طريق حاج اليمامة القديم.. رحلة المتاعب والمخاوف فوق ظهور الجمال

الملك المؤسس ألغى قبل 88 عاما الضرائب على الحجاج لتسهيل أدائهم الفريضة * طريق وادي نعام والحريق.. أقدم طرق الجزيرة من زمن التعرجات إلى عصر المركبات

رحلة الحج على ظهور الجمال تستغرق عدة أشهر وتتطلب استعدادا لمدة عام عبر طرق وعرة قبل عصر المركبات
TT

يعد طريق حاج اليمامة (نجد القديم) عبر وادي نعام والحريق إلى مكة المكرمة من الطرق المعروفة والمهمة التي كان الحجاج يسلكونها منذ القدم في ظل مخاوف كانت تلازم سالكي طرق الحج لانعدام الأمن، وتحملهم المشاق حتى وصولهم إلى المشاعر المقدسة، ورغم أن العديد من الحجاج والمعتمرين قد عبر طريق حاج اليمامة عبر وادي نعام والحريق، كما اجتازته القوافل التجارية مصعدة ممتارة من عالية نجد مقبلة وعائدة، وعلى الطريق ذاته منابر، وسيوح وأنهار يردها السالكون، والممتارون، فإن هذا الطريق، والحال تلك، من أهم الطرق في نجد العابرة إلى الحج، والعمرة، والتجارة.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وقبل أربع سنوات، عاد الطريق إلى الواجهة، لكنه هذه المرة أصبح أكثر تيسيرا للعابرين منه وإليه.

ونجح الباحث عبد الله بن سعد بن راشد الدريس في إنجاز بحث عن هذا الطريق، حيث قدم دراسة موجزة عن طريق حاج اليمامة من حريق نعام إلى مكة المكرمة خلال فترة كانت الدواب فيها هي وسيلة النقل وحتى زمن انتشار السيارات في غالب نواحي السعودية، ووصف الطريق في المصادر القديمة من خلال الشعر وكتب المؤرخين والجغرافيين، مرورا بالحديث عن السالكين هذا الطريق، ومعرجا في الحديث عن أدلاء الحاج في الطريق وصفاتهم، والوصية بالحج ومقدارها، وأمراء الحج، وزمن خروج الحاج وعودته، كما صور الباحث كيفية الرحلة، وتنظيمها، والاستعداد لها بالمؤن والماء، ودور طلبة العلم والمشايخ، موردا فتاوى ومراسلات عن الحج وأحكامه، كما أورد وصفا عن نقل الحجاج بالحمل والإكراء، والحداء على ظهور الإبل، واستراحات الحاج والتناوب في ركوب الإبل، كما تطرق إلى موضوع المبشرين بقدوم الحاج، وأثر الحج في نفوس الشعراء، والحج في الأمثال الشعبية. وحقق الباحث الدريس ضمن كتابه مخطوطا منسوبا للشيخ محمد بن عبد الوهاب على نسختين خطيتين عن أركان وواجبات الحج.

بداية، يعطي المحقق عبد الله الدريس وصفا للطريق في المصادر القديمة، موضحا أنه يقع في وسط اليمامة من الجهة الشرقية لجبال طويق في إقليم نجد، ويعد حلقة وصل بين أهالي الجزيرة العربية، يمر به القادمون من البحرين وعمان، ومن يأتي عن طريقهما من بلاد فارس وما يليها شرقا، فلأهميته وقيمته عني به الإخباريون والمؤرخون والشعراء، ومما جاء في وصفه قديما في النصوص، والشواهد الشعرية قول الشاعر:

فما يخفى علي طريق برك وإن صعدت في وادي نعام هذا الشاهد قديم من خلال الأماكن المجردة، برك، وادي نعام، وقائله ممن سكنوا الوادي، فهو يشير لوضوح طريق برك.

وقول الشاعر:

لعلك توطيني نعاما وأهله ولو بان بالحجاج منه طريق وفي هذا البيت، تأكيد وزيادة إيضاح؛ فالشاعر يرغب على كبر سنه، وتعب منه حمله إلى «برك - نعام» في الإقامة به، ولا يعيبه ذلك المعبر، فهو جدير بالإقامة والسكنى، لوقوعه في واد حصين، وهو من وطن الشاعر الغالي عليه.

وقال ابن المقرب العيوني:

فلم يبق إلى أن تزم ركائبي ويصبح كيد بيننا وسنام فخير من الأحساء إن رام مثلكم أشي ووادي ملهم ونعام وتحدث إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت216هـ)، من أعلام القرن الثالث، في كتابه «المناسك» عن طريق الجزيرة الموصلة للحج، ووصف مواردها ولمن تخص من القبائل، وحدد المسافات بينها، ووصف منابرها وقال: «ثم منبر الخرج، وأهله قيس بن ثعلبة، والمنبر بالمجازة وأهلها بنو هزان، من ربيعة»، غير أن الحربي هنا تتبع المنابر فحسب، ولم ينص على أن القادم من الأحساء وعمان وأهل المشرق يسلك هذا الطريق مارا بمنبر المجازة، مما يوحي بأن هذا الطريق كان مجهولا في زمن الحربي. واختلف في مفهوم المنبر؛ فقيل مسجد للجمعة كما ذكر بعض البلدانيين، وأعتقد أن المنبر مصطلح تنظيمي يعد نقطة عبور في طريق الحجاج خاصة، وعليها أمير مفوض، ومنازله بمثابة المراحل في الطرق.

