تتعلق بالطقس، مثل الزميل حسن كراني وعبد اللطيف العيوني، إلا أن الإعلام الجديد استقل بنفسه، وجاء بشركات تتولى هذه المهمة، مع العلم أنهم يستقون بعض معلوماتهم من عندنا، وفي حالة ورود أي خطا منهم، فالرئاسة ليست مسؤولة عن ذلك الخطأ، بل يكون الإعلام، وتحديدا القائمين على النشرة الجوية في التلفزيون هم المسؤولون، وخاصة أنه أحيانا يحدث خطأ وينسب إلى الرئاسة وهذا غير صحيح، وهنا لا بد أن نعلم بأن الإعلامي قد يخفق في نقله للمعلومة، لا سيما أنه غير متخصص، فهنا لا بد أن ألفت إلى ضرورة تحملهم للمعلومات التي يبثونها، كما تتحمل الرئاسة المعلومات التي تبثها على موقعها.

* وكيف يتم تقييم الأرصاد للتوقعات والتحذيرات التي تصدرها عالميا؟

- أرغب في توضيح أن التحذير أو التوقع الذي يسبق الحدث بيومين أو أكثر لا يكون دقيقا، وكلما اقتربنا من الحدث كانت دقة التوقعات أعلى، ولكن لضخامة وجسامة ما قد تسببه الكارثة نحذر من قبل، لكني أؤكد أننا نتعامل مع معطيات ليست بيد البشر، وأن 90 في المائة من توقعات وتحذيرات الأرصاد صحيحة، وهذا يعتبر بالنسبة بالتقييم العالمي قريب من جيد جدا إلى ممتاز، وذلك بعد الآليات التي اعتمدتها من الرئاسة، وأصبحت ثقتنا بهذا الأمر أكبر.

* كيف تردون على من حملوا الأرصاد اللوم واتهموها بالتقصير؟

- كثر اللغط في الآونة الأخيرة ولا تزال تبادل التهم، وأصبح الكثير يعمل الأرصاد شماعة، وكان رد الأرصاد بجمع جميع التحذيرات التي أصدرتها قبل الكارثة وحتى انتهائها ووضعها على الموقع الخاص بها، وإرفاق أرقام الإرساليات للجهات التي تم مخاطبتها وإبلاغها بالسيول القادمة، وجعل بإمكان أي شخص الاطلاع عليها، ولم يكن القصد منه إظهار جهودنا أكثر من كونه ردا على من حملوا الأرصاد اللوم واتهموها بالتقصير وجعلوها شماعة للكارثة التي حصلت، ولم نتصدر الصحف لنرد على كل من أساء إلينا، وأؤكد أن التحذيرات التي أطلقناها، كانت كفيلة لتفادي أمور كثيرة حصلت، سواء من حيث فقد أرواح أو احتجاز أناس في أماكن مختلفة، خاصة أن آخر تحذير تم إطلاقه، كان في نفس يوم الكارثة في الساعة 4 فجرا إلى 8 صباحا، بالإضافة إلى أننا أرسلنا إلى جميع الجهات ذات العلاقة والمختصة مثل التعليم العالي وغيرها، فكان المفروض إبلاغ جميع الجامعات بذلك، لا سيما أن جدة وحدها ليست المعنية بهذه الأمطار، فقد شهدت أيضا مدينة عرعر أمطارا شديدة في ذات الوقت.

* وماذا حول تعطل أجهزة الأرصاد وانقطاع الاتصال؟

- بعد كل التنبيهات التي أصدرتها الأرصاد في الموقع التابع لنا، وحتى انتهاء الحالة صدر التقرير، وبعد الأمطار التي هطلت، حدث إشكال في مولدات الكهرباء في مبنى الرئاسة، مثلنا مثل أي إدارة حكومية أخرى، وقد احتجزنا ليومين في مبنى الرئاسة، وتضررت جميع سياراتنا، وأكد أن أجهزتنا لم تتوقف إلا بعد انتهاء الحدث، وكان التعطيل لمدة 24 ساعة ولم يكن في أيدينا شيء نفعله، ولكن بفضل الله كان الأمر محسوبا حسابه، وذلك نظرا لوجود البيانات التي لدينا ولولا ذلك لتعطلت جميع المناطق المجاورة، فدورنا واضح عندما استطعنا أن نعيد كل شيء مثل ما كان في السابق.

* ساعد الانفتاح الذي نشهده في الإعلام على خلط كبير من قبل الكثير، من حيث الحديث في غير مجالاتهم، كيف تتعاملون مع هذا الأمر؟

- فعلا، وحقيقة ما ذكر بأن من تحدث في ما لا يعلمه سمع العجب، وإن كانت الظروف ووسائل الاتصال الحديثة ساعدت البعض في تجاوز وتعدي تخصصه، فلا يعني الاستمرار في ذلك، لذلك يجب لكل شخص احترام مجاله، ولا يعني أنه قرأ كتاب أو مقالة أن «يفتي» ويتحدث في ما لا يفقه فيه، ولا بد من الرجوع إلى أصحاب الاختصاص لأن المساءلة تدخل فيها أمور مرتبطة إما بحياة أو موت، وفي نهاية المطاف نحن المحاسبون.

