السعودية: خطة استراتيجية لتطوير سوق العمل وكسر الروتين في الاستثمار

الجهني لـ «الشرق الأوسط»: تركيز سيدات الأعمال في عسير على المشاغل النسائية تسبب في تضخم هذا التوجه الاستثماري

تصوير سوق العمل كجزء من منظومة الاقتصاد الكلي هو هدف الاستراتيجية الجديدة
TT

قادت حدة المنافسة بين المستثمرات السعوديات في مجال المشاغل النسائية في منطقة عسير إلى هجرة الكثير من صاحبات الأعمال إلى التفكير في الاستثمار بقطاعات أخرى، بحسب مسؤولة في وزارة العمل، التي أكدت لـ«الشرق الأوسط» ارتفاع نسبة المنافسة على المشاغل النسائية في منطقة عسير إلى نحو 100%، مما دفع شريحة كبيرة من المستثمرات إلى إلغاء فكرة مشروع المشغل النسائي، وفتح آفاق جديدة لوضع خطة استراتيجية تعزز وتدعم من برامج السعودة، وتسهم في تطور سوق العمل وكسر روتين الاستثمار النسائي في السعودية.

وأشارت عيشة الجهني، مديرة القسم النسوي بمكتب العمل بعسير، إلى خطة استراتيجية تستند على تطبيق استراتيجية التوظيف السعودية الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقــم (260) وتاريخ 5/8/1430هـ، لتجسيد الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة، لتوفير فرص العمل للمواطنات وفق منظور استراتيجي متكامل، تتضافر من خلاله كافة الجهود لتطوير سوق العمل وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.

وقالت الجهني إن هذه الاستراتيجية تتميز بقدرتها على تصوير سوق العمل كجزء من منظومة الاقتصاد الكلي، بحيث تأخذ في الاعتبار التكامل بين جهود الإصلاح الاقتصادي وبرامج إصلاح وتطوير سوق العمل.

وأردفت «من المتوقع بمشيئة الله أن تحدث استراتيجية التوظيف السعودية نقلة نوعية في أداء الأجهزة المعنية بمتابعة متغيرات سوق العمل السعودية والتي من شأنها أن تسهم في تحسين مستوى إنتاجية عنصر العمل الوطني وزيادة مساهمتها في العملية الإنتاجية».

وعن الهدف المرجو تحقيقه لخطة العمل من قبل مكتب العمل النسوي، أوضحت مديرة القسم النسوي بمكتب العمل بعسير أن الهدف الرئيسي هو كسر الروتين الاستثماري، وذلك - وفق ما ذكرت - يرجع إلى إمكانية المرأة المستثمرة في عسير، والتركيز على تحقيق السعودة ومتابعة تطبيق نظام العمل.

وأشارت إلى أن التضخم الحالي وتزايد عدد المشاغل النسائية في منطقة عسير يعود إلى اقتصار سيدات الأعمال على هذا النشاط فقط دون سواه، إلى جانب طبيعة المجتمع حيث إن المجالات محصورة في قطاعات معينة.

وأضافت «كما أن فتح مشغل يعتبر أقل تكلفة ماديا بالنسبة لغيره من المنشآت، وهذا ما دفع بالبعض، وإن لم يكن الغالبية العظمى، إلى التوجه نحو المشاريع النسائية والمتمثلة في المشاغل، وعلى الرغم من ذلك، فإنه وللأسف هناك بعض صاحبات المشاغل يجهلن بعض الأنظمة والقوانين، بالإضافة إلى أن معظم سيدات الأعمال المنتسبات للغرفة التجارية يقمن بعمل وكالة شرعية لأقاربهن لإدارة مشاريعهن الخاصة، ومراجعة الدوائر الحكومية لإنهاء معاملاتهن، وذلك يعطل من مكتب العمل القسم النسوي كآلية للتواصل المباشر تم إيجادها من أجلهن».

واسترسلت في قولها «لو أردنا الإطاحة بذلك التوجه الاستثماري النسائي الموحد في عسير لاصطدمنا بواقع ضعف فرص العمل النسائي»، وعادت الجهني لتوضح ذلك بقولها «لا نستطيع أن نحدد نسبة ثابتة لفرص العمل النسائية، حيث إنها تزيد بحسب توفر الشاغر من خلال سوق العمل، ولكن أعتبرها نسبة لا بأس بها، ويتم التوظيف عليها مباشرة، وليست مقتصرة على المشاغل النسائية، بل توجد شواغر صحية وإدارية وتعليمية في القطاعات الأهلية، لذلك جاء افتتاح القسم النسوي بمكتب العمل بعسير استجابة لقرار مجلس الوزراء رقم 187 وتاريخ 17/7/1426هـ المتضمن في مادته الثالثة أن وزارة العمل هي الجهة صاحبة الاختصاص في تطبيق ضوابط تشغيل النساء كأجيرات لدى أصحاب العمل، باعتبارها الجهة المعنية بتطبيق نظام العمل. وتمشيا مع قرار مجلس الوزراء رقم 120 وتاريخ 12/4/1425هـ بزيادة فرص ومجالات عمل المرأة».