وأشار ابن الفقيه (ت340هـ) إلى وجود سيوح وأنهار لهذا الطريق، وهي من لوازم سلوك هذا الطريق؛ قال: «وبالمجازة نهران بأسفلها نهر يقال له (سيح الغمر)، وبأعلاها قرية يقال لها نعام بها نهر يقال له: (سيح نعام)».

أما الهمداني (ت344هـ) فقد حج من اليمن، وحمل الحجاج، ووصف طريق حجه، معرجا على هذا الطريق للقادم من الشرق، وتجاوز منبر المجازة، واتجه منه لطريق فلج اليمامة، مما يشير أيضا إلى أنه غير مسلوك آنذاك بقوله: «ثم تقصد كأنك تريد مكة فقصد أمام وجهك ماء ملح يقال له (الضاحية)، ثم على بطن طريق مكة النضرية ماء عذب، ثم الأحزابة، وهي في أجواف عماية، ثم تخرج في صحراء حمة بعد أن قطعت عماية اليسرى، واليمنى عن يمينك، وقطعت فجوات قصيبات سود متقابلات، وفي العمايات مياه منها الشكول وطريف، وأحساء الثمام، ثم ترد الأحساء أحساء مترفق، ثم تدخل في أعراف لبني حيال ضلعان بها ماء يقال (له) العسير، ثم المحدث؛ محدث نملى». لكنه أشار إشارة أخرى: «ومن أحب شرب بالمراء، ثم برك، ثم بريك، ثم يأخذ على المجازة وإجلة، فتلك البلاد». فهل يعني بذلك إشارة لطريق الحج الآخر؟ أم يعني طيب الماء فحسب؟

وقال ياقوت الحموي (ت626هـ): «العلاة لبني هزان باليمامة على طريق الحاج».

وذكر أبو بكر بن بهرام الدمشقي (ت1102هـ) أن حاج الأحساء يتجاوز هذا الطريق (طريق حاج اليمامة) ويأخذ طريق الدرعية، وقد علل ذلك بأن «الماء لا يتوافر إلا في أربع مراحل من (عمان لمكة المكرمة)، وثمان منها رمال خالصة، ولهذا السبب يأتي حجاج عمان بطريق البحر».

وأشار «ج ج لوريمر» (ت1335هـ/ 1914م) إلى أنه طريق مستعمل، ولكنه غير مطروق بكثرة، وصعب نسبيا، ويبتدئ من ساحل قطر إلى منطقة الحوطة في نجد الجنوبية.. وقال: «توجد معلومات عن طرق صغيرة في مختلف الأماكن بالمنطقة تحت عناوين ضرومة، وحريق..».

وقال ابن خميس في «تاريخ اليمامة» بأن وادي الحريق، «نعام» سابقا، من أكبر الطرق المعتبرة للقوافل التجارية الممتازة من «الحوطة والحريق والخرج مقبلة من العالية وعائدة إليها، ومعه طريق حجاج الموصلة تلك الجهة وما يصاقبها شرقا..).

السالكون الطريق أما السالكون لهذا الطريق، فيمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام:

- القسم الأول: أهل هذا الوادي، ويشمل الحريق من غربيه؛ من الرين، ومليحات، والربوة، والقويعية.

- القسم الثاني: شرقي الحريق وهم: أهالي بلدة المفيجر، ونعام، والفرعة، وأسفل الباطن، والحلة والقويع، والعطيان، والحلوة.

- القسم الثالث: القادم من الشرق مصعدا من الدلم، وجنوبي الخرج. ومن يتجمع مع أهل الدلم من حجاج الخليج العربي وعمان، وحتى يصلوا إلى حجاج هذا الوادي، ولهذا القسم طريقان:

- درب المجصص في شعيب السرحة في نعام: يعتقد الناس الآن أن الأهالي جصصوه، وأظن أن هذا بعيد؛ إذ أشار ياقوت إشارة يفهم منها خلاف ذلك حين ذكر طريق الحاج فقال: «وبها المجالي، وهي حجارة بيض يحك بعضها ببعض ويكتحل بتلك الحكاكة». وفي شعيب السرحة يجتمع الحجاج القادمون من الأحساء، وقد صعدته فألفيته دربا سهل المرتقى، إلا أن معالمه تكاد تختفي، وفي أعلا الطريق بوابة مصفوفة بحجر (دروازة) ويطل من جهته الشرقية على شعيبي المعاضد والحنشل.

- درب عجلان في نعام: وعر المسلك تصعده المطايا من جانب الجبل حتى تعتلي قمته، وتنزل منه، حيث يبدأ من الشرق، ويعود شمالا، وقد رصف بالحجارة الكبيرة، وصفت أحجاره الجانبية بنظام واحد، في سلسلة من التعرجات، حتى ينتهي محاذيا مجاذيب سيل شعيب لصاد في مكان يقال له: الطخة، وعلى ظهرة السلامية، ورجوم تهدي سالكيه ترى من بعيد، ومذيلات حجرية، وحبال، وربما كان هذا الدرب في العصر الجاهلي وما قبله.

