وزير سعودي سابق يصر على وجود المرأة في الميدان.. ويرفع عنها الزوائد المتشددة في الحجاب ويحدد حقوقها الضائعة

كتابه المثير يبدد غيوم الأجواء المتوترة في أرض معرض الرياض للكتاب التي خلقها متشددون

د. محمد الرشيد أعاد قضية المرأة في السعودية إلى الواجهة مجددا وغلاف الكتاب في طبعته الثانية بعد نفاد الطبعة الأولى
TT

في ظل الأجواء المتوترة التي يشهدها حاليا معرض الرياض الدولي للكتاب وحالة الترقب التي تنتاب الزوار والناشرين من هجمات المتشددين والمغالين وتطاولهم ممن أطلقوا على أنفسهم بالمحتسبين دون أن يحملوا صفة رجال الحسبة الرسميين، والذين أثاروا الفوضى واللغط في ردهات وممرات وأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي انطلق يوم الثلاثاء الماضي ويودع زواره يوم الجمعة المقبل.

في ظل هذه الأجواء رد وزير سعودي سابق على هؤلاء المتشددين، معتبرا أن كل ممارساتهم فيما يتعلق بالمرأة ليست من الإسلام في شيء وذلك من خلال كتابه المعنون بـ«المرأة المسلمة بين إنصاف الدين وفهم المغالين» وهو الكتاب الذي أثار جدلا واسعا ووجد قبولا واهتماما، وحظي بتعليقات وقراءات طالت الدول العربية، وتم عرضه للترجمة إلى اللغة الإنجليزية اقتناعا بأهمية أن يعرف من يجهل إنصاف الإسلام للمرأة في كافة جوانب الحياة بصرف النظر عن ممارسات الناس في بعض البلدان الإسلامية في هذا الشأن.

وأعاد الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزير التربية والتعليم السعودي السابق الذي حمل حقيبة الوزارة في القطاع خلال الفترة من 1995 إلى 2005، الجدل حول المرأة في السعودية حيث من المتوقع أن يثير الكتاب الجديد الذي أصدره في طبعته الثانية ويعرض حاليا في معرض الرياض للكتاب الجدل على الساحتين الثقافية والفكرية، لأنه يتناول قضية بالغة الحساسية بكثير من الجرأة سواء في اقتحام التابوهات المفروضة حولها، أو في الجزم بإطلاق حلول «صادمة»، حيث ظلت قضية المرأة في السعودية منذ سنين إحدى أبرز نقاط الجدل في الساحة بين التيارات هناك، وهي تمثل منطقة خلاف اجتماعي أيضا، بسبب ما يعتري هذه القضية من اختلاط الديني بالاجتماعي.

لكن المؤلف الدكتور الرشيد يصر على الحاجة لوجود المرأة في الميدان العام، رافعا عنها الزوائد المتشددة في الحجاب، كتغطية الوجه، داعيا إلى أن تسهم في تعليم الذكور، والاختلاط معهم، ودمج التعليم العام والجامعي، والعمل جنبا إلى جنب، ومزاولة النساء للمهن كلها، وصولا لأن تتاح لها قيادة السيارة بنفسها.

وفي كتابه الذي أعاد طباعته مرة أخرى بنسخة مزيدة ومنقحة بعد نفاد طبعته الأولى وأضاف فصلا جديدا يوضح عدالة الإسلام وإنصافه العلمي الحقيقي للمرأة في مسألتي الميراث والنفقة يشدد الرشيد على أن المجتمعات الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجنيد كل طاقات الناس فيها، ذكورهم وإناثهم، وطاقاتهم الفكرية والإيمانية لتعمير البلاد، والنهوض بالمجتمع في ظل سور أخلاقي إيماني دون حجر على فئة والحد من عطائها، معتبرا أن الإسلام في كل شعائره وواجباته يسوي في أصولها بين الرجل والمرأة، وموردا حدود العلاقة بين الذكر والأنثى من بني البشر.

وتناول الرشيد نماذج وقصصا ومواقف فريدة يؤكد من خلالها أنه ليس هناك أي معنى لحوار أو حديث يوحي بأن المرأة أقل مكانة وإنسانية، وعطاء، وحصافة من الرجل، لافتا إلى أن بعض الممارسات في بعض المجتمعات الإسلامية لا تقوم على حجة مقنعة بشأن المرأة وحقوقها، وإنما هي أخذ باجتهاد فقيه سابق أو لاحق، لا يمثل جزما في الأمور، ولا يعتبر قطعا في القضايا، والمسلمون ليسو ملزمين برأي تكثر حوله الخلافات، متناولا في هذا الصدد دية المرأة التي تعارف الناس على أنها نصف دية الرجل، موردا أحاديث وأقوال تؤكد على أن المرأة كالرجل سواء بسواء.