وأضافت الجهني «نرى أنه لا يوجد تأخر كبير في إيجاد الشواغر، لأن إيجاد وظائف وطواقم إدارية يتطلب وقتا من الإجراءات والإعداد، حتى يصبح حقيقة واقعية، ولذلك تم افتتاح هذا القسم للاهتمام بإيجاد فرص عمل للمرأة ومتابعة الأنشطة القائمة التي تعمل بها النساء، لأنه كان يتعذر متابعتها في ظل عدم وجود كوادر نسائية».

وتظل السعودة النسائية هي ما يؤرق القسم النسوي بمكتب والعمل، وهذا النظام بالتحديد يحتاج كما ذكرت موظفات القسم إلى الصبر والجلادة على صاحبات العمل الرافضات لفكرة السعودة، ولتبريراتهن المختلفة.

وعلى ذلك أبانت أمل باكدم وهي مفتشة عمل بمكتب العمل القسم النسوي، بأن القطاع الخاص يحتاج إلى حلم وصبر من موظفاته ومن الطرفين (صاحب العمل – وطالب العمل)، وأضافت «نحن نتبع أساليب التشجيع، المتجسدة في حث سيدات الأعمال على توظيف المواطنة السعودية، وتنمية روح المواطنة، كون طالبة العمل بنت البلد، والأولى بشغل هذه الوظائف، وإصدار شهادات تحقيق نسبة سعودة للمنشآت التي حققت نسبة السعودة حسب نشاطها إلى جانب التوجه إلى صندوق تنمية المراد البشرية لدعم المواطنات السعوديات بتحمل جزء من الراتب. وإيضاح الآثار السلبية لاستقدام العمالة الوافدة من خلال الجرائم المنتشرة بالبلد (الهروب – استنزاف الأموال الطائلة خارج البلد)، بالإضافة إلى التعريف بأضرار البطالة بين صفوف العمالة الوطنية وما لها من أضرار جسيمه. وتوفير لقمة العيش للمواطنة خاصة من لديها ظروف أسرية صعبة ومنهن المطلقة والأرملة».

وحول آلية الترشيح من قبل مكتب العمل لموظفات مؤهلات للعمل في القطاعات النسائية الخاصة، أفادت أمل باكدم بأن أكثر أنواع المخالفات التي تم رصدها هو عمل المرافقات وهن غير مصرح لهن بالعمل، كما لوحظ مماطلة بعض أصحاب المنشآت في توظيف المرشحات من قبل مكتب العمل، ووجود العمالة غير النظامية (وتشمل غير المصرح لهن بالعمل أو على كفالة الآخرين)، وعدم توفر رخص عمل للعاملين، وعدم الاحتفاظ بالمستندات التي تتضمنها اللائحة التنفيذية.

وحول أسباب تلك المخالفات أردفت مفتشة العمل «أرى أن الجهل بنظام العمل يعد من أقوى الأسباب التي تؤدي إلى المخالفة، وعدم وجود جهة رقابية تتحقق من رصد المخالفات كمكتب العمل النسوي (لذا تم إنشاء قسم يختص بالمنشآت النسائية)، بالإضافة إلى التهاون والتكاسل من قبل أصحاب المنشآت في تطبيق نظام العمل، والتمسك بالعمالة الوافدة على الرغم من كثرة عيوبها، إلى جانب عدم وجود إقبال لبعض الوظائف من قبل بعض أفراد المجتمع».

وأعادت الأسباب في ذلك إلى طبيعة المجتمع، وقالت «يعد هذا السبب أيضا أحد معوقات التوظيف، ولا ننسى قلة الخبرة المكتسبة في بعض الوظائف من قبل طالبات العمل والتي أدت إلى الاستعانة بالعمالة الوافدة حتى وإن كانت مخالفة لنظام العمل».

وأضافت باكدم «أود أن أشير إلى أن مفتشة العمل لا بد أن تتوافر بها صفات معينة كالمصداقية والحياد والحكمة، وعليه فمن الطبيعي عند تطبيق النظام أن نقابل بعدم الرضا من قبل مخالفي الأنظمة، وهنا يظهر دور المفتشة في تفهم الأمر، وتوضيح الغرض من الزيارة وهي التعريف بالأنظمة وطرق تلافي المخالفات».

أما عن فرض الغرامات وتطبيقها في حال تكرار المخالفات تقول أمل «يتم فرض الغرامات عن طريق الهيئات العمالية، فنحن لا نلجأ إلى فرض الغرامة لصد الهجوم أو للانتقام من ردة فعل غير مرضية من قبل صاحبة العمل لأننا محاسبين أمام الله حيث إن المفتش تحت القسم لمراعاة الله في أداء مهمته، وحيث إن الهدف من زيارات القطاع الخاص هو تخفيض نسبة البطالة وخلق فرص عمل، فالقطاع الخاص ومكتب العمل مكملان لبعضهما البعض».