وممن سلك هذا الطريق - عابرا - من المشاهير:

- جحدر اليمامي حينما تحصن بهضبة علية، وقال فيه أوس بن حجر يستعدي النعمان:

زعم ابن سلمى في مرارة أنه مولي السواقط دون آل المنذر منع اليمامة حزنها وسهولها من كل ذي تاج كريم المفخر - الشاعر الأمير جعيثن اليزيدي سكن نعاما، ومدح الأمير أجود بن زامل (ت927هـ) بقوله:

فيا ناق من وادي نعام تقللي وارجي لك التوفيق ضد الشدايد فسيري وبالك لذة النوم والكرى ولو عاد من صعب الأخطار الجدايد - والأمير سيف الدين تنكز نائب الشام (ت741هـ)، لأن مقولته في وادي نعام تدل على سلوكه هذا الطريق حاجا أو متجرا وعلى معرفته به، ومدى تحصينه.

- كما سلكه الأمير الجبري منيع بن سالم ممدوح الشاعر راشد الخلاوي، ومر على نعام قافلا من الحج. وكذلك الشريف حسن أبانمي، وتوجه إلى فارعة أقصى بلاد نجد، وتوفي بها لليلة الخميس ثالثة شهر جمادى الآخرة 1010هـ. كما سلكه الشاعر مسلط الرعوجي الذي رثاه محسن الهزاني، وجبارة الشريف من شعراء القرن الثاني عشر الهجري، ومن قوله يمدح زيد بن زامل أمير الدلم:

إلى قلت هل الما على دار عامر تحدر على وادي بريك مخايله كما سلك الطريق الشيخ قاسم بن ثاني آل ثاني حاكم قطر، حين حج في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري، ونزل على أمير الحريق - آنذاك - محماس الهزاني، وحج في ضيافة الشيخ ابن ثاني عدد كثير من الحجاج.

أدلاء ومساعدون لكل مكان أهله وساكنوه ومن يعرف الطرق والمسالك، وحيث إن الصحارى مفاوز، ومهالك؛ فيها السهل والوعر، والآمن والمروع، فلا بد لسالكها ومجتازها من دليل وخريت يهدي السالكين ويجنبهم المخاطر، وقالوا في المثل الشعبي: «كل طريق له دليله»، وحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة استأجر عبد الله بن أبي أريقط هاديا خريتا، أي: الماهر بالهداية.. يدلهم الطريق، ويختصره لهم، ليغيب عن أنظار قريش، ومن ذلك ما قاله اللص المحاربي، وهو يلتمس الحجاج في حرة سوأداء تسمى «الحلمة» في طرفها الشرقي الجنوبي ماء يدعى الخوارة؛ يقول في أرجوزة له:

نلتمس الطراق وقت العتمة وللسباع وهج وهمهمة في مهمة يجيزه من علمه ونهتدي فيه برأس الحلمة وما الاستعانة بالأدلاء والرفاق إلا سنة العابرين والمتنقلين من بلد لآخر، ويسمى من يدل حاج نجد بـ«دليلة الحاج»، ويسمى كذلك «العراف»، أي يعرف الطريق.

وممن عرف من الأدلاء لهذا الطريق:

حمد بن مرزوق القحطاني، وفلاح بن جلال العصيمي، وعجب بن عايض آل نايفة القحطاني، والأخير كان الأطفال حينما يبصرونه قافلا من الحج يرددون كلمات وأغاني، منها: «يا عجب رد الركايب صوب خلي»، لأن له دورا كبيرا في الحج، فهو دليل الحجاج، ومبشر ذويهم ومحبيهم، وهو آخر الأدلاء لهذا الطريق، وآخر حجة سار بها دليلا عام 1369هـ وبعدها جاء عهد السيارات. وعليه، فقد ختم بعجب أدلاء هذا الطريق، وكانت وفاته بعد السبعينات الهجرية من هذا القرن، وكان يتناوب مع فلاح بن جلال العصيمي أو يجتمعان في حال كثرة الحجاج. وحمود بن ناصر الهزاني هو من أمراء الحج، يذكر بحبه للخير وكثرة حجه بيت الله الحرام، وعبد الرحمن بن سعد بن عيسى حين الحاجة إليه.

ويسير الأدلاء مسترشدين في النهار بالجبال والخشوم والرجوم، واتجاه الريح والشمس، ويدلجون في الليل مهتدين بالنجوم والأفلاك، والكواكب.