وفي أحد فصول كتابه «المرأة المسلمة بين إنصاف الدين وفهم المغالين»، أسهب المؤلف في الحديث عن المرأة وغطاء الوجه، مشددا على القول إنه «أمر مهم يجب أن نمعن التفكير فيه، ذلك هو الرأي القائل بأن تغطية وجه المرأة جزء من حجابها الشرعي. ومعلوم أن أغلبية العلماء والأئمة من سلفنا الصالح، ومن الفقهاء المعاصرين لا يرون أن تغطية الوجه جزء من الحجاب. وقلة منهم هم الذين رأوا ذلك، وليعذرني المطالبون بتغطية وجه المرأة أن أقول: إن معياري السابقين: العقيدة والفضيلة، لا تحققهما تغطية المرأة لوجهها».

ويورد الرشيد قول بعض أهل العلم: «كما أن باب الذريعة يسد، فقد توجب الأحوال فتحه عندما يكون الفتح سبيلا لتحقيق الصواب، وأدرأ للشبهات».

ويقول الرشيد: «إن عزلنا للمرأة وإقصاءنا لها، وإلزامها بتغطية وجهها يفسد علينا كثيرا من المصالح، ويبعد من قد يستهويهم خلق الإسلام عن أن يعتنقوه. ولكن التحلل من التصرفات السليمة مرفوض بلا شك، ولن يسمح المجتمع المسلم، ويجب عليه ألا يسمح بالسفور، والابتذال في الملبس، ولا في الغنج عند المشي، والحديث بما يثير الفتنة والشبهة، لأن حماية الشرف والعرض من أوجب واجبات المسلم، ومن أشدها فرضا عليه، ذكرا كان أم أنثى».

ويضيف: «والخير كل الخير أن نزن كل تصرفاتنا بميزان يحقق الفضيلة التي ندعو إليها، تثبيتا لدعوة ديننا الذي يوجب على المرأة حماية نفسها، وابتعادها عن كل ما هو غير كريم في حياتها، فلو انحلت هذه العقدة المتمثلة في (تغطية الوجه)، فسوف يتبعها يسر في الحياة العملية، وإيقاف لهذا التناول المتشعب لهذه القضية».

ويعالج الرشيد الجدل الفقهي الدائر حول تغطية المرأة لوجهها بقوله: «هناك قلة تقول بوجوب تغطية الوجه، بوصف ذلك جزءا من الحجاب الشرعي، وحجتهم في ذلك أن موضع الفتنة في المرأة هو وجهها، وكفاها، لذلك يحذرون من استشراء الفتنة لو كشفت المرأة وجهها. ومنهم من يقول: إن إباحة كشف المرأة لوجهها سيكون بوابة وطريقا لكشف الشعر، ثم الصدر، والنحر، والذراعين. والجواب على هذا الاعتراض وأمثاله يتلخص في أمرين:

أولهما: إن الاعتراض الواجب هو عدم إجبار المرأة على تغطية وجهها، أو القطع بأن ذلك جزء من الحجاب الشرعي.. ومن رغبت في إبقاء غطاء وجهها فلا أحد يملك حق الاعتراض عليها، مع التأكيد على التمسك بمعياري: العقيدة والفضيلة.. وغطاء الوجه لا يحقق هذين المعيارين بالضرورة، بل إن غطاء الوجه قد يكون مدعاة للخداع، وارتكاب ما لا تحمد عقباه، سواء في العلاقات الاجتماعية العامة، أم في العلاقات الخاصة.. مع تأكيد الالتزام بالحجاب الشرعي، المتمثل في تغطية شعر الرأس، ومنع السفور، والابتذال في الملبس، وكل ما يثير الفتنة والشبهة.