وحول مدى قناعة المكتب النسوي ببعض المبررات المقدمة من صاحبة العمل في حال عدم تطبيق النظام، أشارت باكدم إلى أن جميع المبررات التي تقدم من قبل صاحبات العمل لا تشفع لهن، معللة ذلك بأن الغالبية منها أسباب واهية، تتعلق بعدم جدية طالبة العمل أو عدم خبرتها.

وعلى ذلك ساقت باكدم مفتشة العمل بعض الحلول لتلافي التسيب في النظام والمتمثلة في تحرير عقود عمل بين الطرفين، وفق نظام العمل والذي يعتبر - وبحسب قولها - مهما ومطلبا نظاميا لتحديد الواجبات بالإضافة إلى إلحاق طالبة العمل بدورات تدريبية وتأهيلية في المنشأة أو مراكز التدريب الأخرى.

وطالبت كذلك بالصبر على طالبة العمل لأخذ الخبرة، حيث إنها لا تكتسب إلا بممارسة العمل لفترة مناسبة، وأضافت «من أهم الحلول عدم عقد مقارنة بين العمالة الوافدة والمواطنة، وذلك نظرا لاختلاف العامل الاجتماعي والجغرافي والتأهيلي، إلى جانب رفع نسبة الرواتب للموظفة السعودية، حيث إن تدني الرواتب يعد أحد أسباب عدم استمرار الموظفة أو عزوفها عن العمل، وتوفير بيئة عمل مناسبة تخلق الأمان الوظيفي المنشود من قبل طالبات العمل، كما أن تقنين ساعات العمل يعد من أهم الحلول، حيث وجد أن بعض المنشآت تتجاوز ساعات العمل بها 11 ساعة كالمشاغل، وهذا قد يشكل عائقا أمام طالبات العمل السعوديات، وفقا للمعطيات الاجتماعية البيئية لهن.

وفي السياق ذاته، لفتت علوة عسيري وهي مفتشة عمل بمكتب العمل - القسم النسوي، إلى أن جميع التخصصات تعليمية بالإضافة إلى التخصصات الفنية دبلوم الحاسب الآلي يطالبن بوظائف إدارية والعكس كذلك، وجميع الطلبات تقبل من قبل قسم التوظيف لأنه من حق كل مواطن وبحسب تعبيرها الحصول على فرصة عمل تناسب مؤهله، ويقوم قسم التوظيف بتوجيههن لتلك الوظائف في حال وجود شاغر وهناك.

وبالعودة إلى عيشة الجهني، والتي أكدت بأنه تم الشرح من قبل مديرة القسم النسوي في الاجتماع الذي تم عقده مع سيدات الأعمال بالتنوع في الأنشطة والمنشآت النسائية، بهدف توفير أكبر قدر ممكن من الوظائف للمواطنات السعوديات، وحثهم للتغيير من المسار الفكري والاستثماري الحالي، حيث تم عرض بعض الأنشطة النسائية والمتمثلة في إنشاء مصانع أو محلات لتغليف الحلويات والزهور وتزيين كوش للأفراح، ومصانع خياطة ونسيج وتطريز.

وقالت «طرح رجل أعمال بمنطقة عسير توجها جديدا لمشروع بمساحة 1500م، حيث إنه بحاجة إلى أفكار لفتح مشاريع نسائية، بشرط أن من يقوم بإدارتها والعمل بها موظفات سعوديات ولدينا نحن ممثلات القسم النسوي بمكتب العمل الاستعداد التام لعرض أفكارهن لصاحب المشروع والإيجار بها».

وحول جدية المرأة المستثمرة في عسير نحو دعم اقتصاد المنطقة، قالت الجهني «طبعا المرأة المستثمرة في عسير تخدم اقتصاد المنطقة، وهناك بعض من سيدات الإعمال لديهن رغبة في تصدير منتجاتها وفتح فروعها في جميع مناطق المملكة، وهناك من يعتمدن على الدخل المادي وهذا يرجع إلى طبيعة ثقافة المرأة المستثمرة بالإضافة إمكانياتها المادية».

وفي الوقت ذاته أشارت كل من سميرة الغامدي وماجدة الحازمي وهما باحثتان في التوظيف العمالي، إلى أنه تم تفعيل قسم الاستقدام، وهو جديد في القسم النسوي، ولم تسجل من خلاله - بحسب تعبيرهما - أي مشكلات في قسم الاستقدام النسوي.

وأشارتا إلى أنه وفي حالة وجود أي مشكلات يتم الرجوع إلى قسم الرجال المختصين في استقدام القوى العاملة لإفادة القسم النسوي بما يمكن حله لمواجهة أي مشكلة.

وأردفت الحازمي قائلة «يسعى مكتب العمل بكل ما أوتي من جهد في تحقيق توظيف طالبات العمل المؤهلات لشغل الوظائف المناسبة، ولكن هناك شروط مفروضة لشغل بعض الوظائف، حيث يجب أن تتوفر لديهن الخبرة والكفاءة وتجاوز الاختبارات التي تعد من قبل منشأة التوظيف ومكتب العمل يسعى لتحقيق الهدف المنشود وذلك بتوظيف ذوي المؤهلات المناسبة في الوظائف المناسبة».