ويشترط في أدلاء الحج، ومن يتقدم قوافل الحجيج صفات منها: الدين والأمانة لمعرفة مواقيت الصلاة دخولا وخروجا، ومعرفة الأبراج والنجوم، والشجاعة والفصاحة ومعرفة عادات وسلوم القبائل، ومعرفة العلامات من خشوم وتلال ورجوم ونحوها، ومعرفة موارد المياه والآبار التي يسقى منها، ودلالتها على المياه، أو الطرق، أو القبور. ويلحق بالأدلاء ما يعرف عند أهل نجد بالألقاب التالية:

- الرفق: وهو من يرافق السابلة (القافلة) في البرية، لإجازتها من القبيلة لقاء أجر معلوم، أي ما يقابل معنى «خفير» في الفصحى، ومن ذلك قولهم: رفقها مري، أي يرافقها من بني مرة المشهورين باقتفاء الأثر ومعرفته. وربما خرجت الخبرة دون رفق فتلتحق حين الحاجة بحملة أخرى كما التحق حجاج أهل الحوطة بحملة حاج القويعية عام 1332هـ.

- خوي الجنب: وهو من يسير مع القافلة ويدفع مصاريف الأكل والشرب، وهو على دابته.

- السواق: وهو من يرافق بعير المحامل عندما يثور، ويجنبه الوعر والشجر، ويرفق به مع الحصى والعثر، وربما كان من المحارم.

- الخويا، والقناصة.

الوصية بالحج.. ومقدارها يستعد الحاج للحج استعدادا كاملا بكل احتياجاته؛ من جمع المال، والمتاع، والدابة، وإدارة شؤون بيته الداخلية كالوصاية على أهله وحوجهم، والوكالة على أعماله التجارية ونحوها، فلذا كثرت الوصايا قبل أشهر الحج بصيغة الوصية الشرعية.

واختلفت قيمة الحجة من زمن لآخر، نظرا لظروف الحج الأمنية، وما أصاب الجزيرة من قحط وجدب، وما تبعهما في ارتفاع الأسعار لما يحتاج الحاج إليه، وتتراوح قيمة الحجة بين العشرة ريالات ومائتي ريال في حدود القرن الرابع عشر الهجري، وذكر للمؤلف الشيخ راشد بن حمد آل هملان (ت1426هـ) أن أول حجة له عام 1352هـ كانت «بقيمة ثمانية فرانسة، وقد تكفل بها جدي: راشد بن محمد الدريس محبة في العلم وأهله».

وأما ما قبل ذلك، فقد دلت عليه فتوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي أرسلها إلى تلميذه الشيخ سعيد بن حجي، والتي كان نصها: «أما الرجل الذي مات عندكم وهو فقير ساقط عنه الحج في حياته، وعند موته حصل له ثمانية حمران من ناس يعلمهم القرآن وقال اجعلوها لي في حجة، وله ورثة. فنقول: تكون الحمران بين الورثة».

ويجتمع الحجاج جماعات، كل مجموعة تسمى «خبرة»، وهي الجماعة في السفر يشتركون في الطعام والشراب من نفقة ذلك موزعة عليهم. ومتى اجتمع للحج عشر خبر، وصار عددهم يقارب المائة حاج، أمروا عليهم أميرا من أهل البلد في الحريق، ويلتحق بهم حجاج من خارج مناطقهم، ويسمى بأمير حاج الحريق «البلد»، ومن جملة أمراء حاج الحريق ممن ذكر من خلال قصص الحجاج أو أشعارهم، ما يلي: مشاري بن عثمان الهزاني، شقيق الشاعر محسن، وحمود بن ناصر الهزاني، وسعود بن محماس الهزاني «ت1397 هـ»، وتركي بن رشيد الهزاني «ت1373هـ»، وناصر بن محمد الهزاني «ت1407هـ»، ورشيد بن تركي الهزاني «ت1418هـ».

وفي ما يتعلق بزمن خروج الحاج وعودته، أوضح المؤلف الدريس أنه بعد عيد الفطر بيوم أو يومين، يبدأ الحجاج خروجهم للحج، ولمغادرة الحجاج مناسبة تدخل في تاريخ مواليدهم، ومواعيدهم، مما يقال في بعض الوثائق من حلول أجل الدين، أو قضائه، أو بداية نجومه أي: أقساطه بقولهم: «عند تثويرة الحاج»، أو «وقت الفطر»، وكذلك يقال: «عند نكوفة الحاج»، في العشر الأول من محرم، وربما عبر أهل الحريق وما يتبع طريقها من القرى الشرقية عنها بقولهم في ابتداء الرحلة: «المسناد»، وفي عودتها «النكوفة».

وأما مكان تثوير حجاج الحريق فهو في الباطن، وأحيانا عند سرحة ابن سبهان عن باطن الحريق غربا، وهي على طريق ريع الأيسر، وعند عودة الحجاج اعتاد أهل نجد بعد أداء الحج للمرة الأولى بأمان أن يولموا له في موسم الحج بمكة المكرمة وليمة، ويسمونها وليمة السلابة.