وثانيهما: إن الاحتراز من بعض الأشياء المباحة، خوفا من أن تجر أشياء أخرى سوف يعطل كل حياتنا.. كما قال أحد الفقهاء: (هذا باب لو فتح لصعب إغلاقه، فمثلا قد يقود هذا الاحتراز إلى عدم زراعة شجر العنب خشية أن تكون ثماره مادة لصنع الخمر. وما دام الأمر فيما يخص غطاء وجه المرأة المسلمة ليس قطعيا في أنه جزء من الحجاب الشرعي، فإنه لا يوجد سبب يوجب إلزام المسلمات بذلك)».

ويقرر الرشيد أنه ليست هناك أسباب مقنعة تجعل من هذه الممارسات، التي تفصل بين رجال المجتمع المسلم ونسائه إلى هذه الدرجة الممقوتة، أمرا مقبولا، وليست هناك براهين شرعية تجعل المجتمع يلج في نقاش حاد، مستمر متناقض، حول هذه القضية، وكان أولى بنا أن نصرف مناقشاتنا إلى ما هو نافع لحياتنا، في مجال التربية، والعلم، والمال، والاقتصاد، ونجعل من المجتمع الذي يدين أهله بالإسلام مجتمع أعمال لا أقوال، وإنتاج لا جدال.

ويرى الرشيد أنه أمر محزن أن تسود البطالة في عنصر النساء، حتى المؤهلات منهن في شتى صور التأهيل العلمي، إلى درجة سببت أزمات عائلية واجتماعية خطيرة.. هي حديث الكثيرين اليوم، ويبحث المختصون سبل علاجها، ويضيف قائلا: «وما كان أحرى أن يعين هؤلاء اللاتي لا عمل لهن في أعمال تحتاج إليهن حتما في بلادهن، وفي ذلك حل يكفل القضاء على ما في كثير من الأسر من أزمات اقتصادية، يمكن التغلب عليها بوظيفة لبنات هذه الأسر».

ثم يضيف: «كل هذا حدث نتيجة هذا الحجر غير المشروع على المرأة، وحال بينها وبين أماكن العمل المشروعة. وهذا الفصل القائم في نظر من يتشددون في التمسك به أحدث تكلفة اقتصادية كبيرة على الأسر والأفراد في البلاد التي فيها هذه الظاهرة المتشددة، أعني هذا الفصل المتعنت بين الرجال والنساء الذي يتحمل الأفراد نتائجه، حتى وصل الحال بمعظم الحالات إلى أن يكون هناك للمنزل مدخلان، أحدهما للرجال، والآخر للنساء، ومجلسان مفترقان كذلك، مع أنه بالإمكان تنسيق ذلك، بحيث يكون لكل وقته ومجلسه، مما زاد في تكلفة البناء عندنا تكلفة ما كان أغنانا عن إنفاقها. ولم يتبين لي داع شرعي يجعل المجتهدين ينهرون النساء طالبين منهن أن يجعلن العباءة فوق الرؤوس وليس على الأكتاف.. مع أن الرأس مغطى بغطاء الرأس سلفا».

ويشدد الرشيد بالقول: «كما أني لا أجد تفسيرا دينيا أو أدبيا أو إنسانيا يبيح لبعض من الناس وكل إليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يدخلوا المحلات العامة من مقاه ومطاعم وغيرها مفتوحة، ويطلبون من الرجل إبراز ما يثبت أن هذه المرأة أو هؤلاء النساء اللاتي في صحبته من محارمه».

ومن هذا المنطلق يطالب الرشيد أن تعلم المرأة الطلاب حين تكون هي الأكثر فائدة وتأهيلا في مجالها، وأن يعلم الرجل الطالبات كذلك، حين يكون تخصصه لازما لهن، دون خوف من أحد الطرفين على الآخر. وعدم الفصل بين النساء والرجال في قاعة دراسية، أو أي ندوة علمية، أو اجتماع فكري يجمع بين الطرفين، بحيث تكون صفوف الرجال في المقدمة والنساء في المؤخرة كما هو الأمر في الصلاة، دون إنكار من أحد لذلك.

كما يطالب الرشيد بأن تتاح مزاولة النساء للمهن كلها، بما في ذلك البيع والشراء في المحلات التجارية على العموم، وعلى وجه الخصوص، حيث يشدد على أن ذلك أكرم للمرأة أن تشتري أغراضها وملابسها الخاصة من بائعة أنثى، إضافة إلى أن تتولى المرأة الإدارة والإشراف في المصالح العامة والخاصة، وتدير المؤسسات والشركات التجارية والمصانع، مما يتفق مع قدراتها، وتأهيلها، حتى لو كان من بين من تديرهم رجال.