* كيف تردون على من يرى أن الرئاسة العامة للأرصاد تعمد دائما إلى عدم تهويل الأمور؟

- بالعكس، الأمر ليست كما يعتقد البعض، خاصة أننا نتعامل مع أمور متغيرة لا يستطيع أحد السيطرة عليها، إلى جانب أن هذه الأمور تسيطر عليها مجموعة عوامل، ليس لدينا حكم عليها، فلذلك المتغيرات تكون على طول الوقت، نحن لا نعطي الأمور أكثر مما تستحقه، وهناك أوقات نقول إن أمطار على غرب جدة سوف تهطل، فيتحول ذلك المطر إلى مناطق أخرى، هذا ما يحصل أحيانا لدينا حسب الظروف الجوية.

* مؤخرا تحول الكثيرون من الأشخاص إلى راصدي طقس، والبعض تمادى في ذلك، في ظل جهل الكثيرين بهذا المجال، ماذا تقدم الأرصاد من أجل رفع الوعي؟

- الرئاسة العامة للأرصاد حتى قبل العامين الماضيين وهي تهتم بالناشئة ورفع الوعي لديهم، أو لدى غيرهم من أبناء المجتمع من خلال دعوات وزيارات على مدار العام للطلاب ومنتسبي المدارس والجامعات، إلى جانب أننا نقوم بتدريب الكثير من الطلبة وبعض موظفي القطاعات الحكومية لدينا، سواء بطلب منهم أو بمبادرة منا، من أجل نشر الوعي الأرصادي.

* وفي ظل شغف الناس ومتابعتهم لأخبار الطقس، ما مدى صحة وتوقعات المراصد ووكالات الأنباء الخارجية بحالة الطقس لدينا؟

- من خلال الأمطار الأخيرة، صرحت الـ«بي بي سي» الأسبوع الماضي بأن هناك أمطارا من متوسطة إلى غزيرة، ستهطل على مدينة جدة، وعلى منطقة مكة المكرمة، وعلى الرغم من تلك التحذيرات لم يحصل شيء، والفرق أن بعض الجهات الخارجية غير مسؤولة عن تصريحاتها، وتبني على معلومات مناخية مع بعض العناصر الكيمائية والفيزيائية، بعكس الوضع لدينا، فنحن جهة مسؤولة لو أخفقنا نسأل ونحاسب، والمفروض أن تكون ثقتنا بالداخل أكبر من الثقة للجهات في الخارج.

* ما هي نماذج وتبادل معلومات متفق عليها بينكم وبين المراصد الخارجية؟

- نحن نستقبل مؤشرات المرصد الروسي، أو الياباني، سواء عن طريق الإعلام أو وسائلنا التقليدية، لكننا نقوم بدراستها بشكل مكثف، لأن تلك المؤشرات لا بد أن يكون لها شيء على أرض الواقع، شيء ملموس، لأنهم لم يبنوها إلا على أشياء معتمدة لديهم، ونحن نخضعها للدراسة ونقوم بالشيء اللازم تجاه هذه الحالة، ولا نستطيع أن نقول هذا تعاون، لكن هناك تعاون بين جهات معتمدة عن طريق منظمة الأرصاد العالمية، كدول مثل المركز البريطاني للأرصاد والمركز الأوروبي، والمعلومات بيننا متبادلة، ولا يستطيع أحد تبادلها إلا عن طريق أرقام سرية بيننا وبينهم، ولا نغفل أن هناك تعاونا نعمل وفقه مع عدد من الدول العربية.

* وهل هناك آلية جديدة من المتوقع اتباعها لرفع ذلك الوعي؟

- الرئاسة لديها خطة مستقبلية ترتكز على إيصال المعلومة للإنسان الذي لا يستطيع الوصول إلى موقعنا الإلكتروني، أو الاتصال على الرقم الخاص بنا، أو الاتصال على الرئاسة العامة، وسوف يكون ذلك عبر تحديث البيانات عبر الجوال، في ما يصدر على الموقع، يتم بثه على الهواتف الجوالة، باشتراك شهري لأكبر شريحة كبيرة.

* أشيع مؤخرا وتناقلت مختلف المواقع الإلكترونية والصحف وبعض المحطات، أن شبة الجزيرة العربية شهدت وما زالت تشهد وستشهد تغيرات غير مسبوقة على الصعيد المناخي، ما تعليقك على هذه المعلومات؟

- لو تحدثنا بحسب بعض المواقع العالمية أو المراصد التي تحدثت في هذا الصدد، فهناك من ذكر أن أمطارا ستهطل خلال هذا الأسبوع، وهو الأمر الذي لم يحصل، ومن فضل الله أنه حدث مثل ما ذكرنا في تقريرنا الصادر الأسبوع الماضي بأن هناك تبريدا على أجواء المملكة يلي الكارثة التي حصلت، وأعتقد أن هذا التغير واضح للجمهور، والأوضاع مستقره حاليا، وحول التغيرات المناخية التي قد تطرأ خلال العام المقبل، فنحن لا نملك توقعات لمدة 3 أشهر حتى نتحدث عن توقعات لعام مقبل، لكن مجملا كوجهة نظر مختص، ينقسم الخبراء إلى فريقين في هذا الأمر، فأنا من الفريق الذي يؤيد أن هناك تغيرا مناخيا قدر ما هو دورات وموجات مناخية تؤثر على المملكة، وقد تتأثر البلاد بالموجات، وأعتقد أن هذا الفصل سيكون مطيرا على المملكة.