وقد حدد الشاعر محسن الهزاني مدة الرحلة بين 18 يوما إلى 20 يوما، فأقصاها عشرون يوما، وهي تتفق مع غالب الروايات الشفهية ممن تحدث من كبار السن الذين حجوا من هذا الطريق، وربما زادت أو نقصت حسب الرغبة أو الرهبة، أو العقبى على الدابة، أو لسفرهم وزيارتهم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

مؤن ومحطات ويحدد المؤلف في تناوله كيفية الرحلة ومحطاتها عددا من النقاط من خلال التوافد والاجتماع والتنظيم؛ حيث يجتمع حجاج أهل الخرج وأهل الحوطة والحلوة ونعام والمفيجر بطريقة منظمة يسيرون عليها، ويتجهون مصعدين «مسندين» نحو بلد الحريق، وفي اجتماعهم هذا قوة وتعاون، وحفظ لهم من الأخطار واللصوص، وينتظرهم حجاج الحريق في الباطن «الوادي الكبير» ويقام هناك سوق أهل الحريق للإبل والغنم تفد إليها البادية ببضائعهم، وأمتعتهم؛ من جمال، وسمن وأقط، وتستعد الحاضرة بمثلها من بضائع بيعا للدواب، ولوازم الحج، أو تأجيرا للعابرين من هذا الطريق في الباطن.

وكذلك الاستعداد بالمؤونة والماء؛ حيث يردون المدي شمالي الباطن، ويسمى مدي الركية، ويروون إبلهم منه ويملأون قربهم، وتستعد القافلة بالماء حتى المورد التالي، كما يستعدون بترحيل الإبل، وربط أمتعتها، ويجعلون للنساء مركبا يسمى المحمل، ويجعلون المقابل له عديلة كي تتوازن الأحمال، وإن كانت إحداهما أثقل من الأخرى زادوا على الخفيفة بعض الأمتعة، ليتعادلا.

واستعدادهم بالطعام قبل بدء الرحلة؛ فقد عرف عند أهل نجد بعض الأطعمة التي يعدونها للأسفار، حيث لا تتأثر بالأجواء وتتحمل ولا تتعفن، من ذلك نوعان من التمر؛ الأول: الشعثا: وهو تمر يعبك، ويبعد نواه ثم يخلط بدقيق الأقط، ويوضع عليه السمن ويسخن بالماء. والنوع الثاني من طعامهم في السفر: التمر المصمل وهو نوع من التمر المشبس في الشمس، كما يعملون من الطحين على النار، المجمور.

كما أن هناك دورا لطلبة العلم والمشايخ: حيث يصحب الرحلة طلبة علم ومشايخ، يعلمونهم، ويصلون بهم، ويبصرونهم بأمور دينهم، وما يستجد عليهم من إشكالات كمسائل الطهارة، والمسح على الخفين، وتغسيل الميت وتكفينه، وغير ذلك.. ومن طلبة العلم أولئك:

- الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم الشتري (ت1271هـ)، وفي حديث رفاقه عنه: كان مرشدا ومعلما لهم، كما عرف بالشجاعة حين تعرضهم لقطاع الطرق آنذاك، وهو ممن مات في نجد قافلا من الحج بعدما أدى فريضة الإسلام، وعمره قد قارب العشرين.

- الشيخ عبد اللطيف بن سعود آل عجلان (ت 1387هـ).

- الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عجلان (ت 1415هـ).

- الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود (ت 1426هـ) وكان ممن يعرف طريق الحاج.

- الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، إمام مسجد السميري، رافق خبرة من أهل الحريق للحج في رحلة تعد من أخريات حملات الحج على الركايب عام 1369هـ.

وكان الحجاج قديما ينسخون المناسك، ويحملونها معهم كي يقرأوها، ويطالعوها في أثناء تأدية مناسك الحج، ومما وقفت عليه منسك آخر في المنطقة، وقف كتبه أحمد بن ناصر بن محمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الحنبلي النجدي. ولقد اعتنى الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - بهذا الشأن فطبعت مناسك كثيرة على نفقته، من أقدمها منسك: جد الشيخ محمد الشيخ سليمان بن علي - رحمه الله - عام 1351هـ.

أما ما ورد من فتاوى ومراسلات عن الحج وأحكامه بين أهل العلم، فأوضح الباحث الدريس بأنه، ومن خلال اطلاعه على الوثائق والمخطوطات، لفت نظره كثرة الوصايا بالحج والعمرة، وخصوصا تنفيذ وصية أحد طلبة العلم بالحج والعمرة والتداول فيها، ومما وقف عليه مراسلة الشيخ عبد الله بن عون للشيخ سعد العجيري بشأن الوصية بالحج، ومراسلة الشيخ عبد الله بن عون للشيخ جمعان بن ناصر بشأن شرح الاستطاعة الواردة في كتاب «زاد المستقنع» للحجاوي، وجواب الشيخ سعيد بن حجي للشيخ حسين بن فرج بشأن الوصية بالحج. كما أن من تنظيمات الحج قديما وضع شفرات، وكلمات يتنادى بها أفراد الحملة أو الخبرة، وتقال عادة في: النزول، والارتحال، والبحث عن الضائع، أو المتأخرين، وهذا ما يسمونه بالتنويه أو «النبهة»، أو المنادى إذا ساروا مسافة محددة، أوحلوا أو ارتحلوا، أو قفلوا من الحج؛ ينوهون بالحاج، بكلمة تعارفوا عليها، ويرددها أفراد الحملة كي يعرفوا المفقود منهم، وتلحّن هذه الكلمة بطريقة الحداء بحيث تعطي بعض الحروف عدة حركات، ويتناوب على التصويت اثنان، ويبدأ التنبيه عند اجتماع الحملة، كما تقال في موسم الحج في منى، وعرفات. وعرف لأهل الحريق ونعام والمفيجر كلمة: «يا مرحوم»، ولأهل حوطة بني تميم: «يا حمّاد»، ولأهل الحلة: «ياهل العليمي»، ولأهل الحلوة «ياهل المرتمي»، ولأهل الخرج «يا عثمان»، ولأهل الأفلاج «يا ثابان». كما ينصب «بيرق» لمتقدمي ركب الحجيج علامة للبعيد، ولمن لا يسمع النداء، بصورة متعارف عليها، فكان لأهل هذا الطريق البيرق الأخضر، أو قماش أبيض حوافه حمر.

وبخصوص استراحات الحاج، يسير الحجاج في طريقهم للحج، وينزلون نزولين:

الأول: الضحى، في مكان مناسب لهم ولدوابهم، ويسمى «المُضَحَّى».. تقف القافلة لتجهيز القهوة، والغداء، ويتوافد القناصة بما معهم من الصيد: من الغزلان، والطيور.. وإن أدركتهم الصلاة صلوا الظهر والعصر جمع تقديم، أو أخروها حسب مسيرهم، وغالبا يكون مضحاهم عند مورد ليعوضوا ما فقدوا من الماء في الطريق، ويجهزوا منه طعامهم، ويستعدوا به للوضوء وغيره.. تلك هي حالهم.

النزول الثاني: وقت العشاء، ويسمى «المعشَّي»، ترتاح فيه القافلة، وتؤدي الصلاة إن أخرت، وترد الماء، وتتزود منه، وربما واصلت القافلة رحلتها ليلا تبعا لقرب المسافة إلى المورد التالي من بعدها، أو لجودة المرعى حسب حاجتها، ويسمى سيرها ليلا بـ«المسرى».

وبخصوص التناوب في ركوب الإبل، ونظرا لقلة ذات اليد، ربما يتعاقب الرجلان على الدابة، فيحج أحدهم على عقبة فلان، أو يحتاج إلى بيع بعير في موسم الحج بمكة المكرمة ويعودون على عقبة، وذكر الباحث الدريس نقلا عن والده بأن جده راشد «باع بعيرا له في مكة، وجعل لرجل من أهل الحريق في المسناد له عليه عقبة، ولما نكفوا أعطى صاحب العقبة ريالين، ورجع جدي مع خبرة أهل الحريق، وكانوا يحتاجون للتعاقب على الإبل في حال مرضها، وما شابه ذلك».

ويمثل الحداء على ظهور الإبل أحد الأشعار التي تنشد وتغنى على ظهور الإبل أثناء السير، وهو من عادة العرب قديما، ومن المشهور قول بعض الحداة وهو الجعدي:

بشرها دليلها وقالا غدا ترين الطلح والجبالا وفي رحلة الحج يحدي بها، لطرد السأم والملل قبل الإقبال على مواقيت الحج، وبعد إتمام مناسك الحج، وتقال أيضا حين يطول الطريق، فتخف الإبل مع الحادي، وتلين في القياد، كما قال كثير عزة:

ولما قضينا من منى كل حاجة ومسّح بالأركان من هو ماسح وشدّت على حدب المهاري رحالنا ولم ينظر الغادي الذي هو رائح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح ومن لطيف ما رأى الباحث مخطوطة لـ«لامية ابن القيم» - رحمه الله - التي تحدث فيها عن الحج بمشاعر روحية وجدت في الحريق.

نقل الحجاج بالحمل والإكراء نظرا لمرور الكثير من الطرق التجارية عبر ولاية اليمامة، فقد عمل الناس بتأجير وإكراء الرواحل لنقل الحجاج، والبضائع عبر طرق اليمامة المختلفة، وقامت بها واشتهرت نجد. وبوب أبو داود في «أبواب الحج»، فقال: «باب الكرى»، وساق الحديث التالي: «قال أبو مامة: كنت رجلا أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناسا يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى. قال: فإن لك حجا، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني عنه فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية: (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم)، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية وقال: (لك حج)» رواه أبو داود وغيره.

ولما أرادت زوجة الفرزدق «النوّار» ظهر بعير ليحملها إلى عبد الله بن الزبير لم تجد من يكريها خوفا من هجاء الفرزدق، ولم يستجب لها إلا رجل من بني عدي ويقال لهم بنو أم النسير فقال فيه الفرزدق:

أطاعت بني أم النسير فأصبحت على قتب يعلو الفلاة دليلها وإن امرأ أمسى يخبب زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وعرف هذا العمل في ما بعد بـ«الجمالة».. والجمَّال: من يحمل الحجاج والتجار على الإبل من مكان إلى مكة المكرمة، ويقال للمجموعة «الجماميل»، ومن أشهر من عرف بها من المؤرخين الهمداني «ت344هـ»، ونص على ذلك بقوله: «وكنت أنظر إلى التجار إذا حملناهم إلى مكة من صعدة».

والجماميل حسب القرى العابرة هذا الطريق على النحو التالي:

- من أهل الحريق: «حسين السبر، إبراهيم بن حبجر، ناصر الحوطي، عشوان بن زيد بن عشوان، عم الوالد سعد بن محمد بن دريس، محمد بن عيد الحيان، حمد بن زيد بن عشوان، عبد الله بن عويمر، زيد بن منصور، عبد الرحمن بن سعد بن عيسى، راشد بن شليل، ابن هزاع».

- ومن أهل المفيجر عرف اثنان: السريبي وابن نصير، ومن أهل نعام آل جبر، وراشد بن قنيعان، وآل مزيعل، وعبد الرحمن أبو رشيد، وعبد العزيز السعيدي.

- ومن حوطة بني تميم «الحلة»: آل سرحان، والصرامي، وآل غنام، والصقاهي، وآل شمران، ومن أهل الحلوة: آل معدي، وآل شديد، وابن داكان، وآل خريف.

- ومن أهل الخرج: ابن خنين، وابن سليطين.

وقد ورد من إحصاءات عن عدد الجمال في طريق حاج اليمامة في منتصف القرن الرابع عشر الهجري عند لوريمر وابن عيسى ما يلي: في الدلم 600 جمل، والسلمية 200 جمل، والعذار 40 جملا، واليمامة 300 جمل، بمجموع 1140 جملا، بينما مجموع الجمال في حوطة بني تميم والحريق 1300 جملا؛ ففي حوطة بني تميم 500 جمل، والحلوة 300 جمل، والحريق 500 جمل، ومما نتج عن ذلك عبر وسائل النقل والإكراء انتقال صادرات اليمامة إلى الحجاز، ومن أهمها: التمور، والقمح وأجودها الحنطة، وهي المعروفة ببيضاء اليمامة، وقد عرضت في أسواق مكة والمدينة في عهد هارون الرشيد، وقصة الصحابي ثمامة بن أثال واضحة في ذلك.

موارد ومبشرون بقدوم الحجاج ولا بد للحاج من التزود بكل ما يحتاج إليه في رحلته الشاقة عبر صحراء نجد الحارة والمفازة المهلكة من الراحلة أو أجرتها، ثم يهيئ له الزاد الوقاء، والكساء والغطاء فلربما جمع ما يلزمه من عام متى أراد الحج أو نواه، لأن الحج يتطلب نفقات كثيرة، ويخصصون لهم بعيرا قويا يحمِّلونه حاجتهم من قرب للماء، وأرشيه ودلاء، ومحشة، ومجردة، وبنادق، وحبال، إضافة إلى أن كل حاج له أغراضه الخاصة به على بعيره، ويعتمد على نفسه في حال السعة، كما قيل: «كل زهابه على جنب بعيره»، ويسيرون على جواد الإبل، ثم إن الحجاج يرتبطون بالمناهل التي يردونها، وتعرف المناهل وموارد المياه والعدود بجوادها المطروقة، ودروبها اللاحبة؛ فهي موصلة للماء، وقالوا في الأمثال: «يدلك على الما جوادّه»، وكذلك كثرة السوارح، أي أذواد الإبل، وفرق الغنم، من قولهم: «يدلك على العِدّ كثرة سوارحه»، وأماكن المياه والموارد من حيث تضاريسها مستقرة في الأذهان، فمظان وجودها الأودية حيث تجتمع المياه عقب الأمطار والسيول، ولذا قالوا: «احدر وادي وتلقى رِسّ»، أي ماء، ويروى بصيغة أخرى: «من حدر شعيب لقى رِسّ»، والعدود والمياه التي يردها حاج هذا الطريق كثيرة، وليست دائمة؛ فربما تزيد في عام دون آخر متأثرة بالأمطار والسيول، فكثيرا ما يصل الحاج لمورد فيجده جافا، أو يجده بعيد المنزع فيحتال كي يستخرج الماء، وربما آثر الصغار من الضعفة والمساكين، أو الحيوان، كما قال القحيف العقيلي، وهو ممن سكن هذا الوادي:

وماء قد وردت على جباه حمام حائم وقطا وقوع جعلت عمامتي صلة لدلوي إليه حين لم ترد النسوع لأسقي فتية ومنقبات أضر بنقيها سفر وجيع وللحجاج مبشرون بقدومهم، ويكون المبشر ضمن الحجاج، كل خبرة يتقدمهم مبشر منهم: يعلم أهل خبرته، وذويهم، وغالبا يكون على ناقة مخف، أو يكون خفيفا، من الأعباء والحمولات، يبشر أهل البلد بوصول الحجاج، وسلامتهم، في حين يتريح بقية الحجاج حتى يستعد للقائهم، وربما تجمعوا عند الدراويز، أو في مصلى العيد، أو السوق أو مكان تثوير الحجاج نفسه، في مكان يتواعدون فيه، ولك أن تتساءل عن مدى فرحتهم بغائب تركهم أربعة أشهر لا يدرى عنه حتى يسمع صوت المبشر بعبارتهم المشهورة حين يرددون: «ابشروا بالحاج.. وصلوا»، وربما يعطي المبشر بشارته مقابل هذا العمل، أو يحظى بدعوة من شيخ آيس من عودة من يحب، فيفرح المبشر بها ويسعد، ويؤمن على دعواته. وقد عرف من المبشرين من أهل الحريق، والمفيجر كل من: عجب بن نايفة القحطاني، وعجب بن دليبيح القحطاني، وناصر بن عبد الله بن حيدر، وأبو زيد ابن هزاع، والمغيربي من أهل نعام يبشر أهل المفيجر، ونعام، وعبد العزيز بن سليمان بن شليل ويعرف بـ«غباش».

ومن عادة الحجاج جلب بعض الهدايا من الحجاز لأهلهم وأقاربهم مثل الجوخة: وهي قماش أحمر، يلبسها الفرسان في المعارك، والأراك «السواك» والمكسرات والحلويات القديمة، ومنها: القريض، وحلاوى ملبّس وحلاوى برميت، وأواني الشرب، الطيس الصغار (الغضار أم كوير)، وبعض الأعشاب النادرة التي تباع في الحجاز، وصفارة خشب صغيرة للأطفال، ومن ذلك قولهم في المثل: «زمَّر ولدك»، قيلت حينما طلب أحد الموصين من الحاج زمارة لولده بمبلغ مقدم، لأن الغالب سداد المبلغ بعد عودة الحاج، وأجراس مصنوعة من المعدن، ومزنط مثل القلادة للفتيات، وحواجز خواتم من الرصاص، وورق الحنا، ومعاضد زجاج تلبس في المعصم تقدم كهدايا «صوغة» للفتيات والأطفال على حد السواء، وطاقية زري، وثوب أصفر يسمى ثوب لاس.

وحدد الباحث عددا من النقاط في ما يتعلق بطريق حاج اليمامة موضحا أن ثمة أسبابا أدت لغيابه وخفائه واندراسه فترات متقطعة، من أهمها: فقدان تاريخ ووصف طريق الحج من حجاج نجد أو خارجها، إضافة إلى بعد زمنه، وقلة الذاكرين لأحداثه بالتفصيل، حيث إن آخر أحداثه بداية السبعينات الهجرية، أي من نحو ستين عاما فيكون من أدركه من الأحياء ناف على الثمانين عاما، كما أن هذا الطريق طريق تجاري لنقل البضائع، ولم يكن طريقا للحج إلا في الربيع وجودة موارده ومناهله، وفي حال جدب مياهه يعدل عنه سالكوه، ولعل غياب هذا الطريق كان في القرن الرابع الهجري من خلال عبارة الهمداني إذ لم يشر له إلا في طيب مائه، وقلة النشاط الاقتصادي والأسواق التجارية، ووقوعه في دروب وعرة، مقارنة بفلج اليمامة التي توجه لها قافلا من الحج الرحالة ناصر خسرو (ت481 هـ) ومنها اتجه للأحساء عبر اليمامة ثم البصرة.

وشدد الباحث على أن هذا الطريق قبل القرن العاشر الهجري، كان مسلوكا وآمنا، ولا يعني شيئا عدم التنصيص عليه من قبل الدولة العثمانية في وثيقة 981هـ لاحتمال دخوله في حماية بعض أمراء تلك البلدان (الدلم، الدرعية، ملهم، والسلمية)، كما أن الدولة السعودية الأولى أمرت كل أمير من أمراء الحج أن لا يسير بركب من أي ناحية أتى إلا ويمر من الدرعية ذهابا وإيابا.

وفي طور إعداد الدراسة والتحقيق، توصل الباحث لجملة من الفوائد والثمرات، منها: انتشار المذاهب الفقهية، وأن من ذلك الطريق وبسببه، تلاحقت المذاهب والآراء ووجدت المذاهب في بلد الحريق خاصة، ووقف الباحث على مخطوطة في أصول المنطق، وهي شرح على نظم الموجهات، للمؤلف «الفقير إلى الله أحمد المجيري»، دون تاريخ، وهي ضمن الفنون المحظور تداولها في نجد. ولقاء العلماء في الحملات أو في الحرمين الشريفين، ومن ذلك لقاء البهوتي صاحب «شرح الإمتاع» مع الشيخ سليمان بن علي عام 1049هـ، وكشفت الدراسة عن قدم المنطقة «الحريق» وأنها مشهورة في الجاهلية، والإسلام، ولعل مما أشهرها تحصينها، ونفاذ الدروب والمسالك من أوديتها، وجبالها، وهذه من أشهر الميزات، ولذا وردت في الشعر الذي وصلنا.

كما أن هذا الطريق يسلك أحيانا، ويترك أحايين أخرى لظروف سياسية أو أمنية، كما يهجر لقلة الموارد والمياه التابعة للأمطار والسيول، وسني المجاعات والقحط.

كما أن موارد المياه، ومستراح حاج نجد يشوبها كثير من اللبس والخلط بين وارديها من حاج اليمامة، وحاج حجر اليمامة.

ولم ينس الباحث الإشارة إلى حرص الملك عبد العزيز على أداء فريضة الحج لعموم المسلمين وتخفيف المؤونة عنهم من خلال إلغاء الضرائب عام 1344هـ.